فريق جمال يعزز دوره برد الاعتبار للعائلات
حكومة نظيف : هل هي quot;مجلس إدارة مصرquot;

تحقيق يكتبه نبيل شرف الدين : بعد طول ترقب، ووسط أجواء ارتباك اكتنفت ملابسات تشكيل الوزارة الجديدة، خرجت حكومة نظيف الثانية التي تشير القراءة التحليلية لتشكيلها وما أنيط إليهم من مهام، إلى أنها أقرب لما يمكن وصفه بتعبير quot;مجلس إدارة مصرquot;، بالنظر إلى أن معظم الوجوه الجديدة هم من رجال الأعمال الناجحين فعلاً في إدارة شركات كبيرة يمتلكونها، أو يسهمون فيها بالقسط الأكبر، وهو ما يعني أن حقبة quot;استوزارquot; الموظفين القادمين من دهاليز الحكومة ودواوينها، أو التكنوقراط المرابطين في أبراجهم الأكاديمية العالية، قد ولت أو في رمقها الأخير، لكن مقابل ما يتوقع من إيجابيات لهذا التوجه، وما يبشر به المتفائلون من تحول في الأداء العام على يد quot;مجلس إدارة مصرquot; الجديد، غير أن ذلك الأمل يظل مرهوناً بعدة عوامل، يتعلق بعضها بمدى مهارة أعضاء المجلس في مواجهة تقاليد البيروقراطية العتيدة، ومدى صلابتهم أو بالأحرى قدرتهم، على التصدي للفساد والترهل وتدني الكفاءة وافتقاد الشفافية، وغيرها من الأمراض المزمنة التي تنشب مخالبها وأنيابها في كافة مفاصل الجهاز الإداري للدولة .

ـ وهناك أيضاً مأخذ آخر على هذا التوجه، وهو أن التشكيل الجديد quot;منزوع الدسم السياسيquot;، فكل الوجوه الجديدة لم يعرف عن أي منهم اهتمام سابق بالعمل السياسي، بل انحصرت علاقتهم بالسياسة في اعتلاء quot;رافعة السلطة الجديدةquot;، المعروفة بلجنة السياسات في الحزب الوطني، بعد أن حازوا ثقة مركز صناعة القرار بها، دون اشتباك سابق مع الشارع السياسي بمعناه التقليدي، ممثلاً في الأحزاب السياسية وجماعات الضغط ومؤسسات العمل العام وغيرها من الكيانات التي تبدو مفككة متشرذمة، وتعاني حزمة من الأمراض المزمنة، كما تواجه تلالاً من التحديات الداخلية ربما لا نبالغ إذا اعتبرناها لا تقل عن تلك التي تواجهها quot;مؤسسة المعارضةquot; وبقية القوى غير الحكومية مع النظام الحاكم .

ـ كما تحمل هذه الخيارات دلالات على توجه سياسي تقليدي يبدو أنه لن يتغير في عهد مبارك الأب، وهو الفصل بين الإصلاح السياسي والاقتصادي، مما يعيدنا مجدداً إلى نظرية quot;مجلس إدارة مصرquot;، حيث بدا من الإبقاء على كافة حقائب الوزارية السيادية دون تغيير، واستمرار وزراء المجموعة الاقتصادية ومنح هذا الفريق فرصته كاملة لينجز خططه الرامية إلى الإصلاح الاقتصادي، وتحسين فرص الاستثمار، ومواجهة البطالة، كما يعدون بذلك في خطابهم الرسمي المتكرر .

ـ من اللافت أيضاً أن الوزارة الجديدة تشمل مزيداً من الأسماء الشابة القريبة من quot;لجنة السياساتquot; التي يرأسها جمال مبارك، مما يشير إلى أن من اصطلح على تسميته quot;فريق الإصلاحيينquot; يواصل زحفه الحثيث على مفاصل السلطة التنفيذية، ليرتفع بذلك رصيد جمال مبارك إلى نحو 15 حقيبة يدين حاملوها بولاء تام لشخصه .

