عامر ولد سعد سعود في مقابلة خاصة بـquot;إيلافquot;:
إسلاميو الجزائر أخطأوا بممارسة السياسة دون مرجعية قوية
كامل الشيرازي من الجزائر : في أول حوار يدلي به إلى وسيلة إعلامية عربية، يؤكد الأستاذ quot;عامر ولد سعد سعودquot; المستشار السابق لزعيم الإخوان المسلمين في الجزائر الراحل quot;محفوظ نحناحquot;، أنّ إسلاميو الجزائر أخطأوا بخوض المعترك السياسي دون الاستناد إلى مرجعية قوية، ويدعو ولد سعود في هذه المقابلة الخاصة بـquot;إيلافquot;، إلى نأي الحركة الإسلامية في بلاده عن السياسة وتفرغها كليا إلى تربية الأجيال، ويقرّ ولد سعود الذي اشتغل كإطار سامي في عهد أربعة من رؤساء الحكومات السابقين في الجزائر، أنّ الأخيرة كانت مهددة بشبحي (الصوملة) و(الأفغنة) لولا تضافر جهود من سماهم (المخلصين).
و في ما يلي نص الحوار:
أطلقتم مبادرة سميتموها quot;المبادرة الجزائرية لدعم فكر المقاومةquot;، وقلتم إنكم ستعنون بـquot;صعود الحضارة quot; ومقاومة التدجين و الخذلان وما إلى ذلك، هل لكم أن تشرحوا لقراء إيلاف خطوتكم ؟
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد، المبادرة التي أطلقناها هي شكل جديد لدعم المقاومة، يندرج ضمن مسارنا الدعوي وquot;النضاليquot; لأكثر من خمسة وعشرين سنة، حيث أذكر وأنا في المرحلة التكميلية من مشواري الدراسي، أنني وجهت رسالتين إلى الرئيس الجزائري الأسبق الشاذلي بن جديد (1979 ndash; 1992) طالبته فيهما بالسماح لي للذهاب إلى فلسطين بغرض الجهاد هناك، لأنّ الأخيرة كانت ولا تزال وستبقى حية في وجداننا وفي عقولنا خصوصا نحن الجزائريون الذين يعرفون أكثر من غيرهم معنى الاستعمار أو بالأحرى quot;الاستدمارquot; الاستيطاني، وعرف شعبنا كيف يتخلص منه ولو بعد 132 سنة.
بمنظورنا يمثل سقوط فلسطين مؤشرا عن سقوط حضارتنا وقيام حضارة أخرى، واسترجاعها لا بد أن يكون مؤشرا لصعود حضارتنا العربية الإسلامية التي تعيش ضعفا مؤقتا، وتشهد بوادر انبعاث جديدة نذكر من مؤشراتها الظاهرة، ماليزيا وتركيا وإيران وسوريا وجنوب لبنان وغزة وغيرها من بذور الحياة في وطننا العربي والإسلامي التي بدأت تتفتح بعد أن ساعدها المناخ وسقط عليها الغيث من سماء الإيمان بالله وإتباع سنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، والمجهود المخلص لعلماء الأمة ومجدّديها العاملين بصمت في جميع المواقع، وفي ثنايا المجتمعات التي لا تعترف بالهزيمة الأبدية ولا ترضى بالهوان الدائم، وتدرك قول الله تعالى quot;وتلك الأيام نداولها بين الناسquot;.
فالمتأمل في تاريخ التجاذبات التي شهدها القدس الشريف، يلاحظ أنّ الذي يدير مقر القدس هو الذي يقود العالم، وذلك ابتداء من صلاة رسول الله بالأنبياء ليلة الإسراء والمعراج، مروا بالفتح الذي قاده عمر ابن الخطاب، وصولا إلى عصر صلاح الدين وما أعقب سقوط دولة الخلافة الإسلامية لاحقا.
ونحن اليوم نشهد بوادر الفتح القادم الذي جسدته quot;معركة الفرقانquot; حتى لا أقول مأساة غزة على طريقة المهزومين أو المتخاذلين أو قليلي الوعي، وتفاعلا مع هذا الفرقان الذي حصل وتحصينا لشعوبنا وبالخصوص الأجيال الصاعدة، من مشاريع قابلية الاستعمار والتدجين والخذلان والاستسلام المزروعة بكثافة في ثنايانا، والمتغلغلة فينا إلى النخاع، تأتي هذه المبادرة كمؤشر على النضال النوعي المطلوب منا نحن الشعوب العربية والإسلامية، ومحبي الإنسانية في العالم، ما دام إخواننا في الأراضي المحتلة قد تكفلوا ببسالة وشجاعة وإبداع بالعمل المسلح ، فالمبادرة عبارة عن فضاء شعبي يسهر على إنتاج الأساليب النوعية والمختلفة والمتعددة والمتواصلة لتجذير فكر المقاومة ، وتتكامل في إنجازاتها مع مختلف الفعاليات العاملة في إطار دعم المقاومة على الصعيدين الشعبي والرسمي.
ويتركز عمل رواد المبادرة على تجنيد وتأطير خبراء ومبدعين في مختلف المجالات من أجل إنتاج مشاريع وأساليب متعددة لدعم فكر المقاومة، وهي بذلك مخبر لإنتاج الأفكار الداعمة للمقاومة، والتي يمكنها أن تتحول إلى مشاريع عمل تتكفل بانجازها الفعاليات الداعمة للمبادرة شعبيا ورسميا، وهي بذلك قوة اقتراح في كل ما يتعلق بدعم ومناصرة المقاومة، يدفعها في ذلك الرصيد التاريخي للمقاومة الجزائرية ونجاح مشاريع المقاومة عبر العالم في العصر الحديث.
