فيما الكنيسة تدعو إلى مصالحة مع الدولة
الفنزويليون يناقشون: هل كان المسيح إشتراكيًا؟

عبداللطيف السعدون من كاراكاس: في مقهى quot; La Mansion Del Pan quot; التي تعني بالإسبانية quot;بيت الخبزquot; يلتقي على مائدة quot;فطور الأحدquot; رجال ونساء مختلفون، جامعيون وصحافيون وأدباء ورجال أعمال، ومِن مهن أخرى، ليس بهدف تناول الفطور فقط، وإنما للنقاش والحوار في قضايا الساعة، وعادة ما يعرج النقاش إلى ميادين مختلفة قد يكون من بينها السياسة والشعر والفن وارتفاع أسعار النفط، وحتى قضايا أخرى تعكس اهتمامات الفرد الفنزويلي مثل التعري بدافع الاحتجاج على قضية عامة، أو اعتبار ناس فنزويلا أكثر شعوب العالم، نسبة لعدد السكان، استهلاكًا لحبوب quot;الفياغراquot;، وما إلى ذلك من الموضوعات!

ويشكل هذا quot;المقهىquot; معلمًا مشهورًا من معالم مدينة فالنسيا ( 150 كم غربي العاصمة كاراكاس )، وتطل عبر نوافذها العريضة المفتوحة على تقاطع شارعين يتجهان الى مركز المدينة القديمة، مما يكسبها ميزة اضافية تدفع بالسياح والغرباء الى اقتناص أيام الآحاد لارتيادها والاستمتاع بجو النقاش الحر الذي يدور فيها.

وعلى الرغم من أن العديد ممن يغشونها يجيئون للمرة الأولى الا أنهم سرعان ما يتحولون الى رواد دائمين، يعرف نادل المقهى من خبرتهم ما الذي سيطلبونه اذ اشتهر هذا المقهى بتقديم القهوة الشقراء بالحليب، وفطائر اللحمة أو الجبنة أو السبانخ، وأصابع الشوكولاته المحملة بالجوز أو الفستق.

وفي هذا quot;الأحدquot; نظم فريق من الشباب نقاشًا مفتوحًا في فكر القس بادري روهاس، وهو من quot;التشافيزتاسquot; أي من أنصار الرئيس هوغو تشافيز، وكان قد لمع نجمه، في أنحاء أميركا اللاتينية بعد تبنيه لفكرة quot;تحرير علم اللاهوت من القيود المصطنعة التي تتعارض مع جوهر الرسالات السماوية وتكبل الانسان المعاصر على نحو غير عادل وغير سليمquot;، ويدعم quot; القس الأحمر quot;، كما يطلق عليه هنا، توجه الرئيس تشافيز لنقل فنزويلا الى الاشتراكية، وهو الاتجاه الذي أثار حفيظة رجال الدين التقليديين المسيطرين على الكنيسة الكاثوليكية هنا والذين يناصبون تشافيز العداء.

والسؤال المحوري الذي دار حوله النقاش هو: quot; هل كان السيد المسيح اشتراكيا حقا ؟ quot;، وقال روهاس ان النقاش ينبغي ألا يتجه إلى تقرير ما اذا كان المسيح اشتراكيًا أم لا، وانما إلى تناول نقاط الالتقاء بين المسيحية وبين المادية التاريخية، مضيفًا quot; أن علينا ألا نستغرب أن المسيح الذي عاش في عصر العبودية والبداوة استخدم في رسالاته الروحية الى العالم كلمات وتعابير مشابهة لتلك التي استخدمها منظرو المادية الجدلية مثل ( الأخوة بين البشر ) و( تحرير المضطهدين ) و( مساعدة المحتاجين )، واستشهد بآيات من quot; العهد القديم quot; تتضمن هذه المعاني:

quot; روح الرب علي لأنه مسحني لأبشر المساكين، أرسلني لأشفي المنكسري القلوب، أنادي المأسورين بالاطلاق، وللعمي بالبصر، وأرسل المنسحقين في الحرية، وأكرز بسنة الرب المقبولة quot; انجيل لوقا ndash; الاصحاح الرابع / 18 ، وأوضح روهاس quot; اننا نستخدم اليوم جوهر دعوة المسيح، ولكن بلغة مجتمعنا، والاشتراكية التي ننادي بها انما هي السبيل للانتقال من مجتمع العوز والحرمان الى مجتمع التكامل لكي نكون أكثر انسانيةquot;. ورد على روهاس شاب جامعي مشيرًا الى quot; ان اشتراكية تشافيز تعني الشيوعية فهل كان المسيح شيوعيًا؟ quot;، وانبرى للرد عليه شاب من quot; التشافيزتاس quot; بالقول:
quot; نحن مع تطبيق الاشتراكية.. وليذهب أعداء الاشتراكية الى الجحيم ! quot;

