قبض على المفاصل الأمنية وفرض نهجه توافقياً
سليمان يمسك تدريجياً بالحكم في لبنان
إيلي الحاج من بيروت: يوماً بعد يوم يستعيد رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال سليمان عناصر قوة لموقع الرئاسة تؤهله لتكون الحكَم ذي الدور المحوري والضامن لجميع الأفرقاء في الحياة السياسية . بدأ يبرز تحركه في هذا الإتجاه بعدما تمكن من تقديم نموذج سياسي في عدم الإنحياز إلى هذا الطرف أو ذاك، والدقة في الوقوف في الوسط فإذا مال في موقف أو رأي إلى جهة سارع في أسرع وقت إلى تصحيح الإتجاه بموقف مقابل يوفر التوازن، وبدا الرجل دقيقاً في هذه المسيرة التي اختارها لنفسه مدركاً إستحالة حكم لبنان من دونها، وكذلك بعدما تمكن من الإمساك بمفاصل المواقع الأمنية والعسكرية على السواء، وهذا الأمر لم يتوافر لأي رئيس من قبله منذ إنتهاء الحرب بإعلان إتفاق الطائف، هكذا عيّن سليمان من يثق بهم في وزارة الدفاع الوطني ووزارة الداخلية وقيادة الجيش ومديرية المخابرات فبات المسؤول عملياً عن الأمن في البلاد وتعزز وضعه بين بقية مواضع القرار في السلطة.
كما أنه وحده يتولى ملفاً شديد الحساسية والدقة ويحمل بعض التوترات من حين إلى آخر، هو ملف العلاقة بين لبنان وسورية، وقد حقق نجاحاً فيه من خلال توصله إلى إعلان نية إقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين والبدء بمعالجة ملف المفقودين والسجناء اللبنانيين في السجون السورية. وبعد ما يؤمل أن يكون إقفالاً نهائياً لموضوع الإشتباكات الميدانية الكبيرة بين أفرقاء الصراع الداخلي ، بدأ سليمان التصدي للموضوع الرئيسي الذي يختلف عليه اللبنانيون هذه الأيام وهو السلاح الذي يتشبث به quot;حزب اللهquot; بوصفه سلاح quot;المقاومة الإسلاميةquot;. وكان ذلك يستلزم معاودة جلسات الحوار الوطني التي كان دعا إليها وترأسها رئيس مجلس النواب وحركة quot;أملquot; نبيه بري ، لكنها توقفت عشية حرب تموز/ يوليو 2006 بين إسرائيل وquot;حزب اللهquot;. وبعدما كاد اليأس يدب إلى نفوس اللبنانيين من عبث إنتظار معاودة الحوار، فاجأهم سليمان أولاً بتحديد موعد له قريب ، الثلاثاء المقبل 16 أيلول/ سبتمبر الجاري في القصر الجمهوري، وثانياً بأن المشاركين هم أركان quot;الصف الأول quot; فقط من قادة الأحزاب والطوائف، فلا مستشارين ولا مساعدين ولا وفود تجعل التفاهم أصعب والمداخلات أطول وأصعب.

في الشكل أيضاً لن تكون طاولة الحوار مستديرة بين متكافئين كما كان سابقاً بل مستديرة لأنه أصبح للبنان رئيس يترأس الجلسات، أما في المضمون فمتروك للمتحاورين تحديد حصر الحوار في quot;الإستراتيجية الدفاعيةquot; ، المصطلح الذي أطلق على البحث في مصير سلاح quot;حزب اللهquot; الذي يرفض سلفاً دمج هذا السلاح في الجيش الوطني أو تقييد حرية قراره واستعماله وتحركه مما يوحي أنه عبثاً يتفاوض المتحاورون سعياً إلى حل ، وأن جل ما يمكنهم التوصل إليه هو حل موقت يسهل مرحليا التعايش مع سلاح الحزب بأقل ضرر ممكن، أقله حتى إمرار الإنتخابات النيابية التي تبقى محكاً رئيسيا لعهد سليمان. وإذا تمكن من إدارتها بحد أقصى من النزاهة التي ترضي الفريقين المتنازعين، على غرار ما يظهر من سلوكه السياسي حتى اليوم، فسيكون رئيس الجمهورية الأول منذ زمن بعيد الذي ترتكز عليه البلاد، باختلاف أن سليمان يحكم بالتوافق بين الأفرقاء الرئيسيين الذي لا بد منه له وللآخرين ، خلافاً لما كان عليه وضع رئاسة الجمهورية في المرحلة الممتدة من الإستقلال ( 1943 ) حتى إقرار دستور الطائف ( 1990) ، ففي السابق كان الرئيس واسع الصلاحيات دستورياً، لكنه كان في الوقت نفسه وغالب الأحيان عاجزاً عن الحكم لضراوة الصراع على السلطة، بما فيها موقع الرئاسة وصلاحياتها. بهذا المعنى يدخل سليمان ، الشهابي نسبة إلى الرئيس الراحل فؤاد شهاب كما يحب الرئيس الحالي التعريف عن نفسه، جديداً هو التوافقية ممثلة في رجل في أعلى هرم السلطة، ولم يسبقه إلى ذلك أحد في حكم لبنان.