بيروت ـ من مصطفى ياسين: دعا عضو المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى وأحد الوجوه الليبيرالية في الطائفة الشيعية في لبنان السيد هاني فحص "حزب الله" إلى الانطلاق من انجاز التحرير لبلورة رؤية سياسية ثقافية وطنية، تشكل ضرورة لاستمراره, واكد "اننا نراهن على عقلانية الحزب وواقعيته، علماً ان العقلانية السورية ــ الإيرانية تساعده على تجاوز الفخ الأميركي والصهيوني".
ووصف علاقة الحزب بالمؤسسات الشيعية في لبنان بانها صارت "اكثر ايجابية"، متوقعاً ان ينخرط في المجلس الشيعي رغم التجاذب السياسي بينه وبين حركة "أمل", وقال: "حزب الله يتضرر إذا فكرّ في الهيمنة على مؤسسات الشيعة ومناصبهم".
وفي ما يأتي وقائع الحوار معه:
"اذا كانت المواجهة مع إسرائيل قضيتنا الأولى فإن المقاومة للاحتلال في الظروف الصعبة عام 1982 التي شارك حزب الله في تأسيسها واستمرارها واحتل لاحقاً المساحة الاوسع فيها حتى انتهى إلى تحرير الجنوب أي بالمقاومة، تعني ان حزب الله على هذا الصعيد الحساس يمثل طموحات العرب والمسلمين وكل الشرفاء في العالم.
اما ان حزب الله يمثل المسلمين الشيعة في لبنان، فما من حزب في الدنيا مهما تكن صفته قومية أو وطنية أو إسلامية يمثل فعلياً وحصرياً مختلف حساسيات التحّدي الاجتماعي الذي ينطلق منه تمثيلاً كاملاً ودائماً، من هنا فإن تمثيل حزب الله للشيعة في لبنان وللبنانيين كان لاتساع عمل المقاومة, وهنا ظهر الاحتضان اللبناني للحزب والمقاومة في مفاصل العدوان عامي 1993 و 1996، ما جعل الحزب يدرك دقة موقعه ويلتفت إلى هذا الاحتضان الوطني ويطور علاقاته ورؤيته وخطابه في اتجاه وطني وقومي واسلامي اوسع بكثير من البعد الطائفي الظاهر في تركيبه وتنظيمه، ومع ذلك فإن الحزب لم يصل ولن يصل إلى اختزال الشيعة المسلمين في اطاره أو مشروعه, لبنان بلد التعدد والحوار والسجال, والتعدد فيه يتسع لكل الجماعات, حتى الحزب الواحد، فيه درجة من التعدد.
هذا قبل التحرير، أما بعده فكان من الطبيعي ان يجد الحزب نفسه أمام سؤال كبير حول مستقبله الوطني، وإذا كان في بعد من ابعاده حزباً إسلامياً شيعياً, الشيعة في لبنان، ولعلهم في سائر اقطار وجودهم، مقتنعون في شكل نهائي بضرورة الاندماج في مجتمعاتهم والحد من أي نزعة إلى التمايز، إلا للخير الوطني العام, وهذا يلزم حزب الله ان يؤسس على موجب التحرير رؤية سياسية ثقافية وطنية اندماجية، وذلك يشكل ضرورة للحزب أي لاستمراره، وضرورة شيعية وضرورة وطنية لبنانية، بمقدار ما ينجز الحزب هذه الضرورة فإنه يحافظ على مستوى تمثيله الإسلامي والشيعي والوطني النسبي.
يبقى انه بعد 11 سبتمبر والحرب على افغانستان وتفاقم الهجمة الصهيونية على الشعب الفلسطيني، فإن حزب الله كغيره من الحركات الإسلامية، وربما اكثر من بعضها، يجد نفسه امام تحد جديد، إذ تحاول القوى التي تضررت من تفجير مانهاتن وردّت عليه في افغانستان وفلسطين وربما مناطق اخرى، ان تعود إلى ماضي الحزب البعيد نسبياً لتستحضر ما يمكّنها من اضفاء الطابع الإرهابي عليه لتبتز العرب والمسلمين ولبنان والشيعة ثأراً من المقاومة.