ـ كما حقق أيضاً من خلال هذه الحكومة الجديدة quot;فريق جمال مباركquot; انتصاراً ملموساً على الحرس القديم، وتعاظمت صلاحيات وزارتين هما : وزارة المالية التي يرأسها يوسف بطرس غالي، ووزارة التجارة والصناعة التي يرأسها رشيد محمد رشيد، وكلاهما من المحسوبين بشدة على فريق مبارك الابن الذي يتنامى دوره بشكل لم يعد خافياً، على الرغم من بقائه حتى هذه اللحظة ـ على الأقل ـ قابعاً خلف كواليس الحزب الحاكم، وبعيداً عن الساحة التنفيذية رسمياً .

أولاد الناس
ومقابل عدم التغيير بأيّ من حقائب quot;الوزارات السياديةquot;، فإن حكومة نظيف الثانية ضمت عدداً من رجال الأعمال المرموقين، فمثلاً وزير السياحة الجديد زهير جرانه يمتلك وأسرته شركة سياحة كبري وعدة فنادق، ووزير النقل محمد منصور هو وكيل عدة شركات أبرزها quot;جنرال موتوزquot; في مصر، ووزير الصحة حاتم الجبلي يمتلك كبرى المستشفيات الاستثمارية في مصر وهي quot;دار الفؤادquot;، ووزير الزراعة أمين أباظة أبرز مصدري القطن المصري، وظل رئيساً لاتحاد مصدري القطن حتى العام الماضي .

وفضلاً عن كونهم من رجال الأعمال البارزين، فإن من أبرز سمات الشخصيات التي التحقت للمرة الأولى بهذه الحكومة، أنهم أبناء أسر مصرية معروفة، كما أن بعضاً منهم أبناء لوزراء سابقينrlm;,rlm; فمثلاً وزير السياحة الجديد زهير جرانة، هو حفيد زهير جرانة باشا الوزير الأسبق في عهد الملك فاروقrlm;,rlm; ووزير الصحة حاتم الجبلي، هو ابن وزير الزراعة الأسبق مصطفى الجبليrlm;,rlm; وأمين أباظة وزير الزراعةrlm;، هو سليل quot;الأسرة الأباظيةquot; الشهيرة التي قدمت عدة شخصيات مرموقة في السياسة والفن والأدب خلال تاريخ مصر المعاصر .

ويذهب مراقبون إلى أن هذا التوجه يشكل quot;رد اعتبارquot; للعائلات المصرية العريقة، كما يفتح الطريق أيضاً أمام عائلات جديدة تمكنت من جمع ثروات ضخمة خلال ربع القرن المنصرم، حيث يضم quot;مجلس إدارة مصرquot; الجديد أبناء ثماني عائلات عريقة، تأتي في مقدمتها عائلات أباظة ومحيي الدين وغالي القبطية .

عودة العائلات
ونبدأ بعائلة quot;أباظةquot; العريقة، التي قدمت عدة مشاهير من الأدباء والساسة منذ العهد الملكي حتى الآن، وظلت على صلة بالسلطة ودوائرها بعد الثورة، التي كان أحد أبرز قادتها quot;ضابط أباظيquot; شهير هو وجيه أباظة، كان هناك أيضاً الروائي الراحل ثروت أباظة الذي شغل عدة مناصب رسمية آخرها وكيل مجلس الشورى، وهو بدوره ابن دسوقي باشا أباظة الذي شغل عدة حقائب وزارية منها المواصلات والخارجية على مدى عشر حكومات متعاقبة، ومن ثم وكما فإن الأباظية ظلوا يتنفسون السياسة مع الهواء، ويتعاطون الأدب والفن مع طبق quot;العدس الأباظيquot; الذي تباهي به العائلة في مسقط رأسها بالشرقية بوصفه أحد منتجاتها الفريدة .

