إيلاف من الرياض: استطاع العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبدالعزيز في خطابه السنوي المعتاد اليوم أمام أعضاء مجلس الشورى بمناسبة حفل افتتاح أعمال السنة الثالثة من الدورة الرابعة لمجلس الشورى وذلك في مقر المجلس بالرياض، أن يضع وصفاً دقيقاً لمجمل ما تم تنفيذه من إنجازات، وبشكل أدق استطاع أن يرسم ما هو متوقع في المستقبل القريب.

حيث أبرز العاهل السعودي في كلمته ما هو آت من قرارات قريبة، تأتي في سياق عملية تطوير تنطلق بخطوات متسارعة وتوازنة، يقولquot; إن السنة المقبلة سوف تشهد المزيد من التحديات، كما ستشهد المزيد من الفرص .. وسوف تستمر الدولة ـ بعون الله ـ في نهجها التنموي التطويري في الداخل، ومن المأمول ـ بإذن الله ـ أن تشهد الفترة القادمة انطلاقة عدد من المشاريع الوطنية الهامة، أذكر منها، على سبيل المثال لا الحصر، المشروع الشامل لتطوير التعليم، والمدن الاقتصادية الكبرى، ومنظومة العلوم والتقنية، وهيكلة القضاء وتطويره، وإنشاء هيئة وطنية لمكافحة الفساد، ومكافحة البطالة بإعطاء السعوديين المؤهلين الأولوية في التوظيف، والتوسع في التدريب ونشر ثقافة العملquot; .
فيما لم يتجاهل في خطابه عدداً من الأمور التي كثيراً ما تكون حديث رجل الشارع العادي، برز ذلك جلياً عندما تناول في بداية خطابه ما أنجزه مجلس الشورى وفق الصلاحيات الممنوحة له، حتى اعتبره العاهل السعودي quot;السند الأساسي للحكومة في اتخاذ القراراتquot;.
ولعل في ذلك جواباً صريحاً على الإنجازات التي استعرضها قبله بقليل رئيس مجلس الشورى الدكتور صالح بن حميد في كلمته التي ألقاها بمناسبة حضور العاهل السعودي، وهي من جهة أخرى دعم عملي للمجلس وأعضائه، وتوثيق لجهد عادة ما يتجاهله رجل الشارع.
النعرات الطائفية
لعل أكثر ما يقلق الرياض الآن على الصعيد الداخلي هو ما عبر عنه العاهل السعودي في السابق عندما استقبل رئيس مجلس الأمن القومي الإيراني علي لاريجاني في يناير الماضي حيث أكد له على موضوع الفتنة الطائفية ووجوب العمل والتنسيق بين الطرفين لتجنب أي تطور على هذا الصعيد.
وتمثل ذلك أيضا باللقاء الذي جمع العاهل السعودي برئيس الوزراء الإيراني أحمد نجاد في الرياض مارس الماضي، حينها خرج وزير الخارجية الأمير سعود الفيصل من اللقاء ليؤكد على أن أبرز ما انتهى إليه اللقاء هو الحرص على إخماد أي دور من أي طرف يسعى لإشعال الفتنة الطائفية.
العاهل السعودي وأمام مجلس الشورى وفي رسالة واضحة للداخل السعودي، تحدث عن quot;الوحدة الوطنية وتعميق مضامينهاquot;، ليكون أكثر وضوحاً ويؤكد على أن quot; تأجيج الصراعات المذهبية وإحياء النعرات الاقليمية واستعلاء فئة في المجتمع على فئة أخرى يناقض مضامين الإسلام وسماحته ويشكل تهديدا للوحدة الوطنية وامن المجتمع والدولة .. لذا فإنني آمل أن يكون للوحدة الوطنية مكان الصدارة في اهتمامات مجلسكم وفي ذهن كل واحد منكم فانتم الامناء بعد الله على وحدة الوطن واستقرارهquot;.
والذي يؤكد على مدى أهمية ذلك، أن ربطه العاهل السعودي بما انجزه الملك المؤسس عبدالعزيز رحمه الله من توحيد الصف، وبث الألفة بين أبناء الوطن الواحد، فقالquot; لقد أرسى الملك عبدالعزيز ـ طيب الله ثراه ـ أسس هذه الدولة ووحدها على هدي الشريعة الاسلامية فكانت الوحدة بدل الشتات والالفة بدل العداء والتعاون بدل التنافر واصبحت المملكة وطن الاستقرار في محيط مضطرب بالفتن والحروبquot;.
