عمرو موسى لم يأت وذكرى الحريري ستمر بهدوء
لبنان على وشك التفاؤل بحل

تحضيرات قبيل ذكرى اغتيال الحريري
إيلي الحاج من بيروت: ما أن أعلنت محطة تلفزيونية (quot;إل. بي. سيquot;) ظهر اليوم نقلاً عن مراسل لها في منطقة البقاع أنه شاهد الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى في موكب يتجه من نقطة المصنع الحدودية مع سورية في اتجاه بيروت، حتى سادت لبنان موجة ارتياح عام وتنفس متعاطو السياسة والصحافة والشأن العام الصعداء. بدا لوهلة لجميع هؤلاء أن الأزمة التي أرخت بثقلها بقوة على هذه البلاد منذ أشهر وجدت خاتمتها في نهاية المطاف عشية إحياء الذكرى الثانية للرئيس رفيق الحريري التي اتفق طرفا 14 و8 آذار/ مارس، أو الموالاة والمعارضة على إمرارها بسلام وفي أجواء هادئة على قاعدة أن الساحتين لكل الناس، وإن فصل بينهما جدار شائك مكهرب وخط من آلاف الجنود قد يكون عددهم الأكثف في تاريخ بيروت.

ويعود التفاؤل الشديد الذي أشاعه الخبر المستعجل عن عودة موسى إلى لبنان أن الرجل كان قد أعلن مراراً أنه لن يرجع إلى وساطته المعقدة إذا لم يلمس تغييراً في المواقف يعطيها فرصة للنجاح، فضلاً عن أنه كان باشر قبل نحو نصف ساعة من موعد بث الخبر لقاء مع الرئيس السوري بشار الأسد بعدما التقى معاونيه في دمشق أبرزهم نائبه فاروق الشرع ووزير الخارجية وليد المعلم وأعلن مساعدوه أنه سيعقد مؤتمراً صحافياً يعرض فيه نتائج الزيارة. وأوحى خبر مجيئه في سرعة إلى بيروت أنه توصل إلى نتائج مهمة تستوجب متابعة وترجمة فوريتين على الساحة اللبنانية تسبقان حتى حلول الذكرى الثانية للرئيس الحريري الأربعاء.

ولكن لم يلبث أن تبين أن الخبر خاطىء. فمكتب رئيس مجلس الوزراء فؤاد السنيورة لم يكن على علم بها وهو الذي يتابع تحركات موسى من كثب ويرسل إليه من يستقبله ويتولى شؤون إقامته ومرافقيه وتحركاتهم، وكذلك وزارة الخارجية، وكذلك مكاتب وكالات الأنباء العالمية في بيروت ودمشق. ورجح بعضهم أن يكون الموكب الذي عبر الحدود في اتجاه بيروت لإحدى الشخصيات الحزبية المعارضة التي تتنقل باستمرار بين البلدين.

إلا أن الوسط السياسي في لبنان ظل محافظاً على اقتناع بأن التشاؤم الشديد الذي ساد الوضع بعد أحداث quot;الثلاثاء والخميس الأسودينquot; ٢٣ و ٢٥ كانون الثاني/يناير الماضي يتراجع وسوف يتراجع أكثر مع الوقت إستناداً إلى مؤشرات أبرزها التوافق الذي جرى حول ذكرى 14 شباط/ فبراير بهدوء، مما كسر مناخات التشن وأطلق هدنة غير معلنة يمكن ان تمتد مفاعيلها للأسابيع المقبلة وحتى موعد القمة العربية في 28 آذار/ مارس مرحلة أولى. وعنى ذلك اقرارا ضمنيا من طرفي الصراع بأهمية العودة الى الحوار والتفاوض على التسوية وحتميةتهما طال الزمن أم قصر.

أسباب للتفاؤل

وتسجل في هذه الخانة quot;خروقquot; سياسية إيجابية في جدار الأزمة ، تمثل أبرزها في اعادة فتح خط الاتصالات بين رئيس مجلس النواب وحركة quot;أملquot; نبيه بري ورئيس quot;تيار المستقبلquot; النائب سعد الحريري، مما يسهّل عملية انضاج أي تسوية محتملة. وكذلك الرسالة quot;الوجدانية السياسيةquot; التي وجهتها السيدة نازك الحريري الى الأمين العام لquot;حزب اللهquot; السيد حسن نصرالله ترجوه فيها أن تكون ذكرى زوجها الرئيس الراحل quot;موعداً للمحبةquot; بين اللبنانيين.

ويصب في التهدئة وquot;ترييح الوضعquot; التوافق على مبدأ التوازن والتوازي بين إقرار قانون المحكمة ذات الطابع الدولي وتوسيع حكومة الرئيس السنيورة لتنطبق عليها صفة حكومة الوحدة الوطنية، وتقر مع قانون المحكمة الدولية بعد ادخال تعديلات عليه، مشاريع القوانين الخاصة بمؤتمر باريس ٣، وتضع قانونا جديدا للانتخابات . وهذا التوافق، شبه المعلن والمكتمل، يكمله توافق آخر ضمني على أن لا مجال لانتخابات نيابية مبكرة قبل انتهاء الولاية الممددة للرئيس الحالي إميل لحود وانتخاب خلف له.

