أيام السيد حسن نصرالله... على باب الخمسين (2/3)
مطحنة الشيعة... من أجل الوصول إلى كرسي الزعامة

أيام السيد حسن نصرالله... على باب الخمسين (1/3)
حياة على الهامش وعيون ترنو الى الزعامة من باب الدين

زيد بنيامين من دبي: بحلول العام 1978، ومع دخول الحرب الأهليّة اللبنانيّة عامها الرّابع، غادرالمئات من شيوخ الدين الشيعة ومن بينهم عبّاس الموسوي وحسن نصر الله العراق خوفًا من بطش النائب صدام حسين الذي وقّعحينها هدنة مع الشاه ليتخلص من الأكراد. ونصّت الاتّفاقيّة في أحد بنودها على تشديد الحصار على النجفوحوزاتها الدينيّة والإمام الخميني وأتباعه. وأصيب العائدون إلى لبنان في تلك المرحلة بخيبة أمل كبيرة، بعد اختفاء الإمام موسى الصدر بشكل غامض أثناء زيارته إلى ليبيا. وتولى آنذاك المحامي نبيه برّي المقرّب من سوريا قيادةحركة أفواج المقاومة اللبنانية quot;أملquot;. وجاءت أولى قرارات برّي الدعم التّام لسوريا، الأمر الذي أجبره على تحييد عدد كبير من رجال الدين الشيعة، وخصوصًا حين دعم ترشيح الياس سركيس لرئاسة الجمهوريّة في لبنان. وبدأ بحركة إصلاحات داخل حركة أمل مستفيدًا من اختفاء الصّدر.

ووجدالموسوي الذي افتتح حوزة في بعلبك ما كان يبحث عنه في شخصيّة نصر الله الطالب في الحوزة والشاب الطموح، فكلّفه بمهمّة البحث عن مقاتلين شيعة من عمره، بهدف تأسيس حركة شيعيّة خالصة تدعم الكفاح المسلّح.

رفسنجاني

ومع الاجتياح الإسرائيلي للبنان في العام 1982، سعت إيران إلى كسب تعاطف المسلمين وخصوصًاالشيعة أثناء حربها مع العراق، فوجدت في هذه المجموعة الشابة فرصة لا تفوّت، ولم تبخل في دعمها وتدريبها لعناصرها في لبنان، وأرسلت عددًا من عناصر الحرس الثوري الإيراني لتدريب المقاتلين في وادي البقاع مقابلمشاركة عدد من عناصر المجموعة في القتال إلى جانب الإيرانيين على الجبهة العراقيّة. أما سوريا، فوجدت في المجموعة الشابة مخرجًا لحفظ ماء الوجه في صراعها مع إسرائيل، حيث أنّها لم تكن تريد صراعًا مباشرًا يكلفها غاليًا.

وسعت إيران آنذاك إلى إنشاء جمهوريَّة إسلاميَّة في لبنان، تكسب أتباعها من الحرب المعلنة على إٍسرائيل. وكان قرار نصرالله وقتها الانسحاب التام من حركة أمل كما فعل أستاذه الموسوي الذي سحب معه من الحركة مجموعة من الشباب الذين أدخلهم إلى جناحها العسكريّ.

كان على تلك الحركة التي نشأت والتي لم تأخذ لا شكلاً ولا اسمًا نهائيًا بعدأنتتبعلإيران وكان هدفها المباشر هو شن هجمات انتحارية ضد القوات الإسرائيلية والغربية في الفترة الممتدّة بينالعام 1982 و1984. ونفّذت الهجمات الإنتحاريّة تحت أسماء مختلفة مثل (منظمة العدالة الثورية) و (منظمة المقهورين على الارض). ومع حلول العام 1985، أعلن حزب الله عن اسمه الرسمي في رسالة مفتوحة نشرتها إحدى الصحف اللبنانية، وأطلق كذلك الحرب المقدسة ضد إسرائيل وأي بلد غربيّ يدعمها.

ولم تكن الأمور سهلة بالنسبة إلى حزب الله في البداية، إذ كان عليه محاربة حركته الأم التي خرج عنها (حركة أمل). وانفجرت حرب بين الحركتين في العام 1988 فيما كان نصرالله يتصدّر جبهة القتال الأمامية ضدّ (إخوانه) الشيعة. وفي هذا السياق يوضحتيمور غوكسيل المستشار السابق في القوات الأممية الموجودة في لبنان، إن نصر اللهquot;كان مع مقاتليه على الارض طوال الوقتquot;، ويضيف quot;كان المقاتلون يحبونه لأنه كان في الصفوف الأمامية، ومن هنا ربح إخلاصهم حتى يومنا هذاquot;.

وسرعان ما انقلب هذه النزاعمع حركة أمل إلى مواجهة شخصيّة، مع إصابةالأخ الأكبر لنصر الله(جهاد الحسيني) الذي كان مقاتلاً في صفوف حركة أمل. ويقول غوكسيل quot;يمكنك ان تتصوّر معاناة الوالدين حين يقاتل أحد أبنائهما في جهة ضد أخيه في الجهة المقابلةquot;.

وتحوّلت المعركةبين شيعة أمل وحزب الله إلى حرب قاسيةوشاملةبين فريقين من الشيعة، واتّخذتالشوارع الضيقة بين المنازل ساحة للقتال. وفي هذا الصدد، يقول أحد الصحافيين الذين عرفوا نصرالله جيدًا quot;حتى اليوم،ما زالتعلاقة نصر الله بأخيه باردة جدًا... انها علاقة غير جيدةquot;.

