القاهرة - الراية - حامد محمود :وجه مؤتمر دولي عقد مؤخرا بالقاهرة انتقادات حادة إلى الولايات المتحدة بسبب الاجراءات المتشددة والعنصرية التي اتخذتها في أعقاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر باعتبارها مخالفة لمبادئ ومفاهيم الحرية والديمقراطية التي تنادي بها.
وأشار مؤتمر حقوق الإنسان عند مفترق طرق بعد عام من أحداث سبتمبر والذي عقده مركز حقوق الإنسان لمساعدة السجناء بالقاهرة وشاركت فيه وفود من دول عربية وأجنبية إلى التأثير السلبي للأحداث على حقوق الإنسان في الوطن العربي حيث تم تضييق الخناق على حرية الرأي والتعبير والصحافة كما قيدت أنشطة الجماعات الأهلية والمدافعة عن حقوق الإنسان وفرضت قيود كبيرة على عمليات تمويلها فضلاً عن القيود الأمنية التي فرضت على أنشطتها.
وانتقد المشاركون في المؤتمر استمرار فرض حالة الطوارىء في عدد من الدول العربية كمصر والسودان وسوريا وتونس والتي تعد قيداً رئيسياً على التطور الديمقراطي في هذه الدول على وجه الخصوص.
وأكدوا أن المتضرر الرئيسي من أحداث سبتمبر هم العرب سواء كانوا مهاجرين أو لاجئين أو زائرين للولايات المتحدة والدول الغربية والتي اتخذت اجراءات مشددة وغير مقبولة بحق هؤلاء المواطنين.
وأكد السفير أحمد أبو الخير مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق أن أميركا تنتهك حقوق الإنسان بشكل يومي رغم رفعها لشعارات مؤيدة للديمقراطية وحقوق الإنسان ومتهماً إياها باستغلال هذه الشعارات الزائفة من أجل تحقيق مصالحها في العالم وبوجه خاص في المنطقة العربية عبر حملات ابتزاز سياسي تتعرض لها دولها وكما يحدث حالياً مع مصر والسعودية واتهمها بمحاولة اعادة صياغة القانون الدولي مستغلة الحالة الراهنة في العالم عبر توسيع مفهوم الإرهاب وعدم تحديده وبشكل يخدم مصالحها الخاصة.
وفي استعراضه عن أوضاع اللاجئين بعد أحداث سبتمبر أكد د. جان آلان الأستاذ بالجامعة الأميركية بالقاهرة أن بلاده انتهكت سجل حقوق الإنسان العالمي وتمادت في اجراءاتها المتشددة بعد أحداث سبتمبر ضد المسلمين والعرب.
وأشار إلى أن الضحايا الرئيسيين من اللاجئين للإجراءات الأميركية هم من العرب والذين تعرضوا لاجراءات عنصرية سواء في أميركا أو أوروبا والتي انتهكت مجموعة من دولها الاتفاقية الدولية لعام 1951 والخاصة بتسليم بعض اللاجئين لدولهم يواجهون أحكاماً بالاعدام.
وأضاف بأن الدول الغربية بدأت تتنازل عن مواقفها السابقة من تسليم اللاجئين المطلوبين في جرائم سياسية أو الإرهابيين إلى بلادهم حيث من الممكن أن يواجهوا الإعدام أو التعذيب ومتهماً مصر بمحاولة تعديل القانون الدولي من أجل السماح لها بتسليم لاجئين سياسيين بالخارج.
كما انتقد المحامي الأميركي مايكل ماك كلينتون عضو لجنة المحامين الأميركيين من أجل حقوق الإنسان الإجراءات والقوانين الأميركية التي اتخذت عقب أحداث سبتمبر ضد المهاجرين واللاجئين المقيمين في أميركا مشيراً إلى اتسام رد الفعل الأميركي ازاء الأحداث بالمبالغة الشديدة وهو ما أثر بدوره على معايير حقوق الإنسان الدولية وأدى إلى اهتزاز البناء الدولي لحماية حقوق الإنسان بشدة.
