أجرت الحوار: سناء السعيد
من منطلق التقدير لدوره الوطني وجهنا رسالة عتاب لقداسة البابا شنودة الثالث عما ورد علي لسانه في ندوة نادي الليونز.. ومن منطلق التقدير ذاته كان هذا الحوار الذي خص به الأسبوع لإدراكه أن لا هدف لها سوي أمن وأمان هذا الوطن الذي هو مسئوليتنا جميعا مسلمين وأقباطا.. وفي إجاباته علي الأسئلة التي طرحتها الأستاذة سناء السعيد علي قداسته هناك أمور نتفق عليها ونقدر أهميتها.. بينما هناك أمور أخري نتحفظ عليها، وهي مسألة تدخل في اطار التقييم والنظرة لما يستهدفنا من مؤامرات ودور بعض الجهات الخارجية المتربصة بنا وبوحدتنا الوطنية.
وقد آثرنا أن ننشر حوار قداسة البابا حرفيا، ودون تدخل أو تعليق، رغم أن الكثير مما ورد علي لسان قداسته يستحق التعليق، وذلك انطلاقا من حرصنا الشديد علي حق قداسته في أن يفضي بما لديه كاملا وفي اطار إيماننا التام بحرية الرأي والقول.
في الأسبوع الماضي ثار اللغط واحتدم الجدل حول ندوة عقدت في نادي الليونز وتحدث فيها قداسة البابا شنودة عن موضوع انتخابات مجلس الشعب ونسبة تمثيل الأقباط فيها .. ورغم ان البابا سبق ان تطرق الي هذا الموضوع من قبل بنفس النغمة الصريحة وطبقا لوقائعه إلا ان كلامه هذه المرة كان موضع انتقاد من البعض .. السبب التوقيت الذي جاء فيه علي أساس أن أمريكا تتربص بدول المنطقة وتبحث لكل دولة عن ثغرة لتنفذ منها .. وما يخشاه الكثيرون أن تكون الثغرة بالنسبة لمصر هي اضطهاد الأقباط وهي تهمة تحاول أمريكا دائما إلصاقها بمصر وهي منها براء.
ويتحدث قداسة البابا لـ الأسبوع عبر جزءين عن القضية وعن الحقيقة التي قد تغيب عن البعض وسط دوامة الأحداث التي نعيشها اليوم.
ھ أثار ما طرحتموه مؤخرا حول نسبة تمثيل الأقباط في انتخابات مجلس الشعب جدلا في بعض الأوساط، وربما ترتسم علامة الاستفهام علي التوقيت الذي تم فيه التطرق الي هذا الموضوع خاصة وان أمريكا تتربص بنا وقد تري في أقوالكم تأكيدا لمزاعمها من ان مصر واحة لاضطهاد الأقباط؟
ھھ ما أريد قوله هو انني ذهبت الي اجتماع نادي الليونز علي اعتبار انني وسط أسرة مصرية ليس فيها أحد من الخارج .. لم أفكر في الانعكاسات التي أوردتها في سؤالك ولم يخطر ببالي أبدا ان تؤول كلماتي وتحمل علي تفسيرات وايحاءات أخري وشعوري وأنا أتحدث كان ينصب علي انني أجلس وسط أسرتي المصرية، فوسط الشعور بجو الأسرة يمكن ان نناقش أي مسألة بأسلوب صريح وبدون تمويه أو مواربة وبدون ان نتقيد بشيء.
ھ ما أخذه البعض علي ما قيل هو السياق والتوقيت الذي جاء فيه ومعه بدا وكأنكم تحاولون لفت الانظار الي ان هناك فجوة في التعامل بين المسلم والقبطي؟
ھھ أنا لم أذهب أصلا لكي أتحدث عن موضوع الانتخابات .. فالموضوع الرئيسي الذي تكلمت فيه يومها هو الشخصية المتكاملة والذي نشر في جريدة الجمهورية فيما بعد، وهذا لا علاقة بينه وبين موضوع الانتخابات، ولكن حدث ان جاءني سؤال من المنصة ذاتها من أحد رؤساء فروع الليونز . كان السؤال يطلب رأيي في موضوع الانتخابات وكان صاحبه متحمسا جدا .. هنا كنت أمام أحد أمرين .. إما أن اتكلم وهذا ما حدث وإما أن اعتذر عن الإجابة في هذا الموضوع فيقال عندئذ بأن البابا لا يملك حرية الكلام وان ضغوطا تمارس عليه من قبل الحكومة حتي لا يتطرق الي موضوع من هذا القبيل .. وهذا أمر لا أقبله وليس من صالح مصر ان يقال هذا الكلام .. وعليه تكلمت بهدوء حول نقطة واحدة فقط وهي انتخابات مجلس الشعب وقلت إن 444 عضوا لم ينجح منهم أحد من الأقباط سوي ثلاثة بقي منهم اثنان وفصل الثالث.
