بلد تعبّر عنه برامج السخرية أكثر من الأخبار
سياسات في لبنان تضحك وتبكي

لبننة المقاومة شرط نجاحها
إيلي الحاج من بيروت : لبنان بلد متعب لمن ينظر جدياً ولا يهوى الابتسام الساخر خصوصاً على السياسة فيه ورجالها، ولعله لهذا السبب تنافِسُ برامج الضحك على تلفزيوناته الأخبار والمقابلات في تقديم صورة أنقى عن البلاد، وأحياناً كثيرة يندمج النوعان في برنامج واحد كما في نشرات الأمس، عندما صرح الأمين العام لquot;حزب اللهquot; السيد حسن نصرالله أنه عندما رأى مندوب الولايات المتحدة في الأمم المتحدة جون بولتون تذكر بعد جُهد أنه شاهده سابقاً في حلقة صور كرتونية متحركة، فضحك جمهور السيد المتجهم عادة المتوعد بالويل والثبور وقطع الرؤوس، ليمرّر لاحقاً الموقف الأخطر وهو أنه لم يوافق في جلسات الحوار الوطني على ترسيم الحدود بين لبنان وسورية والبقعة الأهم فيها مزارع شبعا.

فنسف ما اعتقده اللبنانيون إنجازاً يُحسب لهذا الحوار باعتباره الخطوة الأولى نحو حل هذه الأزمة الشائكة التي تعرقل قيام دولتهم. ولا يملك من يتابع بعض اقتراحات القادة لمعالجة قضية حدود لبنان مع سورية سوى الشعور بالعبث، فرئيس quot;اللقاء الديمقراطيquot; النائب وليد جنبلاط على سبيل المثال طرح في أحد أحاديثه فكرة تلغيم هذه الحدود التي يتسلل منها السلاح والمسلحون ما دام الجيش والقوى الأمنية اللبنانية غير قادرة على ضبط جميع منافذها، لكن من يُفترض أنه المسؤول الروحي الأعلى للطائفة الدرزية التي يقودها جنبلاط في لبنان، قائمقام شيخ العقل الشيخ بهجت غيث لم يكتفِ أمس خلال زيارة قام بها إلى السويداء في سورية بمعارضة ترسيم الحدود بين البلدين، بل دعا إلى إلغائها، هكذا ودفعة واحدة. أما رئيس حزب quot;القوات اللبنانيةquot; سمير جعجع فلا يزال quot;حزب اللهquot; خصوصاً يستعيد مقاربته لهذا الموضوع في الذكرى الأولى لاغتيال الرئيس رفيق الحريري في 14 شباط/ فبراير الماضي في ساحة الشهداء ، حيث خطب : quot; أيها اللبنانيون، البحر من ورائكم والعدو من أمامكمquot; ، بدل quot; ... من جنوبكمquot;، على ما يذكر عاتباً الحزب الشيعي المتشدد الحليف لإيران وسورية، ذلك لأن ثمة حدوداً للبنان في عرفه خلفها صديق وأخرى خلفها عدو . مَن الصديق ومَن العدو؟ جنبلاط قال: quot;دعونا من إسرائيل الآن، النظام السوري يقتلناquot;. دعوة لن تجد صدى لدى الحزب الذي نظم مهرجان شكر ووفاء للنظام السوري بعد توجيه كل أصابع الاتهام إليه في لبنان وخارجه باغتيال الرئيس الحريري .

بذا يتبدّى أن بعض الأحداث في لبنان منذ سنة وأكثر لا يحمل على الابتسام إطلاقاً بل على الخوف ، وكان مؤتمر الحوار الوطني محاولة لتبديد هذا الخوف، بل الذعر، ونجح فعلاً في التوصل إلى حلول لبعض بنود الخلافات وأخفق في أخرى، وأبرز ما توصل إليه يتعلق بتثبيت لبنانية مزارع شبعا عبر الطرق المعتمدة دولياً ، أي بتحديد الحدود ووضع خرائط بها توقعها سلطات البلدين وترفعها إلى الأمم المتحدة، وكذلك تبادل التمثيل الديبلوماسي وإنشاء سفارة في كل من بيروت ودمشق نزولاً عند ما قال به قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1559 . ولكن يبدو أن دمشق ترفض ذلك وحلفاءها في لبنان يتراجعون، وهذه المرة جاء الرفض السوري مفعماً بالطرافة، إذ صرح وزير الخارجية وليد المعلم أن مزارع شبعا محتلة فكيف نحددّ حدودها؟ وسأل: quot;هل ننزل فيها مسّاحين طوبوغرافيين بالمظلات؟quot;. هل يتجاهل أو لا يعرف أن هاوياً على الأنترنت يمكنه باستخدام برنامج quot;أرض غوغلquot; أن يحدد أي قطعة أرض على الكرة الأرضية؟

الهند اعتبرت قبل أيام هذا البرنامج خطراً على أمنها القومي، ولكن فلنبق بين دمشق وبيروت التي حملت صحفها خبراً أكثر طرافة يقول فيه زعيم quot;التيار الوطني الحرquot; الجنرال ميشال عون إن صاحب النظرة العدائية إلى سورية لا يمكنه مفاوضتها، غامزاً من قناة رئيس الحكومة فؤاد السنيورة الذي كلفه أركان الحوار الوطني البحث مع دمشق في سبل تحقيق ما توافق عليه اللبنانيون وتمنعت عن استقباله بسبب مواقفه في الولايات المتحدة والأمم المتحدة، مواقف اتخذها استناداً إلى ما اعتقده اللبنانيون إجماعاً من قادتهم قبل حديث السيّد حليف الجنرال. السنيورة المعروف بلباقته واعتداله يوقعه في الحيرة كلام كهذا، فما المطلوب لئلا يُعتبر ذا نظرة عدائية إلى سورية التي يواظب على إيجابيته حيالها فيما تدأب في إهانته؟ ويحيّره أكثر على الأرجح صدور كلام كهذا عن جنرال quot;حرب التحريرquot; الذي لا يتنبه إلى أنه نفسه يتكلم هذه الأيام بعدائية حيال لبنانيين كثيرين باتوا يخشون تحقيق أحلامه في الرئاسة، فيتطلعون إلى البحر الذي هاجر عبره أجدادهم منذ القدم تاركين الحدود ومشاكلها لمن يتجاوزون يومياً المنطق والحدود.