التنمية .. والجغرافيا
ليس هناك من شأن أكثر ارتباطا برجل الشارع كما هو الشان الإقتصادي، ومدى صلته بالتنيمية والتطوير، فتحدث العاهل السعودي عما انجز على هذا الصعيد، فقال مذكراً بما أنجز خلال فترة معدودةquot; لقد تجاوزت المملكة العربية السعودية في مجال التنمية السقف المعتمدة لانجاز العديد من الاهداف التنموية التي حددها / إعلان الالفية للامم المتحدة عام / 2000 quot; .

وأضاف quot;كما أنها على طريق تحقيق عدد آخر منها قبل المواعيد المقترحة .. ومما يميز التجربة السعودية في السعي نحو تحقيق الاهداف التنموية للالفية الزخم الكبير في الجهود المتميزة بالنجاح في الوصول إلى الاهداف المرسومة قبل سقفها الزمنية المقررة ، والنجاح بإدماج الاهداف التنموية للالفية ضمن أهداف خطة التنمية الثامنة، وجعل الاهداف التنموية للالفية جزء من الخطاب التنموي والسياسات المرحلية وبعيدة المدى للمملكةquot; .

إلا ان الملك عبدالله ورغم تعبيره عن بالغ سروره لما رآه من تطور في مختلف مناطق المملكة، وعن وضوح أثر التنمية والتحديث إلا انه بين بان بعض المناطق لا زالت بحاجة الى مزيد من الإهتمام والعناية، يقولquot; ولقد سررت خلال زياراتي لمناطق المملكة بما حظيت به من تنمية شاملة ، بيد أنني لاحظت أن بعض المناطق تحتاج إلى مزيد من العناية والاهتمام بغية تحقيق التنمية المتوازنة بين مناطق المملكة ، وهذا ما نعمل على تحقيقهquot;.
السياسة الخارجية
quot; منطقتنا تجتاز مرحلة خطيرةquot;، أيضا quot;وقد اضطلعت المملكة العربية السعودية خلال هذه الفترة الحرجة بمسؤوليتهاquot;. هكذا اختار العاهل السعودي أن يقدم وصفاً لغرف العمليات التي لا تهدأ للخارجية السعودية بسبب الدور السعودي المتنامي على الصعيد الخارجي، وبعد إمساكها بالعديد من الملفات الشائكة، والتي شهدت فترات صعبة كادت أن تفلت إلى حيث لا عودة ولا استقرار.
يقول العاهل السعوديquot; لا يخفى عليكم أن منطقتنا تجتاز مرحلة خطيرة تتعدد فيها الصراعات وتتعاقب الازمات ، وتتنامى التدخلات ، مما أوجد حالة من الاضطراب وعدم الاستقرار ، الامر الذي استوجب أن تضاعف دبلوماسيتنا السعودية جهودها على الساحتين الاقليمية والدولية ، عبر انتهاج الحوار والتشاور وتغليب صوت العقل والحكمة ، في سبيل درء التهديدات والمخاطر والحيلولة دون تفاقمها ، والعمل على تهدئة الاوضاع وتجنب الصراعات المدمرة ، وحل المشاكل بالوسائل السلمية وذلك وفق ما تفرضه تعاليم ديننا الحنيف ويمليه ضميرنا وشعورنا بالمسئوليةquot; .
الفتنة .. مرة أخرى
حيث بادر الملك عبدالله وأشار مجدداً إلى الخطر الأكبر الذي يهدد مجمل دول المنطقة ألا وهو الفتنة الطائفية، فقالquot; ويأتي في مقدمتها تصاعد الفتنة بين المذاهب الاسلامية وخاصة بين الشيعة والسنة وإشعال فتيل النزاع الطائفي في أماكن مختلفة من عالمنا الإسلامي وخاصة ما يحدث في العراق ولبنانquot; .
ثم أبرز العاهل السعودي في كلمته أهمية القضية الفلسطينية التي اعتبرها قضية quot; العرب الأولى ومحور تحرك المملكة السياسي على الساحات الإقليمية والدوليةquot;. مذكراً بما أنجزته الرياض خلال اتفاق مكة من حقن دماء الفلسطينيين وتشكيل وحدة وحدة وطنية، مذكراً بان على هذه الحكومة quot;الاضطلاع بمسئولياتها تجاه شعبها وتجاه عملية السلام في المنطقة وستظل القضية الفلسطينية محور جهودنا بغية الوصول للحل السلمي العادل والشامل والدائم وفق قرارات القمم العربية التي أكدت على انتهاجها للسلام كخيار استراتيجي ومشروع السلام الشامل الذي أجمعت عليه الدول العربية في قمة بيروت وأكدته القمم العربية اللاحقة خاصة قمة الرياض الأخيرةquot;.
