جاك مارتان المذيع اللامع الذي كسر قواعد التلفزيون
رحيل الرجل الذي كان زوجًا لسيسيليا ساركوزي


الفنان الفرنسي جاك مارتان
قصي صالح الدرويش من باريس: كرست العديد من قنوات التلفزيون والإذاعة الفرنسية برامج خاصة متوقفة عند رحيل النجم التلفزيوني الفرنسي الشهير جاك مارتان الذي توفي بعد معاناة طويلة مع مرض عضال عن أربع وسبعين عامًا. وعلى الرغم من أن مارتان كان قد احتجب عن الأضواء واعتزل العمل بعد تعرضه لنزيف دماغي أدى إلى إصابته بشلل نصفي عام 1998، إلا أنه بقي حاضرًا في ذاكرة الفرنسيين الذين كثيرًا ما تحلقوا أمام الشاشة الصغيرة لمتابعة برامجه بعد ظهر الآحاد على امتداد ثلاثين عامًا.

ولجاك مارتان ثمانية أولاد أنجبهم من ثلاثة زيجات وأربع نساء، كانت أشهرهن الممثلة دانييل إيفنوا التي أنجبت له ولدين دون زواج وكانت المرأة الثانية في حياته، لكن المستجدات السياسية جعلت المرأة الثالثة والزوجة الثانية لمارتان هي الأكثر شهرة والسبب أنها أصبحت الآن سيدة فرنسا الأولى وتدعى سيسيليا ساركوزي. وكان مارتان قد تزوج من سيسيليا عام 1984 في ضاحية نويي الباريسية الراقية وقام بعقد قرانهما عمدة المدينة حينها نيكولا ساركوزي، الذي يقال إنه أغرم بها من النظرة الأولى. وبعد ولادة الابنة الثانية لسيسيليا وجاك مارتان بستة أشهر تركته لتلتحق بساركوزي عام 1987، ثم حصلت على الطلاق في العام التالي، قبل أن تتزوج ساركوزي عام 1996.

روحاني، مثقف، موهوب، كريم، شعبي.. هكذا يتذكر الفرنسيون جاك مارتان الذي ارتبط اسمه بالبهجة والطفولة بالنسبة إلى الكثيرين. ردود الأفعال على رحيل مارتان كانت عديدة في الوسط الفني والإعلامي، لكنها توقفت على المستوى الرسمي على تكريم من وزيرة الثقافة الفرنسية كريستين ألبانيل حيت فيه quot;الفكر الحر الخارج عن القواعد، المضحك والمليء بالمواهبquot;.

وفي الواقع، كان مارتان فنانًا متعدد المواهب يتسم بالتجدد والفكاهة، لامس مختلف أشكال الفنون من الرقص إلى التمثيل والعزف والغناء، بل إنه قاد حفلات استعراضية مثيرة شهدت إحداها قاعة الأولمبيا الباريسية الشهيرة، كما كان مولعًا بالأدب والموسيقى الكلاسيكية والطبخ الذي ورث هوايته عن جده جوانيز دوسيرف الذي كان طباخ قيصر روسيا نيقولا الثاني. لكن شهرته الحقيقية تعود إلى حضوره التلفزيوني المميز وذكائه الذي دفعه ليكون من أوائل المذيعين الذين ينتجون برامجهم. ومن أشهر البرامج التي قدمها وتخطت شهرتها حدود فرنسا ووصلت إلى بعض الدول العربية، برنامج quot;مدرسة المعجبينquot; الذي كان يستضيف أطفالاً يقدمون مواهبهم بحضور مدعوين من نجوم الفن والغناء الفرنسي، وهذا البرنامج كشف عن مواهب لأطفال أصبحوا نجومًا كبارًا اليوم على غرار المغنية فانيسا بارادي التي أصبحت نجمة غناء وتمثيل وزوجة الممثل الأميركي المعروف جوني ديب. لكن البرنامج الذي أطلق جاك مارتان والذي يعد من أكبر نجاحات التلفزيون الفرنسي في تاريخ كان برنامج quot;المخبر الصغيرquot; أطلقه مع رفيقه الممثل الراحل جان يان عام 1975 على القناة الأولى التي كانت قناة عامة، هذا البرنامج كان عبارة عن نشرة أخبار تسخر من الطبقة السياسية واستمرت سنة ونصف فقط، لكنها مثلت أول كسر للجمود السائد على برامج تلك الفترة خاصة ما يمس رجال السياسة.

ولد جاك مارتان في مدينة ليون عام 1933 والده برجوازي صناعي توفي وعمره خمس سنوات فقط، أمضى طفولة حزينة في مدرسة للرهبان قبل أن ينتقل إلى باريس ليصبح ممثلاً ثم ليتنقل بين مختلف الفنون ويصبح نجم التلفزيون اللامع، التلفزيون الذين احتجب عنه منذ إصابته ولم يعد إليه سوى مرة واحدة عام 2003 ليشارك في حلقة تكريم صديقه جان يان إبان وفاته.

برامجه التلفزيونية شاهدها ملايين الفرنسيين، عرف النجومية بكامل وهجها، لكن غالبية أصدقائه يؤكدون أنه لم يحقق فعلا كل ما تمناه، غنى دون أن يصبح مغنيًا ورقص دون أن يصبح راقصًا وكتب دون أن يصبح كاتبًا وشارك في الصحافة لكنه لم يصبح صحافيًا، فقد كان موهوبًا بحرية وبحرية كاملة لكنه لم يصبح حرفيًا، فالتنوع حال دون الاختصاص ولذلك ظل طموحًا مرتجلاً بل أصبح في الواقع ملك الارتجال.

على الرغم من البهجة التي كان يبعثها حوله، فإن بعض المقربين أشاروا إلى أنه كان في أعماقه قلقًا ويخشى السعادة، أما دانييل إيفنو شريكته الثانية التي بدا عليها التأثر الكبير لوفاته فقد عزت شعبيته الكبيرة إلى جرأته في السخرية من كل شيء، مشيرة إلى ثقافته الواسعة ومضيفة بأنه أراد أن يصبح مثل جين كيلي ومثل بافاروتي.. أراد أيضًا أن يعمل في هوليوود لكن الموسيقى كانت أهم شيء في حياته إلى جانب الكتب. وختمت بقولها إن علاقته كانت طيبة مع أطفاله الثمانية الذين تحلقوا حوله في عشاء موحد قبل أشهر.