قراءة في تغيير قيادة المجلس الوطني للإعلام في الإمارات:
هل ينهي خروج عبد الله بن زايد والقرقاوي شهر العسل مع الصحافة؟


عبد الله بن زايد يتخلى عن رئاسة المجلس الوطني

تاج الدين عبد الحق من أبوظبي : طوى الإعلام الإماراتي صفحة مهمة من تاريخه اليوم، بخروج كل من الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية من رئاسة المجلس الوطني للإعلام، ووزير شؤون مجلس الوزراء محمد عبد الله القرقاوي الذي كان نائبًا للشيخ عبد الله في المجلس. ومع أن الأوساط الإعلامية الاماراتية لا تزال تتلمس انعكاسات وآثار التغيير في قيادات المجلس على الساحة الاعلامية المحلية، فإن هناك تساؤلات كثيرة حول مغزى التغيير وما يحمله من دلالات على صعيد التجربة الإعلامية الإماراتية التي باتت تأخذ بعدًا إقليميًا ودوليًا من خلال استقطابها مئات المؤسسات الاعلامية العربية والاجنبية. واستباقًا لأي تفسير تآمري حول دلالات التغيير، فإن صدوره تم ضمن حزمة من القرارات التنظيمية التي شملت عددًا من الهيئات والمؤسسات الحكومية المستقلة ماليًا وإداريًا، يؤكد أن ضرورات تنظيمية كانت وراء القرار الخاص بالتغيير في المجلس الذي لم يمض على إنشائه أكثر من عامين والذي كان ينظر إليه في الغالب كوريث لوزارة الاعلام والثقافة التي تم إلغاؤها في التشكيل الاول لحكومة الشيخ محمد بن راشد المكتوم نائب رئيس دولة الامارات ورئيس مجلس الوزراء حاكم دبي.

وأول هذه الضرورات تخفيف الأعباء التي يتحملها الشيخ عبد الله بن زايد الذي تتزايد اعباؤه في وزارة الخارجية داخليًا وخارجيًا، وتلك التي يتحملها القرقاوي كوزير لشؤون مجلس الوزراء تصب عنده ملفات كثيرة تستغرق الكثير من جهده ووقته.

واذا كان الشيخ عبد الله والقرقاوي قد تحملا عبء قيادة المجلس في العامين الماضيين، فإن ذلك فرضته بالاجمال ضرورات مرحلة التأسيس التي تقتضي إضافة الى رسم سياسات عمل المجلس إقرار العديد من النظم واللوائح التنظيمية اللازمة لعمله، وهي لوائح استفادت كثيرا من روح المبادرة والجرأة التي اتسمت بها رؤية الشيخ عبد الله للعمل الاعلامي منذ ان كان وكيلا لوزارة الاعلام ومن ثم وزيرا للاعلام وفيما بعد رئيسا للمجلس الوطني للاعلام كما استفادت من القدرات الادارية العالية التي يتمتع بها القرقاوي والتي ساهمت بتحويل اللوائح التنظيمية التي صدرت عن المجلس طوال العامين الماضيين من رؤى نظرية الى برامج عمل ميداني.

وحسبما ترى بعض الاوساط الاعلامية فإن مهمة خلف الشيخ عبد الله في المجلس وهو وزير العمل صقر غباش ndash;والمعروف في الوسط الاعلامي اذ عمل سنوات كوكيل لوزارة الاعلام ndash; ستكون استكمال ما بدأه الشيخ عبد الله والبناء عليه . كما ان تعيين عبد الرحمن العويس وزير الثقافة في المنصب الذي كان يحتله القرقاوي كنائب لرئيس المجلس لا يأخذ فقط ما بين الاعلام والثقافة من وشائج ، بل انه يأخذ في الاعتبار ايضا مشاطرة وزارة الثقافة المبنى نفسه الذي يشغله المجلس الوطني للاعلام ما يسهل كثيرا من الاعباء الادارية اليومية التي تحتاج الى متابعة من الوزير العويس.