كما يتمحور عمل المبادرة حول الجوانب الفكرية والمعرفية والفنية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية والإعلامية والقانونية والتشريعية، وتهدف إلى ما يلي:
*إنتاج دراسات فكرية ومعرفية حول القضية الفلسطينية وحول تاريخ وواقع مستقبل المقاومة وتزويد المجتمع بها.
* رصد جميع الدراسات والإنتاجات المعرفية المتعلقة بالموضوع، إنتاج أعمال فنية (غناء، مسرح، رسم ..) من شأنها تعميق فكر المقاومة لدى المجتمع.
*تجنيد الفنانين والمثقفين لإنتاج بواكير فنية وثقافية حول المقاومة .
*بلورة مشاريع اجتماعية واقتصادية داعمة للمقاومة .
*الترويج الإعلامي بمختلف الوسائل المتاحة لمنتوج المبادرة وغيره من المنتجات ذات العلاقة بالموضوع .
*دعم كل ما يبقي مشروع المقاومة حاضرا في الذاكرة الجماعية للأمة.
*العمل من أجل محاكمة الكيان الصهيوني على جرائم الحرب المقترفة في فلسطين.
*الترويج لفكرة إزالة الكيان الصهيوني .
*تثمين تجربة المقاومة الجزائرية وتوثيقها كتجربة تحررية رائدة.
*دراسة وتثمين تجارب المقاومة في العالم وعبر التاريخ.
*دعم وتشجيع جميع المبادرات الداعمة للمقاومة.
*تشجيع المقاطعة للسلع الإسرائيلية والغربية في جميع المجالات وعلى جميع المستويات.
وأشدّد هنا على أنّ المبادرة اليوم موزعة على طلاب الجزائر وشبابها، وهم يتفاعلون معها بشكل جيد ومشجع.
بلغتنا معلومات عن سعيكم للتحرك عربيا في سبيل تجسيد مبادرة دعم فكر المقاومة، هل من تفصيل أكثر، وهل من تجاوب بين فعاليات وشخصيات عربية اتصلتم بها؟
بالفعل، بعد أن نضجت الفكرة وقمنا بصياغة أهدافها وفلسفتها، عملنا على استثمار شبكة علاقاتنا في العالم، وبالخصوص في الوطن العربي والإسلامي من أجل تعميم المبادرة والعمل على تأسيسها في جميع الأوطان تحت اسم quot;المبادرة لدعم فكر المقاومةquot;، لننتقل في المرحلة المقبلة إلى عقد مؤتمرات عربية وإسلامية وافريقية وأوروبية وأميركية وآسيوية، لتأسيس المبادرة في جميع هذه المستويات، ومن أهم شركائنا في هذا الموضوع، نذكر مركز الحوار العربي في واشنطن بقيادة الأستاذ القدير صبحي غندور، وثلة من الخبراء في الجزائر وعلى رأسهم الدكتور برقوق، كما عُرض علينا التعاون مع المؤتمر القومي العربي، ونحن بصدد دراسة الخطوات الأولى لتجسيد هذا التعاون، ومع كل هذا آثرنا العمل بهدوء وبعيدا عن أي ضجيج سياسي أو إعلامي، وحوارنا مع quot;إيلافquot; هو الأول من نوعه، وذلك دلالة على وعينا بضرورة الوحدة والتعاون مع الجميع في هذا الموضوع الكبير لأننا جميعا ركاب في قطار واحد، حيث أنّ مؤسسات الحكم الغربية والأمريكية الداعمة لإسرائيل، لا تفرق بين إيديولوجياتنا وأفكارنا وانتماءاتنا ومشاربنا نحن العرب والمسلمين، ولا تفرّق بين المصلي وتارك الصلاة عندما يتعلق الأمر باستعمارنا المباشر وغير المباشر، أو باستغلالنا في مشاريعهم المشبوهة، أو بتحريضنا ضد بعضنا لخدمة أهدافهم الإستراتيجية المحبوكة بإحكام في مخابرهم ومراكز دراساتهم العالية الكفاءة.
برزتم بنشاطكم داخل الحركة الطلابية الجزائرية على مدار أكثر من عقد ونيف، كيف تقيمون واقعها اليوم وهل صحيح أنّ إصلاح مآلات الجامعة الجزائرية كامن في خصخصتها؟
تشرفت أن أكون واحدا من ثلاثة قاموا بهندسة انبعاث الحركة الطلابية الجزائرية بعد أحداث الخامس أكتوبر/تشرين الأول 1988، وما تعلّق بربط مسار الحركة الطلابية برصيدها النضالي قبيل استقلال الجزائر في الخامس يوليو/تموز 1962، وهو رصيد كبير وثري في حاجة إلى دراسة وتعريف، ولا أزال أتتبع هذه الحركة وأرعاها فكريا ومعنويا ولم أنقطع عن تفاعلاتها إلى يومنا هذا، والمادة الفكرية التي أقدمها جد مطلوبة في جميع ربوع الوطن ولله الحمد على هذه النعمة الغالية.
وإن كنت أرى أنّ ذكرى يوم الطالب في الجزائري التي نحتفي بها في التاسع عشر مايو/آيار من كل عام، ستكون فرصة مناسبة للكلام في الموضوع، إلاّ أنني أكتفي اليوم بالقول أنّ الحركة الطلابية هي بين رصيد تاريخي ثري وتجربة انبعاثية رائدة وقواعد ومناضلين متطلعين لصناعة المستقبل، يحملون من العواطف والحماس الفياض والنوايا الصادقة ما يُثلج الصدر في صورة الجماهير الطلابية المبدعة.
