تكريم ضحايا اعتداءات 11 أيلول/سبتمبر في واشنطن |
صباح الخفاجي من بغداد: تكاد آراء شخصيات إعلامية إسلامية ليبرالية، وأخرى ثقافية، تتفق على ان أحداث 11 ايلول/سبتمبر أوقعت ضررا في العالم عامة، وفي المنطقة العربية خصوصا. فالإرهاب الذي ضرب الولايات المتحدة في 11 أيلول/سبتمبر، اجبرها على إعلان الحرب في العالم، لكن الإرهاب انتقل إلى كثير من دول العالم وخصوصا المنطقة العربية، quot;التي تنام على برميل من بارودquot; حسب وصف الشاعر والمؤلف جابر الجابري. ويرى عدد من الكتاب العراقيين ان أحداث 11 ايلول/سبتمبر أتاحت لقوى إسلامية ان تتسلم مقاليد الحكم في بلدانها، وأعطت سلطات ونفوذا وتسلطا للأنظمة الحاكمة على شعوبها، على حساب الحريات العامة وحقوق الإنسان، quot;إيلافquot; كانت لها وقفة متأنية مع آراء لصفوة من شخصيات عراقية حول مرور 8 سنوات على حدث 11 ايلول/سبتمبر.
يصف المفكر الإسلامي حسين درويش العادلي الصورة العالمية بعد أحداث 11 ايلول/سبتمبر، بالصورة القاتمة السوداوية، لان ما تلى أحداث 11 أيلول/سبتمبر ادى الى زيادة اللغط والتضييق على الحريات العامة وحقوق الإنسان، وقال العادلي quot;صدقا أرى وبعد مرور 8 سنوات على وقوع تلك الأحداث، زيادة أنماط اللغط والتضييق على كافة أنماط منافذ ونوافذ التحرر سياسيا، إعلاميا، اجتماعيا وحتى إنسانياquot;.
ويضيف انه من إحدى سلبيات 11 أيلول/سبتمبر انها أدت الى مفعول عكسي، بما يتعلق بالحريات العامة وحركة المجتمع المدني، فالمراقب لا يلحظ أي تغير ايجابي بل على العكس الخاسر الأكبر كانت المنطقة العربية بشكل عام..
ويشير العادلي الى ان أحداث 11 أيلول/سبتمبر أدت الى زيادة هيمنة السلطات الحاكمة، وتسلّطها على شعوبها، إضافة إلى هيمنة الإسلام الراديكالي على مجتمعاتنا وحياتنا، ومن مراقبة الأحداث والتحولات، أوجدت الولايات المتحدة بعد أحداث 11 ايلول/سبتمبر، نظام حماية الأنظمة الحاكمة او الحركات الأصولية، المتعاظم نفوذها، وقامت الحركات الأصولية بفرض قيود وقواعد صارمة على الحركة المدنية والحريات العامة وحقوق الانسان.
والأدهى هو قيام النظام العالمي بتوفير حماية للأنظمة الحاكمة والسلطات المتسلطة على شعوبها بدعاوى الخوف من الإسلام المتطرف! ولفت العادلي الى ان المستفيد الاكبر من أحداث 11 أيلول/سبتمبر هو الأنظمة الحاكمة والإسلام الراديكالي، وللأسف لا توجد في المنطقة العربية كلها، والمنطقة الشرق أوسطية حماية أو منفذ للتعبير عن نفسها او لنيل مكانها الطبيعي.
ولم يختلف علي رستم، كاتب وإعلامي مستقل، مع رؤية الإسلامي حسين درويش العادلي اذ قال لـquot;إيلافquot; ان المنطقة او الجغرافية السياسية لمنطقة الشرق الأوسط محتقنة، بسبب السلطات المطلقة، فالفراغ بين الشعب والسلطات المطلقة للأنظمة الحاكمة، أفسحت المجال للحركات السلفية ومكنتها من تشكيل قاعدة شعبية، لان المجتمعات العربية مختلفة عن السلطة وذواتها. هذه الحركات الأصولية بدأت تبحث عن مفهوم اخر للثقافة، قابلتها هجرة العقول نحو العالم الغربي فتشكلت صدمة مفاهيم. لهذا برزت التجربة السلفية الدينية مثل حركة الإخوان المسلمين لحسن البنا وحركات مذهبية أخرى.