واحتياطاً لما يمكن ان يحدث، بعد استكمال الجريمة الصهيونية في فلسطين بفصولها، سوف يشكل حزب الله جزءاً حيوياً من قوى النهوض والرد على النكبة الجديدة.
هنا، نحن نراهن على عقلانية الحزب وواقعيته, نتمنى ان يبقى الحزب سليماً معافى باقل قدر من التنازلات انتظاراً للآتي, وهذا يعني في ما يعني ان الحزب امام تحد كبير، وإذا كان يتأثر بعمقيه الاستراتيجيين في ايران وسورية فإن العقلانية الايرانية والسورية مع المبدئية في التعاطي مع تطورات المنطقة والعالم تطمئن إلى ان حزب الله يمكن ان يحافظ على سلامة جسمه وروحه ومبادئه من دون ان يسقط في الفخ الأميركي الصهيوني ومن دون ان يخاطر بوجوده ودوره وتاريخه.
وفي حال التقدم أو المراوحة أو التراجع يبقى لحزب الله قدر من التمثيل للطائفة الشيعية وله شركاء في ذلك يختلفون معه على أمور ويتفقون على أمور، ولكن الجميع صف واحد في وجه إسرائيل ومحاولات التفريق والزعزعة لكياناتنا الوطنية ومجتمعنا الوطني.
واننا من موقع الاهتمام الجدي نشعر بضرورة ان يقرأ حزب الله الواقع اللبناني والعربي والإسلامي قراءة متأنية وعميقة، قراءة مشاركة مع القوى الإسلامية والوطنية والشيعية ومع كل الحساسيات الوطنية والفكرية، والمسيحية في مقدمها، من اجل ترميم الاعطال التاريخية في الخطاب والاداء والرؤية وفي سبيل انجاز اطروحة إسلامية معاصرة لا تقطع مع الحداثة وتنفصل عن الاصول، لأن الاصيل هو من يختاره العصر وسمته وتحدياته على اساس من نظام القيم المكونة ومن الذاكرة النقية، وعلى اساس موجبات التحديث وحفظ الماضي في الحاضر والمستقبل, وان المقاومة كفعل ايمان وتحرير في حاجة إلى ان ترتقي إلى مستوى مشروع وطني على اساس المشاركة تلك دون اختزال أو مصادرة، أي إلى توظيف الامس في الغد، والعودة إلى رؤية المستويات المتعددة لمعركتنا الحضارية الطويلة وعدم الوقوع مرة اخرى في اختزال هذه المستويات كلها بالمستوى العسكري وحده".
وعن الفارق بين "حزب الله" اليوم وما كان عليه عند التأسيس قال: حزب الله في البداية، كونه حزباً دينياً مقاوماً في لحظة صعبة شديدة ومعقدة جداً، ربما كان مضطراً إلى مزيد من الاستنفار الايديولوجي لتصليب جماعته, انا لا ابرر ولا اسوغ ولكن ربما كان الامر كذلك, وبعدما قاوم وادرك أهمية المقاومة والوحدة الوطنية حولها، غيرّ كثيراً في خطابه وادائه ونمط علاقاته ووسّع افقه العربي وبنى علاقة بالدولة اللبنانية وانخرط كثيراً فيها.
والقيادة الجديدة للحزب لعبت دوراً في هذا المجال، واعتقد ان ذلك بدأ منذ ان كان الشهيد السيد عباس الموسوي يتولى الامانة العامة للحزب، حينها بدأت علامات الاعتدال تظهر".
