الصنداي تايمز
&
تحت قبة مسجد أم المعارك ذات اللونين الازرق والذهبي تحدث إمام المسجد عن الحرب أمام اكثر من الف من المصلين قائلا: "تذكروا ان هذا الشهر يمثل نصرا مؤزرا بالنسبة للمسلمين عبر التاريخ". وتم بناء المسجد بناء على اوامر من صدام حسين لاحياد ذكرى حرب الخليج عام 1991 ، ولكن الامام كان يشير في خطابه الى القرن الثاني عشر حينما تمكن البطل صلاح الدين الايوبي المدافع عن العقيدة وموحد المسلمين من هزيمة الصليبيين وطردهم من المسجد الاقصى في القدس. وكان التسلسل التاريخي واضحا بالنسبة للامام وقال: "هنالك اليوم ائتلاف من دول ضد المسلمين ونسأل الله ان يكفينا شر الاميركيين والبريطانيين واليهود ، وكلما تقربنا الى الله بمزيد من الصلاة فان الله قادر على تغيير التاريخ ودحر الاميركيين . وهنالك قلة ضمن يشاطرون الامام هذا الاعتقاد فهم يشعرون بان الحرب امر محتوم لا مناص منه ، وان رئيسهم الذي يتشبه بصلاح الدين ولا يسمح باقامة تماثيل لسواه والبطل التاريخي العظيم تراه اليوم عابسا مكفهر الوجه ، وهو يعقد اجتماعات مع اعضاء حكومته ويستشير وزيره للصناعات الحربية على خلفية موسيقى هادئة. ان الخط الرسمي للرد على التهديد بالغزو يردده الشارع طوعا اوكرها كما يلي : "فليأتوا الى هنا ، لقد واجهنا العديد من الحروب وسوف ندافع عن بلادنا " . ولا تلمس الشعور بالذعر والخوف ولا دليل على ان السكان يكدسون الاغذية بالرغم من ان العراقيين يقولون عندما لا يجدون من يراقبهم ويسمعهم وبكل هدوء انهم يشعرون بالفزع مما سيحل بهم اثناء الغزو الاميركي وبعد انتهائه. وقبيل إلقاء الرئيس بوش لخطابه في الامم المتحدة كان المسؤولون العراقيون يتحدثون عن محاولة ايجاد محاور مثل جنوب افريقيا او كندا لوضع ترتيبات مفصلة عن عودة مفتشي الاسلحة ولكن دبلوماسيا غربيا قال: "يبدو ان العراقيين لا يدركون ان الوقت قد فات" وتعتقد السلطات العراقية ان احتجاجات روسيا والاقطار العربية والرأي العام السلبي في بريطانيا يمكنه تأخير او تجنب العمل الاميركي ولكن ذلك الدبلوماسي الغربي قال: ان هذا خطأ قاتل لسوء تقدير عاقبة الامور وقد حاول المواطنون العراقيون سماع خطاب الرئيس بوش بواسطة اجهزة المذياع على الموجة القصيرة من محطات اذاعة اجنبية ولكن التليفزيون العراقي ذكر مساء ان السكرتير العام للامم المتحدة وغيره من قادة العالم قد تحدثوا امام الجمعية العامة دون ان يأتي على خطاب بوش فيما تقدمت مجموعة من الرجال الى احد الصحفيين الاجانب وسألوه بقلق "هل الاخبار جيدة ام سيئة؟ وهل ستقع الحرب؟". اما بالنسبة لطلاب جامعة بغداد فان مرافق الانترنت المتوافرة فيها مخصصة فقط للبحث الاكاديمي ولكن مجموعة صغيرة من الشباب كانت تفتش عبر الانترنت عن قناة هيئة الاذاعة البريطانية ومحطة سي ان ان لمعرفة ما يدور. وقال احد طلاب الهندسة: "لقد قرأنا اخبارا مختلفة هنا، ونرى ان جورج بوش يريد مهاجمة العراق بدون وجه حق واريد ان اقرأ الانباء لأفهم ماذا يقولون وما هي وجهة نظرهم". اما في سوق الكتب في بغداد فكان احد الشباب الصغار يرتدي الجينز وهو يفرغ الكتب المستعملة في كيس على مفرش بلاستيكي بشارع جانبي ترابي فيما كان على الناحية المقابلة اقراص سوفتوير والتي تم قرصنتها مع دليل الاستخدام وكتب مستوردة من بيروت وكانت كتب اللغة الانجليزية هي الخيار المفضل وتاريخ الاشتراكية ووقائع مؤتمر الهندسة الكهربائية الذي عقد في كلية ليفربول في مايو 1966 وهي ترمز الى فترة ما قبل العقوبات حيث كان العراقيون يسافرون بحرية ويدرسون في بريطانيا. وبالرغم من نفي المسؤولين العراقيين الحكوميين وجود اية تأثيرات لانذار الرئيس بوش فان المصادر الدبلوماسية تقول ان القوة العسكرية العراقية الرئيسية تتمركز شمال بغداد حيث يتوقعون ان ينطلق الغزو الاميركي من المنطقة الكردية كما ان صدام يخشى من قيام انتفاضة شيعية في الجنوب على غرار ما حدث بعد حرب الخليج لذلك عين حاكما جديدا لولاية البصرة يرتبط بعلاقات صداقة حميمة مع ابنه قصي. ويبدو ان الخطة تهدف إلى جر القوات الأميركية إلى داخل المدن والاعتقاد السائد هو أن واشنطن لا تستطيع تحمل عدد الضحايا بين قواتها وكذلك سقوط عديد من المدنيين العراقيين وهو ما قد ينجم من جراء قتال الشوارع والمدن. أما في بغداد فيخلد الناس إلى النوم في ساعات بعد الظهيرة القائظة ويباشرون التسوق أو مشاهدة السينما والمسرح في المساء وكانت هنالك مسرحية هزلية عنوانها "استطيع أن ارى بأم عيني ولا حاجة لأن تخبرني" تعرض امام المنازل المكتظة. ومعظم الحضور سبق لهم مشاهدة المسرحية مرتين أو ثلاث مرات سواء من الرجال أو النساء أو الأطفال وكانوا يضحكون ويصفرون للممثلين، في حين كان المرشدون يحضرون المزيد من الكراسي البلاستيكية لاستقبال الحشود التي تتحرق شوقا للتسلية والترفيه حيث تسمع النكات عن العقوبات والتوريات الخبيثة عن فساد النظام، وحتى الحديث الرهيب عن الحرب النووية. وعن هذه المسرحية تقول احدى السيدات وهي ترتدي فستانا أحمر زاهيا وتستخدم ظلال العيون البراقة: "ان هذه المسرحية تجعلنا نضحك فهي تعرض بالتفاصيل لكل صغيرة وكبيرة في حياتنا هذه الأيام".
التعليقات