لا يستطيع المخاطرة بمغادرة دمشق
الوضع الداخلي يمنع بشار الأسد من السفر إلى هافانا


مايكل سميث من واشنطن: لم تفاجأ الدوائر المتابعة لتطورات الوضع داخل سورية في العاصمة الأميركية بقرار الرئيس السوري بشار الأسد أمس إلغاء سفره إلى هافانا للمشاركة في مؤتمر قمة دول عدم الانحياز الذي ينعقد الجمعة والسبت المقبلين بعد إعلان قصر المهاجرين عزمه على المشاركة فيه، وردت سبب هذا القرار إلى خشية الرئيس السوري من حصول تطورات على مستوى المجموعة الحاكمة التي تشهد منذ مدة تجاذبات بعيدة عن الأعلام .
ولاحظت هذه الدوائر أن الرئيس الأسد كان متحمساً للمشاركة في قمة دول الإنحياز، خصوصاً أنها
تجمع في العاصمة الكوبية بعضا من اشد منتقدي الولايات المتحدة على بعد 145 كيلو مترا فقط عنها، أبرزهم الرئيس الفنزويلي هوغو شافيز الذي بات يعتبر الوارث الأيديولوجي للرئيس الكوبي فيديل كاسترو في سياسة مناهضة المجتمع الدولي تحت شعار العداء لأميركا والغرب عموماً، وهو كان زار دمشق في آخر شهر حزيران/يونيو الماضي وكانت له وللأسد هناك مواقف متطابقة في شؤون منطقة الشرق الأوسط والعالم اكدا فيها عزمهما على التصدي للولايات المتحدة بموقف موحد .
وأشارت الدوائر المتابعة نفسها إلى أن الرئيس الأسد كان ولا يزال بحاجة إلى الوقوف على منبر عالمي لتبديد الانطباع السائد عن عزلته الدولية المتمادية . فليس كل يوم يُتاح له المشاركة في اجتماع جبهة تشاطر نظامه نظرة العداء التقليدية إلى أميركا وتطلق المواقف، على غرار زعماء دول كوبا وكوريا الشمالية والزيمبابوي وفنزويلا وإيران ودول أخرى تجمع بينها ظواهر الفقر على مستوى عامة الشعب والديكتاتورية والبحبوحة الفائضة على مستوى قيادة هرم السلطة.
ويشار في السياق إلى إصرار فيديل كاسترو، الأغنى بين رؤساء دول العالم وزعيم أفقر دولة على أن يلتقي ضيوفه وإن لوقت قصير رغم اعتلال صحته. ويعتبر هذا الرجل مُلهم الرئيس الأسد إلى جانب رئيس نظام كوريا الشمالية كيم جونغ-إيل، وبين الثلاثة شبه لناحية توارث السلطة والإستبداد في الحكم. إذ ورث جونغ- إيل الرئاسة عن والده كما حصل في سورية، فيما يورثها كاسترو لشقيقه راوول كما انتقلت من الراحل باسل الأسد الذي كان ولي العهد ولم يتسن له تسنم سدة الرئاسة والأمانه العامة لحزب البعث والقيادة العليا للقوات المسلحة وبقية المناصب والألقاب ، فانتقلت كلها إلى أخيه بشار.
وكان لمؤتمرهافانا أن يجمع الأسد كذلك، مع أكثر من خمسين رئيس دولة وحكومة من الدول الأقل راديكالية ، فضلاً عن ممثلي الدول الأخرى الأعضاء في المنظمة التي تضم نحو 116 دولة.
وتكاد الدوائر الأميركية المذكورة آنفاً تجزم أن الرئيس الأسد أقدم على إلغاء سفره إلى هافانا وتكليفنائبه فاروق الشرع رئاسة الوفد السوري إلى مؤتمر القمة لتخوفه من تداعيات نزاع على السلطة داخل quot;البيت الحاكمquot; . وهو نزاع يتفاقم كلما ازداد القلق المرافق لاقتراب موعد صدور تقرير عن لجنة التحقيق الدولية في جريمة اغتيال رئيس الحكومة اللبنانية السابق رفيق الحريري التي تدل كل الأصابع على أن الرئيس الأسد يقف وراءها بمعاونة بعض أقاربه ومساعديه الأمنيين، علماً أن رئيس اللجنة سيقدم تقريره الفصلي المنتظر في 25 من هذا الشهر إلى الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان ليناقشه أعضاء مجلس الأمن على الأثر.
وتذكر الدوائر الأميركية نفسها بأن القيادة الإسرائيلية تمانع بشدة الرغبة الدولية القائمة في مساعدة الشعب السوري على التخلص من نظام عائلة الأسد الغارق في الفساد والقمع ، بسبب خشية إسرائيل أن يكون البديل منه نظام إسلامي متطرف. وهذا هو السبب الوحيد الذي يبقي الأسد رئيساً على البلاد . إلا أن هذا quot;الستاتيكوquot; يفتح الباب على تغيير من ضمن quot;البيت الحاكمquot; يقدم عليه أحد الضباط القريبين من حلقة الحكم، أو أحد أفراد عائلة الأسد نفسها، وهذا احتمال لا تستبعده هذه الدوائر، لا بل ترجح أنه هو الذي دفع بشاراً إلى البقاء في سورية وعدم المخاطرة بمغادرتها ثلاثة أيام للمشاركة في قمة هافانا.
ويوضح أصحاب هذا الرأي من ضمن الدوائر الأميركية أن ثمة في قصر المهاجرين من يرون أنفسهم أجدر ببشار لتولي القيادة ، خصوصاً بعدما أثبت إخفاقات متوالية وبعضها قاتل لا يُغتفر، كما حصل في لبنان حيث جرّت السياسات والقرارات العشوائية والخطرة التي اعتمدها إلى تقويض كل ما بناه الأسد الأب في ذلك البلد المجاور وانقلابه ضد سورية نفسها، وكما يحصل في سياسات بشار العربية حيث دخل في متاهة من العداوات المجانية لم يعد يعرف كيف يخرج منها رغم توزيعه الاعتذارات وطلبات الصفح ذات اليمين وذات الشمال من دون أن يلقى تجاوباً بعدما يئس منه قادة الدول العربية دون استثناء بعدمات سبقهم إلى الاستنتاج نفسه زعماء دول العالم أجمع باستثناء الحلقة الضيقة من أشباهه الذين لم يتمكن من الإلتحاق بهم في هافانا.
وتؤكد الدوائر نفسها إلى أن المسافة تتسع بين تحالف أعضاء العائلات الحاكمة فى النظام السوري خاصة بعد التخلص من وزير الداخلية السابق اللواء غازي كنعان، لتخلص إلى القول أن بعضهم قد يقرر في لحظة ما التحرك لإحداث تغيير في رأس هرم الحكم من أجل تخفيف الخسائر التي ستصيب جميع أعضاء هذه العائلات في حال استمر الوضع الحالي على ما هو من التدهور على كل المستويات.
وتختم: ابقوا عيونكم مفتوحة على الداخل السوري.