وعن علاقة "حزب الله" مع المؤسسات الشيعية في لبنان وخصوصاً المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى قال: "مرت هذه العلاقة تاريخياً بفترات مد وجزر، وهذا أيضاً يتصل بتوجهات الحزب أي اعتداله ومرونته وانفتاحه أو عصبيته, ولذلك، لاحظنا مثلاً، ان تيار الشيخ صبحي الطفيلي الذي انفصل عن الحزب، بقي متشدداً ضد المجلس الشيعي حتى بعد انفصاله.
كذلك فإن الاعتدال بدأ يظهر مع المجلس الشيعي مترافقاً مع الاعتدال في العلاقة بالدولة والمجتمع اللبناني ككل, حزب الله جدد فهمه لهذه المؤسسات، بعدما كان عنده موقف شبه يساري منها، موقف رفضوي, وفي السنة الاخيرة من عمر رئيس المجلس المرحوم الشيخ محمد مهدي شمس الدين كان هناك نوع من الاعتراف بوجوده وبموقعه وحجمه وخصوصاً في ما يعود إلى الأفكار السياسية التي اصلّها الشيخ شمس الدين في خطابه المميز.
أما الان بعد الشيخ شمس الدين، فنحن امام احتمال اجراء انتخابات في المجلس، وباعتقادي ان علاقة الحزب ستكون اكثر ايجابية وربما ينخرط في المجلس الشيعي، وان كان هذا الانخراط ضمن عملية تجاذب سياسي بينه وبين حركة امل".
?& تحالفه مع "امل" يمنع تداول السلطة داخل الطائفة؟
ــ هذا ما اريد قوله، نحن لسنا ضد التحالف في الانتخابات النيابية ولكن يلزمه بعض المقاييس والمعايير لحفظ نسبة عالية من حرية الاختيار,
أما بالنسبة إلى المجلس الشيعي، فدرجة التسييس في المجلس يجب تخفيفها، بحيث يعود إلى دوره الديني, ومعنى ذلك سحب المؤثرات السياسية عنه وعدم اخضاعه للتحالف والاختلاف, وتقديري ان ذلك لن يحصل، لأن الظاهرة السياسية في لبنان في طريقها إلى ابتلاع كل شيء, ليس بمعناها الاجتماعي بل بمعناها الطرفي الفئوي التنافسي.
وحزب الله يتضرر اذا فكر في الهيمنة على مؤسسات الشيعة ومناصبهم في لبنان، ولكن الحزب رغم شيعيته يحاول ان يداري هذه الشيعية، فتحوله من حزب بمستوى التحرير إلى حزب بمستوى مؤسسة طائفية.
وعن الخلاف بين "حزب الله" والعلامة السيد محمد حسين فضل الله قال: "لا اعرف اسراره، وانما تقديري في الظاهر ان الحزب يعمل تحت ظل ولاية الفقيه المتصلة بمسألة المرجعية المركزية في ايران, اما السيد محمد حسين فضل الله فقد اعلن مرجعيته وهي مرجعية الاطراف، وهذا نوع من الاستقلال عن المركز، وهذا في المحصلة اعتراف بمرجعية السيد محمد حسين فضل الله، وتحوّله هو ولي الفقيه بشكل طبيعي, فلا بد من رفض المرجعية للحفاظ على العلاقة بالمركز, وهذا لا يعني رفض مرجعية السيد فضل الله وانما الحفاظ على الارتباط الفقهي، والذي هو في النهاية ذو مضمون سياسي، بين الحزب والمركز في طهران.
?& كان المركز في النجف.
ــ المركز اختيار أيضاً, المركز عند حزب الله طهران وليس النجف, المعايير الفقهية في المرجعية محترمة, كان يمكن تطويرها من داخلها، ولكن ذلك لم يحصل، لأنها تطورت على مستوى سياسي، وهذا ليس مساساً بأهلية المراجع المطروحين، وانما الآلية اصبحت اقرب إلى السياسة منها إلى الفقه والفكر.(الرأي العام الكويتية)