وأكد على انتهاك السلطات الأمنية الأميركية وخاصة المباحث الفيدرالية لحقوق الخصوصية للمواطنين الأميركيين والمهاجرين أيضاً كما فرضت اجراءات مشددة ضد عمليات الهجرة واللجوء السياسي إلى أميركا في انتهاك واضح للحرية الأميركية وللمعايير الدولية لحقوق الإنسان.
وأشار إلى قرار الرئيس الأميركي العسكري لترتيب محاكمات عسكرية غير عادية سميت لجان عسكرية وتفويض القائمين على هذه المحاكمات بمحاكمة المشتبه فيهم من غير المواطنين الذين تم القبض علىهم أثناء اجراءات الشرطة وبما يعد انتهاكاً لحقوق الإنسان ومتسائلاً عن معايير معاهدة جنيف الدولية في ضوء اعتقال بلاده للمئات بدون محاكمات عادلة وما يتعرضون له من عمليات تعذيب مستمرة.
وأشار إلى أن المنظمات المدافعة عن حقوق الإنسان في أميركا أصبحت في خطر بسبب تعرضها لكثير من المضايقات من جانب السلطات الأمنية والجهات الرسمية الأميركية.
وانتقد السفير أحمد توفيق خليل مندوب مصر السابق لدى الأمم المتحدة مجموعة الاجراءات التي اتخذت في أميركا عقب الأحداث وخاصة ما يتعلق منها بالهجرة أو السفر إلى الولايات المتحدة.
وأشار إلى أن العرب كانوا ضحايا لهذه الأحداث حيث وجهت معظم الاجراءات ضدهم بالدرجة الأولى وهو يتناقض مع كون الولايات المتحدة أكبر دولة ديمقراطية في العالم وتدعي حمايتها لحقوق الإنسان وهو أمر غير صحيح.
أميركا والديمقراطية
في العالم العربي:
وفي تناوله لتأثير هذه الأحداث على حالة الديمقراطية في العالم العربي أشار د. جمال عبد الجواد الخبير بمركز الدراسات السياسية بالأهرام إلى أن العدوانية أصبحت سمة رئيسية في السياسة الخارجية الأميركية والتي عادت من جديد إلى مفاهيم الريجانية والتي تعتمد على مبدأ من ليس معنا فهو ضدنا وإمكانية احتواء العالم كله بما فيه من الخير والشر.
وأشار إلى حدوث مجموعة من التحولات في السياسة الأميركية تجاه الديمقراطية وأثرت بشكل واضح على المنطقة العربية وفي مقدمتها اعتماد مجموعة من السياسات والتي تسد الاحتياجات الأميركية على المدى القصير والبعيد وتنويع أساليب مواجهتها للإرهاب من حيث التركيز على الإدارة العسكرية.
وثانيها إعلانها عن إطلاق برنامج لدعم الديمقراطية في الشرق الأوسط وذلك كإمتداد لبرنامج كلينتون الخامس بتوسيع الديمقراطية وربطها لمسألة تقديم المعونات بالتطور الديمقراطي وكما حدث بالنسبة لمصر حيث رفضت تقديم معونة إضافية لها قدرها 138 مليون دولار احتجاجاً على سجن الدكتور سعد الدين ابراهيم مدير مركز بن خلدون.
وأشار إلى ارتباط هذا التغيير الكبير في السياسة الأميركية على علاقتها بملفاتها التقليدية في الوطن العربي ومنهم السعودية حيث تدور وجهة النظر الأميركية حول صعود أسامة بن لادن وتنظيم القاعدة بسبب عدم توافر بنية ديمقراطية في السعودية وسياستها في قمع المعارضة الخارجية وهو ما ينطبق أيضاً على مصر وهو ما دفعها إلى تحميل الحكومات مسؤولية ماحدث في سبتمبر بسبب سياستها الأمر الذي لامس عصب السياسات الداخلية في كلا البلدين ودفعهما إلى التصادم مع أميركا بشكل كبير.
