العسكريون:
الحرب الشاملة مستبعدة لأسباب كثيـرة.. وعملية محدودة لن ترضي الرأي العام

السياسيون والقانونيون:
التحالف الدولي ليس مشكلة.. حتى ولو رفض مجلس الأمن

&
تحقيق& نبيل شرف الدين
في بداية السبعينيات تمكنت المخابرات المركزية الأميركية من تجنيد ضابط شاب بقوات الدفاع البنمية يدعي "إيمانوييل نورييجا" وظل يعمل لحسابها حتى مع تولي الرئيس جورج بوش الأب رئاسة المخابرات ومع مصرع رئيس بنما تورنجوس في حادث تحطم طائرة هليكوبتر عام 1981 استخدم نورييجا علاقته بوكالة المخابرات وأموالها لزيادة سلطته داخل قوات الدفاع ورفضت التدخل للإطاحة به رغم تقارير ضباط الوكالة ولجان الكونجرس والجنود الأميركيين عن تورط نورييجا في تجارة وتهريب المخدرات إلى أوروبا حتى الولايات المتحدة، وكان السبب بكل بساطة تعهده للإدارة والمخابرات الأميركية بمساعدتها في الإطاحة بحكومة نيكاراجوا الماركسية إلا أن الجنرال الشاب بعد تزايد نفوذه ورواج تجارته تمرد علي أميركا وأعلن تمسكه بتنفيذ اتفاقية عام 1977 والتي تقضي تسليم أميركا لقناة بنما عام 1999.
هنا فقط اكتشفت الإدارة الأميركية أن الجنرال لم يعد ذلك الضابط الصغير الذي جندته مخابراتها لتحقيق أهدافها، واتهمت محكمة في فلوريدا نورييجا بالاتجار في المخدرات وتهريبها للولايات المتحدة، وثار الرأي العام الأميركي وفتحت وسائل الإعلام شهيته للحديث عن أساطير نورييجا وخرج بوش بعد ان أصبح رئيساً للولايات المتحدة يتحدث عما يمثله الجنرال المتهور من تهديد علي أمن أميركا وعلي الفور أصدر مجلس الشيوخ قراراً يدين نورييجا الذي لم يتحمل الهجوم فدبر هجوما علي السفارة الأميركية في بنما وأعلنت أميركا الحرب عليه.
وفي يوم الأربعاء 20 ديسمبر عام 1989 الساعة الواحدة صباحاً نفذ 23 ألف جندي أميركي عملية "السبب العادل" للقبض علي نورييجا.. العملية التي شاركت فيها مشاة البحرية والزينجرز والفرقة 82 المحمولة جوا والمقاتلات استغرقت أقل من يوم وقبض علي نورييجا رغم لجوئه لسفارة الفاتيكان وحوكم في أميركا ويقضي الآن عقوبة السجن ويحمل الرقم 41586 ومع ذلك لم تقض أميركا علي تجارة المخدرات وسلمت قناة بنما في موعدها!!
بعد 11 عاماً من عملية "السبب العادل" يتكرر سيناريو نورييجا بنما مع أسامة بن لان مع بعض الاختلاف في التفاصيل حينما اختطفت أربع طائرات مدنية أميركية تصطدم اثنتان منها بمركز التجارة العالمي بنيويورك والثالثة بمبني وزارة الدفاع بواشنطن ويثور الرأي العام الأميركي ويصدر الكونجرس قراراً بتفويض الرئيس بوش الابن هذه المرة في مطاردة المنفذين ومعاقبتهم ويعلن الرئيس الحرب وتحشد أميركا قواتها وقدراتها وإمكانياتها استعداداً للرد المناسب.
السؤال الآن يدور حول سيناريوهات الرد الأميركي علي زلزال الثلاثاء الأسود.
"إيلاف".. بعيداً عن ضجيج وصخب وطبول الحرب وفرقعات الصواريخ والحديث الممل عن قدراتها وإمكانياتها والسيناريوهات السينمائية والتشوق لمشاهد الدماء والضحايا تستطلع بموضوعية آراء مسئولين كبار، وخبراء استراتيجيين وأساتذة السياسة والقانون الدولي، وذلك في محاولة للوقوف على تصور يقترب من سيناريو الرد الأميركي لزلزال الثلاثاء الأسود.
