صمتها تداعى خلال أمسية فنية رعاها الشيخ نهيان :
صحراء الإمارات ترقص بهدوء على أنغام الأوبرا

سلطان القحطاني من أبو ظبي: بعد مسافة تقارب نحو ساعة بالسيارة من العاصمة الاتحادية لدولة الإماراتية العربية المتحدة تبدو أمامك قرية (الختم) المتاخمة لأمارة أبو ظبي وكأنها جزء من الحلم نبت على عجل. غير أن الحقيقة هي أن أمامك قرية بنيت بكاملها وسط صحراء صامتة، ما لبثت إلا وأن رقصت على أنغام حفل أوبرالي رعاه وزير التعليم العالي الشيخ نهيان بن مبارك، بدد خلالها جفاف الصحراء التي لا يُسمع منها سوى صوت حفيف الريح في الفراغ.

وبعيداً عن ضجيج الإسفلت، والطرق السريعة المعبدة، كان من المتعذر الوصول إلى القرية، التي تحكي جزءً من قصة الإمارات القديمة، دون اجتياز طريق رملية يبلغ طولها بضع كيلو مترات، على هدي كرات حمراء من الضوء وضعت لإرشاد الزائرين الذين قدموا من كافة أرجاء الرقعة الجغرافية للمشاركة في مؤتمر quot;تعليم بلا حدودquot;، الذي تنظمه كليات التقنية العليا، مما جعل الأمارة الهادئة تتحول إلى quot;جامعة عالميةquot; ولو لأيام معدودة.

وأمام تلة صحراوية فائقة الضخامة، أضافت عليها كتل الظلام ملمحاً مدهشاً، انتصب مسرح أقيم لهذه المناسبة الموسيقية خصيصاً على هيئة الحصن الشهير الذي يعتبر أحد أهم معالم أمارة أبو ظبي، في حين توزعت على جوانب القرية عدة محال تحكي تاريخ الحركة التجارية القديمة للأمارة الناهضة بوتيرة سريعة جداً على وقع فورة نفطية غير مسبوقة في تاريخ الخليج الذي يحوي نصف الإنتاج العالمي من النفط.

وسارت الأمور بوتيرة هادئة حتى وصل راعي الحفل الشيخ نهيان بن مبارك إلى مقر القرية وهو يرتدي الزي التقليدي الإماراتي المكون من ثوب دون ياقة وعمامةً تُربط على الرأس يرافقه نجله الشيخ شخبوط، في حين كان يواصل الاطمئنان على وصول بقية الوفود.

وفي اللحظة التي رافقته فيها quot;إيلافquot; حين دخوله إلى مقر القرية تحركت فلاشات التصوير لالتقاط صور الذكرى والتوثيق من قبل المشاركين والصحافيين الذين جاؤوا لتغطية المناسبة.

وفور دخوله إلى القرية واسعة الأرجاء بدأ بتفقد المحال التجارية والخيام التي نُصبت لنقل العادات العربية إلى الحضور الأجانب الذين كان أغلبهم من أوروبا وأميركا، وذلك على وقع أنغام الفولكلور الشعبي للبلاد المكونة من عدة جزر كبيرة الحجم، يردد خلاله صفان من الذكور أهازيج شعبية ترحيبية تنساب على أنغام قرع الطبول المحمولة باليد رغم ضخامة حجمها.

وقبيل بدء الأوبرا التي أداها ملك الأوبرا، كما وصفته مقدمة الحفل بإنكليزية ذات مسحة عربية، في العالم بلاسيدو دومانجو الذي حصل على العديد من الجوائز الدولية برفقة عازف سوري، دوت في سماء القرية مجموعة من الألعاب النارية حولت quot;السماء إلى جحيمquot; كما قالت إحدى الحاضرات الإسبانيات وهي تومئ برأسها استحسانا.

وفي الرمق الأخير من عمر الأوبرا جاء quot;صوت البطنquot; مرتفعاً إلى الحد الذي دفع فيه أغلب الحضور من رواد الصفوف الخلفية للذهاب فوراً إلى البوفيه المفتوح ورحلة البحث عن الصحون تحت الضوء الخافت الذي كان يضفي على العرض الأوبرالي مسحة من الجمال.

وفي ذلك الوقت وأمام أصناف شتى من الاطعمة برز مقدار الاختلاف الثقافي بين العرب ومسلمي شرق آسيا وبين الجنسيات الأخرى من العالم بأسره من ضيوف المؤتمر، إذ بينما ألتزم المنتمون إلى الغرب بالطابور الطويل فإن الآخرين برعوا في إيجاد وسائل اللف والتحايل لتعكير هذا النظام.

وكان الشيخ نهيان أكثر الحضور تناغماً مع اللوحات الأوبرالية التي جاوزت الخمس تم التناوب على أدائها من قبل محيي العرض الضخم.

ومن المتوقع أن تتحول أمارة أبو ظبي المكونة من أرخبيل يحوي عدة جزر متوسطة الحجم إلى عاصمة للموسيقى في العالم العربي، إذ لا يمر يوم دون وجود حفل موسيقي لكبار صناع الموسيقى في العالم.

ويحسب للشيخ الإماراتي، الذي يكلل البياض شاربه وذقنه وتبدو نظراته ثاقبة في العمق، أنه كان أكثر نظرائه الخليجين جرأة في تنظيم الحفلات الموسيقية لعيون اللوحات السيمفونية التي أنجبها التاريخ الموسيقي العالمي، دون خشية ردود الفعل المحافظة كالتي يمكن ان تُثار في دول خليجية مجاورة.

ويقول مثقف خليجي حضر العرض الأوبرالي :quot; أنظر إلى هذه الصحراء كيف تحركت .. هناك صحارى مجاورة للإمارات أكبر حجماً لكنها تتحرك ببطء شديد من ناحية النهوض الاقتصادي فما بالك بالثقافيquot;.

ويقول محللون أن على صناع القرار في الدول الخليجية التي تشهد طفرة اقتصادية لا مثيل لها مواجهة الضغوط المحافظة للدخول إلى المسرح العالمي كي لا تأتي اللحظة التي يكتشفون فيها أنهم quot;وصلوا إلى المباراة في الوقت بدل الضائعquot; على حد قولهم.

وبينما كان العرض الموسيقي في رمقه الأخير توجه الشيخ نهيان رفقة نجله إلى احد الخيام الموجودة في ركن القرية مؤدياً الصلاة على غير بعيد عن صوت عازفة الكمان التي جائت ختاماً للحفلة.

وحين خروجه من مقر القرية التراثية، لحظة أن صافحته مودعاً ومهنئاً لنجاح الحفل، لمحت بريقاً متفائلاً يصدر من عينيه مثل جمرة متقدة .. لقد كانت تلك تمثل روح أبو ظبي الجديدة التي تعبر على جسر المستقبل بسرعة فائقة.