ھ أي أنكم عرضتم لما جري علي أرض الواقع؟
ھھ نعم .. إذن أنا لم آت بشيء جديد في هذا الأمر .. ولكني أردت أن أقول ان هذه المشكلة تحتاج الي حل .. وما أريد تأكيده هنا اننا لن نستطيع ان نخفي أمثال هذه الأمور ونحجبها عن العالم وذلك لانها معروفة تماما في الخارج ومنذ زمن طويل ولا أظن ان أمريكا أو غير أمريكا قد وصلتها معلومة جديدة من خلال ما قلته في هذا الملتقي يمكن لها ان تستغلها .. كل هذه مسائل معروفة سلفا من القديم.
ھ قد يحاجج البعض قائلا: نعم قد تكون معروفة ولكن عندما ترد علي لسان قداسة البابا ربما تمثل شكوي مبطنة أو استهجانا لما يحدث في مصر .. فكأنكم تسلطون الضوء عن عمد علي أن هناك تفرقة قائمة بين الأقباط والمسلمين.
ھھ أنا لا أسلط الضوء للصيد في الماء العكر .. ولكني اتحدث عن موضوع مثار بصراحة واقول لك الآن إنني لا أنكر عدم رضاي عن موضوع الانتخابات هذا سواء عرف أو لم يعرف .. لا تنسي انني أيضا يهمني مصلحة قطاع معين من الشعب يريد أن ينال حقوقه، بل علي العكس أري أن كلامي في مثل هذه الأمور من شأنه أن يريح الناس حيث سيجدون فيه متنفسا لهم بدلا من ان يسود لديهم شعور بالكبت يعتريهم .. فهم بلا شك يشعرون بالراحة لمجرد أن هناك إنسانا تكلم عن مشكلة من المشاكل التي تمر بهم.
ھ هل يمكن القول إن من علق كتابة علي ما قيل في هذه الندوة هو الذي أورد تخريجات للموضوع لم تهدفوا أصلا الي الايحاء بها ناهيك عن ابرازها؟
ھھ الأمر الواضح ان مسألة التعتيم الصحفي علي أي مشكلة من المشاكل لا يمكن ان يكون هو السبيل لحلها .. هناك مشاكل ينبغي ان نطرحها بصراحة كاملة ونتكلم عنها ونجد لها حلا من خلال مناقشتها .. أما اذا ظلت في جو من الكتمان ولم يجرؤ أحد علي ان يخوض فيها بالحديث فستظل كامنة بلا حل .. وهذا الموضوع بالذات أتذكر انني تطرقت اليه أكثر من مرة، فهذه ليست المرة الأولي التي اتحدث فيها عنه.
ھ نعم .. تطرقتم اليه معي عبر احاديث أجريتها معكم ويومها عرضتم لعدد الأعضاء في مجلس الشعب ونسبة تمثيل الأقباط؟
ھھ وتطرقت اليه أيضا في نادي الزهور .. وهو موضوع لا شك يحتاج من الدولة إلي حل عملي .. بل ان الموضوع يجب الا يحصر في مجلس الشعب فقط وانما يمتد الي الانتخابات في النقابات والمجالس المحلية وغيرها.