حالة غموض
المشير محمد عبد الحليم أبو غزالة وزير الدفاع المصري السابق، وهو صاحب خبرة عسكرية واستراتيجية ومعرفة طويلة بأساليب الإدارة الأميركية لاتخاذ القرارات في أوقات الأزمات ومتابعته التي لم تنقطع للمتغيرات الجديدة في استراتيجية الدفاع الأميركية وأساليبها وأدواتها يرى من البداية أن حالة الغموض التي تحيط بالحادث وملابساته والضجيج الإعلامي المتعمد والمستهدف من وسائل الإعلام الأميركية والشوشرة المقصودة من بعض المسئولين الأمريكان والجهات المختصة بإدارة الأزمة يجعل من الصعوبة بمكان الحديث أو التنبؤ برد الفعل الأميركي المحتمل والمنتظر رغم أن الإدارات الأميركية المتعاقبة واجهت من قبل العديد من الأزمات والحوادث بداية باحتجاز الرهائن الأمريكان بالسفارة الأميركية بإيران وطائرة لوكيربي وضرب السفارتين الأميركيتين في دار السلام ونيروبي.
إلا أن هناك مجموعة من النقاط يجب ان نضعها في الاعتبار عند تصور رد الفعل الأميركي وشكله وحجمه وطبيعته وتوقيته.
أولي تلك النقاط ان ما تعرضت له أميركا شيء مختلف وجديد علي استراتيجيتها الدفاعية التي تعتمد منذ مشاركتها في الحرب العالمية الثانية علي نقل حروبها خارج حدودها ومواجهة ما تتعرض له من تهديدات خارج الأراضي الأميركية ومنذ ذلك الحين انحصرت تهديدات الأمن القومي الأميركي علي الضربات النووية الخارجية أو حتى علي الأقل الهجمات فوق التقليدية الخارجية.. وبالتالي ليس هناك سيناريو وخطة عمل وقوات مدربة لمواجهة أية ضربات تأتي من الداخل وهذا هو ما يفسر استدعاء الرئيس الأميركي 50 ألفاً من الاحتياطي لحماية القواعد والمرافق الأميركية في الداخل من أية تهديدات داخلية.
النقطة الثانية أن ما تعرضت له أميركا أثر بشكل ما علي المكانة والهيبة الأميركية وبالتالي لابد أن يعيد الرد الأميركي تلك المكانة والهيبة ومصداقية قوة الردع الأميركية بشكلها التقليدي ولا يعني بذلك حرباً أو عملية عسكرية ضخمة وقاسية فقط بل عملية متكاملة سياسية اقتصادية عسكرية ونفسية وهو ما يتم حالياً مسألة ليست سهلة.
مباريات عسكرية
النقطة الثالثة التي يجب ان نضعها في الاعتبار ـ كما يقول أبو غزالة ـ ونحن نتصور رد الفعل الأميركي هي ان المؤسسة العسكرية في أميركا لا تعمل من فراغ أو بأسلوب رد الفعل بل تعتمد علي اسلوب المباريات الحربية والسيناريوهات حيث تضع سيناريوهات لمختلف المناطق التي لها فيها مصالح كذلك سيناريوهات لمختلف الأزمات والتهديدات تضع في اعتبارها مختلف الاطراف المؤثرة والفاعلة في السيناريو، كما تتوقع أن تحدث وتتحول بعد ذلك لخطة وتعليمات عمليات لكل جهة ويبدأ بعد ذلك التدريب عليها.. صحيح أن هيئة الأركان الأميركية المشتركة لديها سيناريوهات وخطط وقوات وتعليمات لمواجهة أية عملية إرهابية ولكن ليس بالشكل الذي تعرضت له نيويورك وواشنطن وما يحدث الآن داخل هيئة الأركان وجهات التخطيط بعيدا عما يدور خارجها هو إعادة وتخطيط جديد للسيناريو وهو ما يفسر حاليا الحديث والجدل الدائر حول دور باكستان والهند والصين والروس المنتظر في ذلك السيناريو الجديد.
القدرات الأميركية
النقطة الثالثة التي يتحدث عنها المشير أبو غزالة هي أن أميركا لديها من القدرات والامكانيات والوسائل العسكرية والأسلحة والمعدات ما يجعلها قادرة بمفردها علي خوض حرب استراتيجية أو صراع منخفض الشدة أو أقل منه قليلاً أو القيام بعمليات ذات طبيعة خاصة لدرجة أنها أجرت مؤخرا تجربة علي استخدام "ميني قنبلة نووية" لضرب مراكز قيادة وسيطرة أو أماكن حساسة بدون الآثار السلبية والجانبية للأسلحة النووية الا ان المخطط العسكري عند التحضير لحرب أو حتى عملية عسكرية محددة يجب ان تحدد له القيادة السياسية العدو والمهمة ليحدد علي أساسها حجم القوات اللازمة وطبيعة العملية وأسلوب التنفيذ وتهيئة الجو الداخلي والإقليمي والدولي سواء لاتخاذ قرار التنفيذ أو للتنفيذ الفعلي علي أرض الواقع وهو ما تعني به الإدارة الأميركية والمخطط العسكري في الوقت الحالي.