وظلت العائلة الأباظية ممثلة في الحكومة على مدى نحو عقدين بوزير وحيد هو وزير الكهرباء الأسبق ماهر أباظة، لكنها استعادت مجدها السياسي مجددا خلال الشهور الماضية من خلال صعود اثنين من أبنائها، وهما الشقيقان محمود وأمين أباظة، فبينما انتزع الأول مقعده النيابي في الانتخابات البرلمانية الأخيرة من فم الأسد، وبعد معركة طاحنة في مواجهة شقيق الدكتور زكريا عزمي رئيس ديوان رئيس الجمهورية، ثم عزز هذا الفوز المستحق لاحقاً بنجاحه في رئاسة الهيئة البرلمانية لحزب الوفد، وذلك بعد معركة لا تقل شراسة عن سابقتها في مواجهة رئيس الحزب الدكتور نعمان جمعة، وليس أخيراً فقد كللت هذا النجاحات الأباظية بحقيبة الزراعة التي كانت من نصيب أمين أباظة شقيق محمود أباظة الأصغر، لتستعيد بذلك العائلة مقعدها الوزاري، الذي ظل شاغراً منذ خروج ماهر أباظة من الحكومة في العام 1999.

ومن محافظة الشرقية مسقط رأس الأباظية إلى القليوبية مسقط رأس عائلة أخرى تكاد تضارعها ليس في العراقة فحسب، بل وفي الانغماس في السياسة والعمل العام، ونقصد بها بالطبع عائلة quot;محيي الدينquot; التي احتفظت بحقيبتها الوزارية التي كان يحملها في حكومة نظيف الأولى ابنها محمود محيي الدين وزير الاستثمار .

وبعد معركة الانتخابات البرلمانية الأخيرة التي وضعت نهاية لا تليق بتاريخ quot;الصاغ الأحمرquot; ورمز اليسار المصري خالد محيي الدين، الذي خسر مقعده النيابي أمام الزاحفين الجدد من جماعة quot;الإخوان المسلمينquot;، وذلك بعد سنوات طويلة فقدت خلالها عائلة quot;محيي الدينquot; تمثيلها في الحكومات المتعاقبة، بعد أن كان أبناؤها ذات يوم في قمة السلطة حين كان أحد أبرز أبنائها وهو فؤاد محيي الدين رئيسا للوزراء في عهد الرئيس الراحل أنور السادات .

ثم تأتي بعد ذلك عائلات quot;الأثرياء الجددquot; ومنها عائلة منصور مثلاً، الذي اختير ابنها محمد لوزارة النقل، ومن المعروف أن العائلة تسيطر منذ أعوام على سوق تجارة السيارات في مصر، وتملك سلسلة توكيلات أشهر السيارات الغربية واليابانية، فضلاً عن سلسلة من أشهر المطاعم الأميركية .

أما عائلة quot;جرانةquot; التي ذهبت حقيبة السياحة إلى أحد أبنائها وهو زهير جرانة، فهي عائلة احترفت السياسة والسياحة معاً، وإن كانت قد توقفت عن الانغماس في الهم السياسي منذ الثورة، غير أنها توسعت في النشاط السياحي من خلال واحدة من كبرى شركات السياحة في مصر، فضلاً عن عدة فنادق وقرى سياحية شهيرة .

وأخيراً وفي الشارع القبطي، فإن quot;البطارسةquot; مازالوا نجوم المشهد، إذ لا يزال يوسف بطرس غالي محتفظاً بحقيبة المالية، بل وتضاعفت صلاحياته أيضاً، كما أنه من المعروف أنه ابن شقيق السياسي المخضرم الدكتور بطرس غالي، السكرتير العام السابق للأمم المتحدة، وأمين مجلس حقوق الإنسان حالياً، وهذا بدوره حفيد أحد أشهر رؤساء وزراء مصر في العهد الملكي، وهو بطرس غالي باشا، الذي اغتيل في واقعة شهيرة إثر اتهامات له بموالاة البريطانيين، وهي التهم التي كانت ولم تزل موضع خلاف بين المؤرخين والساسة .