وشكك عبد الجواد في امكانية أن تحقق الجهود الأميركية في مجال الاصلاح السياسي أية نتائج بل وعلى العكس فقد يؤدي إلى تفاقم مشكلة حقوق الإنسان
وفي حديث عن الموقف الأميركي من مسألة الديمقراطية في العالم العربي أشار د . عماد جاد الخبير بمركز الدراسات السياسية بالأهرام إلى الحملة الضارية التي شنتها أميركا على السعودية ومصر في أعقاب هذه الأحداث واتهام سياستهما بأنها وراء توليد ظاهرة المتطرفين.
وأشار إلى سيطرة الرؤية الأمنية على العقلية الأميركية في أعقاب هذه الأحداث وبحثها المستمر عن الدوافع وراءها والقاءها بالتهم على الدول العربية بدعوى عدم وجود ديمقراطية حقيقية فيها في حين تغض النظر عن انتهاكات حقوق الإنسان في أي مكان في العالم لإعتبارات ما يسمي بالحرب على الإرهاب.
وأشار إلى أن تبني الولايات المتحدة لمبدأ التوظيف المصلحي لكل ما يتعلق بحقوق الإنسان في العالم وهو مايفرض على منظمات حقوق الإنسان ضرورة وضع أجندة جديدة للتعامل مع الأحداث.
وأشار أحمد عبد الحفيظ عضو مجلس أمناء المنظمة المصرية لحقوق الإنسان أنه منذ أحداث سبتمبر وأميركا في طريقها إلى الزوال خاصة وأن الصعود الامبراطوري الأميركي لن يستمر في ضوء محاولاتها تفتيت السيادة القومية للدول من خلال تبنيها لحقوق الأقليات العرقية والدينية والقومية والفئات المهمشة مثل النساء والشواذ جنسياً وحرية الفكر والاعتقاد وهو ما سيضطر بالسلطات القومية لهذه الدول إلى تشديد اجراءاتها الأمنية والتغاضي عن بعض الحقوق السياسية لمواطنيها لمواجهة المخطط الأميركي.
وشبه عبد الحفيظ الصعود الأميركي والسقوط بالامبراطورية الفارسية والرومانية خاصة في ضوء انهيار المنظومة القيمية لحقوق الإنسان في أميركا.
وأشارت ريهام الحوراني عضو مؤسسة المحامون من أجل حقوق الإنسان الأردنية إلى التأثير السلبي لأحداث سبتمبر على حقوق الإنسان في الأردن وعمل المنظمات الداعية لذلك حيث سارعت الحكومة إلى إصدار قانون مؤقت وسعت بموجبه مفهوم الإرهاب وبما يجيز لها تجميد الأرصدة المالية في البنوك وتعديل قانون العقوبات نحو المزيد من التشدد واعتقال مئات الأشخاص لأسباب سياسية وتقييد حرية الأحزاب والجمعيات الأردنية في مجال دعم الانتفاضة الفلسطينية بالإضافة إلى اعتقال بعض الصحفيين ورؤساء التحرير بسبب مقالات مهاجمة للحكومة وكان أبرزها اعتقال توجان فيصل ورئيس تحرير جريدة البلاد هاشم الخالدي إضافة إلى إصدار 106 قانون مؤقت من أجل الاجهاز على حالة الانفراج الديمقراطي التي شهدتها البلاد في الفترة الأخيرة وإطلاق يد رئيس الوزراء في الاحالة لمحاكم أمن الدولة في أية جرائم وهو ما أدى إلى إضافة قيود جديدة على الحريات العامة والديمقراطية وشل أنشطة منظمات المجتمع المدني وطالبت ريهام الحوراني بضرورة العودة إلى الحياة البرلمانية ورفع القوانين المؤقتة وإطلاق حرية الرأي والتعبير في بلادها.
التعليقات