والحل السهل الذي اتخذته الإدارة الأميركية حتى الآن ولم يتحمس له المخطط العسكري هو اعتبار أسامة بن لادن الموجود في أفغانستان المسئول عن تنفيذ العمليات الأخيرة كعدو افتراضي مع التلويح والتلميح بقائمة وزارة الخارجية عن الدول التي تأوي وتساعد وتدعم الإرهاب والإرهابيين الا انها تدرك جيداً ان هذه قائمة سياسية بالدرجة الأولي لا تمثل تهديدات حقيقية ولكنها تعطي الفرصة كاملة للمؤسسة العسكرية لوضع سيناريوهات وخطط شاملة قابلة للتنفيذ.
النقطة الرابعة التي يتطرق لها المشير أبو غزالة هي تأثير الاعلام والرأي العام الأميركي علي متخذي القرار السياسي العسكري الذي اصبح في حاجة لعملية عسكرية انتقامية تظهر القدرة والقوة الأميركية وتشعره بالاطمئنان من جديد. وهي نقطة مهمة يجب ان نضعها في الاعتبار الا ان متخذ القرار يدرك جيدا ان هذه مخاطرة ومغامرة كبيرة بعد ان يهدأ قليلاً سرعان ما يسأل عن الهدف الحقيقي الذي حققته الضربة أو العملية العسكرية وهو ما قد يهدد الإدارة الأميركية ذاتها.
الرد المتوقع
النقطة الأخيرة التي يتطرق اليها المشير أبو غزالة أن القوات الأميركية رغم اعلان الرئيس بوش لحالة الحرب وتخصيص الكونجرس 20 مليار دولار للعملية واستدعاء وزير الدفاع لــ 35 ألفا من الاحتياط لم تبدأ بعد الفتح الاستراتيجي أو التعبوي أو التكتيكي لقواتها استعداداً لتنفيذ العملية أو الضربة المتفق عليها وهي عملية تستغرق وقتاً كبيراً حتى في ظل إمكانيات النقل الأميركية الكبيرة والتمركز المسبق للقوات في كثير من مناطق العالم وكل ما فعلته فقط الاستنفار وإعلان حالة الطوارئ وهي تمثل أول مرحلة المفترض أن يتلوها مراحل أخرى كثيرة.
ووفقا لكل الاعتبارات والنقاط يري المشير أبو غزالة أن الرد الأميركي لن يكون عسكرياً فقط بل سيأخذ منظومة متكاملة تسير في خطوط متوازنة أو بشكل متدرج حتى العملية العسكرية لن تكون خلال أيام أو أسابيع ولن تأخذ شكل ونمط الحرب التقليدية بل ستكون عملية خاصة تخرج مختلف أشكال وصور القتال وتبرز القدرة والقوة الأميركية وتستعيد بها هيمنتها ومكانتها.
أما إذا نجحت أجهزة الاستخبارات الأميركية وعملاء وجواسيس أميركا في معرفة مكان الهدف والعدو المفترض أسامة بن لادن تحديداً فان الإدارة الأميركية والمؤسسة العسكرية لن تتردد لحظة واحدة في تنفيذ عملية سريعة وخاطفة تبدأ بقصف جوي وصاروخي لبث الذعر وإحداث نوع من الإرباك يتلوها تنفيذ عملية إغارة خاصة لطائرات الهليكوبتر والنقل العملاقة وعزل أفغانستان عن الدول المحيطة بها لمنع محاولة هروب بن لادن أو منع وصول إمدادات أو أسلحة لباقي التنظيم الا ان تلك العملية أيضا تستلزم متطلبات لم تقررها الإدارة الأميركية حتى الآن.
أزمة مختلفة
الخبير الاستراتيجي اللواء متقاعد عادل سليمان يتفق مع المشير أبو غزالة في كل ما أشار اليه من اعتبارات ونقاط الا انه يري ان من الخطأ ان نفكر للإدارة الأميركية والمسئولين العسكريين بأميركا لأن التفكير الأميركي بشكل عام وفي الأزمات علي وجه الخصوص يتسم بعدم التقليدية أو النمطية التي قد يتوقعها أو يتنبأ بها البعض.
