أسامة مهدي من لندن: فقدت بريطانيا ومسلموها على الخصوص الشخصية الاسلامية رجل الاعتدال الديني الدكتور زكي بدوي عميد الكلية الاسلامية في لندن رئيس مجلس الائمة والمساجد في بريطانيا عن عمر 83 عاما حيث نعاه ولي العهد البريطاني الامير تشارلز قائلا ان وفاته ضربة فاجعة للبلاد وله شخصيا كما اشادت به عدة منظمات بريطانية اضافة الى دار الافتاء المصرية. وقد عرف بدوي في بريطانيا بأنه رجل التسامح والاعتدال الديني وكان داعية للتفاهم بين الاديان الثلاثة الاسلام والمسيحية واليهودية ودافعا لادماج المسلمين في بريطانيا الذين يصل عددهم الى مليونين ونصف المليون نسمة في المجتمع البريطاني ونشط في هذا المجال بعد تفجيرات لندن في السابع من تموز (يوليو) الماضي التي نفذها شبان مسلمون بريطانيون.
ويعتبر بدوي اول رجل دين مسلم في بريطانيا يؤسس جامعة اسلامية من بين اهتماماتها العلوم التكنولوجية وبعد انتخابه عام 1984 رئيسا لجمعية الائمة والمساجد في بريطانيا عمل على تدريب ائمة المساجد في بريطانيا وحثهم على التحدث باللغة الانكليزية في خطب الجمعة والاحتفالات الدينية داعيا المجتمعات الاسلامية في مختلف المدن البريطانية الى الاندماج في مجتمعها الكبير.
ولد بدوي في مصر عام 1922 وحصل على شهادة الدكتوراه من جامعة الازهر وحصل على الشهادة العالية وهي تعادل ليسانس الآداب ثم نال درجة العالمية (ماجستير) من كلية اللغة العربية والآداب التابعة لجامعة الأزهر عام 1947 وفي العام نفسه تلقى بدوي أول جائزة له من الملك فاروق كأفضل طالب يكمل الدراسات العليا. وبعد سفره في عام 1951 إلى بريطانيا لدراسة علم النفس تحول بدوي إلى عضو نشط وفعّال ضمن جاليتها المسلمة واستطاع الحصول على البكالوريوس من كلية لندن عام 1954 في مجال علم النفس وهي الكلية نفسها التي حصل منها على الدكتوراة في الفكر الإسلامي المعاصر.
وعمل بدوي بالتدريس في عدد من بلدان العالم منها ماليزيا وسنغافورة ونايجيريا ثم عاد ليستقر في لندن عام 1978.. وحين اصبح رئيسا لجمعية الائمة واماما للمسجد الاسلامي الكبير في منطقة (ريجينت بارك) وسط لندن اسس هيئة شرعية اسلامية لارشاد المسلمين في قضاياهم الدينية والحياتية المهمة حتى اطلق عليه quot;مفتي بريطانيا الكبيرquot; . وقد دأب على عقد لقاءات مع المسلمين وخاصة المهاجرين حديثا الى بريطانيا لمساعدتهم على الاندماج في مجتمعهم الجديد محاولا المزاوجة بين تعاليم الاسلام والقوانين البريطانية .. كما فتح حوارا مع رئاسة البنك المركزي البريطاني لتكوين مؤسسات مالية تتعامل مع مسلمي البلاد وفق المبادئ الاسلامية التي تحرم ضرائب البنوك وخاصة عند الحصول على قروض شراء العقارات.
استطاع بدوي ان ينشئ علاقات متينة مع رجال الدين المسيحيين واليهود في بريطانيا وكان ينظم لقاءات مشتركة في دور العبادة التابعة لهذه الاديان هادفا الى مزيد من التفاهم بين الاديان الثلاثة في بريطانيا وفي منطقة الشرق الاوسط ايضا .
