&
لندن-محمد عبد الجبار: ماذا بوسع رئيس النظام العراقي ان يفعله اذا قرر الرئيس الامريكي المضي قدما في مشروعه المعلن لتغيير النظام السياسي في العراق؟
القراءة الاولى لخطاب صدام حسين الاخير تعطي انطباعا بان الرجل ماض هو الاخر في مواجهة المشروع الامريكي، متجاهلا اية خيارات اخرى قد تبدو ممكنة للخروج من المأزق الحالي.
فقد واصل صدام خطابه "الايماني" المشحون بالتعابير التي هي اقرب الى اللغة الصوفية منها الى اللغة السياسية، متحدثا عن النصر المؤزر الذي يكتبه الله للمؤمنين، مهددا بان من يعتدي على العراق سوف يكون نصيبه الهزيمة الماحقة، رافضا كل التهديدات المعلنة والمبطنة التي توجه اليه من قبل الولايات المتحدة، رافضا تقديم اي تنازل بشأن عودة المفتشين الدوليين الى العراق لاستئناف عملهم الذي توقف منذ .1998
لكنه لم ينس ان يفتح طريقا احادي الاتجاه امام الولايات المتحدة، وهو طريق الاجابة عن "اسئلة العراق" التي سبق ان قدمها في اخر لقاء بين المندوبين العراقيين وبين مسؤولي الامم المتحدة، فقد قال صدام في خطابه: "أما لو أرادوا لانفسهم ولشعبهم الأمان والسلام.. فهذا ليس دربه، وانما احترام أمن وحقوق الآخرين والتعامل معهم بسلام، والاهتداء بالحوار المتكافىء الى الضمانات الواجبـة على أساس القانون والمواثيق الدولية.. ان الإجابة عن أسئلة العراق، ووفاء مجلس الامن بالتزاماته المقررة وفق قراراته، هما الطريق، ولا مجال لمن يستخدم التهديد والعدوان ألا ان يخسأ حتى لو أصاب من يصيبه بالأذى، وان الله القادر العظيم فوق كل ذي قدرة، وسيمحق كيد الظالمين".
ولا يبدو ان الامم المتحدة راغبة في الاجابة عن اسئلة صدام، لسبب قد يكون بسيطا، وهي ان هذه الاسئلة تفتح موضوعات لا علاقة لها بالمسألة الجوهرية، وهي عودة المفتشين الدوليين.
ولكن السؤال المركزي الذي يواجه خيار خوض الحرب والمضي في الطريق الصعب الى نهايته هو: هل ان صدام يملك الضمانات الكافية لنتائج مثل هذه الحرب؟ بمعنى هل انه واثق من الانتصار؟ وهو انتصار لا بد ان يتمثل في بقائه في السلطة وعدم انهيار نظامه مع اول ضربة توجهها اليه القوات الامريكية؟
لا يبدو ان صدام يملك الان مثل هذه الضمانات، لا على مستوى القدرة العسكرية النظامية التي يفترض انه سوف يستخدمها في المواجهة، ولا على مستوى القدرة على امساك الوضع الداخلي في حال نشوب الحرب.
فعلى مستوى القدرة العسكرية النظامية يؤكد الخبراء العسكريون ان القوات العسكرية ليست بحالة تؤهلها لخوض حرب نظامية مع عدو متقدم تكنولوجيا كالولايات المتحدة، لا من حيث العدة، ولا من حيث العدد ومن حيث الروح المعنوية. وحتى اسلحة الدمار الشامل فان المراقبين يرون ان ما يثار حولها اعلاميا اكثر بكثير من حقيقتها الواقعية. ويرى هؤلاء ان صدام قد لا يكون قادرا على استخدامها في نهاية المطاف ضد القوات الغازية.
في نفس الوقت يؤكد الخبراء ان الوضع الداخلي مرشح للانفجار في حال بدء الحرب، كما حصل في حرب 1991، مع فارق اساسي ومهم وهو ان الولايات المتحدة لم تكن تعلن انذاك ان هدفها هو تغيير النظام، في حين انها تؤكد ذلك هذه المرة، الامر الذي يعطي دفعة قوية لقوى الداخل العراقي، وهي القوات المسلحة من جهة والجماهير الشعبية من جهة ثانية، للتحرك السريع واستثمار الظروف التي سوف يخلقها الهجوم الامريكي على مراكز النظام.
وبناء على هذه المعطيات يرى الخبراء ان القراءة الاولى لخطاب صدام الاخير لا تقدم كل الحقيقة، الامر الذي يستلزم قراءة "مابين السطور" في الخطاب ايضا، وخاصة دعوته الى "احترام أمن وحقوق الآخرين والتعامل معهم بسلام، والاهتداء بالحوار المتكافىء الى الضمانات الواجبـة على أساس القانون والمواثيق الدولية". وهي دعوة تتضمن استجداء الولايات المتحدة للوصل الى مخرج من الازمة الراهنة يحفظ ماء وجه صدام. ويرى هؤلاء الخبراء ان صدام طالب الولايات المتحدة بحل يضمن "احترام الاخرين" وليس الاخرون في هذه الجملة احدا غير صدام نفسه، ولن يكون ذلك الا بابعاد شبح الحرب. فالهدف العاجل لصدام الان هو منع اندلاع الحرب التي يعلم انه سيكون الخاسر الاكيد فيها.