كذلك من الخطأ ان نتصور ان التاريخ والاحداث تعيد نفسها وان الرد الأميركي علي ما حدث لن يختلف كثيراً عن عملية الكوماندوز الفاشلة التي تمت عام 1980 لاطلاق سراح الرهائن في طهران أو سيختلف بعض الشيء عن عملية اطلاق الصواريخ علي السودان كما حدث عام 98 أو أفغانستان عام 95 ويوغوسلافيا السابقة عام 99 أو القيام بضربة جوية مكثفة وشديدة كما حدث علي ليبيا عام 98 والعراق في اعقاب كشف محاولة اغتيال بوش الأب في الكويت أو ان الرد سيكون مزيجا بين كل تلك العمليات.
والسبب ببساطة ـ كما يؤكد اللواء عادل سليمان ـ أن لكل عملية ظروفها وملابساتها ومسرح عملياتها ولكل إدارة أميركية أسلوب تفكيرها المختلف ونمط إداراتها للأزمات التي قد تتعرض لها مع الوضع في الاعتبار أن ما تعرضت له أميركا يمثل ـ لأول مرة في تاريخها ـ لتهديدات داخلية حقيقية تضع الإدارة الأميركية والرئيس بوش الابن في موقف صعب لاختيار البديل المناسب ليحقق أكبر قدر من المكاسب علي المدى القريب والمتوسط والبعيد.
ومن هذا المنطلق وطبقا للتفكير الأميركي غير النمطي وغير التقليدي يري اللواء متقاعد عادل سليمان أن إعلان أميركا الحرب علي الإرهاب بشكل مطلق غير مجدي لأن تلك الحرب قد تمتد علي الأقل لأكثر من عشر دول وهي مسألة صعبة للغاية حتى لو استطاعت أميركا تشكيل تحالف دولي عسكري وهو أمر صعب التحقيق ثم ان القيام بعملية عسكرية خاطفة هنا أو هناك لن يقضي بدوره علي الإرهاب بغض النظر عن قوة وشدة تلك العملية فقد تقضي علي أحد التنظيمات ولكن سرعان ما ستظهر تنظيمات أخرى بأساليب مختلفة.
والأفضل هنا ـ كما يري اللواء متقاعد عادل سليمان ـ إيجاد آلية قائمة علي تحالف دولي حتى في شكلها المبدئي تستند علي الشرعية الدولية وميثاق الأمم المتحدة متمثلة في عدة قرارات تصدر عن مجلس الأمن تعطي الحق لأميركا في استخدام القوة العسكرية لملاحقة الإرهاب والإرهابيين وتلتزم دول العالم بتقديم ما لديها من معلومات وتسليم ما لديها من إرهابيين وهذا الوضع يعطي الولايات المتحدة حق اتهام الدول الرافضة للتعاون بالإرهاب وتفرض عليها عديداً من العقوبات الاقتصادية والسياسية قد تصل لتوجيه ضربات عسكرية محددة لها وقد يصل الأمر أيضا لتبني أميركا لفكرة إقامة محكمة دولية لمجرمي الإرهاب الدولي وكل هذا قد يحقق أكبر قدراً من المكاسب لأميركا علي الآجال القريبة والمتوسطة والبعيدة.
رؤية سياسية
حديث اللواء عادل سليمان عن السيناريوهات السياسية فرض علينا استطلاع آراء السياسيين وأساتذة القانون الدولي، وفي البداية يقول د. صلاح عامر أستاذ القانون الدولي بجامعة القاهرة أن ميثاق الأمم المتحدة وقواعد القانون الدولي يتيح للولايات المتحدة إجراء عدة سيناريوهات لمواجهة ما تعرضت له خاصة وان الإدارة الأميركية بعد زوال غبار ما حدث راغبة في إضفاء جو من الشرعية الدولية والعمل تحت مظلة الأمم المتحدة بالفصل السابع من الميثاق الخاص بحالات تهديد السلم أو الإخلال به أو وقوع العدوان يعطي الدول الأعضاء الحق لتنبيه الأمين العام لنزاع أو موقف من شأنه تعريض السلم والأمن الدوليين للخطر ثم إن المادة 42 من الميثاق تتيح أيضا لمجلس الأمن في حالة وقوع تهديد للسلم أو وقوع عدوان أن يتخذ بطريق القوات الجوية والبحرية والبرية من الأعمال ما يلزم لحفظ السلام والأمن الدوليين أو لإعادته إلى نصابه
المادة 25 من ميثاق الأمم المتحدة كما يشير الدكتور صلاح عامر تنص علي تعهد جميع الدول بأن تضع تحت تصرف مجلس الأمن استخدام القوات المسلحة في أي وقت يشاء ما يلزم من القوات والمساعدات والتسهيلات الضرورية ومنها حق المرور إلى أقاليمها.
