حديث عن quot;أجواء سبتمبريةquot; تلوح في خريف مصر
توقع إجراءات ضد الصحف الخاصة ومبارك يُطمئن
نبيل شرف الدين من القاهرة :
quot;المكالمquot; أصبحت هي أكثر ما يميز أجواء نهايات الصيف في القاهرة هذه الأيام، quot;مكالمquot; في الصحف، وفي شتى وسائل الإعلام المحلية والفضائية، وفي دواوين العمل، وفي حافلات النقل العام ومترو الأنفاق، وفي المجالس الخاصة، والحديث الذي يبدأ عن رمضان وأجوائه، ودخول المدارس وأعبائها، لا يلبث أن يتحول بالتالي إلى حديث سياسي بامتياز عن أحوال مصر، ويبدو أن سيرة نجل الرئيس جمال مبارك هي الحاضر الغائب في أحاديث العامة والنخبة على حد سواء، خاصة مع اقتراب موعد المؤتمر العام للحزب الوطني (الحاكم)، الذي يشغل جمال منصبًا مهمًا في قيادته التنظيمية.
وفي تصريحات صحافية نشرت اليوم انتقد مبارك تناول بعض الصحف المستقلة شائعة تتعلق بتدهور صحته مؤخرًا، وقال إن اختلاق شائعات لا أساس لها والتمادي فيها يعني أن هناك قصدًا من ورائها، يستهدف زعزعة الاستقرار، واثارة البلبلة وقلق المستثمرين، بما ينعكس على أوضاع البورصة والبنوك.
حرية الصحافة
وفي ظل تنامي المخاوف في الشارع السياسي المصري، من أن تطال إجراءات قاسية الصحف الخاصة، لا سيما بعد صدور حكم غير مسبوق بحبس أربعة رؤساء تحرير دفعة واحدة، فقد صرح الرئيس المصري حسني مبارك لصحيفة quot;الأسبوعquot; الخاصة أيضًا، والتي يرأس تحريرها مصطفى بكري، أكد فيها مبارك quot;أنه لا تراجع عن حرية الصحافة ولا عودة لكبت الحريات، وأن الحرية وجدت لتبقى وأنها أصبحت ملكا للشعب المصريquot;، مطمئنًا جميع الصحافيين والكتاب بأن هذه الحرية لن تتراجع، ولن تعود مرة أخرى إلى عهد المصادراتquot;، غير أن مبارك استدرك قائلاً quot;إن هناك قانونًا يتوجب تفعيله ومحاسبة كل من يخرج على ميثاق الشرف الصحافي، أو يهدد سلامة البلادquot;، وهو الاستدراك الذي لا يخلو من مغزى ذي دلالات.
مراقبون من مشارب شتى يرون أن خريف العام سيكون حاسمًا على نحو ما، ويصفه معارضون بأنه quot;خريف التوريثquot;، بينما يعرب بعضهم عن قلقه من أن يشهد مواجهات أكثر شراسة من تلك التي شهدتها التحركات المؤيدة لما اصطلح على تسميته بـ quot;انتفاضة القضاةquot;، ويربط المعارضون بدء الدراسة في المدارس والجامعات بإحالة عدد من الصحافيين مؤخرًا للمحاكم، ويذهب المتشائمون لحد القول إن هذا quot;ليس أكثر من بروفة لمعارك قادمة أكثر حدة وسخونةquot;.
في الجانب الآخر من هذا المشهد المتوتر يتحدث بلهجة لا تخلو من الوعيد، محسوبون على الحزب الوطني (الحاكم) عن إجراءات مزمعة، ومعظم من تحدثنا معهم من المحسوبين على الحكم، يراهنون بدرجة أو أخرى من الحماس على خطوة يتحدثون عنها بثقة، كأنها quot;آتية لا ريب فيهاquot;، تبدأ بغلق الصنابير التي تدفقت منها المياه خلال الأعوام الأخيرةً وتغيير كافة quot;المحابسquot; التي تتسرب منها المياه، وباختصار quot;تجفيف الحراكquot; الذي يتفق الجميع في مصر ـ مؤيدين ومعارضين ـ على أنه بدأ بالفعل، ولكن هل يعني هذا أن النظام سوف يبتلع ذلك quot;التحريض الفجquot; من مستشاريه الذين لم يبذل جهدًا كافيًا في اختيارهم واختبارهم بعناية، حتى يقلب quot;ظهر المجنquot; للشارع والنخبة، على نحو ربما يستدعي المقارنة هنا بين أجواء أيلول/سبتمبر من العام 1981، وأيلول/سبتمبر هذا العام 2007.