العقل العربي.. عقل سياسي تجريبي
ووصف على رستم العقل العربي، بالعقل السياسي التجريبي العربي، السبب الذي ادى الى اعتبار 11 ايلول/سبتمبر مرحلة شكلت تحولا كبيرًا لدى السلفيين والجهات الأخرى، الجهة الأحادية السيطرة على فلسطين مثلا او حركة طالبان في أفغانستان، كما ادت الى مواجهة ليست تسليحية فقط، بل مليئة بمفاهيم الجذب العشوائي للأفراد بشكل (عصابات)، مثل تجربة اسامة بن لادن، التي تحوي مفارقات قوية حاولت أن تسوق نفسها.
وأضاف رستم ان أحداث 11 أيلول/سبتمبر قد تكون توجهت في واحد من اوجهها نحو دمقرطة الشرق الأوسط، الا ان العقل العربي لا يحتمل تغيرا كهذا دفعة واحدة، رغم انه يعتبر تحولا طبيعيا، ولن تتحملها خصوصا الحركات السلفية، وكان ردها قويًا وعدوانيا حتى على الدول التي تبنت هذه الحركات السلفية تحديدا، مثل حماس في فلسطين التي تأذت هي نفسها كثيرا وغيرها.
يشير رستم الى ان مفاهيم وتقاليد مثل حقوق الإنسان لا يؤمن بها العرب لأنهم يمتلكون لوائح دينية تحكمهم، اما مجنة المثقف في العالم العربي- فتكمن في انه يجير أفكاره لمؤسسته، فالمثقف العربي سلبي. وهو (ابن) إشاعة الشعارات، وليس إشاعة المفاهيم -مثل قضية فلسطين والقومية العربية إساءة لعقل الإنسان العربي والمنطقة. quot;حقوق الانسان عربيا شعارات تسويق ليس هناك ايمان كامل بها، نحتاج الى فهم مبادئ حقوق الإنسان اولا! اما المفهوم القومي فشكل اكبر خسارة، فالمصريون مثلا يحكون وكأنهم يريدون الإنابة عنا قسرا. وكأنهم يمثلوننا - لكن الحقيقة هي ان الجرعة القومية هي جرعة يعتاش عليها القوميون الإعلاميون والمثقفون منهمquot;.
يؤكد رستم وجود بعض التوجهات، حاولت بعض وسائل الإعلام خلالها تسليط الضوء على قضية ما، لكن السؤال هو: هل استطاعوا كسبها قانونيا؟.
أما طارق حرب، رجل قانون، قال ان الأنظمة الدكتاتورية كانت تتخذ من الدين غطاء كما في العراق وافغانستان، لهذا فان مشروع الديمقراطية الذي جاء بعد أحداث 11 أيلول/سبتمبر، لم يكن متكاملا ويجب ان يبذل له جهدا مضاعفا. واقر حرب ان أحداث 11 أيلول/سبتمبر كانت انطلاقة للحقوق والحريات في بلدان عربية خاصة في مصر، الكويت، سوريا. لكنها انطلاقة لم تكن بالمستوى المطلوب.
ويضيف حرب الى quot;ازدياد الهجمة الإرهابية التي تتخذ من الدين ستارا ولباسا، وتنادي بالظلامة، لهذا أمامنا طريق طويل لتحقيق الديمقراطية في البلدان العربية، لكن الوضع في فلسطين ولبنان يكاد يكون ميئوسا منه خصوصا في ما يتعلق بالحريات العامة وحقوق الإنسان. ففي فلسطين مازالت العقلية التي منحت إسرائيل ثلاثة أرباع فلسطين هي الحاكمة، اما اللبنانيون فما زالت نوايا السوء المتبادل بين القادة قائمة ومسيطرة على جميع الأطراف اللبنانيةquot;.
الا ان حرب يرى ان التجربة العراقية بعد أحداث 11 ايلول/سبتمبر تعتبر الأكثر تميزا عربيا في ما يتعلق بحقوق الإنسان والحريات العامة، ويشير الى ان الدستور العراقي منح المرأة العراقية حق منح الجنسية لأطفالها، وهو انجاز كبيرquot;، وتوقع ان العراق يخطو خلال الأربعة أعوام القادمة خطوات اكبر نحو الديمقراطية quot;على الرغم من سيطرة الأحزاب الدينية التي نزعت الثوب الطائفي الديني، وسترتدي الثوب الديمقراطيquot;، خصوصا بعد اكتشاف المتطرفين دينيا أن الرأي القائل إن الدين معاد للديمقراطية،هو رأي خاطئ.. كما رأى المنادون بالديمقراطية ان الرأي القائل ان الديمقراطية ضد الدين هو رأي خاطئ تماما!!quot;
..يجب تعريف الإرهاب لمكافحته
الصحافي نزار حاتم، مراسل جريدة القبس في بغداد، قال ان ادارة بوش لم تتمكن من إدارة تداعيات 11 ايلول/سبتمبر بشكل يضمن التعاون الدولي والعربي، بالخصوص مع الجانب الأميركي في ملف مكافحة الإرهاب، لذا وجد الإرهابيون في حالة الإرباك السياسي مناطق واهنة للنفوذ والتغلغل، في المناطق التي يجدون فيها موطئ قدم. وكان يفترض بإدارة بوش من البداية إبعاد شبح القلق لدى العالم الإسلامي، لحشده خلف المعركة الأميركية ضد الإرهاب، لكن ذلك لم يحصل للأسف بحيث باتت حتى الأنظمة العربية ذات العلاقات الطيبة مع أميركا هي الأخرى قلقة، فلم تبد تعاطفا حيويا مع البيت الأبيض في هذا المجال.
