قبل ان يسدل الستار علي حرب افغانستان، بالسيطرة علي آخر معقل لـ طالبان والإجهاز علي آخر معقل لـ القاعدة ، بدأ توسيع نطاق الحرب المسماة ضد الارهاب بنقلها فوراً الي فلسطين، فيما يستكمل التحضير للانتقال بعدئذ الي العراق.
لم تكن هناك علاقة بين تفجيرات 11 أيلول (سبتمبر) في نيويورك وواشنطن وبين ما يجري في فلسطين، لكن العقل الاميركي ربط بينهما منذ اللحظة الأولي، ليس بدافع التعرف الي الحقائق والتعامل معها، وانما للإصرار علي سياسات اميركية كانت خاطئة ولا تزال. وعلي رغم كل الجهد الاعلامي الذي بذل لتنزيه الحرب عن ممارسات افراد متعصبين، فإنها بقيت حرباً صليبية مثلما سماها الرئيس الاميركي في وهلة أولي.
الحرب علي الارهاب ، كما طبقت علي الأرض، أُريد لها ان تكون انتصار ارهاب علي ارهاب. ارهاب شرير جسده تفجير برجي مركز التجارة العالمية، وارهاب طيّب برهنه قتل الأسري في افغانستان. لم يحظَ الارهاب الشرير بأكثر من تعاطف شرائح صغيرة متطرفة في الشارع العربي - الاسلامي، أما الارهاب الطيب فيطمح الي تحسين صورة اميركا في العالم، خصوصاً عند العرب والمسلمين.
ولأجل ذلك، تضع الولايات المتحدة يدها في يد ارييل شارون. كانت أبعدته عن الصورة في التحالف الدولي ضد الارهاب، واعطته أدواراً سرية في الحرب. لكنها أطلقت يده ليمارس كل الوحشية ضد الشعب الفلسطيني، وليحقق طموحاته الشخصية كمجرم حرب منتخب بالقضاء علي خصم يفترض ان يقيم معه سلاماً لا بد منه. والواضح ان الخطوط الحمر التي كانت واشنطن تضعها أمام شارون قد رفعت، بما في ذلك اطاحة الرئيس الفلسطيني.
هكذا نسيت الادارة الاميركية ان الاحتلال الاسرائيلي هو المشكلة، كما صوّرتها رؤية كولن باول، وباتت مستعدة للانزلاق الي رؤية شارون التي ترمي الي تنصيب سلطة فلسطينية تستمد شرعيتها من سلطة الاحتلال. وفي الوقت نفسه يمكن ان تشكل اطاحة ياسر عرفات تمهيداً لإطاحة صدام حسين، طالما ان العقل الاسرائيلي يربط بين الاثنين. ومتي نجحت سياسة الاطاحات هنا أو هناك من يستطيع ايقافها، خصوصاً اذا كان القرار اسرائيلياً والتنفيذ اميركياً؟
حتي رئيس الوزراء التركي استهجن ان يفاتحه نظيره الاسرائيلي بأنه في صدد التخلص من الرئيس الفلسطيني. لكن التصريحات الاميركية، من جورج دبليو الي باول ورامسفيلد، لفتت الي ان مصير الرئيس الفلسطيني طرح في واشنطن في المحادثات الأخيرة مع شارون، وإلا لما كان الأخير تصرف كمن أفلت من عقاله. ومثل هذا الحديث عن عرفات - قتله أو الإبقاء عليه - يليق بعصابة مجرمي حرب لا برجال دولة، فالرئيس الفلسطيني يمثل شعبه ولا معني لتذكيره، أمام العالم، بأنه شخصياً تحت رحمة سلطة الاحتلال، فالمجتمع الدولي يعرف ولا يبارك. واذا كان هو علي هذه الحال فما حال شعبه؟ وماذا يعني استطلاع آراء الاسرائيليين: هل يؤيدون أو لا يؤيدون اطاحة عرفات؟ طبعاً سيؤيدون طالما انهم سئلوا. فالسؤال هنا يستدرج تأييداً شعبياً لجريمة معلنة مسبقاً.
استطاع الاسرائيليون ان يدخلوا في عقل جورج دبليو ان غزة هي تورا بورا، وان جنين هي قندهار، وان لا فرق بين الرئيس الفلسطيني واسامة بن لادن. واقتنع الاميركي بمثل هذه التوليفة الخادعة كأنه لا يعرف شيئاً عن القضية الفلسطينية، بل اقتنع الي حد ان جنراله انتوني زيني افتتح مهمته بنقل 19 مطلباً اسرائيلياً من السلطة الفلسطينية. الأكيد ان السلطة مطالبة بتنفيذ هذه المطالب في ظل القصف علي مؤسساتها ورجالها. الأكيد ايضاً ان اسرائيل قد لا تستهدف عرفات الآن، لكنه متي نفذ هذه المطالب سيجد انها قضت عليه فعلاً (الحياة اللندنية)