بيد أنّ المؤسف ما آلت إليه قيادات طلابية مركزية أضحت مدجّنة وضعيفة لا تقرأ ولا تحتك بأهل الكلمة وصناع التجربة، وأصبحت تستهلك كل وقتها في الجري وراء المسؤولين خدمة لمصالحها الضيقة، واختصرت مشروع الحركة الطلابية وآفاقها في فتات لا يسمن ولا يغني من جوع، وأصبحت هذه القيادات لا تتحرك إلا بالإيعاز ولا تتوقف عن الحركة إلا بالإيعاز أيضا، ما أدى إلى ارتهان استقلالية قرارها، هذا الأخير ظلّ المكسب التاريخي البارز للحركة الطلابية قبل الاستقلال وبعد الانبعاث، ولا أستثني من هذه الدائرة إلا القليل من الكوادر الذين يظل دورهم عاجزا عن صناعة القرار المركزي للحركة الطلابية.
أما الجامعة الجزائرية اليوم فرغم ما قدمت لها الدولة من إمكانيات مادية، إلاّ أنّها لا تزال تبحث عن مشروعها، لكن ننحني بإجلال أمام المجهودات الجبارة لثلة قليلة من الأساتذة الأكفاء الجادين والمدركين لرسالة الجامعة والمتحكمين في عناصر مشروعها والصابرين أمام المغريات المادية الكبيرة لتهجيرهم، ننحني إكبارا أمام نضالهم المستميت من أجل مشروع الجامعة ورسالتها في هذا الزمن الرديء.
ماذا عن الدور السياسي الذي لعبته الحركة الطلابية الجزائرية عبر مختلف المراحل التي مرت بها الجزائر منذ استقلالها؟
لا يمكن الكلام عن أي دور سياسي للحركة الطلابية، إذا لم تكن مستقلة في قراراتها، ولذلك فالدور السياسي للحركة الطلابية من الناحية العملية يمكن الكلام عليه قبل استقلال الجزائر و بعد الانبعاث أواخر ثمانينيات القرن الماضي، لأنّ الحركة الطلابية من بعد الاستقلال إلى غاية منعطف خريف 1988، كانت تشتغل في السرية ما عدا تلكم التنظيمات التي فرضها الحزب الواحد آنذاك quot;جبهة التحريرquot; وكانت تعبر عن إرادة الدولة والحزب داخل الجامعة، أكثر مما تعبر عن رأي الطلبة فلم تكن مستقلة في قراراتها، ولم يكن مسموحا لها إلا بالتطبيل لمشاريع الحزب الواحد وخطاباته المفروضة على الجميع، فالحركة الطلابية بعد الاستقلال فقدت مبررات وجودها كمشروع مستقل.
أما بعد الانبعاث (بعد سنة 1988)، فكانت هناك محاولات جادة لطرح الملفات الكبرى وفي مقدمتها ملف المنظومة التربوية، إضافة إلى ملفات التعريب وفلسطين والمصالحة الوطنية في وقت مبكر، فضلا عن ملف (الدبلوماسية الشعبية) وهي التي تتجاوز مكبلات الدبلوماسية الرسمية، وغيرها من التحركات الواعية التي لم نعد نرى لها وجودا واضحا في خطابات الحركة الطلابية اليوم إلا القليل النادر.
بصفتكم مستشار الراحل محفوظ نحناح الزعيم السابق للإخوان المسلمين في الجزائر، كيف تقاربون راهن الحركة الإسلامية هناك، وماذا بشأن كل ما تردد عن مآزق ومطبات الإسلاميين بتياراتهم المختلفة، ومشروعهم في الجزائر؟
على عكس الكثير من المتكلمين باسم التيار الإسلامي في الجزائر والمتتبعين له، أرى أنّ وضع الحركة الإسلامية هناك أو بالأحرى (الصحوة الإسلامية) بخير، وفيها الكثير من المبشرات لأنني أقيمها من خلال بذور الخير الكثيرة والمتنوعة العاملة بصمت وبعيدا عن الواجهات الإعلامية والصراعات السياسية، ولا يمثل في تقديري ما يعرفه أهل الإعلام عن الحركة الإسلامية من خلال الواجهات السياسية وما كان يسمي بالجماعات الإسلامية، إلاّ الشيء القليل الذي يحمل تشوهات وانحرافات يروج لها الإعلام بقوة بحسن نية عند البعض وبتخطيط ماكر عند البعض الأخر.
بصفتي واحدا من أبناء الصحوة الإسلامية منذ الصبا، ممن تربوا ولا يزالون في المساجد، أنظر بإيجابية كبيرة إلى جميع المجهودات والمحاولات والنشاطات التي تقوم بها كل الفعاليات والجماعات والحساسيات وعلى علاقات جيدة بالجميع، وكنت حريصا على البقاء في الظل، لولا نصائح بعض الشيوخ والمرجعيات ومناداتهم بضرورة التعبير عن الصوت الأخر للحركة الإسلامية الذي ظل يعمل بعيدا عن الأضواء طمعا في مضاعفة الأجر وتجنبا لاستغلال الدين لأغراض دنيوية وسياسية ونفعية، وإني أدعوكم لمصاحبتي في رحلاتي وتنقلاتي الدائمة عبر مختلف ولايات الجزائر لتروا الوجه الأخر لدى إخواننا الإباضية وفعاليات جمعية العلماء المسلمين ومختلف مدارس القرآن ورياض الأطفال والمدارس التربوية والنشاطات الطلابية والتجارب الرائدة والفريدة من نوعها في موضوع الصلح في منطقة القبائل بقيادة الدكتور الشيخ quot;السعيد بويزريquot;، وكذا في ولاية غرداية تحت إشراف مجلس (العزابة) وفي غيرها من ربوع الجزائر، ما يعطي برأيي الوجه الناصع والبريء والموثوق فيه من طرف المجتمع والسلطة معا.