النووي هو التحدي الجديد
اعتبر العاهل السعودي أن بروز الملف النووي يعتبر هو العبئ الجديد من ضمن أزمات دول المنطقة، مبينا أن الرياض حرصت على العمل على quot;معالجة هذا الملف معالجة سلمية تتسم بالعقلانية والموضوعية وتتجنب لغة التشنج والتوتر وتهدف الى ضمان خلو منطقة الخليج والشرق الاوسط من جميع اسلحة الدمار الشامل مع كفالة حق دول المنطقة في امتلاك الطاقة النووية للاغراض السلمية وفق معايير الوكالة الدولية للطاقة الذرية وعدم استثناء اي دولة في المنطقة من تطبيق هذه المعايير بما في ذلك اسرائيلquot;.

التوسع شرقاً
وذكر العاهل السعودي في كلمته بزياراته المتعددة باتجاه دول المشرق خلال الفترة الماضية، حيث شملت كلا من جمهورية الصين الشعبية ، وجمهورية الهند ، واتحاد مملكة ماليزيا ، وجمهورية باكستان الاسلامية، معتبراً أن ذلك التوجه أملاه quot; اعتبارات المصلحة الوطنية للمملكة والتطورات التي حصلت في طبيعة المنتظم السياسي الدولي ، فالمملكة تمثل أكبر شريك تجاري لجمهورية الصين الشعبية في غرب آسيا وشمال أفريقيا في حين تعد جمهورية الهند رابع شريك تجاري للمملكة ، يضاف إلى ذلك تأثير كل من الصين والهند في السياسات الاقليمية والدولية .. في حين تربطنا مع اتحاد مملكة ماليزيا وجمهورية باكستان الاسلامية رابطة الدين المشترك ، بالاضافة إلى الروابط الدبلوماسية والاقتصادية .. كما قمت بزيارة للجمهورية التركية وتوجت هذه الزيارة بتوقيع عدد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم والتي تهدف إلى تعميق العلاقات بين بلدينا وفي ذلك تعزيز للتعاون والتقارب الاسلاميquot; .
وفيما نص كلمة العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبدالعزيز:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبيه ورسوله محمد الامين ..
الاخوة اعضاء مجلس الشورى ..
ايها الاخوة الحضور ..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
على بركة الله وبعونه وتوفيقه نفتتح اعمال السنة الثالثة من الدورة الرابعة لمجلس الشورى سائلا المولى عز وجل ان يجعل اعمالنا خالصة لوجهه الكريم وان يوفقنا لخدمة الدين ثم الوطن والمواطن .
ايها الاخوة الكرام ..
التقي معكم في هذا اللقاء السنوي المتجدد لاستعراض ما قامت به حكومتكم من انجازات في الداخل ساهمت في تحقيق الامن والرفاهية والمشاركة للمواطن وما تبنته من سياسات ومواقف في الخارج كان لها الاثر الملموس في الحفاظ على المصلحة الوطنية وتعزيز السلام والاستقرار الاقليمي والدولي .
إن من نعم الله علينا نعمة الاسلام وما جاء به من مبادىء جليلة ومن هذه المبادىء مبدأ الشورى وما يحققه من ترشيد للقرارات التي تمس مصلحة الوطن والمواطن ولقد مارس مجلسكم هذا المبدأ بكل شفافية وموضوعية فأصبح محل ثقة القيادة وتطلعات المواطن نحو التطوير.

لقد أصبح مجلس الشورى بما يضمه من كفاءات وطنية من مختلف المناطق والقطاعات بمثابة السند الأساسي للحكومة في اتخاذ القرارات كما نال مجلسكم اهتمام المواطن وتقديره نظرا لطرحكم الموضوعي في مداولات المجلس وما نتج عن هذا الطرح من آراء سديدة كانت خير معين للحكومة فتفاعل مجلسكم على المستويين الاقليمي والدولي من خلال الاتحادات البرلمانية الاقليمية والدولية ولجان الصداقة وغيرها من الاطر والمنظمات اسهم في التعريف بوجهة نظر المملكة تجاه القضايا الاقليمية والدولية وبما حققته المملكة من انجازات حضارية في كافة المجالات .
ايها الاخوة الكرام ..