ولفت حاتم الى انه ما لم يوضع تعريف حقيقي من العالم لمفهوم الإرهاب تبقى مكافحته عرجاء وغير شاملة، فمكافحة الإرهاب تحتاج الى معركة شاملة يقودها العالم، لاسيما بعد أن تفشى بشكل مخيف وبقي يهدد المصالح العالمية. هذه المعركة تستلزم تهيئة جو سياسي مناسب تستطيع من خلاله دول العالم اجمع التضافر في ما بينها لتوجيه ضربة قاصمة للإرهاب، إذ إنه من شأن إيجاد حلول حقيقية لأزمة الشرق الأوسط ان يسهم بفاعلية في التصدي العربي والإسلامي للإرهابيين. ومن الواجب لفت الانتباه الى ضرورة الابتعاد عن السياسة الأميركية السابقة في اعتماد الكيل بمكيالين، لانها أضرت كثيرا بالتلاحم المرجوّ بين أبناء الإنسانية وشجعت كثيرا على نمو حالات التطرف.
واكد جابر الجابري شاعر ومؤلف ان المنطقة كانت على برميل من بارود، وأحداث 11 أيلول/سبتمبر هي التي فجّرت برميل البارود. حدث هذا الانفجار بعد عقدين من الأزمات وإرهاصاتها، وإسقاطاتها محليا وعربيا ودوليا.. فالمنطقة خاضت عدة حروب أريد بها الخروج على إطارها الجغرافي.
أرادوا لهذه المنطقة أن تشتعل بالكامل، وأرادت أحداث 11 أيلول، تغيير وجه العالم كله سياسيا، واقتصاديا واجتماعيا.. الدول العظمى ربت وحوشا صغيرة واستعملتها في بعض البلدان، وأحكمت سيطرتها عليها الى حين. لكن تلك الوحوش مدت يدها ونهشت وجه القوى العظمى نفسها. حركة طالبان نشأت في أحضان الأميركيين، وعلى الأرض الأميركية وبخبرات أميركية! مهمة طالبان كانت درء او مواجهة ( الروس) في أفغانستان. وأريد لها ان تكافئ او ان تكون الضد الموضوعي لما أطلق عليه الصحوة الإسلامية، او الثورة الإسلامية، ومشروع تصديرها للمنطقة التي تمثل الخزان الهائل للاقتصاد العالمي، لذلك فهذه المنظومة التي تشكلت منذ معاهدة سايكس بيكو قد استنفذت مهامها بالنسبة إلى الإستراتيجية الموضوعة لظهورها.
ولم تعد تلك القوى العظمى تكتفي بالحروب التي تقوم بها دول بالنيابة عنها، القوى العظمى لم تشبع غريزتها لهذا أرادت الدخول بنفسها الى الساحة، ووفقا للقاعدة الجديدة- وضعت خارطة جديدة على طاولة الدول المتصارعة على النفوذ في العالم. وفصلت تلك الخريطة حسب مصالح تلك القوى ومقاساتها، وليس لمصلحة الدول الصغيرة. لم تراع خريطة الشرق الأوسط الجديدة شواطئ الخليج او ضفاف دجلة، بقدر ما راعت مصالح تلك الدول وحساباتها الإستراتيجية الكبيرة.
حدث 11 ايلول/سبتمبر وكما يقولونquot; من أعان ظالما فقد سلطه الله عليهquot;-وهذه المجاميع التي أريد لها ان تطيح بالدور الروسي بعد ان أنهت مهمتها في أفغانستان. أرادت ان تطيح بالدور الأميركي في أميركا نفسها، وهو أمر لم يكن واردا في حساب الولايات المتحدة لهذا استنفرت كل طاقتها لحماية نفسها في الداخل وتعمدت قانون الهجوم خير وسيلة من الدفاع.. لهذا وضعت خطة دفاعية للإطاحة بأنظمة ورؤوس، وكان حدث 11 ايلول/سبتمبر الشرارة التي فجرت برميل البارود الذي كانت تستقر عليه هذه المنطقة.