أما بشأن المتداول إعلاميا عن صراعات ومعاناة، فذاك ناتج في تصوري عن خطأ الحركة الإسلامية في دخولها المعترك السياسي في غياب مرجعية قوية، وقبل أن تؤسس مدرسة سياسية معلومة الفلسفة بيّنة الأهداف والبرامج، مكوّنة الطاقم البشري، فدخول المعترك السياسي كان بدفع ماكر من مخابر أجنبية معروفة بعدائها للدين الإسلامي وللجزائر وتاريخها وحضارتها، وساعدها في ذلك تواطؤ داخلي، وقلة وعي بخطورة المآلات لدى القيادات التي أقحمت أبناء الصحوة في المجال السياسي مدفوعة بعواطف شعبية متدينة ومؤهلة للانفجار نتيجة الغضب المكدس بسبب ممارسات الحزب الواحد وسموم الطبقات العازلة التي يرجع تاريخها إلى أولئك الذين عاشوا على هامش الحضارات، ممن انبهروا بالاستعمار وهُزموا نفسيا لما شهدوا فشل بعض المقاومات الشعبية والذين سموهم رواد الحركة الوطنية آنذاك بـquot;المطورنينquot; ، على شاكلة إخواننا في السلطة الفلسطينية الحالية.
أقول أنّ دخولي العمل السياسي مع الزعيم الإسلامي الراحل quot;محفوظ نحناحquot; كان بدافع الحفاظ على كيان الدولة الذي كان بالفعل مهددا ومرشحا لـ(الصوملة) و(الأفغنة) لولا عناية الله وعمل المخلصين في جميع المواقع، وكذلك من أجل عزل الطبقات العازلة بين الصحوة ورجالاتها وبين صنّاع القرار في الجزائر، وأولئك الذين كانوا يعملون بخبث لتأجيج الصراعات بين الإسلاميين والسلطة ليتموقعون هم في مفاصل الدولة، طالما أنّه لا يمكنهم السباحة إلاّ في المياه العكرة.
كان الهدف الأساسي لعملنا السياسي هو تأمين العمل الدعوي لجميع أبناء الصحوة الإسلامية بدون استثناء، وتمّ ذلك بنجاح كبير والحمد لله، واليوم الحريات متوفرة لجميع من يعمل للإسلام في أرض الجزائر الحبيبة، رغم أنّ الضريبة كانت غالية من حيث عدد الشهداء وعلى رأسهم الشهيد quot;محمد بوسليمانيquot;، أما من انحرفوا وتخلوا عن أخلاقيات المشروع وفكرته وسمته التربوي، ممن تصدروا العمل السياسي فنسأل الله لهم الهداية والرجوع إلى الله قبل فوات الأوان.
أرى بحتمية التخلي عن النظرة الطوباوية في مقاربة الحركات الإسلامية السياسية، فهي تجارب بشرية قد تنجح وقد تفشل والتاريخ هو الذي يحكم لها أو عليها، وعلى هذه الحركات أيضا أن تتوقف عن إدعاء تمثيل الله في الأرض واحتكار الحقيقة والكف عن مواصلة تخدير أتباعها بالقوة الوهمية، وتنتقل بدلا عن ذلك إلى طرح برامج ومشاريع تستجيب للمتطلبات التنموية للمجتمعات التي تتحرك فيها وعليها أن لا ترهن قرارها وتتخلى عن مشروعها مقابل فتات لا يسمن ولا يغني من جوع.
لا يجب أن ننسى أن المجتمع الجزائري برمته يشهد تحولات عميقة وتطورا كبيرا بعد استدمار فرنسي صليبي حاقد واستيطاني، نال استقلاله إثر ثورة عظيمة، إلاّ أن الصراع الإخوة الأعداء عشية الاستقلال يطرح أكثر من تساؤل، أضف إلى ذلك ربع قرن من حكم (ديكتاتوري) موجّه بالقوة نحو المعسكر الاشتراكي، وأكثر من ثمانية عشر سنة من الإجرام الإرهابي المسلح، وسموم لا تزال القوى الاستعمارية تنشرها إلى اليوم.
وعلى ذلك، فالتيار الإسلامي في الجزائر لا يزال في حاجة ماسة إلى خدمات علماء الأمة ودعاتها وفقهائها في المشرق العربي، وبالخصوص أهل الشام الذي ربطه الأمير عبد القادر بالجزائر وأهل مصر أم الدنيا وأهل الكويت التي أنتجت نموذجا رائعا ممثلا في شخص ومؤسسات quot;طارق السويدانquot; وفريقه، وكل من يؤمن بعظمة الجزائر ذات المساحة الواسعة والمرجعيات الدينية القليلة.
أتصور أن الأولوية بالنسبة للإسلاميين الجزائريين في المرحلة القادمة، تكمن في الانشغال بالدعوة إلى الله والرجوع إلى بيوت الله والإبحار من جديد في كتاب الله وسنة نبيه والابتعاد عن العمل السياسي قدر الإمكان لأن شروطه غير متوفرة في نظري والله أعلم.