وقد اصبح بدوي مستشارا رئيسا لولي العهد البريطاني الامير تشارلز في القضايا الاسلامية وكان يحضر معه مؤتمرات وندوات دينية مختلفة بحيث ربطت هذه النشاطات الرجلين بعلاقات وثيقة . وقد منح بدوي عام 2004 جائزة جمعية علماء الاجتماعيات المسلمين في بريطانيا وكان له تحرك فاعل بعد تفجيرات لندن في تموز مؤكدا ان الاسلام يرفض قتل الابرياء ودعا الى اجتماعات للجمعيات الاسلامية لبحث تداعيات هذه الانفجارات على علاقات المسلمين مع المجتمع البريطاني وطرح مبادئ الاسلام بشكلها الصحيح بعد ان تأكد ان منفذي هذه الانفجارات هم من مسلمي البلاد الغاضبين على السياسات البريطانية في العراق وفلسطين وافغانستان . وكان قد واجه الافكار الاصولية والمتطرفة بعد احداث 11 ايلول (سبتمبر) في نيويورك معتبرا التفجيرات خرقا لمبادئ الاسلام .. وعندما صدرت فتاوى دينية بقتل الكاتب البريطاني الهندي الاصل سلمان رشدي بعد رواية اعتبرت مسيئة للنبي محمد (ص) اتخذ الرجل موقفا شجاعا معارضا للفتوى داعيا الى رفض واحتقار الكتاب مع المحافظة على حياة كاتبه .
وقد تعرض بدوي على الرغم من طروحاته وعلاقاته المسالمة هذه لمواقف محرجة خاصة عندما منع من دخول الولايات المتحدة في اب (اغسطس) الماضي بعد ان توجه الى نيويورك لإلقاء محاضرة في معهد تشاوتاوكوا بدعوة رسمية . وقال بدوي إنه احتجز لمدة ست ساعات وإن العاملين في قسم الهجرة كانوا quot;في غاية الإحراجquot;. وحينها قالت إدارة الهجرة والجمارك الأميركية إن لديها معلومات تشير إلى أن الدكتور بدوي quot;ممنوع من دخول الولايات المتحدةquot; واشارت المتحدثة جانيت رابابورت إلى أنه عندما ثارث مشكلة في مطار جي إف كيه سحب الدكتور بدوي طلبه لدخول البلاد وعاد إلى بريطانيا. وأضافت: quot;لا يمكننا الإفصاح عن المعلومات التي أفضت إلى رفض طلب الدخول بسبب قواعد تتعلق بالخصوصية.quot; لكن الادارة الاميركية اعتذرت لبدوي بعد ذلك ورحبت بزيارة اخرى للولايات المتحدة التي كانت آخر مرة يزورها عام 2003 حيث كان ضيف ملكة بريطانيا في مأدبة رسمية أقيمت للرئيس الأميركي جورج بوش.
وقد نعى الأمير تشارلز بدوي في بيان له اليوم اكد فيه أن خسارة الدكتور بدوي المفاجئة ضربة فاجعة للبلاد وله شخصيًّا وأضاف ان quot;حكمته وعلمه وبصيرته وفوق ذلك كله روح الدعابة التي كان يتحلى بها.. أكدت جميعًا لأي مدى لعب الدكتور بدوي دورًا استثنائيًّا ومهمًّا في حياة هذا البلد وبين الجالية المسلمةquot;. كما نعتته منظمة quot;ليبرتيquot; (لحقوق الإنسان) البريطانية قائلة في بيان لها quot;إنه قدم قيادة فذة في عالم يمعن في جنونه.. واستطاع صياغة علاقات حميمة مع مسيحيي بريطانيا ويهودها على السواءquot;. وعبّر إقبال ساكراني الأمين العام لمجلس مسلمي بريطانيا عن حزنه لرحيل الفقيد قائلاً: quot;كانت صدمتنا وحزننا عميقين لفقدهquot;.
وفي مصر أعربت دار الإفتاء المصرية عن بالغ تعازيها في وفاة الدكتور زكي بدوي ووصفته بأنه كان علمًا من أعلام الإسلام ومفكرًا فذًّا من مفكري العصر. وأشارت إلى أن الدكتور زكي بدوي quot;جاهد الجهاد الصحيح حتى أتاه اليقين وهو يخدم دينه ووطنه وأمته ولذلك فقد كان مثالاً لكل عالم يفهم شريعته ويقوم بأمر دينه ويدرك عصره وينفع مجتمعه وأمتهquot;.
التعليقات