جاسم بودي: ليس من باب المبالغة اعتبار الزيارة التي قام بها خادم الحرمين الشريفين الى حاضرة الفاتيكان من أهم الزيارات التي يقوم بها قائد سعودي الى خارج المملكة، وتحديدا في هذه الظروف حيث العالم يعيش quot;صراع جهالاتquot; لا صراع حضارات.

وليس من باب المبالغة ايضا التوقف طويلا عند البيان الذي صدر من الفاتيكان عقب الزيارة وفيه اتفاق على العمل المشترك من اجل التقريب بين الحضارات والحوار بين الاديان السماوية وترسيخ القيم الروحية والاخلاقية بدءا من علاقة الانسان باسرته وانتهاء بعلاقته بالله جل جلاله.

وحتى يكتمل هذا المشهد الانساني، الذي ارتفع دخانه الابيض من لقاء زعيم الدولة الاسلامية التي شهدت مهبط الوحي وولادة الرسول الاعظم عليه الصلاة والسلام مع رأس الكنيسة في العالم، كان لا بد من التطرق الى القضية التي لعبت دورا كبيرا في الشهادة على غياب العدالة الدولية ودور هذا الغياب في صراع الحضارات، وهي قضية فلسطين التي اصر خادم الحرمين الشريفين على نقلها من قضية عربية واسلامية الى قضية انسانية عالمية، فوردت في البيان الفاتيكاني بصفتها عاملا اساسيا للامن والسلم الدوليين وجسرا لا بد للساعين الى الحوار والتسامح ان يعبروه.

لغة جديدة حملها قائد عربي واسلامي كبير مباشرة الى حيث يجب ان تحمل. الى حاضرة الفاتيكان، ليثبت للعالم براءة القيم الدينية الصحيحة مما ينسب اليها، وبراءة الاسلام والمسيحية من الممارسات التي ارتدت لبوسهما، وبراءة الشعوب من ممارسات خطفت العروبة والاسلام باسم العروبة والاسلام، وخطفت الغرب والمسيحية باسم الغرب والمسيحية، وبراءة العلاقات الحضارية من المآرب السياسية. هنا، في الفاتيكان حيث التقت القيم الروحية بين الشرق والغرب، غابت السياسة بمفهومها المصلحي وحضرت حكمة قامات كبيرة عبرت عن نفسها بلغة حضارية واحدة... لغة السلام والحوار والتعايش.

كانت صفقات السلاح هي معيار فشل او نجاح زيارة اي مسؤول عربي ودولي الى دولة اخرى. كانت الاتفاقات العسكرية والنفطية والتجارية هي التي تحدد موقع هذا الزعيم او هذه الدولة بالنسبة الى الدول الكبرى. كانت التحالفات السياسية ndash; وربما التنازلات ndash; هي التي تنقل الدول من موقع الصديق الى موقع الحليف. خادم الحرمين في الفاتيكان، في المرجعية الروحية المسيحية الاكبر في العالم، كانت صفقات السلام هي معياره في الزيارة لا صفقات السلاح، وكانت الاتفاقات الحضارية هي التي تحدد موقعه الحواري بالنسبة الى رأس الكثلكة، وكانت تحالفات القيم هي التي نقلته من موقع الصديق والحليف الى موقع الشريك.

فارس وسيف ونخلة... هدايا الملك عبد لله للبابا، وقبلها وبعدها عبارات التوحيد، فالله تعالى واحد، والهم الانساني واحد، والزيارة كانت للتاريخ، والتاريخ لا يكتبه غير الفرسان بسيف الحق.

المصدر: الرأي الكويتية