ماذا عن اشتغالكم كمستشار خاص لزعيم الإخوان المسلمين في الجزائر؟
بحكم هندستي للحركة الطلابية وبروزي بشكل متميز عن زملائي آنذاك، حرص الشيخ نحناح رحمه الله على استصحابي معه في ديوانه الخاص منذ سنة 1991، ورغم أنني شغلت منصب مستشار خاص لرئيس الحكومة الجزائري الأسبق بلعيد عبد السلام (1992 ndash; 1993 ) أب الحركة الطلابية قبل الاستقلال، واستفادتي من صلاحيات واسعة في الإشراف على جميع الوزارات ذات العلاقة بالطلبة والشباب والتعليم والجامعات ومنظومة البحث العلمي، ورغم الآفاق الرحبة التي كانت مفتوحة أمامي، إلاّ أنّ علاقاتي بالشيخ نحناح ظلت وطيدة واكتست طابعا خاصا أعتز بها إلى يوم الدين وأذكر وبأسى عميق يوم الجمعة الحزين 20 يونيو/حزيران 2003، الذي خرج فيه آلاف المشيعين لجنازته، بعد أن غادرنا وارتحل عنا ذلك الرجل الكبير، الذي اختلف كثيرون حول تقييم مساره، وأثارت ممارساته ومواقفه الكثير من الجدل وأسالت منهجيته وفلسفته في العمل الكثير من الحبر، خصوصا في تعاطيه مع الجميع بما في ذلك خصوم الحركة الإسلامية، ما جلب له احترام قطاعات واسعة من المجتمع صاحبتها معارضات مؤقتة حتى من بعض قيادات العمل الإسلامي داخل الجزائر وخارجها.
بيد أنّ الراسخ، هي الإضافة النوعية التي منحتها منهجية نحناح للممارسة السياسة الإسلامية ومكنتها من اكتساب بعدا جديدا لم يكن معهودا، من حيث مشاريعه ومواقفه ، ودعوته في وقت مبكّر إلى أفكار كانت غريبة بل وصادمة لما كانت تعتقده طوائف واسعة من فعاليات الحركة الإسلامية.
من مناقب نحناح، أنه كان شجاعا جريئا، وقد حفظ له الجميع اليوم أنه في زمن الفتنة التي هجمت على بلاده والتي سكت فيها بعض العقلاء واحتاروا، تكلم هو وقدّم بيانه الواضح وقت الحاجة، وفلسفته في ذلك أنّ الأمر بالتحرك عندما يتعلق بتهديد المصلحة العليا لوطنه والحفاظ على أرواح الناس يصير واجبا أكيدا لا مجال لتركه والتهاون فيه، وقد عجز خصومه السياسيين عن الحد من حركته أو الوقوف في طريقها، وعجزت أيضا بعض الأفكار الساذجة التي كانت ولا تزال تنهك المشروع الإسلامي وتعمل على الحد من فعاليته، وتمكّن الراحل بكفاءة عالية من نقل أفكاره وإضافاته إلى جميع الأوساط، خصوصا في المواقع النوعية ليعتنقها كل من أتيحت لهم فرصة الإطلاع عليها، وكم كان يعشق السباحة في الآفاق الرحبة والمساحات الواسعة، حيث طاف العالم وحاضر في جل المواقع والمنابر والمناسبات.
أطلعكم هنا على سر من أسرار نحناح النادرة، وهي أنّ الشيخ طوال مساره السياسي والانتخابي لم يكن في نيته إطلاقا الوصول على الحكم ولا قيادة الحكومة، وذاك ما يفسر قبوله بكل النتائج المزورة لمواعيد انتخابية شهدتها الجزائر وذلك في سبيل حماية الحركة الإسلامية والدولة معا، بعدما تيقنّ أنّ أي صراع بين الصحوة و الدولة يقضي عليهم الاثنين معا.
بعدما اشتغلتم لسنوات طويلة بجوار الراحل محفوظ نحناح، انسحبتم على نحو غامض منذ تولي أبو جرة سلطاني شؤون الحزب الإسلامي الأول في البلاد، ماذا هناك تحديدا، وهل أنتم ناقمون فعلا عما صاحب صعود نجم سلطاني في سماء المشهد السياسي الجزائري؟
منذ صباي كنت حريصا على استقلاليتي ونشاطاتي النابعة من قناعاتي، بعيدا عن ضغوطات الأطر التنظيمية الضيقة والقاتلة للمبادرات والخانقة للكفاءات، وهذا ما كان دائما يسمح لي بالتواصل والتفاعل مع الجميع.
بالنسبة لسؤالكم، لا يمكنني أن أعرض خدماتي إلاّ على من يطلبها ، وفي المراحل الحرجة التي تتطلب منا التدخل لإطفاء نار الفتن أو الإصلاح بين المتنازعين قدر المستطاع، ولن أسمح لنفسي بالانخراط في مجموعة من مجموعات الحركة، بعدما ظللت أنتج الأفكار التي تساعد في إدارة توازناتها ومجموعاتها الخفية آنذاك، وكانت الخمس سنوات التي تلت وفاة الشيخ فرصة ثمينة بالنسبة لي أخذت فيها الراحة اللازمة، وراجعت تجاربي وقيّمت مساري في أجواء دعوية وقرآنية بعيدة عن الضغوطات السياسية رغم أنني لم أتوقف عن النشاط غير السياسي في أي لحظة، و إلى يومنا هذا في بيوت الله ومع أهل القرآن وفي الأوساط الطلابية التي أحبها و تحبني ولي معها عهد مقدس ورباط وثيق إلى أن توافيني المنية.