لقد أرسى الملك عبدالعزيز ـ طيب الله ثراه ـ أسس هذه الدولة ووحدها على هدي الشريعة الاسلامية فكانت الوحدة بدل الشتات والالفة بدل العداء والتعاون بدل التنافر واصبحت المملكة وطن الاستقرار في محيط مضطرب بالفتن والحروب، لذلك فان التحدي الذي يواجهنا / ايها الاخوة / هو المحافظة على هذه الوحدة الوطنية وتعميق مضامينها .. إن تأجيج الصراعات المذهبية واحياء النعرات الاقليمية واستعلاء فئة في المجتمع على فئة أخرى يناقض مضامين الاسلام وسماحته ويشكل تهديدا للوحدة الوطنية وامن المجتمع والدولة .. لذا فإنني آمل أن يكون للوحدة الوطنية مكان الصدارة في اهتمامات مجلسكم وفي ذهن كل واحد منكم فانتم الامناء بعد الله على وحدة الوطن واستقراره .
ان الوطن ما يزال يواجه ظاهرة الارهاب رغم الانحسار الذي حصل مؤخرا فيما تقوم به الفئة الضالة من اعمال .. ومما يؤسف له أن ينسب الى الاسلام / دين الرحمة والالفة والمحبة والتسامح والوسطية والسلام / أعمال إجرامية تمارس البغي والعدوان .. فلقد سعى مرتكبوا تلك الاعمال الى زعزعة الامن والاستقرار في اهم معقل للإسلام بيد اننا نؤكد لكم أن التماسك والتعاون بين الشعب والحكومة ويقظة الاجهزة الامنية وشجاعة رجالاتها سوف تقف بعون الله بالمرصاد لتلك الفئة الضالة .. إن الأمن والأمان هما أهم اركان الاستقرار في المجتمع واهم مطالب التنمية وهذا يجعلنا عازمين وبكل حزم على التصدي للإرهاب ومظاهره مهما طال الزمن ومهما كلف الثمن حتى ترد الفئة الضالة الى رشدها او يتم استئصالها من المجتمع السعودي .
ايها الاخوة الكرام ..
تأتي خطة التنمية الثامنة 1425 / 1430 هـ لتبنى على ما تم انجازه في الخطط السابقة ولتجسد انطلاقة جديدة في مسار التنمية فقد أعدت وفق منظور استراتيجي يهدف الى تحقيق التنمية المستدامة .. ولقد ركزت هذه الخطة على أولويات يأتي في مقدمتها المحافظة على القيم الاسلامية وتعزيز الوحدة الوطنية والامن الوطني والاستقرار الاجتماعي ورفع مستوى المعيشة وتوفير فرص العمل للمواطنين وتنمية القوى البشرية ورفع كفاءتها وتنويع القاعدة الاقتصادية وزيادة اسهام القطاع الخاص في التنمية وتحقيق التنمية المتوازنة بين مناطق المملكة وتطوير منظومة العلوم والتقنية والاهتمام بالمعلوماتية ودعم وتشجيع البحث العلمي والتطوير التقني والمحافظة على الموارد المائية وتنميتها وحماية البيئة .. ولقد اظهر تقرير متابعة السنة الاولى 1425 / 1426هـ لخطة التنمية الثامنة 1425 / 1430هـ انجازات حققت المعدلات المستهدفة في الخطة وفي بعض الحالات فاق النمو المعدلات المستهدفة .
ونظرا لاهمية الاستثمار في التنمية الوطنية فسنواصل / إن شاء الله / دعم القطاع الخاص وسنجعل منه شريكا استراتيجيا في التنمية الاقتصادية كما سنقوم بتذليل العقبات التي تواجه المستثمر السعودي والاجنبي وذلك بالاستفادة / ما امكن / من المزايا النسبية في الاقتصاد السعودي .
لقد تجاوزت المملكة العربية السعودية في مجال التنمية السقف المعتمدة لانجاز العديد من الاهداف التنموية التي حددها / إعلان الالفية / للامم المتحدة عام / 2000 / .
كما أنها على طريق تحقيق عدد آخر منها قبل المواعيد المقترحة .. ومما يميز التجربة السعودية في السعي نحو تحقيق الاهداف التنموية للالفية الزخم الكبير في الجهود المتميزة بالنجاح في الوصول إلى الاهداف المرسومة قبل سقفها الزمنية المقررة ، والنجاح بإدماج الاهداف التنموية للالفية ضمن أهداف خطة التنمية الثامنة ، وجعل الاهداف التنموية للالفية جزء من الخطاب التنموي والسياسات المرحلية وبعيدة المدى للمملكة .
ولقد سررت خلال زياراتي لمناطق المملكة بما حظيت به من تنمية شاملة ، بيد أنني لاحظت أن بعض المناطق تحتاج إلى مزيد من العناية والاهتمام بغية تحقيق التنمية المتوازنة بين مناطق المملكة ، وهذا ما نعمل على تحقيقه .