ومن علامات الحلحلة أيضاً الاقتراح الصادر عن الرئيس بري، والذي يلقى مساندة سعودية ايرانية ويدعو الى تشكيل فريق عمل قانوني مشترك من المعارضة والموالاة لبحث الملاحظات على المحكمة، خطوة أولى تسمح باعادة التواصل بين القيادات السياسية لمعالجة نقاط الخلاف الأخرى المتعلقة بتوسيع الحكومة، فاذا حصل تقدم في هذا المجال يكون الفريق القانوني توصل الى تقرير حول التعديلات الممكنة، ويكون قد ساهم في حصر الخلافات بين فريقي الأزمة في لبنان عند اقتراب الدورة العادية لمجلس النواب منتصف الشهر المقبل، ما يسمح للرئيس بري بتفادي الخلاف على مبدأ طرح مشروع المحكمة على البرلمان، خصوصا اذا كان الاتفاق على توسيع الحكومة لم يكن حصل خلال شهر من اليوم.

كذلك يساهم إيجاباً تحريك المبادرة العريبة تحت quot;مظلة المساعي السعودي- الايرانيةquot; المدعومة من واشنطن رغم ما بينها وبين طهران حاليا . وستكون عودة عمرو موسى إلى بيروت من بوابة دمشق التي يزورها حاليا ساعيا من جهة الى تليين الموقف السوري حيال الوضع في لبنان وجعله ايجابيا، ومن جهة ثانية الى اعادة فتح الطريق المقفل بين سورية والمملكة العربية السعودية.

وكان التوصل إلى quot;اتفاق مكةquot; الذي وضع حدا لصراع فلسطيني سياسي حاد لامس حدود الحرب والفتنة الداخلية، قد أنعش الآمال والتكهنات في لبنان بوجود امكانات واحتمالات للتوصل الى اتفاق مماثل في لبنان تحت عنوان مماثل هو حكومة الوحدة الوطنية، رغم ما بين الساحتين الفلسطينية واللبنانية من فوارق سياسية، بشرط ان تتوافر لطرفي الصراع في لبنان ما توافر لطرفيه في فلسطين من ارادة سياسية للتوصل إلى اتفاق وحل سياسي، مع ما يتطلبه ذلك من تنازلات متبادلة ومقاربة واقعية ومن عزل المؤثرات والتدخلات الخارجية الاقليمية أو الحد من نفوذها وتأثيرها.

وتعزز التكهنات بالإنفراج زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للملكة العربية السعودية، حيث حضر الملف اللبناني بقوة على طاولة المحادثات ، في ضوء تقارب موقفي الرياض وموسكو بالنسبة الى تفاصيل المبادرة العربية لحل الأزمة اللبنانية ودعمهما الكامل لمهمة عمرو موسى الذي كان في موسكو قبل أيام. وتعوّل مصادر دبلوماسية على ما يمكن لروسيا ان تقوم به من جهود حثيثة وغير معلنة مع سورية لتسهيل مبادرة موسى والتعاون في الوضع اللبناني وتقديم مواقف ايجابية في القمة العربية المقبلة، في مقابل عودة الدفء الى أجواء العلاقات بين سورية والسعودية والافساح في المجال أمام سورية للمشاركة في الجهود المتصلة بالملف العراقي وملف عملية السلاممع إسرائيل وفي المؤتمرين الدوليين المقترحين لوضع هذين الأزمتين على خط الحلول.

ويضاف إلى هذه الأجواء جميعاً وصول الاتصالات السعودي- الايرانية الى مرحلة متقدمة وتفصيلية حول الملف اللبناني عبر قناتين رئيسيتين، إحداهما مركزية بين المسؤولين رئيسي مجلسي الأمن الوطني في البلدين الأمير بندر بن سلطان وعلي لاريجاني، والأخرى موازيةولكن على درجة أقل في بيروت بين السفيرين السعودي عبد العزيز خوجه والإيراني محمد رضا شيباني.

لكن أوساطاً ديبلوماسية ذكرت لquot;إيلافquot; أن ثمة مساراً للحل يسعى عمرو موسى خصوصاً إلى إنجاحه، ويقضي بأن يزور الرئيس السوري بشار الأسد المملكة العربية السعودية في أقرب وقت توصلاً إلى مصالحة يكون حل الأزمة السياسية في لبنان من مفاعيلها التلقائية. لكنها تضيف أن ثمة شروطاً لتحقق هذه الزيارة يتواصل السعي إلى توفيرها، علماً أن جانباً منها شكلي لكنه أساسي بسبب تعلقه بالكرامات. وإلى أن يتحقق كل ذلك يظل لبنان في انتظار خبر صغير، مثل عودة عمرو موسى إلى بيروت ليتنفس الصعداء، ويرتاح ولو قليلاً إلى المستقبل.