لا تزال أزمة الإخوة الأعداء داخل حركة مجتمع السلم وهي أكبر واجهة لتيار الإخوان المسلمين، مستمرة لما يقارب السنة، ما حقيقة ما جرى ويجري بالفعل، وهل يتلخص كل شيئ في حكاية الزعامة، أم هناك أسرار أخرى؟
أخي كامل أشعر أنك تستغل صداقتك لي وحبي و إعجابي بثقافتك الواسعة وحسك الأدبي الرفيع من أجل استخراج ما لا يمكن استخراجه في هذا المنعطف التاريخي للتجربة السياسية للحركة الإسلامية، وأرى أنّ هذه اللحظات تتجاذبها مقتضيات واجب التحفظ بالنسبة لمن يعرف قيمة حفظ أسرار الدول والجماعات والحركات والرجال، و بين ضرورة إطلاع الرأي العام بحقيقة الأمور و بالخصوص إذا تعلق الأمر بصرح دعوي وسياسي في مستوى حركة مجتمع السلم الجزائرية، وبين هذا وذاك لا أسمح لنفسي في هذه المناسبة إلا القول أنني منسحب مع ثلة من الإطارات داخل الجزائر وخارجها من جميع مؤسسات وهياكل ونشاطات والتزامات حركة مجتمع السلم بمحاورها الأربع، وذلك بعد أن بذلت جهدي مع الجميع قبل وأثناء وبعد المؤتمر الأخير للحزب، لإيقاف الانحدار المستمر لهذه التشكيلة.
أفضل التفكير في مبادرات ومشاريع أستمر من خلالها في عطائي الدعوي والثقافي والفكري والتربوي مع جميع أبناء الصحوة بدون استثناء، وأعلمكم وأعلم الجميع أنني طلقت السياسة بالثلاث ولن يراني أحد في أي منصب حكومي أو واجهة انتخابية أو سياسية، أما من تبقى في الحركة فأسأل لهم الله العافية و لا أنسى لأي واحد منهم الود الذي جمعني بهم ولو للحظة، وكما دخلت الحركة بعد دراسة واستشارة واستخارة، خرجت منها بعد دراسة واستشارة واستخارة.
بما أنكم طلقتم السياسة ونذرتم نفسكم للتفرغ لشؤون الحركة الإسلامية في الجزائر، كيف ترون خياراتها وأولوياتها مستقبلا ؟
بعد المجهود المضني الذي قمنا به رفقة المخلصين في الحركة الإسلامية والسلطة الجزائرية، وبعدما تمكنا بحول الله من عزل الطبقات العازلة، وتمكّن رجال الدولة من التعرف مباشرة وبدون وسائط على رجال الصحوة والدعوة، وبعد أن عبدنا الطريق وتوفرت حرية العمل و التعبير، وبعدما فشلت مشاريع إلصاق الإرهاب بالإسلام، وبعدما تمكنا من تفكيك ألغام الصراع القاتل بين الدولة والإسلاميين، أتصور أنّ الحركة الإسلامية في الجزائر لا بدّ أن تنأى بنفسها عن أي عمل سياسي في المستقبل، وتتفرغ كليا لتربية الأجيال على التدين السليم والعقيدة الصحيحة وحب الوطن ونبذ العنف المادي والمعنوي، على طريقة الشيخ الكفتارو في سوريا الشامخة أو على طريقة النورسي في تركيا الصاعدة، أو على طريقة الراحلان عبد الحميد بن باديس والبشير الإبراهيمي رائدا النهضة العلمية الحديثة في الجزائر.
يتطلب ذلك التكثيف من المشاريع الجادة والمؤسساتية مع نوع من التنسيق الذي يوفر الجهود ويثمّن التجارب ويختصر المسافات، وفي هذا الإطار أتقدم بندائي الخالص إلى أهل الشام خصوصا والمشرق عموما أن يمدونا بيد العون لتكوين كوادر دعوية مقتدرة لا تغريها مغريات السياسة، وإنني لمع موعد مع شعبنا العزيز من خلال مشاريع جادة بعد أن تنتهي فترت النقاهة الضرورية والعزلة الروحية التي لابد أن تتبع قرار تطليق السياسة والتخلص النهائي من تشوهاتها ومخلفاتها السلبية.
يرى مراقبون بضعف أداء الأحزاب السياسية في الجزائر، ما زاد برأيهم من تنفير مواطنيهم من التعاطي مع السياسة، هل تعتقدون فعلا أنّ الهياكل الحزبية أصبحت مجرد غلافات لا معنى لها، وماذا بشأن مسار الحياة السياسية الجزائرية بعد انقضاء 20 سنة على تدشين مسار التعددية والانفتاح في البلاد؟
الشعب الجزائري شعب واع وذو عواطف صادقة ونبيلة، شعب مكافح وعنيد وحريص على كرامته وكبريائه رغم كل ما تعرض له من مشاريع المسخ في هويته ولغته ودينه قبل وبعد الاستقلال، وإلى يومنا هذا، إلاّ أنّ بذور الحياة فيه لن تموت وأرحام الأمهات الجزائريات تلد كل يوم من يُمكن المراهنة عليهم في صناعة المستقبل الزاهر للجزائر واسترجاع مجدها الضائع، و في ثنايا شعبنا العزيز الكثير من الإطارات والخبراء والكفاءات العالية النوعية التي تحكمت في علوم العصر ولغاته وتكنولوجياته الحديثة، وحافظت على أخلاق المجتمع وسمته التربوي، واختارت أن تبقى ملتصقة بشعبها رغم كثرة المغريات المادية والسياسية والإعلامية.