والمادة 43 من الميثاق أيضا تضمن ـ نظريا علي الأقل ـ كل الترتيبات التي تمكن مجلس الأمن من التدخل في الحالات التي تهدد السلم والأمن الدوليين.
المادة 106 أيضا تحول للدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن حق القيام نيابة عن الأمم المتحدة بالأعمال المشتركة التي قد تلزم لحفظ السلام والأمن الدوليين.
وطبقا لنصوص كل تلك المواد فان الولايات المتحدة ـ كما يقول د. عامر ـ أن تجد صعوبة في استصدار عدة قرارات من مجلس الأمن لتشكيل تحالف دولي وإضفاء شرعيته علي أعمالها العسكرية والإجراءات التي قد تتخذها.. وحتى إذا وجدت الولايات المتحدة صعوبة في تشكيل هذا التحالف الدولي فهناك مبدأ في القانون الدولي يعرف "بسلطان الإرادة" ويعني أن أي عدة دول يحق لها تشكيل تحالف لمواجهة أي تهديد طالما أن ما ستقوم به لا يمثل عدواناً أو يخالف القانون الدولي وهناك أيضا مبدأ المعاملة بالمثل الذي يجيز القيام بعملية ثأر أو انتقام طالما لا تشمل اعتداء أو تخالف القانون الدولي.
اعتبارات جديدة
المشكلة في الخيارات السياسية والقانونية المتاحة امام الولايات المتحدة هي استصدار قرار من مجلس الأمن يقضي بتسليم الإرهابيين سيواجه مشكلة تعريف ماهية الإرهابي والحل توقيع اتفاقية جديدة بين دول العالم تلتزم تسليم الإرهابيين والمشكلة الثانية محاولة استصدار قرار بتشكيل محكمة لمجرمي الإرهاب في ظل ان هناك محكمة جنائية دولية ترفض أميركا نفسها التوقيع علي اتفاقية تأسيسها.
الدكتور حسن نافعة أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة يطرح تصوراً آخر مختلفا بعض الشيء فيري انه إذا كانت الولايات المتحدة قد استخدمت جيدا نصوصاً لميثاق الأمم المتحدة وسلطات مجلس الأمن في تشكيل تحالف دولي عسكري لمواجهة الغزو العراقي للكويت الا انها ستحاول في الوضع الحالي التغلب علي المشكلات التي ظهرت وواجهت هذا التحالف لتنفيذ مهمته وستركز جهودها في الحصول علي تفويض مطلق لقيادة هذا التحالف خاصة انه ليس هناك ما يمنع قانوناً من لجوء مجلس الأمن إلى هذا التفويض ثم ان نص المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة تعطي أي دولة يقع عليها أو يتهددها عدوان الحق في الدفاع عن نفسها بشكل فردي أو جماعي مع الوضع في الاعتبار أن هذا التحالف الدولي الأول غير قابل للتكرار مرة أخرى.
ويري د. نافعة أن أمام الإدارة الأميركية أسلوباً ونمطاً افتعالياً للرد تحت مظلة الأمم المتحدة والشرعية الدولية وهو ما فعلته مع أزمة لوكيربي حينما وجهت الاتهامات لإيران وسوريا وليبيا وبعض المنظمات الفلسطينية وتقدمت بمذكرة لتسليم المتهمين الليبيين إلا أن مجلس الأمن فاجأ الجميع بقراره رقم 731 الذي يطالب ليبيا بتسليم المتهمين وافترض القرار ان جوهر المشكلة التي يعالجها هو الإرهاب الدولي والذي يشكل تهديدا للسلم والأمن الدوليين من ثم يصبح لمجلس الأمن سلطة اتخاذ ما يراه ضروريا إلا أن هذا الافتراض ليس له ما يبرره قانونا لأن المسألة تتعلق باتهام يتعين التثبت من صحته أولاً قبل اتخاذ أي إجراء ومن هنا غلبت الاعتبارات السياسية علي القانونية وأكثر من ذلك أن مجلس الأمن استصدر القرار رقم 748 والذي منح ليبيا فرصة أسبوعين لتسليم المتهمين وإلا فرضت عليها عقوبات بموجب الفصل السابع.