لقد سخرنا ما تحقق من فائض إيرادات الميزانية في السنوات الثلاث الماضية لتخفيض الدين العام حيث انخفض من / 660 / بليون ريال عام / 23 / 1424هـ يمثل بنسبة 82 في المائة من الناتج المحلي الاجمالي إلى 366 بليون ريال عام 26 / 1427هـ يمثل نسبة 28 في المائة من الناتج المحلي الاجمالي.
كما تم اعتماد عدد من البرامج والمشاريع التنموية ، إضافة لما هو وارد في الخطة الخمسية الثامنة وفي ميزانية الدولة ، وشملت هذه البرامج والمشاريع مشاريع المسجد الحرام والمشاعر المقدسة ، وتحسين البنية التحتية ، والرعاية الصحية الاولية ، والتعليم العام والعالي والفني ، والاسكان الشعبي ، ورفع رؤوس أموال صناديق التنمية .. كما تم تعزيز احتياطيات الدولة ، ودعم صندوق الاستثمارات العامة .. وتحمل ميزانية العام الحالي تباشير الخير لكل مواطن حيث تم تخصيص مبالغ كبيرة منها لتحقيق نقلة نوعية في مجال تنمية القوى البشرية والتي تمثل الدعامة الاساسية للتنمية الشاملة ، وفي مجال الرعاية الصحية والاجتماعية ومن ذلك زيادة مخصصات الايتام والمعوقين واختصار الاطار الزمني للقضاء على الفقر .
وفي المجال السياسي تم إصدار نظام هيئة البيعة لتعزيز البعد المؤسسي في تداول الحكم ، وبدأت المجالس البلدية تمارس مسؤولياتها المحلية بعد انتخابات نزيهة ومشرفة ، وزاد عدد مؤسسات المجتمع المدني وبدأت تسهم في مدخلات القرارات ذات الابعاد الاجتماعية والاقتصادية ، وتم تشكيل هيئة حقوق الانسان وإصدار تنظيم لها وتعيين أعضاء مجلسها ، وقام مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني بدوره في نشر ثقافة الحوار في المجتمع ، وساهم في تشكيل مفاهيم مشتركة بشأن ، النظرة إلى التحديات التي تواجه المجتمع وكيفية التعامل معها .
إن السنة المقبلة سوف تشهد المزيد من التحديات ، كما ستشهد المزيد من الفرص.. وسوف تستمر الدولة ـ بعون الله ـ في نهجها التنموي التطويري في الداخل ، ومن المأمول ـ بإذن الله ـ أن تشهد الفترة القادمة انطلاقة عدد من المشاريع الوطنية الهامة ، أذكر منها ، على سبيل المثال لا الحصر ، المشروع الشامل لتطوير التعليم ، والمدن الاقتصادية الكبرى ، ومنظومة العلوم والتقنية ، وهيكلة القضاء وتطويره ، وإنشاء هيئة وطنية لمكافحة الفساد ، ومكافحة البطالة بإعطاء السعوديين المؤهلين الاولوية في التوظيف ، والتوسع في التدريب ونشر ثقافة العمل .
ولن نقف عند هذا الحد من التطور السياسي ، ذلك أن التطور عملية مستمرة تحكمها ظروف ومراحل التطور الاجتماعي في الدولة ، لذا سنواصل التطوير وسنأخذ بمبادئ الحكم الرشيد في إدارة الدولة والمجتمع ، وسنعمل كل ما فيه خير الدين ، ومصلحة الوطن والمواطن إن شاء الله .
أيها الاخوة الكرام ..
لايخفى عليكم أن منطقتنا تجتاز مرحلة خطيرة تتعدد فيها الصراعات وتتعاقب الازمات ، وتتنامى التدخلات ، مما أوجد حالة من الاضطراب وعدم الاستقرار ، الامر الذي استوجب أن تضاعف دبلوماسيتنا السعودية جهودها على الساحتين الاقليمية والدولية ، عبر انتهاج الحوار والتشاور وتغليب صوت العقل والحكمة ، في سبيل درء التهديدات والمخاطر والحيلولة دون تفاقمها ، والعمل على تهدئة الاوضاع وتجنب الصراعات المدمرة ، وحل المشاكل بالوسائل السلمية وذلك وفق ما تفرضه تعاليم ديننا الحنيف ويمليه ضميرنا وشعورنا بالمسئولية .