المتتبع للسلوك الانتخابي للشعب الجزائري في سائر المواعيد الانتخابية يمكنه أن يصل إلى القناعة الراسخة التي تصدقها نتائج الانتخابات السابقة واللاحقة، مفادها أنّ الأحزاب السياسية التي تستوعب الشعب الجزائري سياسيا لم تولد بعد مع احترامي وتقديري للنوايا الحسنة لكثير من إطارات وقيادات ومناضلي القوى السياسية في الجزائر، وأتمنى لهذه الأحزاب التوفيق في الوصول إلى اكتشاف عوامل النجاح الحقيقية في بناء وتأسيس الأحزاب، والتي في مقدمتها ضرورة بناء المدرسة السياسية قبل الإعلان عن الحزب السياسي.
انتقادات بالجملة وُجهت إلى الائتلاف الحاكم في الجزائر، من حيث غلقه الحياة السياسية هناك، لكن فريقا مقابلا ينتقد تراجع قوى المعارضة التقليدية، ماذا تستقرؤون بين المسافتين، وهل من خط ثالث يمكنه الصعود حاليا أو في المستقبل القريب؟
الخط الثالث أو الرابع أو الخامس مقرون بمدى قدرة المبادرين على تأسيس مدارس سياسية قبل الإعلان عن مبادرات حزبية، وفي تصوري هذا العمل يتطلب مدة طويلة لا تقل عن العشر سنوات من العمل العلمي الجاد البعيد عن الزبائنية السياسية، و لذلك تظل المؤسسة العسكرية هي صمام أمان الوحدة الوطنية وتظل المؤسسة الرئاسية مطالبة بتوفير أجواء صناعة المستقبل، وهما مسؤولتان أمام الله والتاريخ والشعب على الحقبة الراهنة من حياة الجزائر.
دعت فعاليات مؤخرا إلى تأسيس طلائع جزائرية حرة، ويتصور الكثير منها أنّ ما تعانيه الجزائر من آلام، يدفع إلى ترقية التفكير واستحداث فعل توعوي يستدرج النخب المحلية، فهل تعتقدون بجدوى هذه الدعوة، وماذا تطرحونه كوصفة للاحتباس الفكري المزمن في الجزائر؟
ليس لي علم بهذه الطلائع، ولكن لا أوافقكم الرأي في وجود احتباس فكري مزمن في الجزائر، فالمبادرات الجادة موجودة والتفكير الجاد والحضاري والفعّال موجود وأصحابه متواجدين على الأرض وفي ثنايا المجتمع ولدى إخواننا في الجالية، وكلهم على استعداد للمساهمة في صناعة مستقبل بلدهم وفي انتظار ذلك، هم بصدد صناعة تجارب ناجحة على أصعدتهم وفي مجالاتهم، ولكن هذا النوع من البشر والمبادرين والمشاريع، لا يقدمون خدماتهم لمن لا يطلبها ولا يرغب فيها، ولا يحبذون الوقوف في الطوابير الطويلة على منصات إعلامية وسياسية أو تحت ظلال المسؤولين وصناع القرار.
كفاءاتهم وقدراتهم وانفتاحهم على المرافئ الكونية، تجعلهم منشغلين جدا بما هم فيه، وعلى المهتمين بصناعة القرارات السليمة أن يبذلوا جهودا لاكتشافهم وإقناعهم بالظهور وبالعمل معهم لأنهم مغايرين لأولئك الذين يقبلون الاصطفاف في الطوابير والظهور بقرارات فوقية على شاكلة الكوادر الذين لا يملكون قراراتهم والمفكرين تحت الطلب والمثقفين بالإيعاز، والمطبلين لكل الرؤساء.
الانتخابات الرئاسية الجزائرية على الأبواب، وملامح مقاطعة قياسية تلوح في الأفق، كيف تقاربون الموعد ومستوى تجاوب الشارع المحلي معه؟
أتوقع من الشعب الجزائري الإبداع في طريقة جديدة للتعبير عن رأيه ورغم التصاقي الدائم به، إلا أنّ التشوهات التي لا تزال عالقة بي وأنا حديث عهد باعتزال السياسة، تمنعني من القدرة على التنبؤ بشكل هذه الطريقة، ولكن لي الثقة الكاملة في ذكاء وحنكة ووعي الشعب في التعبير عن الموقف الصحيح، ولن أكون إلا واحدا من أفراد هذا الشعب العزيز، أناصره بصوتي الانتخابي منحنيا أمام إرادته التي لا تقهر .