ھ هل صحيح ما ادعاه أحد الكتاب من ان الأقباط يرددون بانهم يمثلون نسبة تصل إلي 3536 % من التعداد السكاني؟
ھھ هذا لم يحدث إطلاقا من قبل ولا الآن ولا في أي زمان. أما ما يقوله آخرون من أن الأقباط يمثلون نسبة تتراوح بين 5 أو 6 % فقط فهذا أيضا لا أوافق عليه لأنه غير حقيقي ويبغي قائله الإثارة وهو نفس الكاتب الذي هاجم الكتاب المقدس علي صفحات الأخبار بطريقة مستفزة للأقباط ومسيئة لكل مسيحي في مصر وفي الخارج. ورغم ذلك وللأسف لم يقل له أحد لماذا قلت هذا الكلام؟!
ھ إذا لم تكن نسبة الأقباط 36 % أو 6 % فما هي النسبة الحقيقية لهم؟
ھھ لا أحب أن أتطرق إلي عددهم حتي لايظن الناس أننا نطالب بحقوق سياسية تتماشي مع النسبة العددية للأقباط. ولكننا مع ذلك نزور شعبنا ونقوم بزيارات رعوية لكل أفراد شعبنا بقصد العناية به روحيا وبالتالي نعرف تماما كم تبلغ نسبة مواطنينا . غير أننا لانجاهر بها وبالتالي لانطالب بحقوق تتلاءم مع هذه النسبة في المقابل.
ھ أحد الموضوعات التي ساءتكم ما رأيتموه علي أنه يمثًٌل هجوما علي التوراة من قبل بعض الصحفيين؟
ھھ نعم .. تطرق أحد الكتاب في إحدي الصحف إلي مهاجمة التوراة .. يومها قلت: ياجماعة لكم أن تهاجموا الوضع الصهيوني كما تشاءون وبكل الصور وهو الوضع الذي هاجمته أكثر منكم. ولكن لاتتعرضوا للكتب المقدسة لأن هذه مسألة حساسة جدا والتوراة لايؤمن بها اليهود فقط وإنما يؤمن بها المسيحيون أيضا في كل مكان فلا داعي للخوض في هذه النقطة الحساسة. أما الدهشة فتنتاب المرء من جراء وضع يهاجم فيه الأقباط في دينهم فلا يتكلم أحد بينما إذا وردت عبارة عابرة خارج نطاق الدين وفي الحياة العامة التي نحياها ويعرفها كل إنسان تقوم الدنيا ولاتقعد.
ھ ما مدي صحة ما يقال من أن الأقباط يملكون 40 % من ثروات مصر؟
ھھ هذه العبارة أوردها أحد الكتاب ولا أفهم ما المعنيٌ بها؟ عامة أقول يتعين علينا أن نمتدح بعض أفراد من الأقباط ممن ساعدهم ذكاؤهم ومثابرتهم علي أن يشاركوا في الحياة الاستثمارية في مصر. نعم يتعين علينا أن نمتدحهم لأنهم من المستثمرين الذين استخدموا أموالهم داخل البلد وليس خارجها وشاركوا في النهوض باقتصاد الدولة. هذا ما ينبغي علينا عمله بدلا من أن نتبني أسلوبا مثيرا يتحدث عن أن الأقباط يملكون كذا وكذا من ثروات مصر.
ھ في معرض المقارنة بين وضع الأقباط في قطاع خاص سمحت لهم فيه الظروف بحرية التحرك في استثمار أموالهم وبين الانتخابات التي لايسجلون فيها إلا نسبة ضئيلة لا تكاد تذكر أتساءل: ما هو تفسيركم؟ هل هناك تزوير أم ماذا خاصة أن الوضع في الانتخابات لايقتصر علي الأقباط وحدهم بل يتعداه إلي المسلمين ممن لايظفرون بالفوز أيضا؟
ھھ أنا لاأستطيع أن اتكلٍم إطلاقا عن موضوع التزوير لاسيما أن القضاء قد أشرف علي الانتخابات.
ھ قد يقول قائل إن إشراف القضاء علي الانتخابات اقتصر علي الداخل ولم يتعده إلي خارج المقار حيث من الممكن أن تجري أمور كثيرة تصب سلبا في صالح بعض المرشحين.
ھھ كل ما استطيع قوله هنا إن الأقباط يشكون مر الشكوي من إمكانية قيد أسمائهم في جداول الناخبين.
ھ ما هو السبب تحديدا في ذلك؟
ھھ التعقيدات التي تجابههم .. وأنا أتحدث عن وضع نحسٌه . ولعلٌî أول تعقيد يقابله المواطن هو قيد اسمه وهل هذا القيد بحسب مكان ميلاده أم عمله أم مكان سكنه. فمثلا إنسان ولد في الصعيد وعاش في القاهرة منذ عشرين عاما ويعمل بالقاهرة فهل أقول له إن بطاقتك تحدد أنك ولدت في أقاصي الصعيد ومن ثم عليك أن تذهب إلي هناك وتدلي بصوتك؟ .. هل يعقل هذا؟ وإذا انطبق هذا الأمر علي عشرات أو مئات الآلاف فماذا ستكون النتيجة عندئذ؟ التعقيد الثاني الخاص بالأسماء .. فمثلا اسم حنين يصبح حسنين ويصبح اسمه عبد المسيح ابراهيم حسنين! التعقيد الثالث وهو أمر أوجٌه له أنظار المسئولين وهو أن كثيرا من الأقباط تصور بطاقاتهم الشخصية مدونا بها أن ديانتهم هي الإسلام!
ھ هل يعقل هذا؟
ھھاستغرابك يدل علي بشاعة الموقف ويمكن أن آتي لك بأمثلة. لقد كنت الاثنين الماضي في اجتماع مع كهنة منطقة عين شمس والمطرية فوقف أحد الآباء الكهنة وقال لقد أصدروا لي البطاقة الشخصية علي أنني مسلم .. فقلت حرام عليكم ألم تروا العمة السوداء والذقن؟
ھ ربما يكون الأمر قد اختلط علي من أصدر البطاقة بسبب وجه الشبه بين اسم هذا الكاهن واسم مسلم آخر.
ھھ المسألة لاتتعلق باسمه فقط لاسيما وأن بند الوظيفة في البطاقة الشخصية يحمل كلمة قسيس ومعروف أسماء القساوسة كلها أسماء قبطية واضحة علي غرار أسماء القديسين أو الشهداء الأقباط. وأكبر دليل علي هذا أنه في بعض الانتخابات التي جرت في شبرا حصل من نجح في الانتخابات علي ألفي صوت أو أقل بينما شبرا تعج بمئات الآلاف. وعليه تئول المسألة تلقائيا إلي الناحية الوطنية البحتة. ويرد التساؤل: لماذا يحدث أن المتقدمين للإدلاء بأصواتهم يمثلون عددا بسيطا جدا من مجموع شعب المنطقة؟ هل يأتي هذا نتيجة ليأس منهم يحدو بهم إلي الاحجام عن الانتخابات بسبب أن هناك عوائق وقيودا سواء بالنسبة للمسيحي أو المسلم؟
ھ الظاهرة الشائعة لدي المصري مسلما كان أم مسيحيا أنه يقاطع الانتخابات اضطراريا لتجنب مشقة المواصلات وتخمة المرور خاصة إذا كان مقره الانتخابي بعيدا عن مكان سكنه.. ومن ثم باتت نسبة الاقبال علي الانتخابات ضعيفة جدا.
ھھ أحد أصدقائي من النقباء اقترح اقتراحا مشجعا.. فلقد قال بالنسبة لانتخابات الاطباء والمهندسين لماذا تقيد بمسألة الحي؟ من الممكن أن تعقد الانتخابات في مستشفي كبير جدا أو في إدارة هندسية كبيرة بحيث تشكل فيها لجنة محلية للانتخابات ويدلي كل الموجودين بأصواتهم فيها دون أن يكون لزاما عليهم الانتقال من المبني إلي مكان آخر.
ھ هذا اقتراح ممتاز وليتهم هنا يأخذون به.
ھھ العقل المصري لا تعوزه القدرة علي التفكير فلماذا لا نضع هذا الموضوع في الاعتبار، ليس مطلوبا أن نقول ونردد عبارة كل شيء تمام.. آن الأوان لكي ننهج نهجا عمليا يختلف كلية عن منطق كل شيء تمام وهي العبارة التي يختتم بها أي موضوع بينما اللي في القلب في القلب.
ھ ما هو قولكم حول أن جماعة قبطية استغلت حديثكم في نادي الليونز ورفعت مذكرات عاجلة إلي الكونجرس والبرلمان الأوربي والخارجية الأمريكية تطالب فيها بالتدخل ضد الحكومة المصرية لإقرار المساواة التي يفتقر إليها الأقباط؟
ھھ هذه ليست إلا محاولات للتشكيك في الأقباط في مصر ومروجوها يريدون احداث فتنة. وما يحدث علي أرض الواقع يشهد بغير ذلك والدليل أنه كلما وقع هياج في الخارج تقوم الكنيسة القبطية بنفسها بتهدئة الأجواء. فالكنيسة ليست الجهة التي تثير وإنما هي التي تهديء والدولة تعلم ذلك الأمر تمام العلم. وفي احدي المرات أرسلت نيافة الأنبا يؤانس سكرتيري الخاص إلي الولايات المتحدة وكان له دور فعال يشهد به رجال الدولة فنحن لا نسيء للدولة أبدا.
ھ نعم اتذكر ذلك عقب قضية الكشح ومحاولة البعض في الخارج استغلالها بادرتم فأرسلتم الأنبا يؤانس قبل اللقاء الذي تم بين الرئيس مبارك وبوش في الثاني من ابريل من العام الماضي.
ھھ اسمحي لي أن أقول شيئا بسيطا وهو أنه في الخارج توجد وسائل الإعلام وثورة المعلومات والمخابرات بأنواعها وأشكالها فهم لا يحتاجون إلي معلومات جديدة تضاف إليهم فلا معني لأن يقال بين الحين والآخر إنهم في الخارج يتحركون بعد طرح هذا الموضوع أو ذاك. هؤلاء لديهم من الوسائل الكثيرة للوصول إلي المعلومات بحيث لا يحتاجون معها إلي استلقاط كلمة من هنا أو هناك. اتذكر أن شخصا طلب مني مرة أن أقول عبر وسائل الإعلام ما يطمئن الناس في الخارج فقلت له إن الناس في الخارج تطمئنهم الوقائع وليست الكلمات.
ھ من بين الانتقاد الذي وجه إلي كلمتكم في نادي الليونز انها شجعت بعض الجماعات علي التحرك واستغلال الموقف فظهرت جماعة تدعي احباء اسرائيل وأخري تدعي جماعة عدالة الحق طالبتا باجبار الحكومة علي تطبيق المساواة واجراء تعديل بالدستور المصري يتضمن صراحة اقرار خمسين مقعدا للأقباط في البرلمان ونسبة لا تقل عن 10 % في المجالس المحلية والنقابات.
ھھ صدقيني ان نشر هذه الأخبار ليست فيه إلا الإثارة.. بل إن هذه الجمعيات التي ذكرت لا وجود لها أصلا علي الساحة الأمريكية وأنا اسمعها الآن لأول مرة ثم إن العقلية الأمريكية لا تقبل مثل هذه المقترحات لأنها خيالية. وهنا تبدو الإثارة التي يتعمد البعض ترويجها.. فيخرج أحدهم ليقول إن الاقباط يريدون 36 % وآخر يقول إنهم يريدون خمسين مقعدا في البرلمان. وهذا الكلام غير منطقي.. إذ كيف يمكن أن يتأتي؟ بالتعيين مستحيل وبالانتخاب ايضا مستحيل وعليه أقول ما يروجه هؤلاء ليس إلا لونا من الإثارة وينبغي أن نرتفع عن هذا المستوي.
نقطة أخري أحب أن أذكرها هنا وهي أن أحد الصحفيين كتب رأيا في جريدة ينتقد فيه الكنيسة بدعوي أن احدي المجلات في دولة من الدول نشرت خبرا ولم ترد عليه الكنيسة. وأقول نحن بالقطع لا نقرأ جميع المجلات التي تنشر في كل الدول ولا نتتبع بالتالي ما قد ينشر فيها من اخبار ولسنا مطالبين بهذا الأمر لأن المسائل الكبري الجوهرية هي التي تعرض علينا لإبداء الرأي فيها.
ھ ما مدي صحة ما ذكره البعض من أن قيادة الكنيسة المصرية تبعث بمطالبها سرا إلي الجماعات القبطية المصرية في الخارج من أجل ايصالها إلي الكونجرس؟
ھھ عبارة ارسال رسائل سرية غير موجودة في العالم اليوم. ولكن يمكن أن يقولها المصريون في مصر أما في الخارج فلا يعرفون كلمة سري ، فلو وصلت أية رسالة تنشر في التو في كل الصحف ويقولون فلان الفلاني هو الذي ارسلها بل ويبادرون فينشرونها علي الملأ بالخط العريض إذا كانت الرسالة خطية. في الخارج لا يعرفون ولا يستعملون كلمة سرية فهذا تعبير مصري ثم إذا كانت هناك رسائل سرية نبعث بها إلي الكونجرس فكيف تأتي لمن يتحدث عنها الآن أن يعرف سرها؟ هل أكد لهم الكونجرس بأنه قد وصلته رسالة سرية من الكنيسة؟ هذا خلط للأوراق وكلام غير معقول ويبدو أن مروجي الشائعات يعيشون في فراغ أملي عليهم ترديد مثل هذه الترهات.
ھ قيل إن جماعة تدعي مارسل تولاز الصهيونية بعثت بمذكرة للكونجرس زعمت فيها أن الضغوط تمارس علي الكنيسة حتي لا تطالب بالمساواة وعليه راحت هذه الجماعة تطالب أمريكا باستخدام القوة لفصل جزء من أراضي مصر لإقامة كيان مستقل خاص بالأقباط يتمتعون فيه بحقوقهم كاملة.
ھھ إنها المرة الأولي التي اسمع فيها اسم هذه الجماعة. وهذا الكلام يشبه إلي حد كبير ما سبق أن قيل في الماضي حول دولة أسيوط. وأقول هذه مسألة غير مقبولة وغير معقولة ولم نطلبها في يوم من الأيام ولا نوافق عليها. إن أمن الأقباط يأتي من اختلاطهم الكامل بإخوانهم من المسلمين في المجتمع الواحد، بل إن الأقباط لو وجدوا في منطقة تفصلهم عن الآخرين فهذا من شأنه أن يشكل أكبر خطر عليهم وسيقودنا هذا إلي مشاكل جمٌة مثل المشاكل التي يواجهها الأكراد.
ھ ولكن أحيانا يتراءي للبعض وكأنكم تتطلعون إلي كيان مستقل قد يكون مساويا لكيان الفاتيكان ويعمل تحت قيادة الكنيسة ويكون له برلمانه وحكومته وكافة اختصاصات السيادة علي أرضه.
ھھ هذا أحد المستحيلات.. ونحن لا نطلب هذا ولا نقبله، فالكيان المستقل خطر علينا ويتعارض في الوقت نفسه مع مطلبنا في الانتخابات داخل الكيان المصري الواحد، ولهذا أقول إنني أري أمورا متناقضة تطفو علي السطح ولا أعرف لمصلحة من يأتي كل هذا التناقض إلا إذا كان الهدف هو استحداث مشكلة ضد الأقباط بأية طرق سواء بهذا التناقض أم بغيره.
ھ أين هو التناقض تحديدا؟
ھھ هناك تناقض في كل شيء حتي في الأسئلة المطروحة عليٌ الآن.. كما لو كان الهدف هو إثارة الأجواء ليس إلا.. واتساءل: لمصلحة من إثارة هذا الجو في هذه الظروف التي تمر بها المنطقة؟
ھ ما أسوقه هنا ليس من عندي وإنما هو منسوب إلي جمعيات قبطية ومنها بيان صادر عن الجمعية الوطنية القبطية وهي مكونة من بعض المصريين الذين يعيشون في أمريكا وطالب البيان بوش بتطبيق قانون الاضطهاد الديني علي مصر حتي تحقق المساواة للأقباط.
ھھ الجمعية الوطنية القبطية هذه لا أعرفها ولا يمكنني أن آخذ كلام أي مجموعة عشوائية تطلق علي نفسها جمعية مأخذ الجد. الكنيسة القبطية في الخارج تمثلها مئات الكنائس المحلية في مختلف الولايات والأماكن والقارات وهي التي تعبر عن الكيان القبطي.
ھ وماذا عن الاتصال بالكونجرس؟
ھھ الاتصال بالكونجرس؟ يستطيع أي إنسان أن يرسل أي خطاب إلي أي أحد ولكن المهم ليس في الخبر الذي يرسل وإنما في ثقل من يرسله وثقل نوعية المعلومات.. ولا يمكن للكونجرس أو غير الكونجرس أن يحكم بوجود تمايز عنصري أو اضطهاد ديني بناء علي خطاب يرسل إليه وإنما بناء علي أجهزة المخابرات والمعلومات في عصر غني بمصادر المعلومات المتعددة الموثقة. وذلك أن أي خبر غير موثق لا قيمة له ولن ينظر له بجدية ولا يمكن أن يعتمد عليه رؤساء الدول. إنما لابد من أخبار موثقة.
ھ قد يتراءي للبعض أن أمريكا تستخدم الأقباط في مصر كورقة ضغط عند الضرورة.
ھھ أمريكا لا تستخدم إلا القوة.. هذا أولا.. ثانيا: نحن لا نقبل في يوم من الأيام أن نكون ورقة ضغط لأحد هذا أمر مستحيل لأن من يقبل بأمر كهذا ينعدم ولاؤه للوطن.. ونحن نكن الولاء لوطننا مصر، فمحبة مصر تجري في دمائنا وعروقنا.. ووطننا هذا موجود قبل أن تنشأ أمريكا بقرون عدة، كما أننا لا نطلب معونة بشرية من أحد ولدينا آية في الانجيل تقول: ملعون كل من يتكل علي ذراع بشر . فنحن لا نتكل علي ذراع بشر اطلاقا. إذا كانت المعونة تأتينا من الله فهذا أمر جيد وبعد الرب تكون الدولة التي نعيش فيها هي مصدر معونة لنا.. أما الخارج عن الرب والدولة فلا نقبل منه معونة.
ھ وسط الظروف التي نمر بها في المنطقة وفي محاولة لمناهضة السياسة الأمريكية وحملتها علي الدول العربية هناك من دعا إلي عقد مؤتمر للمسيحيين العرب للدفاع عن الفكرة القائلة إن العرب هم مسلمون ومسيحيون وأن المسيحيين أصلاء في هذه المنطقة وليسوا حصان طروادة أو ورقة ضغط.
ھھ لم نلتزم الصمت إزاء الأحداث في المنطقة وأبدينا رأينا بصراحة في العديد من المرات. ولكن ما أقوله هنا إن مشاكل العالم السياسية لا تحلها المؤتمرات وإنما تحلها القوة ورجال السياسة وأصحاب الأمر بدليل أن منظمة الأمم المتحدة أصدرت اكثر من قرار ولم ينفذ من قبل إسرائيل. كما أن مظاهرات حاشدة تنطلق في العالم ولا يعيرها أحد اهتماما، ولهذا أقول إن سياسة القوة هي التي تسود العالم جنبا إلي جنب مع السياسة وهذه لها رجالها.
ھ وإذا كان عالمنا العربي لا يملك القوة ولا يملك السياسة فماذا يفعل؟
ھھ عندئذ أقول إن الصياح لا يحل المشكلات.
ھ ولماذا لا توجهون الدعوة إلي عقد مؤتمر لأقباط مصر ضد سياسة الغطرسة الأمريكية؟
ھھ ألم أعبر عن رأي الأقباط أكثر من مرة؟!.. المسألة خرجت من حدود إبداء الرأي أمام استخدام القوة. مثلا ما حدث في إسرائيل مؤخرا بعد أن انسحب وزراء حزب العمل من وزارة شارون فماذا كانت النتيجة؟.. جاء شارون بوزارة حرب أشد من الأولي.. عين موفاز وزيرا للدفاع ونتنياهو وزيرا للخارجية.. إذن المسألة لم تعد رهن رأي وإنما مسألة قوة وسياسة فهما اللذان يديران أمور العالم.. أما إبداء الرأي فيكون معرضا للتجاهل مهما كان قويا.
ھ كبير أساقفة كانتربري حذر الغرب من مغبة ضرب العراق وإلا فإنه سيتصرف عندئذ كقوة استعمارية.
ھھ ونحن أيضا نحذر من مغبة ضرب العراق وندعو إلي عدم المساس به.
* عن صحيفة (الأسبوع) المصرية