وقد اضطلعت المملكة العربية السعودية خلال هذه الفترة الحرجة بمسؤوليتها ، خاصة وأن المملكة قد استضافت القمة الاستثنائية التي عقدت في مكة المكرمة ، وتسلمت رئاسة قمة مجلس التعاون لدول الخليج العربية التي عقدت في الرياض ، ورئاسة الدورة الحالية للقمة العربية التي عقدت في الرياض كذلك .. وأضحى من واجب المملكة وهي تحرص على إصلاح أحوال العرب والمسلمين وجمع كلمتهم أن تبادر قبل غيرها إلى صياغة دور فاعل خليجيا ، وعربيا ، وإسلاميا ، لكي تتمكن من تفعيل أسس التعاون في سبيل الحفاظ على هوية الامة العربية والاسلامية ، والدفاع عن قضاياه ، وصيانة مصالحها ، والتصدي لاخطار الفتنة والانقسام والصراع التي تهدد كيانها ، ويأتي في مقدمتها تصاعد الفتنة بين المذاهب الاسلامية وخاصة بين الشيعة والسنة وإشعال فتيل النزاع الطائفي في أماكن مختلفة من عالمنا الإسلامي وخاصة ما يحدث في العراق ولبنان .
واستشعارا من المملكة العربية السعودية لأهمية مكانتها ودورها في العالم الأسلامي والعربي فقد حرصت دوما على عدم التدخل في الشئون الداخلية للدول العربية والإسلامية الأخرى ووقفت دوما على مسافة واحدة من جميع المذاهب والفرق والطوائف التي تتشكل منها مجتمعات الدول الأخرى وكانت دوما داعية إلى الحوار والتفاهم والمصالحة في أي منطقة تظهر فيها بذور الفتنة والانقسام .
أيها الأخوة الكرام ..
لقد كانت قمة / الشيخ جابر / رحمه الله / فرصة لمراجعة مسيرة مجلس التعاون لدول الخريج العربية والتقريب بين تطلعات المواطن الخليجي نحو المجلس وما تم تحقيقه بالفعل من إنجازات في التكامل الخليجي .. إن تطلعات المواطن الخليجي نحو تفعيل العلاقات البينية وتحقيق الوحدة الاقتصادية بين دول مجلس التعاون وحصوله على المواطنة الاقتصادية في كل دول المجلس تطلعات مشروعة تمثل الغاية التي ينشدها المجلس ..ولقد تبنت قمة / الشيخ جابر / ما يلبي هذه التطلعات حيث دفعت باتجاه تفعيل الاتحاد الجمركي واستكمال السوق الخليجية المشتركة والاتحاد النقدي كما عملت على تعزيز التعاون والتكامل في مجالات استراتيجية أخرى لا تقل أهمية .
وسوف نعمل مع إخوتنا قادة دول مجلس التعاون على تذليل العقبات التي تعترض مسيرة المجلس وتنشيط قوى الدفع باتجاه التكامل .. إن احتلال رفاهية المواطن مكان الصدارة في اولويات الحكومات الخليجية وبروز التحديات الإقليمية التي تحيط بدول مجلس التعاون وظهور التكتلات الدولية تجعل لا خيار لنا إلا خيار التعاون والتكامل فيما بيننا .
وفي المجال العربي تبقى القضية الفلسطينية قضيتنا وقضية العرب الأولى ومحور تحرك المملكة السياسي على الساحات الإقليمية والدولية وقد تشكلت لنا الأحداث التي شهدتها الساحة الفلسطينية الداخلية قلقا بالغا كما هو الحال بالنسبة للشعب الفلسطيني والأمتين العربية والإسلامية وذلك لما يمثله تفاقم النزاع الداخلي واستمراره من تأثير سلبي على القضية والمطالبة بالحقوق الفلسطينية والعربية المشروعة .. من هذا المنطلق دعونا إلى اجتماع الاشقاء الفلسطينين في الرحاب الطاهرة لمكة المكرمة حقنا للدماء وتوحيدا للصف ونحمد المولى / عز وجل / على ما توصل إليه الأخوة الفلسطينيون من اتفاق بمحض إرادتهم.
وما نجم عنه من تشكيل لحكومة الوحدة الوطنية وندعو الله / عز وجل / بالتوفيق لهذه الحكومة في الاضطلاع بمسئولياتها تجاه شعبها وتجاه عملية السلام في المنطقة وستظل القضية الفلسطينية محور جهودنا بغية الوصول للحل السلمي العادل والشامل والدائم وفق قرارات القمم العربية التي أكدت على انتهاجها للسلام كخيار استراتيجي ومشروع السلام الشامل الذي أجمعت عليه الدول العربية في قمة بيروت وأكدته القمم العربية اللاحقة خاصة قمة الرياض الأخيرة .
