يتعرض لموجة نقد واسعة من كتّاب المقالات
مسجل يدفع الوزير القصيبي للاعتراف بتصريحه

ممدوح المهيني من الرياض: يبدو أن وزير العمل السعودي والوجه المعروف عربياً د. غازي القصيبي قد بدأ يفقد بعضاً من مهارته في إلقاء التصريحات الصحافية المثيرة التي جعلته، وحتى في الوقت الذي كان يشغل فيها مناصب غير مهمة، محط الاهتمام والمتابعة. فقد قال القصيبي يوم أمس في مؤتمر صحافي إنه لن يتم تقديم إعانات للعاطلين عن العمل إلا إذا مات أحد منهم من الجوع. وأثار هذا التصريح ، الذي يبدو فظاً وغير مراعٍ لشعور العاطلين عن العمل، الغضب والتعليقات المتهكمة على هذا الوزير التي تطالبه بأن يأخذ معه quot; عبوات من علب المناديل المعطرة لتمسح بها دموعك من هول ما تشاهد في القرى بل وفي الأحياء الشعبية داخل المدن الصغيرة والكبيرة quot; ، كما جاء في أحد التعليقات في موقع في جريدة عكاظ السعودية التي نشرت الخبر.

ولكن الوزير القصيبي، وفي مؤتمره الصحافي الذي عقده اليوم نفى أن يكون قد قال مثل هذا التصريح، وقال مازحاً للصحافي أحمد غلاب الذي نشر الخبر : quot; ما هي الطريقة التي ترغب في أن تموت فيها بعد نشرك مثل هذا التصريح غير الصحيح؟! quot; ورد الصحافي :quot; لا بأس بأي طريقة، المهم أن لا تكون الموت جوعاًquot;.

وبحسب مصدر لإيلاف quot; فقد قام الصحافي بإسماع الوزير صوته أكثر من مرة، وهو يردد ذلك التصريح المستفز، ما دفع الوزير للاعتذار ومكافأة الصحافي بمقابلة قريبة. ولكن القصيبي، ومع تزايد الضغط الشعبي والإعلامي على أدائه الوزاري ربما بدأ يلقي بعض التصريحات الغريبة والتي تتخذ أحيانا شكلاً دفاعياً فظاً ومهيناً. فقد قال في أسوأ تصريحاته رداً على سؤال حول هروب الاستثمارات السعودية إلى الخارج بأنه يريد من الصحافيين أن يخبروه بخروج أي رجل أعمال إلى الخارج حتى يرسل له من يقوم بتوديعه في المطار.

إحدى المواهب التي عرفت عن الوزير القصيبي منذ بروز نجمه في السبعينات هو العلاقة المميزة التي تربطه مع الصحافة السعودية، فقد قامت في السابق بملاحقة جولاته المفاجئة، وهو الآن الوزير الأكثر حضوراً على صفحاتها. بداخل مؤتمراته الصحافية التي يعقدها بشكل مستمر يبدو مختلفاً عن الوزراء الآخرين المتخشبين و quot; وأصحاب العيون المهددة quot; كما يقول أحد الصحافيين. القصيبي الذي يمتلك روح نكتة لئيمة في بعض الأحيان يظهر بشكل ودود وصريح وأحيانا أكثر جرأة من الصحافيين أنفسهم.

ولكنه تحول في الواقع وخلال السنوات القليلة الماضية ، وبالنسبة إلى الصحافيين من نجم صحافي يكفي تصريح واحد منه إلى رجل يمكن استهدافه واستفزازه لإخراج بعض العناوين الطنانة من فمه ، وهذا ما نجح أكثر من مرة . ويرى بعض المراقبين أن مثل هذه التصاريح تفيد الصحافيين وتضر بصورة القصيبي ، تماما بعكس ما كان يحدث في الماضي . ولكن كتاب المقالات في الصحافة السعودية ، يقومون بضرر أكثر ، من صحافيي الأخبار بصورة القصيبي ، فقد شنوا هجوما شرساً على الوزير القصيبي ،واتهمه بعضهم بتعطيل التنمية ،وتنفير المستثمرين السعوديين ،ودفعهم للهروب إلى الخارج ، وهذه أبشع تهم يمكن أن توجه لوزير . ويصف كتاب المقالات القصيبي بالرجل المتصلب ،والمؤدلج إدارياً ،والذي لا يراجع قراراته رغم الأضرار الكارثية التي تجلبها.

