بدأت محاولات إعادة إحياء اليسار المغربي، أخيرًا، على عدد من اليساريين المتحزبين واللا منتمين، يتقدمهم أعضاء قياديون في حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية quot;الائتلاف الحاكمquot;، بتوقيع وثيقة يراهن من خلالها على تأسيس حركة جديدة، تُبنى على قراءة نقديّة لتجربة اليسار وبأسس جديدة، تجمع المنادين إلى وحدة اليسار، كإطار للنقاش وتفعيل التوصيات والمقترحات لفتح الطريق لإعادة بناء اليسار في إطار الشرعية الديمقراطية، بعيدًا من النزعات الانشقاقية والانقلابية أو تأسيس حزب جديد يضاف إلى الدكاكين السياسية.

تأتي هذه الخطوة بعد أن عرف المشهد اليساري المغربي تشتتًا كبيرًا بدأت معالمه تتضح منذ عام 2001، تاريخ الانشقاق التاريخي الذي شهده quot;الاتحاد الاشتراكيquot; أكبر الأحزاب اليسارية، حيث انسحب منتقدون لنتائج المؤتمر السادس للحزب وأسّسوا هيئة جديدة أطلقوا عليها quot;المؤتمر الوطني الاتحاديquot; بقيادة عبد المجيد بوزوبع. في الوقت الذي رفض فيه آخرون الانضمام إلى أي من الطرفين وأسسوا تيارًا مستقلاً أطلقوا عليه quot;تيار الوفاء للديمقراطيةquot; بزعامة خالد السفياني. وتكررت أحداث التشتت مرة أخرى عام 2005، حين انشق العديد من الشخصيات على quot;الاتحاد الاشتراكيquot; وأسّسوا حزبًا جديدًا أطلق عليه quot;الحزب العماليquot; بقيادة عبد الكريم بنعتيق، وتزامنًا مع ذلك انشق quot;المؤتمر الوطني الاتحاديquot;، بعدما انسحب منه رئيسه عبد المجيد بوزوبع وأنصاره وأسسوا تنظيمًا جديدًا هو quot;الحزب الاشتراكيquot;.

وفي محاولة لجمع شتات اليسار الجديد في أفق بناء حزب اشتراكي كبير، تأسس حزب اليسار الاشتراكي الموحد بعد اندماج هذة المكونات، (ما عدا النهج الديمقراطي)، مع منظمة العمل الديمقراطي سنة 2002، ثم ما لبثت أن اندمجت جمعية الوفاء للديمقراطية سنة 2005 مع هذا الحزب ليحمل اسم quot;الحزب الاشتراكي الموحدquot;. ويستمد اليسار المغربي جذوره التاريخية من منبعين أساسيين، وهما المنبع الاستقلالي والمنبع الشيوعي اللذان تفرّع عنهما عدة أحزاب وتنظيمات سياسيّة ونقابيّة.
ويرى محمد مجاهد، الأمين العام لحزب اليسار الاشتراكي الموحد، أن على اليسار تدشين دينامية نضالية شاملة تهم جميع المجالات، وسيكون لهذه الدينامية وقع على الساحة السياسية، وزاد قائلاً quot;نحن نريد من اليسار أن يستعيد المبادرة، ويأخذ بزمام الأمور، ويستغل زخمه التاريخي والنضاليquot;.

وقال محمد مجاهد، في حوار مع quot;إيلافquot;، quot;يجب أن يتواصل النقاش لبلورة صيغة قد تكون فيدرالية، وهي أكثر من تحالف وأقل من اندماجquot;.

كيف ترون المشهد السياسي المغربي؟

الحزب تميز بأطروحة، مباشرة بعد الاستحقاقات البرلمانية لسنة 2007، مفادها أننا نعتبر أن هناك تراجعًا سياسيًا وتحكمًا مطلقًا للدولة في الحقل السياسي والحزبي، إلى جانب إمساكها بالمبادرة السياسية. كما نعتبر أيضًا أن هناك تراجعًا بشكل واضح لقوى اليسار، واستفادة الأحزاب التقليدية وغيرها من هذا التراجع. خلاصة القول هناك منحى تراجعي، منذ التسعينات، لصالح القوى التقليدية والأصولية، ونحن أمام حقيقة إعادة إنتاج آليات التحكم التي أثبتت فشلها في السابق.