كثيرون يقولون بمعاناة الجزائر من أزمة اجتماعية عميقة تبعا لاستفحال ظواهر الهجرة السرية والانتحار والفكاك الاجتماعي، إلى ماذا تعزون هذه الأزمات، وكيف تستشرفون حال جزائر 2009 مقارنة بفترات سابقة؟ وهل ذاك يعبر برأيكم عن فشل سياسات أم تراكم الشعور باليأس في المخيال الجزائري الجمعي، أو هي ببساطة إشكالية هوية مثخنة وفصامية ارتباط؟
إنّ مظاهر التأزم والتأزيم في الجزائر متعددة، ذلك أنّ الصراع مع المشاريع الاستعمارية لم يتوقف في تصوري إلى يومنا هذا، فرغم جلاء الاستعمار المباشر، إلاّ أنّ مخلفاته وأذنابه وقوارضه الحضارية ومشاريعه لا تزال تطاردنا وتحاصرنا في جميع المجالات، وفي مختلف المواقع مصداقا لقوله (ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردونكم عن دينكم إن استطاعوا)، وقوله ( ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم)، و بالتالي فبذور الحياة في الجزائر على قلتها نستطيع القول أنها بعيدة عن الأزمات المذكورة، إذ استطاعت أن تتكيف مع الأوضاع وتصنع لنفسها ومحيطها المشاريع والنشاطات والآفاق التي تخرجها من دوائر الاختناق، أما الشرائح التي صدّقت الوعود وتجندت وراء الخطابات ولم تبادر بسقي نفسها بماء التوكل على الله والكدح في الأرض والتشمير على السواعد لتنبت ما بداخلها من بذور الحياة فإنّها تمارس ردات فعل على خيبة أملها في الوعود والخطابات بطرقها الخاصة، ولذلك يقع على عاتق صناع القرار والمفكرين والمثقفين الحقيقيين ومرجعيات الصحوة الصادقين والثابتين على الحق، ضرورة مباشرة حوار عميق وجاد وصادق ومنهجي وبعيد عن الأضواء الكاشفة والأماكن المكشوفة للاستعمار وقوارضه الحضارية وأذنابه المأجورة، من أجل صياغة مشروع متكامل لصناعة المستقبل، كما تمكن أصدقاؤنا في كوريا الجنوبية وآخرون في ماليزيا وتركيا وإيران وغزة من صناعة مستقبلهم المعلوم اليوم لدى الناس جميعا والمفروض على قوى الاستكبار بمختلف محاوره.
كإطار في وزارة الصناعة و ترقية الاستثمارات الجزائرية، أين تصنفون موقع الجزائر الصناعي عربيا، إفريقيا ودوليا، وماذا عن راهن وأفق البلاد الاقتصادي بعد إنفاق ما يربو عن المئتي مليار دولار خلال الفترة القليلة الماضية؟
أنا أمارس التفتيش وأسعى من خلال الصلاحيات المخولة لفك النزاعات المطروحة علينا وفق القوانين المعمول بها محليا، وأسعى بكل قواي وعلاقاتي للتيسير على كل من يقصدنا في إقامة مشاريعه الاستثمارية كجزء من القيام بواجبي الوطني من موقعي المهني، وأنا مرتاح ومعتز بالفريق الذي أعمل معه في المفتشية العامة للوزارة، ولا أسمح لنفسي بالخوض فيما ليس من صلاحياتي .
انتهاء، كيف تتوقعون مستقبل الجزائر في ظل المتغيرات الحاصلة؟
يقول المولى عز و جل ( وعد الله الذين أمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا)، فما علينا إلا العمل على تحقيق شروط هذا الوعد الإلهي الصادق وأملي في أبناء الحركة الإسلامية وفي جميع أبناء شعبنا المكافح، وأملي في صناع القرار الجزائري كبير، أن نتحد بصدق وكفاءة وإخلاص لله وللوطن من أجل تحقيق هذه الغاية، ولا شك أنّ كثيرا من العقبات والخطط المضادة ستعترضنا.
*********************************************
الأستاذ عامر ولد ساعد سعود في سطور
-من مواليد 22 نوفمبر 1966 ببلدية الشنيقل ولاية المدية.
-متزوج وأب لثلاثة أطفال وبنتين.
- زاول دراسته الابتدائية بمسقط رأسه بمدرسة الشنيقل،- وانتقل بعدها إلى ولاية البليدة أين تحصل على بكالوريا رياضيات،- ونال هناك شهادة مهندس دولة في الهندسة الكهربائية من بومرداس (معهد أمريكي)،- ودبلوم في اللغة الانكليزية،- إضافة إلى دبلوم في الحقوق والعلوم الإدارية،- ودبلوم في إنشاء المؤسسات الصغيرة والمتوسطة من كوريا الجنوبية،- فضلا عن دبلوم في تقنيات التفاوض من معهد العلوم السياسية بباريس-فرنسا-،- ودبلوم في الذكاء الاقتصادي من بوردو-فرنسا- .
- من المؤسسين الأوائل للحركة الطلابية الجزائرية بعد الانفتاح ،- تولى مسؤوليات هامة في قمة هرم تنظيم quot;الاتحاد العام الطلابي الحرّquot;،- كما أسهم في تأسيس الكثير من الجمعيات،- وله مساهمات عديدة في ترقية وتطوير الحركة الجمعوية،- من خلال كتابات وتنشطيه محاضرات وندوات.
-مؤسس ورئيس نادي الحوار.
- مؤسس و منسق المبادرة الجزائرية لدعم فكر المقاومة quot;مجدquot;
- شغل منصب مستشار خاص لدى رئيس الحكومة الأسبق quot;بلعيد عبد السلامquot;، و إطار سامي مكلف بالدراسات والتلخيص برئاسة الحكومة في حكومات quot;رضا مالكquot;، quot;مقداد سيفيquot;، quot;أحمد أويحيىquot;.
- شغل منصب مستشار خاص لـquot;محفوظ نحناحquot; رئيس حركة مجتمع السلم الإسلامية في الجزائر، بالموازاة مع ذلك كان مستشارا بوزارة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة والصناعات التقليدية، وهو الآن مفتش مركزي بالمفتشية العامة على مستوى الوزارة الجزائرية للصناعة وترقية الاستثمار.
التعليقات