أحداث 11 أيلول/سبتمبر كارثة حلت على العالم اجمع
وواصل الجابري quot;عراقيا يقال ان رب ضارة نافعة، صحيح ان التدخل الأميركي كلف العراق والعراقيين الكثير من الأثمان والضرائب الزاخمة، لكنه قدم لهم عرضيا وعلى الهامش الحرية وقدم لهم فرصةممارسة الحكم بطريقة ديمقراطية توافقية كبداية، وان يحكموا أنفسهم بأنفسهم، وأتاح للعراقيين أيضا ان يتنفسوا بعد 30 عامًا من دكتاتورية كاتمة وجاثمة على أنفاسهم. واتاح 11 ايلول/سبتمبر لدول كانت تحت السيطرة والهيمنة ان تخرج، والعصر الأميركي الذي جاء بقوة السلاح اتاح للدول العربية تلك الضارة النافعة.
يقول الجابري quot;لعل العراق هو الخاسر الرابح الوحيد بين الدول العربية، رغم ما رافق ذلك من انعكاسات وإرهاصات، اما فلسطينيا فقد أتيح للظاهرة الإسلامية ان تتجاوز منظمة التحرير، وان تستلم السلطة ولكن هذا منطق لا يرضي القوى الكبيرة -لا يرضيها ان تحكم الدولتين سواء الفلسطينية او اللبنانية حركة إسلامية أصولية- الفلسطينيون واللبنانيون دخلوا بصراع كاد ان يطيح بكل شيء. وكما اصطلحت مقولة، ان الحرية هي مسؤولية تتجاوز حدود المراهقة شعبا وحكومة، اللبنانيون اعتادوا ممارسة حريتهم وطقوس حريتهم، لكن عندما تحول صراع القوى الداخلي، وأرادوا ان يشعلوا الشارع عام 2008، تمكن عقلاء القوم من إخماد النار، فيما بقيت مشتعلة في فلسطين.
لكن رغم ذلك فقد تمخضت عن أحداث 11 ايلول/سبتمبر، بعض الحسنات مثل الحرية النسبية التي حصلت عليها تلك الشعوب، ان 11 أيلول/سبتمبر له بعض الحسنات، تلك الحسنة التي استفزت الغول الأميركي، وجعلته يضرب ذات اليمين وذات الشمال، صحيح ان تلك الضربات أحدثت ضررا، لكنها في الوقت نفسه أتاحت لمن لا صوت لهم ان يرفعوا صوتهم.
لكن اسعد جودت -ليبرالي- يرى ان أحداث 11 أيلول/سبتمبر تعتبر كارثة حلت على العالم اجمع، وان العالم الذي دخل في علاقة أحادية القطب سرعان ما يتجه الى الهاوية. وأضاف اسعد quot;لا يمكن لأي شيء في الكون ان يقام على فكرة أحادية واحدة، جمال الكون والعالم في تعدد الاتجاهات والمشارب، لكن احداث 11 ايلول/سبتمبر أدخلت العالم في نفق مظلم يصعب جدا الخروج منه.،لان كل شيء تعقد وتشعب وتداخل.
ويكمل جودت ان الإرهاب الذي ضرب الولايات المتحدة في 11 ايلول/سبتمبر، دفعها الى اتباع سياسة ضرب العالم بأسره، وجعل الدول تضرب بعضها البعض. فالولايات المتحدة لم تجلب الديمقراطية للمنطقة العربية كما تريد أن تشيع، بل هي أدخلت المنطقة في بلبلة غير محسوبة، هذا القلق والتوتر وانعدام الرؤية السليمة المرافقة لخطة فرض الديمقراطية في المنطقة العربية، جعل الجميع ينكمش على نفسه بشكل او بآخر. والولايات المتحدة فشلت في دمقرطة العالم العربي، لانها لا تريد فهم الطبيعة العربية وبالتالي لا تريد إتباع الطريقة الصحيحة لنشر الديمقراطية.
وأردف جودت احتلال العراق ومحاولات تقسيمه ووضع السلطة بأيدي أحزاب إسلامية جلبت النار والموت والفقر للشعب العراقي، وهو ثمرة لسياسة احادية غير متقنة، و غير مكترثة لمصالح الشعوب الصغيرة او نضالها او تاريخها. قد يبدو الأمر مستحيل التحقيق، لكن الواقع يفيد ان انفراد الولايات المتحدة في فرض القرار السياسي عالمي، سوف يرتد على الولايات المتحدة نفسها ان عاجلا او اجلا.
التعليقات