واحتد النقاش وتشعب، ووصفت كلاوديا سونيرو ( باحثة اجتماعية ) الشعب الفنزويلي بأنه quot; كاثوليكي مؤمن، ولكنه يريد الاشتراكية لأنها لا تتعارض مع المسيحية وتضمن حقوق الفقراء والمحرومين quot;. وكان الرئس الفنزويلي هوغو تشافيز نفسه قد دعا أكثر من مرة الى فتح نقاشات حول العلاقة بين الاشتراكية والدين، مؤكدًا quot; أن المسيحية هي اشتراكية بالأساس، وأن المسيح هو اشتراكي ثوري quot;مذكرًا بمقولتهquot; اسهل للجمل من أن يدخل خرم الابرة من أن يدخل الغني ملكوت السماواتquot;، وقد أثارت ملاحظاته في حينه ردة فعل حادة لدى قادة الكنيسة، دفعت تشافيز للتأكيد لممثل الفاتيكان الكاردينال هورهيه أوروسا سافينو على أن الدولة تحترم الكنيسة وعلى الكنيسة أن تحترم الدولة !

وسأل لويس... ( من أصل عربي ) عما يريده quot; اللاهوتيون المتحررون quot; اجابته سونيرو أن هذا التيار بدأ لدى الكاثوليك في أميركا اللاتينية بعد انعقاد المجلس البابوي في الفاتيكان قبل أكثر من نصف قرن، والفكرة التي يطرحها هذا التيار هي تحرير الناس اقتصاديًا واجتماعيًا وإيديولوجيًا، مضيفة ان على كل المؤمنين، ومن مختلف الأديان أن يشاركوا بنشاط في بناء مجتمعات متحررة من الفقر والجهل والمرض.

وتقاسم الحاضرون في نهاية النقاش quot; كعكة الله Pan De Lord quot; التي اعدت خصيصًا لهذه المناسبة، وقبل أن ينصرفوا بادرهم quot; القس الأحمر quot; بالتأكيد على quot; أننا سنكون في المرة القادمة اشتراكيين فعلاً، وسيدفع كل منا ثمن ما يطلبه!quot; هذا وقد انتهز أساقفة الكنيسة الكاثوليكية احتفالات الفنزويليين بأعياد الفصح ( أسبوع سانتا ) للدعوة الى مصالحة شاملة بين الدولة والكنيسة وقال الكاردينال لويس تينيو في موعظة يوم الجمعة العظيمة ان الامر قد لا يكون سهلاً، ولكن من الضروري ان نتسامح وأن نغفر لكي نصل الى مصالحة بين الفنزويليين وquot; لا يمكننا ان نستمر في العيش وواحدنا يحقد على الآخر.. علينا أن نتعلم كيف نعفو وكيف نسامحquot;.

كما تطرق أسقف ولاية زوليا اوبالدو سانتانا طبقة السياسيين الى التفكير في وعودهم لابناء شعبهم خاصة بعد ان تفشى العنف، وإنتشرت ظاهرة القتل والجريمة في هذا البلد الذي يعتبر في مقدمة دول العالم في ارتفاع معدلات الاجرام، ويحتفظ ثلث مواطنيه على الأقل في مساكنهم باسلحة نارية اغلبها غير مجاز رسميًا، ورغم الحملات والخطط الامنية التي تنظمها الحكومة لمكافحة هذه الظاهرة فإن الأمن لا يزال يشكل الأولوية الاولى في اهتمامات المواطن الفنزويلي. وقال سانتانا quot; ان على السياسيين ان يجلسوا على مقاعد الكنيسة، وأن يفكروا أمام الله فيما ما يمكن لهم أن يقدموه لمواطنيهمquot;.