دقيقتان من الصمت وزهور وكتاب عزاء هدية لروح quot;قتيل هيستنغزquot;
quot;هنا قضى الماجد دقائقه الأخيرة قبل أن يقتله... الرصيف!quot;
سلطان القحطاني من هيستنغز: الريح في هيستنغز، جنوب بريطانيا، جافة عنيفة لا يمكن أن تحصي سرعتها إلا بمقدار ما تهز من معطفك وخصلات شعرك إن كانت أطول وأبعد مسافة عن الجمجمة، بينما خلفك الرصيف وأمامك البحر وفي المنتصف على امتداد ناظريك شارع متوسط الحجم وأحواض زهور حجرية.
ما سبق ليس منشورًا سياحيًا بقدر ما هو سرد لأجزاء من مشهد أيقظ بريطانيا كلها من البحر إلى البحر بعد أن شهدت هذه المدينة التاريخية حادثة مقتل الطالب القطري محمد الماجد الذي لم يكمل عامه السادس عشر بعد أن وجد نفسه في المكان الخطأ والزمان الخطأ بين متعاركين ثملين. كانت الساعة العاشرة وخمس وأربعون دقيقة في الطريق إلى الهزيع الأخير من الليل.
محمد الماجد الطالب القطري ذو الستة عشر عامًا يذهب لمحل يزوره أغلب الطلبة الشبان كونه يعتبر ناديًا اجتماعيًا يقدم أطباقًا لذيذة من الكباب والمشاوي الأخرى المذبوحة على الطريقة الإسلامية. وتمضي الدقائق بسرعة حتى يكتشف نفسه في المنتصف بين متعاركين مخمورين ليقرر الهرب. وظنًا منهم أنه تابع لجماعة أخرى يقرر ثلاثة من الشبان اللحاق به وضربه ومن ثم يسقط. ويتطور العراك ليصاب معه ثلاثة من أصدقائه حاولوا مساعدته، وذلك في ظل مرأى عدد من أقاربه صغار السن.
ونتيجة لسلسة أخطاء متراكمة بين الشرطة المحلية ومستشفى البلدة والأكاديمية الطبية الملكية في لندن فقد توفي الشاب الصغير بعد أن شهدت حالته تحسنًا طفيفًا. الشرطة قالت في تقريرها إن الماجد توفي بعد ارتطام رأسه على حافة الرصيف حين حاول الهرب.
وسجلت الشرطة أكثر من 98 حالة اعتداء على الأجانب خلال الأشهر الثلاثة الماضية قبل أن يشعل مقتل الماجد الغضب في صفوف الجالية الإسلامية في البلدة بسبب ما اعتبروه تقاعسًا من قبل أفراد الشرطة الذين تلقوا تحذيرًا من صاحب المطعم قبيل نشوب المشاجرة لكنهم لم يهتموا به.
وهذا المطعم مقسم إلى قسمين: الأول مخصص للمأكولات التي يأتي على رأسها الكباب المشوي الذي يلاقى إقبالاً غير منقطع النظير، والقسم الثاني عبارة عن حانة ونادٍ ليلي مزود بطاولتي بلياردو وبيانو عتيق الطراز يعود صنعه إلى القرن التاسع عشرإلا أنه يعمل على الرغم من بحة صغيرة حفرتها السنين.
صاحب المحل، رمزي ترانفريدي (43 عامًا) الذي تعرض للهجوم أكثر من 25 مرة لا يزال يراقب عمله باهتمام ويشرف على احتفال صغير سوف يقام في محله مساء عبر مساعدة الموظفات الصغيرات في نفخ البوالين الملونة. ولا يزال هذا الدكتور ذو الأصول الإيرانية يفتخر بلقبه بين الطلبة العرب الذين ينادونه: quot;العم رمزيquot;.
ويقول محسن المكرمي (24 عامًا) وهو يتناول طبقًا من الكباب مع البطاطس المقلية خلال حديث مع quot;إيلافquot; :quot;إنني أشعر بالحزن كثيرًا... أشعر بغصة كلما أتذكر أن هذا المكان الذي أجلس فيه الآن قد شهد هذه الحادثة... إنني أشمّه... قد كان هنا... يلعب ويتحرك... أشعر بالأسى فعلاًquot;.
وبعثت الشرطة المحلية مندوبًا لتهدئة الجالية الإسلامية التي دعا إمام مسجدهم الوحيد إلى عدم التظاهر أو القيام بأعمال عنف مضادة. قال إمام المسجد بصوت مرتعش :quot; لن نقول سوى إنا لله وإنا إليه راجعون .. حسبنا الله ونعم الوكيلquot;.
صحيفة quot;اوبزرفر هيستنغزquot; خصصت 5 صفحات لتغطية الحادثة. على صفحتها الأولى كانت صورة الماجد بارزة إلى اليسار وعنوان عريض على خلفية سوداء : quot; البلدة تشعر بالصدمةquot;.
في إحدى الصفحات الداخلية كتب الدكتور كريستوفر ريسي رسالة إلى المحرر قائلاً :quot; الأجانب سوف يرحلون بعد هذه الحادثة إن لم يحترس أفراد الشرطة أكثر.. هذا سيئ جداً لأعمالنا وللناس المقيمين هنا .. لا أعرف الى متى ستظل هذه السمعة لصيقة بالبلدة، ربما لخمس سنوات مقبلةquot;.
ويقول محمد شكشك الليبي وهو يسجل كلمته في كتاب التعازي الموضوع خارج المطعم :quot; لقد اكتشفت الآن أن بريطانيا كذبة كبيرةquot;. ويضيف وهو يتحدث مع quot;إيلافquot;: quot; لقد تغيرت الصورة كثيراً .. لا أظن أنني سأعود هنا يوماً ما. شعب مادي جداًquot;.
جوار مطعم quot;يو.اس.اي فرايد تشيكنquot;، الذي شهد بوادر الحادثة، يجلس عجوز بريطاني وهو يحتسي الجعة فيما الريح تداعب خصلات شعره البيضاء القليلة. يراقب الطلبة العرب باهتمام وهم يسجلون تعازيهم ليقرر بعدها الانضمام إليهم. يخبرهم كم هو حزين، كم هو مصدوم. ويفتح لهم إحدى صفحات الكتاب ليريهم ما كتبه في عزاء صديقهم.
جميعهم قرؤوا ما كتبه العجوز بخط مرتعش ذا لون أزرق:quot; محمد .. سنظل نتذكرك .. يومًا بعد آخر .. سنظل نتذكرquot;.
الصور خاصة بايلاف |
التعليقات