واذا صح هذا التفسير، فإن المجلس الوطني للاعلام في الامارات ينتقل الآن من مرحلة رسم السياسات بكل ما فيها من أبعاد سياسية محلية وخارجية الى مرحلة العمل التنفيذي لهذه السياسات . صحيح ان الجوانب التنفيذية ليست سهلة وتحتاج الى متابعة حثيثة، الا انها ستكون اقل حساسية من مرحلة رسم السياسات التي كانت تتطلب الكثير من الحسابات الداخلية والاعتبارات الخارجية.

ولا شك ان وجود شخصية اعلامية تتسم بالكثير من المثابرة والمهنية كابراهيم العابد الذي يتولى منصب المدير العام للمجلس الوطني للاعلام سيشكل جسرًا للتواصل بين المرحلتين، فهو شريك في مرحلة التأسيس بكل ما فيها من تفصيلات وهو جزء اصيل من مرحلة الانطلاق الجديدة بكل ما تحمله من تحديات واعباء.

وحسب قراءة أولية لاكاديمي إماراتي فإن المجلس الوطني للاعلام كإطار عمل اتحادي ( ليس معنيًا الآن بتوجيه العمل اليومي للمؤسسات الاعلامية المحلية أو حتى العربية والاجنبية التي تعمل في الامارات بقدر ما هو معني بمدى انسجام عملها مع الخطوط العريضة التي حددها المجلس كسياسات او تشريعات تنظم العمل الاعلامي ) ويضيف شارحًا (ان المجلس الوطني للاعلام لا يبدو في ظل تحول عبء العمل الاعلامي المحلي، تمويلاً وتوجيهًا الى السلطات المحلية في كل امارة من الامارات الاعضاء معنيًا بتوجيه العمل اليومي للمؤسسات الاعلامية المحلية، كما كانت الحال عليه في مرحلة وزارة الاعلام حين كانت كل المؤسسات الاعلامية تعمل على ايقاع مهني واحد) ويستطرد ليقول انه بالنسبة إلى المؤسسات الاعلامية العربية والاجنبية التي تعمل في الامارات بما في ذلك التي تعمل في المناطق الاعلامية الحرة، فإن (علاقتها بالمجلس الوطني للاعلام باتت محكومة باتفاقيات تشبه التعاقد ما يعني ان هذه المؤسسات تعرف سلفًا الحدود التي تعمل بها والمسوح لها والممنوع عنها بشكل لا يخلق تلك المواجهة اليومية التي كنا نرى لها تجليات في عصر الرقابة والتوجيه الرسمي للعمل الاعلامي).

ويشير إلى أن تعدد المؤسسات الاعلامية العربية والاجنبية التي تعمل في الامارات والتي تعد بالمئات، لا يتيح للمجلس الوطني للاعلام سلطات عمل على اساس يومي بل من خلال صيغة تعامل قانوني ملزمة تكون اساسًا للترخيص لتلك المؤسسات ويحتكم لها، وتكون فصلاً عند اي تجاوز لما فيها من بنود.

والسؤال الذي طرحه الكثير من الاعلاميين بعد صدور قرار تغيير رئاسة المجلس هو هل خروج الشيخ عبد الله بن زايد ال نهيان ومحمد القرقاوي ينهي شهر العسل الذي عاشه الصحافيون في الامارات طوال العقد الذي كان فيه الرجلان جزءًا من المشهد الاعلامي؟ وكانت الاجابة المباشرة التي اعطيت لهؤلاء هي ان المسافة بين السياسة والاعلام اقصر من ان تترك فرصة للاختيار بين العملين ، فهما وجهان لعملة واحدة وإن تعددت الاسماء واختلفت الاساليب. بل إن هناك من يعتقد أن فك الارتباط بين عمل الشيخ عبد الله كوزير للخارجية وموقعه السابق كرئيس للمجلس الوطني للاعلام يعطيه حرية اكبر في التعبير اعلاميًا عن السياسة الخارجية، دون ان ينظر الى ما يطرح في الاعلام كصدى رتيب لتلك السياسة.