منهج مبارك
وبعيداً عن قصص العائلات وما تملكه من ثروات، وما ينعقد عليها من آمال وترتيبات، فإن قراءة سريعة لتاريخ التغييرات الوزارية في عهد مبارك تشير إلى عدد من الملامح، ربما كانت مفيدة في استشراف آفاق المستقبل القريب للمشهد السياسي المصري على النحو التالي :

أولاً : أن مبارك هو الأقل بين رؤساء مصر في إجراء التغييرات الوزارية ففي زمن عبد الناصر من (1952 ـ 1970)، شكلت 18وزارة منها 13 لم تكمل عاماً واحداً، ووزارة وحيدة لم تكمل شهرا ووزارتان أكملتا شهرين ونفس العدد أتمتا عامين، وفي زمن السادات الذي استمر 11عاما تألفت 15وزارة، لم تكمل 13منها عاماً واحداً، بينما اتسمت رئاسة مبارك بطول عهد الحكومات نسبياً فقد تألفت اثنتا عشر وزارة على مدى نحو ربع قرن هي مدة حكمه حتى الآن، وقد رأس مبارك شخصياً منها وزارة وحيدة في أعقاب انتخابه رئيسا للجمهورية، وهي الأقصر عمراً حيث لم تستمر سوى شهرين و20 يوماً فقط ، وفي عهده تولى فؤاد محيي الدين الوزارة مرتين في يناير من العام 1982، أما الثانية فكانت في أغسطس من نفس العام، لكنه توفي متأثراً بأزمة قلبية، وبعدها تولى الوزارة كمال حسن علي ومع وزارة علي لطفي، أصبح الاهتمام الأكبر بالقضية الاقتصادية .

ولعله لهذا السبب كان هناك حرص على أن يكون رؤساء الوزراء من أصحاب الخبرات الاقتصادية وأعقبه عاطف صدقي الذي ضرب رقما قياسياً في بقائه رئيساً للحكومة منذ قيام الثورة، حيث استمر في منصبه من أواخر عام 1986 حتى أوائل 1996 لمدة تسع سنوات وشهرين، المرة الأولى كانت في العام 1986 والثانية في أكتوبر من العام 1987، والثالثة في أكتوبر من العام 1993، وأعقبه كمال الجنزوري الذي بدأ مهام عمله في يناير من العام 1996 حتى يناير من العام 1999، حين اختير عاطف عبيد، الذي ترك منصبه في يوليو من العام 2004، حين أصبح أحمد نظيف أصغر الوزراء رئيسا للوزراء للمرة الأولىrlm;,rlm; ليكون بذلك أصغر من رأس الوزارات في عهد مبارك، فنظيف من مواليد العام 1952 .

ثانياً : أن عنصر المفاجأة هو السمة الأساسية في اختيار رؤساء الحكومات، وهو ما حدث مثلاً مع علي لطفي، وتجسد في اختيار عاطف صدقي الذي ظل اسمه سرا لا يعلمه أحد حتى لحظة الإعلان عنه رسمياً، وظل بعيداً حينئذ عن دائرة التكهنات الرائجة إذ كان يشغل منصب رئيس الجنة الاقتصادية في مجلس الشورى، ثم تكرر الأمر مع كمال الجنزوري، وأخيرا عاطف عبيد الذي استبعدته كافة التوقعات حتى آخر لحظة تم الإعلان فيها عن توليه المنصب رسمياً .

ثالثاً : أما الملاحظة الأخيرة اللافتة في هذا السياق، فهي أن معظم التغييرات الوزارية في عهد مبارك لم تخرج عادة عن شهرين في العام وهما : أكتوبر، ويناير، وهو ما حدث مع وزارات عاطف صدقي الثلاثة، بينما تولى الجنزوري المنصب في يناير، وعاطف عبيد في أكتوبر، غير أن تكليف نظيف للمرة الأولى كان في شهر يوليو، خلافاً للقاعدة أو المصادفة لو صح التعبير، ليعاد تكليفه بتشكيل الحكومة في المرة الثانية مع مستهل اليوم الأول من يناير .