فما هو المخرج المتاح لصدام، لتجنب الحرب من جهة، والذي يحفظ كرامته من جهة ثانية؟
يتحدث بعض المراقبين عن استعداد صدام لقبول عودة المفشين الدوليين في نهاية المطاف، بلا قيد او شرط. وقد يلجأ صدام الى هذا الخيار اذا رأى ان الطرق مسدودة امامه، من جهة، واذا تأكد ان بوش جاد في مشروع الحرب ضده. و لايمثل هذا بطبيعة الحال الخيار الافضل، لأنه لا يحفظ كرامة صدام بصورة الية، الا اذا احسن اخراجه بحيث لا يبدو وقد اضطر في اخر المطاف الى الاستسلام للطلبات الاميركية عبر الامم المتحدة. ولهذا نجد ان العراق يماطل الان في التعامل مع هذه المسألة رغم انه اعلن عن استعداده لعودة المفتشين. فقد اعلن العراق أنه يريد الدخول في مفاوضات جديدة لتحقيق هذا الامر، وهو طلب مرفوض من الناحية المبدئية من قبل الامم المتحدة، لكن اذا استطاع صدام تمرير "سر" المفاوضات، وهو "البحث عن المخرج الكريم" من الازمة، فقد تعطيه الولايات المتحدة هذا المجال اذا رأت ان ذلك يحقق الحد الادنى من مطاليبها.
لكن ماذا بوسع صدام ان يفعل اذا تعذر تمرير هذا الخيار؟
لا يبقى امام صدام سوى مخرج واحد، وهو التنازل عن السلطة، لابنه قصي، على امل ان يؤدي ذلك الى قبول واشنطن بفتح صفحة جديدة للتعامل مع عراق-قصي، وليس عراق-صدام.
فقد قالت مصادر اعلامية عربية مستقلة ان عواصم الشرق الأوسط تشهد حاليا حملة دبلوماسية نشيطة اطرافها بغداد والرياض وطهران وعمان وانقرة وسط معلومات تشير الى ان صدام حسين ابلغ مصادر القرار في هذه العواصم انه سيتنحى عن الحكم في شهر نوفمبر المقبل لصالح نجله الثاني قصي.
وكانت مصادر معلومات غربية اشارت قبل شهرين في تقارير نشرت على مستوى ضيق الى ان صدام يخطط لضربة استباقية تفوت الفرصة على الولايات المتحدة وبريطانيا شن حرب جديدة ضد نظامه.وقالت تلك المعلومات ان السيناريو الذي صممه صدام يقضي بعدم ترشيح نفسه للانتخابات الرئاسية المقبلة، وانه سيمنح تفويضا بذلك عبر استفتاء شعبي وحزبي لنجله قصي الذي يتولى منذ سنين مهمات كبيرة في اجهزة الامن وهو صاحب قرار في قضايا داخلية مهمة بتوجيه من والده.ووصفت المصادر الغربية آنذاك في تسريباتها عن السيناريو العراقي المحتمل قصي صدام حسين بانه شاب خلوق وهادىء الطباع وحاسم القرارات وانه مختلف عن شقيقه الأكبر عدي الذي وصفته المصادر بانه دموي وعاشق للسهر والملذات. وقالت ان قصي يتميز باحترام جميع كوادر حزب البعث الحاكم في البلاد وخصوصا الطلائع الشابة، وهو على علاقات ودية مع جميع اجهزة الامن والمخابرات التي غالبا ما يبيت ليلا في ثكناتها.وفتح صدام الذي سيعلن نفسه ابا روحيا للامة العراقية الطريق لنجله قصي كرئيس بأن ازاح عددا كبيرا من المسؤولين من الحرس القديم، و احاطه بنوعيات جديدة من المسؤولين سواء في جبهة العمل الداخلي او العمل الدبلوماسي الخارجي.وقالت هذه المصادر الاعلامية العربية ان صدام ابلغ قيادات دول الجوار برغبته في التنحي قريبا، طالبا في الوقت ذاته من هذه القيادات دعم موقفه على صعيد عالمي حفاظا على ماء الوجه.والتقى العاهل الاردني الملك عبد الله الثاني امس الأول في عمان نائب رئيس الوزراء التركي ووزير خارجية النظام العراقي ناجي صبري الحديثي الذي نقل اليه رسالة من صدام.وكان وزير الخارجية السعودي الامير سعود الفيصل زار طهران قبل ذلك وكانت المحادثات متركزة على الشأن العراقي وبحث السيناريوهات المتعلقة في ذلك.
وقال غاري غامبل، رئيس تحرير نشرة استخبارات الشرق الاوسط في لندن لـ "الوطن" انه يعتقد ان الولايات المتحدة سوف تتبنى منهجا تصالحيا مع قصي، بشرط ان يحقق احد اهم مطالب اميركا وهو التوقف عن مساعي الحصول على اسلحة الدمار الشامل. وعبر ان شعوره القوي بان قصي سوف يخلف اباه، وقالت الخبيرة الاميركية لوري ميلروي لـ "الوطن" ان قصي هو الخليفة المعين لصدام، ولكنها قالت ان رد الفعل الاميركي سوف يعتمد على ما سوف يفعله صدام منذ هذه اللحظة الى لحظة تولي قصي مقاليد الحكم، اكثر منه على مسألة الخلافة. وكانت نشرة ستراتفور الاميركية ذكرت في تقرير لها قبل حوالي اكثر من سنة، ان الولايات المتحدة مستعدة للتعامل مع قصي وفتح صفحة جديدة معه