الصراع الأكبر الذي يخوضه القصيبي هو الحد من العمالة الأجنبية وتوظيف المواطنين السعوديين مكانهم، وذلك بفرض شروط صارمة على منح التأشيرات للعمل. ولكن مثل الإجراءات حرمت المستثمرين من العدد المطلوب من العمال لإنجاز المشاريع، ولم توظف السعوديين، ودفعت إما إلى الإجهاز على هذه المشاريع أو اللجوء إلى أساليب غير مشروعة والاتفاق مع عمالة غير مرخصة وبأجور مرتفعة. وهناك الكثير من القصص الغريبة والمتشابهة عن إجراءات الوزارة المتعسفة، وغير المنطقية التي تدفع رجال الأعمال إلى خسارة مشاريعهم.

أحد أصحاب المقاهي الكبيرة في الرياض يقول إن قرارات الوزير القصيبي قد حرمته من 80 عاملاً لديه ممن يقومون بوضع جمر الشيشة مطالبة إياه بتوظيف سعوديين مكانهم، ويقول لإيلاف :quot; هل يوجد سعوديون يريدون أن يشتغلوا في وضع جمر الشيشة للزبائن؟!. لا أحد، سأخسر تجارتيquot;.

مثل هذه القصص شائعة جدا داخل عالم التجار الذين انقلبت لديهم صورة الوزير القصيبي من أديب لامع ونجم سياسي إلى بيروقراطي وقاطع أرزاق. من الواضح أن الوزير القصيبي المعروف بنزاهته والتزامه الصارم بالعمل كان يقود حربا نبيلة ولكنه الآن يتخبط في فوضى كبيرة أثارت عليه عاصفة من النقد ،أقساها كان نقد د. محمد القنيبط عضو مجلس الشورى في قناة الحرة. وتوضح المؤشرات الأخيرة أن القصيبي قد بدأ بالفعل يقلل تصلبه الإداري، فقد أصبح متساهلاً أكثر في منح التأشيرات، ويوكل الكثير من المهام لوكلائه، وبات يلمح في تصريحاته باعترافات ضمنية تقول إن المجتمع السعودي بحاجة إلى مرونة في اتخاذ القرارات. ولكن مثل هذه المعارك المؤلمة جعلت القصيبي منعزلا أكثر عن التيار الليبرالي الذي يرى فيه رمزا للتحديث في السعودية. فجزء مهم من قوة التيار الليبرالي تكمن في النفوذ الذي يمتلكه رجال الأعمال السعوديون، وقد رأوا في القصيبي منذ تسلمه وزارة العمل عدوا لهم وهو يحاول أن يضعفهم. التيار المتشدد الذي يرى في القصيبي عدواً قديما بات يراه الآن أيضا أكثر خطورة quot;وخبثاًquot; ،كما تقول منتدياتهم الالكترونية، خصوصا بعد معركته التي خاضها معهم لتوظيف السعوديات في محلات بيع الملابس النسائية والتي خسرها القصيبي أيضا.

ورغم كل هذه الضغوط التي واجهها القصيبي في الأعوام الماضية إلا أنه مستمر في طرح إنتاجه الأدبي الذي مازال يحتفظ بلمسته اللامعة والمميزة ، ويوفر هذا التألق الأدبي نصيحة باتت ترددها التجمعات المعارضة للقصيبي والتي تقول:quot; تفرغ لأعمالك الأدبية الخالدة ، ودعك من هذا العمل الإداري المزعج والذي لا يلائم اسمك و تاريخكquot;. مثل هذه النصيحة اللئيمة تشابه تماما الطريقة التي ينصح أو يسخر منها الوزير القصيبي من خصومه،ولكن إذا كانت تلائم غازي الساحر والمحبوب والناجح في السابق ، فإنها لا تلائم غازي الجديد ،الخاسر والمعزول والذي يلقي التصريحات وينساها بعد يوم واحد.