أجواء سبتمبرية
وتمثل الأحكام التي صدرت يوم الخميس الماضي بحق أربعة من رؤساء تحرير الصحف المستقلة تصعيدًا، يصفه محللون بأنه قد يكون بداية حملة يشنها الحزب الوطني (الحاكم) ضد الصحف المستقلة التي لا تكف عن الحديث بأن الرئيس حسني مبارك يعد ابنه جمال لخلافته، وهو ما أنكره مبارك الأب والابن مرارًا.
وفي سابقة لم تحدث في تاريخ مصر، قضت محكمة بحبس أربعة من رؤساء التحرير لمدة عام، وهم إبراهيم عيسى رئيس تحرير صحيفة الدستور وعادل حمودة رئيس تحرير الفجر، ووائل الإبراشي رئيس تحرير صوت الأمة، وعبد الحليم قنديل رئيس تحرير الكرامة، وتغريمهم مبلغ 20 ألف جنيه مصري لكل منهم.
وفي هذا السياق يرى مراقبون أن النظام بدأ يقلب quot;ظهر المجنquot; لهذا الحراك السياسي الذي quot;انفلت عيارهquot; أو بتعبير أقل فجاجة quot;ضبط الأوضاعquot; وهو عنوان يحتمل من التفاصيل ما لا حصر له، فأي إجراء قد يتخذ بحق الصحافة يمكن تصنيفه تحت هذه اللافتة، لاسيما بعد أن كشفت عورات كثيرة، ويمكن أيضًا أن يدرج تحت هذا البند أي اتجاه إلى تضييق مساحة التعبير التي يرى كثيرون أن خروقها اتسعت على الراتق، خاصة أن الصحف الحكومية مازالت مغلولة الأيدي، محاصرة بروائح الفساد، ومكبلة بأنظمة إدارية عتيقة ترجع للعهد الشمولي.
المعنى ذاته عبر عنه بعبارات أخرى يربط بين الأجواء السبتمبرية التي حاصرت السادات، بعد أن أقدم على quot;قلب الطاولةquot; فوضع فؤاد باشا سراج الدين، مع حسنين هيكل، ومرشد الإخوان آنئذ معاً في زنزانة واحدة، رغم أن الأمور كان يمكن أن تمضي في سبيل أكثر هدوءًا ومن خلال سلوك أقل تشنجًا، لو كان السادات يؤمن حقًا بأن ريح الديمقراطية قد هبت بالفعل، كما استشعر قبلها أن السلام خيار مصر الاستراتيجي، وكان عليه أن يتحمل نصيبه من هذه العواصف فيرضي ببعض متاعب العين أو احتقان الأنف أو السعال، حتى تمضي العاصفة، خاصة أن قفزته الهائلة صوب المستقبل بتوقيع اتفاق السلام مع إسرائيل كانت حينذاك ـ وربما لم تزل لدى البعض ـ أبعد من قدرات هؤلاء على استيعاب ما يدور في العالم من تدابير لسنا منها أكثر من مشاهدين يجلسون في الصفوف الأخيرة من المسرح.
وفي زاوية أخرى أكثر تفاؤلاً يقول مراقبون إنها quot;عودة الروحquot; التي بشر بها توفيق الحكيم وقد بدأت تدب في أوصال الأمة المصرية التي كدنا من فرط اليأس نحسب أنها ماتت، لكن السياسة عادت إلى الشارع المصري، وها هم الفاسدون والزائفون والمزورون باتوا محشورين في زاوية الدفاع عن أنفسهم، وتبرير عار المتاجرة بمستقبل الأمة من أجل منافع شخصية، فمصر شأن أي بناية عريقة، ما أن تنفض عنها التراب، وتزيل العناكب حتى تبدو روعتها وتستعيد رونقها.