لقد كانت الاضطرابات الداخلية التي شهدتها وتشهدها الساحة اللبنانية مصدر قلق كبير لنا فتداعياتها السلبية تهدد لحمة لبنان وشعبه الشقيق بل وسيادته واستقلاله أرضا وشعبا وهو أمر له تداعياته على المنطقة واستقرارها وأمنها خاصة في ظل ما عاناه هذه البلد العربي العزيز على قلوبنا من تجربة آليمة لا زالت ماثلة في اذهاننا لحرب أهلية طاحنة اكلت الاخضر واليابس الامر الذي استوجب التحرك السريع لاحتواء الازمة ونزع فتيل الانفجار عبر سياسة التحاور والتشاور مع كافة الفرقاء اللبنانيين بدون استثناء ومع عدد من دول المنطقة بهدف تقريب وجهات النظر والابتعاد عن التصعيد فعلا وقولا.
وندعو الاشقاء اللبنانيين الى استثمار اجواء التهدئة لمعالجة خلافاتهم بموضوعية عبر الحوار والتفاهم بين جميع الفئات والطوائف وتغليب صوت الحكمة والعقل حفظا لسلامة لبنان ووحدته الوطنية وصونا لاستقلاله وسيادته ووحدة اقليمه .. وسوف لن ندخر جهدا في سبيل دعم اقتصاد لبنان وإعادة إعماره على المستويين الثنائي والدولي .
وأخالنا جميعا نحمل نفس مشاعر الاسى والالم لما يمر به العراق هذا البلد الاصيل وما يعانيه من تدهور امني يحصد يوميا العديد من الارواح البريئة وما يتعرض له من زرع لبذور الفتنة وبث الشقاق بين ابناءه وما يواجهه من دعوات مستترة للتقسيم والتفتيت .. وقد حرصت المملكة على المشاركة في جميع اللقاءات والمؤتمرات والاجتماعات الاقليمية والعربية والدولية بهدف مؤازرة الجهود الرامية الى اعادة الامن والاستقرار للعراق وتكريس وحدته الوطنية على مبادئ المساواة والتكافؤ في الحقوق والواجبات والمشاركة في الثروات بين كافة ابناء العراق بمختلف مذاهبهم واعراقهم واطيافهم السياسية ليعيش العراقيون في ظل عراق مستقل موحد الاقليم كامل السيادة عراق يكون لشعبه الكلمة العليا في تقرير مستقبله بمنأى عن أية تدخلات خارجية .
وفيما يخص قضية دارفور فقد حرصنا على هامش القمة العربية التي عقدت في الرياض على دعوة الاخوة في القيادة السودانية الشقيقة ممثلة في فخامة الاخ الرئيس عمر البشير بالاجتماع بالامين العام للامم المتحدة وبحضور الاطراف الافريقية المعنية ونرجو ان يكون ذلك الاجتماع خطوة ايجابية نحو الوصول الى اتفاق حول قضية دارفور .
وفي الشأن الصومالي فقد دعونا جميع الاطراف المتنازعة في الصومال الشقيق لاجتماع لحل مشاكلهم ورحبنا بقدومهم / اذا رغبوا / للمملكة من اجل هذا الهدف ونأمل ان يؤدي ذلك الى إعادة الاستقرار في الصومال .
أيها الاخوة الكرام ..
لقد برزت أزمة الملف النووي في المنطقة لتشكل عبئا جديدا على ازماتها المتلاحقة وقد حرصت الدبلوماسية السعودية بالعمل على معالجة هذا الملف معالجة سلمية تتسم بالعقلانية والموضوعية وتتجنب لغة التشنج والتوتر وتهدف الى ضمان خلو منطقة الخليج والشرق الاوسط من جميع اسلحة الدمار الشامل مع كفالة حق دول المنطقة في امتلاك الطاقة النووية للاغراض السلمية وفق معايير الوكالة الدولية للطاقة الذرية وعدم استثناء اي دولة في المنطقة من تطبيق هذه المعايير بما في ذلك اسرائيل .. وقد اتخذنا في القمة السابعة والعشرين لمجلس التعاون لدول الخليج العربية التي عقدت في الرياض قرارا استراتيجيا بإدخال التقنية النووية في دول المجلس ، وسوف نقدم بمشيئة الله تعالى لدول المنطقة والعالم نموذجا يحتذى به للاستثمار السلمي لهذه الطاقة في تنمية دولنا وفق أعلى معايير السلامة الدولية وقوانينها بمنأى عن اخطار اساءه استخدامها عسكريا أو تأثيرها على شعوبنا وبيئتنا .