أمين عام حزب الله حسن نصرالله
وفي العام 1987، تمكّنت قوى حزب الله من السيطرة على معظم مواقع حركة أمل في مناطق الجنوب الغربيّ من العاصمة اللبنانية بيروت. وكان التدخل السوري كفيلاً بوضع حدّ للنزاع. وانتقل نصر الله إلى مدينة قمالتي تعدّ معقل الدراسات الدينيّة فيإيران من أجل إكمال دراسته.

كانت خطوة السفر هذه بمثابة الاحتجاج على التدخل السوري وايقاف حمام الدم الجاري بين الاخوة الشيعة على طريقة نصر الله ووصول القوات السورية الى داخل العاصمة اللبنانية بيروت نفسها... كان في تلك المرحلة من عمره قد توصل الى رؤية مفادها ان الاهمية الدينية تساوي الاهمية السياسية التي لطالما بحث عنها في الماضي، خصوصًا أنه كان يرنو نحو تولي منصب قيادي في هذا الحزب.

في العام 1989 وبينما كانت الحرب الاهلية اللبنانيةتعيش ايامها الاخيرة، تجدد القتال بين حركة أمل وحزب الله،الأمر الذي دفع بنصر الله الى التوقف عن الدراسة للمرّة الثانية- وكانت المرّة الأولى في نهاية السبعينات حين أوقف دراسته وهو في العراق -والعودة إلى المشهد اللبنانيّ ليقود بنجاح عناصر حزب الله ضد حركة أمل في إقليم التّفاح في جنوب لبنان. وأصيب خلال تلكالمواجهة بجرح خفيف. وفي أواخر الثمانينات، أصبح نصر الله قائدًا للمنطقة الوسطى وعضوًا مهمًا في مكتبها السياسي.

الحدث الابرز الذي كشف عن موقف حزب الله وخصوصًا جناح نصر الله من السعودية، كان اثناء المواجهات التي جمعت بين الشيعة والسلطات السعودية اثناء موسم الحج في يوليو 1987 ووقتها صرح نصر الله بالقول quot;اولوياتنا دائمًا كانت مواجهة الولايات المتحدة الاميركية، ولكننا الآن نعلن أن عائلة آل سعود ونظامها هما الأولوية بالنسبة إلينا في حربنا لإستعادة دماء شهدائناquot;.

كانت نهاية ذلك العقد، قد شهدت التوقيع على اتفاقية الطائف في السعودية لإنهاء الحرب الأهلية اللبنانية وهي الاتفاقية التي ألحقت الاذى بحزب الله نفسه حيث انقسم الى قسمين، الاول يقوده مؤسس الحزب الموسوي نفسه حيث كان يقبل بهذه الاتفاقية التي كانت تطلق الجمهورية اللبنانية الثانية، وهو ما كان يعني ان يتخلى حزب الله عن حلمه بتأسيس جمهورية اسلامية في لبنان على غرار الجمهورية الاسلامية في ايران، وكان هذا القسم من الحزب قد دعمه فضل الله احد رجال الدين البارزين في لبنان، وكان يدعو إلى إطلاق سراح الاسرى الغربيين الذين حصل عليهم حزب الله والتركيز على طرد اسرائيل من جنوب لبنان.

القسم الثاني من الحزب والذي كان يقوده نصرالله والسيد ابراهيم الامين والذي كان لديه كلمته على الارض أكثر، كان يريد الاحتفاظ بالاسرى الغربيين ورفض اتفاقية الطائف كما كان يبدي تخوفه من اي تدخل للولايات المتحدة في الموضوع، وكان يعامل اي اتفاقية تحد من طموحات الحزب بعدائية، وكان هذا الجزء من الحزب مدعومًا من ايران وخصوصًا علي اكبر محتشمي الذي يعد من مؤسسي حزب الله.

كان القسم الاول من الحزب بقيادة موسوي مدعومًا من إيران أيضًا، ولكن من جناح الرئيس الايراني علي اكبر رفسنجاني في ذلك الوقت... حيث كان يسعى رفسنجاني الخارج توًا من حربه مع العراق لتقديم إيران بصورة اكثر تحضرًا ويسعى لتقوية علاقته بسوريا... وكانت اتفاقية الطائف تقدم اعترافًا شرعيًا بالتواجد السوري على الارض اللبنانية وهو ما كان ينتظره الحليف (سوريا) من حليفه (ايران)، وكان التفسير واضحًا لأسباب تواجد اغلب قادة حزب الله من القسم الاول بقيادة عباس الموسوي في اجتماع عام لقادة حزب الله عقد في إيران في أيلول (سبتمبر) 1989.

كان نصر الله يزور إيران في هذه الفترة بصورة دورية باعتباره ممثلاً لحزب الله في ايران وهو ما فسره المطلعون بأنه كانت محاولة لابعاده عن المشهد السياسي اللبناني بأي طريقة.

المصادر:
مجلة نيوزويك الاميركية (نصر الله الحقيقي 2006)
نصر الله ndash; الامين العام لحزب الله (النشرة الاستخبارية للشرق الاوسط ndash; العدد 6 ndash; غاري غامبيل)
ويكبيديا (حسن نصر الله)
ارشيف جريدة النيويورك تايمز
جريدة الشرق الاوسط اللندنية