ما السبب الذي دفعكم إلى الانسحاب من انتخابات تجديد ثلث أعضاء مجلس المستشارين؟

هذا الأمر ليس جديدًا، فنحن لم يسبق لنا أن شاركنا في انتخابات تجديد ثلث أعضاء مجلس المستشارين، لكن هذه السنة عبرنا عن موقفنا بشكل أوضح بإصدار بيان لإطلاع الرأي العام. إنه موقف مبدئي، وهو جزء من تصوّر شامل يدخل في إطار الإصلاح الدستوري. وهو يتماشى مع توجّهات الحزب، كما سطرتها مقررات المؤتمر الوطني الأخير، المطالبة بـ quot;إلغاءquot; الغرفة الثانية للبرلمان بصفة نهائية، وتعويضها بالمجلس الاقتصادي الاجتماعي.

وجعل البرلمان يقوم بدوره الكامل في التشريع وفي مراقبة المؤسسات العمومية، وتسهيل مسطرة تشكيل لجان تقصي الحقائق. فنحن نرى بأن النظام الأساسي في المغرب في حاجة إلى مجموعة من الإصلاحات العميقة، تهم جميع المؤسسات.

وبالنسبة إلينا نعتبر أن الغرفة الثانية لا مكان لها في نظام مؤسساتي سليم. فهي ورقة احتياطية كانت تريدها الدولة، في التسعينات، لتبقي مقود التوازنات بين يديها، وهي ليست لها أي اختصاصات، وتعد بمثابة تكرار لنفس اختصاصات الغرفة الأولى، كما أنها تزيد في عقيد المسطرة التشريعية، ومبرر آخر لهدر المزيد من موارد الميزانية وإمكانيات الدولة، هذا إلى جانب أنها تعرف تفشي الفساد وشراء ذمم المصوتين.

ما هو رأيكم في محاولات إعادة إحياء اليسار التي بادر بها عدد من المناضلين؟

بعد أن تبيّن أن المغرب دخل مرحلة جديدة، في وقت تسير فيه قوى اليسار في منحى تراجعي، كانت هناك مبادرة لإعادة إحياء اليسار، الذي نعتبر أن فرصته الوحيدة تبقى في رص صفوفه، وإلا سيواجه مزيدًا من الضعف والتشرذم، ومزيدًا من الصعوبة في استعادة المبادرة والنضال الديمقراطي. وعلى هذه القوى أن تتحاور،وأن تصل إلى تقارب في وجهات النظر حول الوضع الحالي، وأن تبلور برنامجًا شاملاً يهم الإصلاحات الدستورية، ومحاربة الفساد، وإيلاء العناية بشكل أكبر بالوضعية الاجتماعية للمواطنين، وغيرها من الجبهات التي تناضل فيها هذه القوى باستمرار يجب أن يتواصل النقاش لبلورة صيغة قد تكون فيدرالية، وهي أكثر من تحالف وأقل من اندماج. وفي حالة ما إذا لم يكن هناك حوار ستتواصل أزمة اليسار المغربي، وهذا يخل بالتوازنات المجتمعية في بلادنا.

ما هي الاستراتيجية التي ستعتمدونها في الاستحقاقات المقبلة؟ وهل هناك تفكير في عدم المشتركة؟

مسألة مشاركتنا مفروغ منها، ونحن سنكون حاضرين في مختلف الاستحقاقات. وعلى اليسار أن يدشّن دينامية نضالية شاملة تهم جميع المجالات، وسيكون لهذه الدينامية وقع على الساحة السياسية. فنحن نريد من اليسار أن يستعيد المبادرة، ويأخذ بزمام الأمور، ويستغل زخمه التاريخي والنضالي. وهذا يحتم فتح جسور الحوار والتواصل وتعميقها بين كل المكونات اليسارية وصولا للتعاقد على برنامج نضالي شامل يكون في مقدوره أن يعيد لليسار حيويته وارتباطه بالطبقات والشرائح الشعبية والتعبير عن آمالها وتطلعاتها.

هل هناك من تحالفات تلوح في الأفق؟

نحن نتوجه إلى ستة أحزب، هي الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، والتقدم والاشتراكية، والمؤتمر الوطني الاتحادي، والطليعة الديمقراطي الاشتراكي، والحزب الاشتراكي، وطبعًا اليسار الاشتراكي الموحد. ونعتبر أن هذه المكونات اليسارية الستة عليها أن تجلس، وأن تجلسعلى طاولة الحوار، وأن تكون لها الإرادة القوية لصياغة برنامج مشترك لإعادة بناء اليسار في ظل مرحلة جديدة وصعبة.

معروف أنه داخل جسم اليسار كانت هناك دائمًا اختلافات ثانوية، يجب أن تبقى محدودة، لأن هناك خصمين أساسيين، يجب أن تتوحّد كل هذه القوى لتغيير موازين القوى في صراعها مع خصمين، هناك الخصم الذي يتجسد في لوبيات الفساد، الموجودين في الأحزاب الإدارية، وهي عمليًا امتدادات للدولة، بثوابت الحكم التقليدية.