إن سياسة المملكة الخارجية تنطلق من قناعات راسخة بضرورة السعي المستمر دون كلل في سبيل تحقيق وحدة الصف العربي وتعزيز التضامن بين الدول العربية ، وترشيخ قيم الاخوة الاسلامية بين جميع المسلمين بمختلف أوطانهم ومذاهبهم بعيدا عن شرور الفتن والفرقة ، ومد جسور التفاهم والتعاون مع كل الشعوب والدول المحبة للسلام بما يرسخ مبادئ الشرعية الدولية ويؤكد تحاور وتفاعل مختلف الحضارات والثقافات .
أيها الاخوة الكرام ..
إن المملكة العربية السعودية تدرك مسؤولياتها الدولية تجاه حفظ السلام الدولي ، وتعزيز التعاون والتقارب بين الدول والشعوب . ومن هذا المنطلق قمت بزيارات خلال الفترة الماضية لعدد من الدول الاسيوية الاسلامية والصديقة ، حيث شملت زياراتي كلا من جمهورية الصين الشعبية ، وجمهورية الهند ، واتحاد مملكة ماليزيا ، وجمهورية باكستان الاسلامية .. وساهمت هذه الزيارات في دفع مسيرة العلاقات مع هذه الدول من خلال التوقيع على اتفاقيات عديدة شملت الجوانب الاقتصادية ، والامنية ، والثقافية ، والعلمية ، كما تم تبادل الاراء مع قادة هذه الدول بشأن القضايا الاقليمية .
إن توسيع أطار علاقات المملكة بالاتجاه شرقا أملته اعتبارات المصلحة الوطنية للمملكة والتطورات التي حصلت في طبيعة المنتظم السياسي الدولي ، فالمملكة تمثل أكبر شريك تجاري لجمهورية الصين الشعبية في غرب آسيا وشمال أفريقيا في حين تعد جمهورية الهند رابع شريك تجاري للمملكة ، يضاف إلى ذلك تأثير كل من الصين والهند في السياسات الاقليمية والدولية .. في حين تربطنا مع اتحاد مملكة ماليزيا وجمهورية باكستان الاسلامية رابطة الدين المشترك ، بالاضافة إلى الروابط الدبلوماسية والاقتصادية .. كما قمت بزيارة للجمهورية التركية وتوجت هذه الزيارة بتوقيع عدد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم والتي تهدف إلى تعميق العلاقات بين بلدينا وفي ذلك تعزيز للتعاون والتقارب الاسلامي .
لقد أصبحت دبلوماسية القمة في عالم اليوم وسيلة فاعلة لتعزيز العلاقات بين الدول وأداة لتحقيق السلام الدولي .. ومن هذا المنطلق ستتكرر / إن شاء الله / هذه اللقاءات مع قادة الدول الصديقة لما في ذلك من تحقيق للمصلحة الوطنية المشتركة وتعزيز للتعاون الدولي .
وفي مجال البترول تدرك المملكة العربية السعودية مسؤولياتها الدولية وتعمل على تحقيق أسعار عادلة لهذه المادة تراعي فيها مصلحة المنتج والمستهلك كما تسعى المملكة إلى تعزيز طاقتها الانتاجية من البترول لتتمكن من الوفاء بالتزاماتها تجاه التنمية الوطنية ومتطلبات الاقتصاد العالمي .
إن السلام العالمي يواجه تحديا جديدا غير مألوف يتمثل بالصدام الثقافي بين الامم .. وهذا التأجيج لصدام الثقافات وما يصاحبه أحيانا من مس بمقام الرسل والأنبياء من شأنه أن يزيد التنافر بين الشعوب المعمورة والعداء بين الأمم .. إن المصلحة الإنسانية وتعزيز السلام العالمي تتطلب التصدي لهذه المفاهيم السلبية بكل السبل والدفع باتجاه موقف دولي مشترك يسعى إلى تعزيز التعاون والتآلف بين شعوب المعمورة ويصون القيم والمقدسات ويحفظ مقام الرسل والأنبياء .
أيها الاخوة الكرام ..
إن المملكة العربية السعودية دولة محبة للسلام تنشد العدل وتحترم حقوق الانسان وتعمل على تسخير ما حباها الله من نعم عديدة لتحقيق تطلعات شعبها وتطلعات الشعوب العربية والاسلامية ضمن مفهوم انساني مشترك يجمعها مع كل الشعوب المحبة للخير والسلام .
وفي الختام أسأل الله أن يحفظ بلادنا ويديم عليها نعمة الأمن والاستقرار إنه على كل شيئ قدير .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .