امير الدراجي
&

الى ضياء الحافظ

&لا خيار لنا غير ان نوقف انفسنا من شائبة الكره وان خسرنا كل المعارك، بل نحن مشروع خسارة في حرب ونصر في سلام ومحبة، نحن الفراشة وهم الدبابة، نحن النحلة وهم المتراس، نحن الزهرة وهم الشضايا، ليس امامنا متسع من الوقت غير نلملم قبورنا وجماجمنا ونخلد وللأبد لاغاني السلام، ونترك ارث الخناجر، كن القتيل ولا تعلم أبناءك الثأر من قاتلك.
ليس الفضيلة عمل الخير فقط، اجمل الفضائل.. انبل النفوس حين تهزم نفسك امام خصم عاجز. قد تضاهي الرهبان و... ان انت سترت على عورة خصم نال منك.. احمي خصمي من دناءة نصري على ضعفه.. انبل الناس من دفن مأثرة، حيث يتهم بالخساسة..
يبحث عن هزائمه كي لا يخافه احد، يهدم ما بناه لئلا تكون ذاكرته مكب اوثان. . بعض الاوثان الحميدة مهدئة للخوف، ولكن حين تاتي من دون خوف ستكون مخيفة لغيرها. خذ قسطك من الخوف وتذكر ان ما تبنيه من حماية ثقيلة ستكون قبرك. . كم مريع ان تاتي الحرية بكلفة نفط، وكم مريع ان تاتي بعد ظلم مفرط!!وكم مخيف ومفزع حين تاتي بثورة عبيد، فالطغاة من اصل عبد، والاحرار لا يعرفون صناعة العبد ولا الطاغية، اذا اردت قتل العبد فامنحه الحرية، ولنقل اعطيه مزيدا من السلطة. . لانه حتما سيتصرف كما كان سيده يعامله، بل ويزيد ذلك لان السيد لا يعرف حيلة العبد، فيما الاخر يعرفها، وهكذا ستترحم على قيصر من ثورة تاتي بستالين او طالبان او وكلاء الحقيقة وسراكيل الله. كن قويا على ان تعترف ان الملاك وراءنا والخطيئة امامنا، فلا تفكر بخلق الملائكة بل تقليل خسائر الخطيئة. قيل لاحدهم كيف غيرت دين اجدادك، قال: لو كان عندهم دين اصلا لغيرته فكيف وهم بلا دين؟لان الله بي، كيف تعتقد بمن حل بك او انت فيه، انه ليس في الماضي، هو كامن والى الابد في المستقبل، وكل ما مضى غادره الله، وترك تواريخه قبورا. تولد الكراهية من البقاء في الماضي، وتبقى المحبة في المستقبل، فيما الحاضر هو محبة المحبة، لانه الجمع بين زمنين، كلاهما يحارب الاخر، فكن حريصا على فك اشتباكهما، او اقامة الصلح بين الموتى والاحياء، ولكن اياك ان يخدعك الحنين لقبر به الحب مسكنا!!اهرب ما شئت من ماضي احبتك، لانهم يحملوك ثار الموت من الحياة. . تلك اقدارنا لا نجد غير نعلن عجزنا امام المستحيل ، بان تكون العين اضحية، دمها الدموع والاسى!!هل الوقت تاخر لبقايا شفة لا تعرف مذ ولدت غير الزم على حطام العهود وغدر النفس للنفس ، اقصد خيانة القبلة بالزم. هناك من يحتجز مقعدا في اعلى القمر وما عليك الا ان تتعب رقبتك لتنظر له، ويا لسقطته، دائما تتخذ القمم العالية شراهة غبية، يا لوحشتها؟؟ لو تدري يا حافظ كم ان الملوك اكثر وحشة من ارواح الخدم؟ كم تتمنى وحشة النفس، كبرياؤها ان ينكسر مرة واحدة لتسقط من الاعالي كحجر امرؤ القيس حين "هد من علي" ، رياضيات سيبويه و. . وحركية الفكرة في مفردة تجيز تكسير انف سيبويه، وتحطيم تمثاله، وهكذا جاز لي ان اقول "الّسنت"- موسقة شرعنت وادلجة وزحلقت. . الخ- الرياضيات اللغوية كانت طبقيّة حاشية ، تحاول خلق طلاسم مؤثرة في سلطان معنوي، ثمة حلاقون ينسلون تسريحات لغوية، لا تفيد غوايتها اثارة اليفع والشباب، كم يذكرني الخطاب القومي بضجر تلك الايام وانت في عز القيض تستمع لبرنامج : "قل ولا تقل". . انه مهلك ان لا تخطئ ، كما لو انك تستمع لهذا البرنامج وتشمع اذنك كي لا تفضها اغاني فيروز. . تصور امة يجتمع مثقفوها سنة كاملة، يقرضون محاضر هائلة، والكل بين مثقف واكاديمي. . وبعد ان تصرف "الالكسو" مئات الوف الدولارات على اجتماعاتهم، لم يوفقوا لتعريف مشترك لكلمة ثقافة، فيما القشطيني هذا العجوز الساخر الشبيه، بلسان جورج جرداق، ينهي التعريف بنصف ورقة، كتبها على عجل، اليس كارثيا ان تدار كلمة ثقافة منذ ان ادخلها احد الاخوة المصرين في عشرينات القرن العشرين وحتى الان، دون ان تتفق على صحتها وصوابها ودلالتها او خطأها ونفيها ، فيما ما يزال نفس الاكاديميين يستخدمونها!وحين تسالهم: ياتي الجواب لا ندري. . "مشيها اخونا"، وهكذا ستمائة عاما من العزلة لاجل واو العطف بين البصرة والكوفة، وهذه الواو جزءا من حزب شبيه بحزب بحروب مفردة"ديمقراطية"!!، التي جعلت اميا يطلق النار على محاورين عن ازمة الديمقراطية حسبه انهم شتموا تنظيمه. اما ياء النسب تلك التي خلقت حروبا متوارثة بين قبيلة خزامة وبني اسد!!فالحديث متشاوق، واشوق ومشْواق ومشاويق ومستشوقة واشاوقة ، متشيق شووق - بفتح الشين- هكذا تزني الكلمات بعيدا عن زواجها السبويهي خلسة، وتطاوع من فقسّت نفسه بغرور الكميت ، وهيدلات ابو الطيب. اشياء تصرف لكنها غير قابلة للصرف، بسبب خروجها على المالوف ولمتساوي اللاعادل، فبعض العدل ظلم!! وأشياء لا تصرف وهي خردة متفسخة، تطاوعك كادعاء عفة بسالومي. . وكلمات لا تطاوعك وان وضعت نسبيتها الياء الساكنة( في محل كذا لانها كذا وهلم طرقا على السندان)، اشعر ان بطانة احشائي ستكون جلدي!!. المستنفعات وفية لشواطئها، وهي عفيفة عانسة ، والعفاف كهذا غير صالح للشرب، الانهر تخون شواطئها، وخيانة كهذه صالحة للشرب! المخرج الذي لا يخون النص قواد بصري، وغبي كمثل استاذ التربية الوطنية، اما المخرج الذي يخون النص اكثر امانة في تقديم روح النص والكاتب.. لا تعرف عظمة الصلاة الا في توبة كافر، الحب كواجب زوجي مثل نوبة حراسة مملة، العبادة من غير شك مثل عانس تعلك علكة "تطقع" تحت فكيها "المتبرطمين".
ها انذا احدثك عما حدث في يومي هذا.
السيد الحكيم والملاك المفترس:
كنت ساكتب رسالة للسيد الحكيم العائد من ايران- نسيت اسمه الاول-، كم احببته وابكاني هذا اليوم، ذلك الرجل الذي لم احبه يوما، وهو يطل كوجه المحاربين المحترفين، اذ توجعني وجوه تبقر عيناها ، وحيث لم اجد فيها ملامح الازرق، وقد غادرتها حيرته العميقة، رحمته التائهة.. اجل ابكاني وخجلت من نفسي على ايام لقمنيها احدهم صورا ، اذ كان يأسرني باحزان عراقيين ضاعت احلامهم، وتلقفهم جب يوسف دونما اعجوبة التجار والقافلة!!اجل الحب متبدل والكراهية ثابتة، انها زلقة ، ملساء لا نجاة لمتسلقها غير السقوط ، فخير له ان ينزل مخيرا من ان يكون مجبرا وسقطته اشد فتكا كلما ارتفع اكثر. لكني سامد الحبل للباكين في ضمائرهم ، حيث يتذكرون ان الملوك اشد وحشة من خدمهم! قال الرجل الذي يجاور ذاك.. انت تعرفه!!"فهو الذي راى كل شيء"، ذاك الذي لولاه لما شهدت مأثرة تستحق عناء الشك واليقين، كلاهما سيكونا من دون ماثرة متاعب زائدة. كان يقف بجواره وانصت باذني بعد ان حل باذني اذنا، الاذن تستمع لحليلها من حلول وتسمع منه ما قاله ذاك الرجل، كل شيء هادئ كدون شيلخوف، كل شيئ هادئ كضواحي "روفونو"، كل شيء هادئ كصمت هيروشيما بعيد ليلة السواد العظيم، دجلة تتاوه من دون ان تزعج سيد القصر، المجندات الاميركيات يدخلن لخيال الذكورة العراقية، كما الحيرة، كما الزلق الرهيب لهاوية قبل الاف الاعوام، هذا الخيال يسجل كيف ان هذه الانوثة ترمز لهزيمة شوارب الرجولة العضلية؟ الخيال يسجل ان ملوك الخوف هزمنهن نسوة شقر!!شيء ما مفيد، ربما سيهشم خيال الخنجر، فتبحث الرجولة عن قياس ينصرها وان كان بخطاب الحرب، تجد الرجولة هذه قوة المعرفة طاقة الحب، بعدها تعود تبحث عن هزيمة الحرب وانتصار السلام، حيث ترمي بمكبات الذاكرة ذكورة الشوارب والخنجر، طالما ان هدم كوكب باكمله لا يحتاج الا أصابع ضاربة على مفاتيح بيانو نووية. هكذا يعود ادم ليعض التفاحة النووية، ويرتكب الخطيئة ، اقصد الهزيمة، ويتاكد ان الكامل يغضبه الخاطئ، فيجد نفسه مضطرا لخلق كوكب من هيروشيما، حينها سيبحث عن نقصه كمن يبحث عن ذاته الكاملة. . اجل هزم الانسان منذ زمن بعيد، ومن امتلك ما يفني كوكب سيبحث عن رفاه هزيمته من نقص كلما جفف الكمال فعل تجاسده، والفعل كون خاطئ، الناقص في ما يظن هو الكمال في ما يتجاسد، كان بله الجنة، إعماؤها السديد، هو الكامل في ما لا تتمكن احساسه، واحساس كونه كاملا في قياس مقارنه ناقص، او خاطئ، وهذا ما لن تقارنه لانك لا تعرف مقارن كماله. المغافل كلها تجتمع فيك، لا تعلمها الفطنة، ما الذي تريد اثباته؟ سوى ان تنفي لتكون! انها معازاة غير عادلة.
الكمال المفترس، الرحمة المتوحشة. . كلها خطوط الكمال الشره على انهاء ذاته، كلما تشرّه اكثر في ملامسة نقيصة، كانت وديعة الرب في نسل ادم. . هو ذا الان ربما عرف الدرس، اذ لن يستطع البشر وحتى أنبياؤهم خلق مدينة الله على الارض، فلو خلقوها لا مبرر للجنة!!

&ريشة الطاووس ذاكرة للالوان ام مخرز للعين؟
- الذين عضوا قلوبهم، واغلقوا صمام الانفجار بلسانهم، ارادوا ان يحموا قاتلهم من فضائح القلب، من ذكريات الشيطان الفاتن حيث يغريهم بالمخاصمة، لاشيء في حياتنا لا يجعلنا نادمين على البطولة، هكذا نعرّف انفسنا على النسيان، ونعرّف الاخر على نسياننا، وان نتذكر تواريخ مزورة، لتكن الحقيقة في حفلها التنكري، فوجهها قبيح، مدمر.
&شيء جميل ان لا يعرفك احد، اشياء اجمل وانت مذموم ، كم اشعر براحة وانا اتخاطأ مع غيري، أتواطأ ضدي، ذلك حين يسحق البشر بانعلهم تلك الاشياء الجميلة.. ربما استعجلت في عدم استدراك ان ريشة الطاووس الجميلة قد تكون مخرزا او نبلة، انه سر ان ينسى الجمال مخالب اصابعه وهي تغرز شوقها بصدر الاحبة، فلا تعرف القتل من الحنين!!اجل شعراء كثر خانهم استدراك عدم القدرة في تمييز التباس المعنى بين الحنين والمخلب، وفاتهم ان يدركوا من غير المقبول ان يقدم كازنتزاكي عذابات يهوذا، وهو ، أي كازنتزاكي كان يفكر بالعذاب وليس بجريمة قتل المسيح ( المسيح يصلب من جديد). اجل أسرفت بالسرديات على نشرات الحيطان، ومعلقات المزابل، مع اني ابكي رواد المزبلة، يعذبني ان لا اكون اكبر من احزانهم، واشد تفاهة من خداعهم، فان يكون المعذب مخادعا ذلك نوع من احزان الرب.
&كيف اطلسم الكلمة، كي اجعلها سلاح حب مدمر وقد تلبست خوذ الجنود، وهمس الشرطة السرية. . كان اعز الاصدقاء عندي ذلك الذي عذبني بقصر النهاية، حاولت مرارا ان اشعره كيف لا يطأطئ راسه حيث يراني في سوق علاوي الحلة، وككل النبلاء عزمت جلادي على الغداء مشترطا ان لا يبرر لي بانه عبد مامور !! وحيث كنت كاهنا متخفيا بزي محارب، ازور السجون مؤانسا اؤلئك المتهمين بالتجسس، نتحدث عن انواع شجر الجميز، لم انسى كل عمري ذلك الفتى المتهم بالعبور الى اسرائيل دون ان يعلم، حيث كانت حشرجات صوته كندف الثلج الحزين حين يتحدث عن امه الارملة واخته الصغيرة، وقد اوصته بكسوة العيد. . كان ذلك في العام سبعين، وتحت الارض، في سجون لا تقرا او تكتب، شرطة امية، ثوار اسوء من شرطة. . فدائيون ابشع من جلادي قصر النهاية. . اجل كان ذلك العام 1970 ، نسيت اني لست راهبا بين هذا الجمع المتوحش، لذلك مزقت ارديتي، بصقت على بنادقي، تقيات على كل القذائف، وفجرت غضبي على قيادة هذا العالم. . في سوريا من ذلك العام السحيق، تبولت على الاوسمة وكتبت بمداد قذارتي "شكرا ايتها الثورة على اوسمتك"، ( لن اسرد القصة بخطاب العرضحلجية وكتاب البيانات)، اسردها نثيّرات متفجعة بحشرجات كل من جرب نصف الذبح وعاد الينا بابجدية السكين. اجل كنا مجموعة من صعاليك تلك الازمنة، نحمل احلام باكونين (فيلسوف الفوضوية)، وجهاديات بول ايلوار السريالية، وعذابات بريتون، وطهارة سارتر الذي رفض نوبل، كل هذا غير مقبول في عالم جعل القصيدة في قبضة شرطي.. اجل كيف تكون ثوريا وفي جعبتك الحربية اناشيد مالدورو؟ كيف تحمل الثورة ولن تؤمن بلينين، بل تقرا نشيد الحرية لايلوار؟ كيف تعشق سلفادور دالي وتحيط بك ضباع الادب الملتزم؟ امر عجيب ان تصفع جان دمو بقبضة يدك، وتبصق في وجه شيوعي شجعك على ابادت الادب العبثي واهانة سدنته، وحين يستدرك انك لست ضد جان العبثي بل ضد بصاقه وشتائمه، اذ لا تتحمل حينئذ عصمة الشاتم، لانه يتصور ان للافكار ائمة وللاحزاب عصمة الفقهاء؟ كيف تحب جيفارا وتمجد رامبو؟ انه لعزاء فيزيقي!! هكذا كان الاشقاء السوريون في ذلك العام البعيد وضعونا في سجن المزة. عشرون عراقيا ثاروا من اجل اناشيد ايلوار ومالدورو ، اتهموهم بحركة انقلابية ضد نظام الرؤساء الابرار. . كيف يمكن ان تفهّم ضابط التحقيق عن شرارة بودلير لا شرارة لينين؟لا أحد يصدقك انك لست من هذا العالم، انت من مملكة غريبة عن هنا، كيف تخبر ذلك الضابط بانك جئت باحلام اليتوبيا الفاضلة فصدمت بعشائر الشرطة، صدمت بالاحلام الذبيحة، بالنعاج الضالة. . كم كنت تتصور بذلك الحلم انك ستجد فصيلة الانبياء في انتظارك، لكنك لم تجد غير برابرة لا يحترمون حتى الذبح بسكاكين حادة، ذات شفرات مبرودة، كانوا يذبحون طرائدهم بسكاكين متثلمة ! اجل كان ضابط التحقيق انذاك، يسالنا عن خطة الانقلاب ونحن نخبره عن قصائد ايلوار عن الحرية!!هكذا عاملنا كالمجانين، ثم توسلنا اليه ان لا تسلمنا سوريا الى العراق.. رفض حتى الهستريا.. عشرون عراقيا كانوا في العام 1971 في سجن المزة، لا احد يستمع لتوسلاتهم حول قصر النهاية.. ليس الماساة ان تتعذب لفكرة تعتقد بها، بل الماساة ان لا تجد احدا يتهمك بما تعتقد، فهو من يصيغ التهمة والتحقيق، يصيغ عقيدتك، وما عليك الا التوقيع.. انها مملكة ليست لنا، غريبة تلك الاضداد بفلقتيها عنا، كم لا تخيفك المقصلة بل تخيفك اسباب الموت. المقتول والقاتل ليس منا، من الممكن ان تقبل قسمة المقتول، ولكن ليس بتهمة كل المقتولين.. هنا منطقة الخلاف، واذ تكون كل الناس ضحايا فانك لا تطلب ان لا تكون ضحية بل تطلب ان تموت وتقتل على طريقتك!! انه عالم لا يحترم حتى خيار موتك واضحيتك، يختار ما تكره ويصيغ ما تشتهي لنفسك من غير ارادتك!!حاكموه كاصولي فاثبت انه ملحد فأعدموه، حاكمه كملحد فاثبت انه مسلم فأعدموه، حاكموه على لا شيء فاثبت انه كل الفراغ فأعدموه ايضا. هكذا لم تستمع قلاع دمشق صرخاتنا نحن البؤساء والشياطين.. سلمونا بذلك العام الى العراق، وكان هناك من ينتظرنا على الحدود.. كلاب كعوليس ، بانياب خرافية تبدي شهوتها لنهش لحم الحرية في نفوسنا، وخزين اسماء لن نبوح بها. . في قصر النهاية كانت زنازيننا بارتفاع بيوت الكلاب، نحلم ان تقف قاماتنا. . تبا لاحاديث البطولة الفارغة.. تبا لمن يذيعها على الناس.. المهم ما تزال الحرية نهرا يجري في عروقنا، لم نحيله مستنقعا متوقف .. فكثيرون جعلوا الحرية مستنقعا متعفنا غير صالح للشرب، لانهم اكتفوا بصوامع المعتقد، كما لو ان الحرية تبحث عن دين، وهي نفي السكوت والتجلمد... كالنيازك نحترق في النهار دون ان يرانا احد.. ثمة زهور لا تعجب الذباب، ثمة مزبلة تهرب منها الفراشات، وكل يبحث عن بيته على الحديقة او المزبلة واصر على ان ابكي سكان المزبلة.

امير الصغير المدفون مع امه فاطمة
- لامير الصغير ابن فاطمة، وحيت بلادنا تعوم على النفط والماء، أضيفت لها بحيرة الجماجم!!بلادنا العائمة على الجماجم، المزنرة بطفولة امير الموءودة، الملونة بدماء العذارى، تصور ان ابن اختك امير واختك فاطمة!!هل تمجد تاريخ وطنيتك؟ هل تمجد وطنا يعوم على جثث القتلى؟ وهل سترضى اقل من رد العرفان لمن خلصك من هذا الموت اليومي؟
&امير يصرخ في دمي بقايا كفر وجحود بأوثان تصنعها الاحزاب والملالي، فارى الدبابة فتحا للحديقة، وارى الثورة فتحا للمزبلة. ثمة زبالون ، وجامعوا الذباب يحاربوا خطاب الحديقة ، يهشموا ابجدية النحل كي تحل شريعة الذباب. . انه الخراب الجميل لقصور الدراكلة، حيث لا احد يبكي الاطلال بعد ان هلك "المراقسة" جمع امرؤ القيس وجمع دراكولا - ، انهتكت كل حدود الحزن فهتك الفرح حدود الادب. القوالات يهزجن على مقابرانا "رندحة" الميجانا. . وتلك الجارية التي غنتها لهارون الرشيد"هيهات يا بو الزلف عيني يمولية" اغنية فولكلورية يغنيها اهل الشام ولبنان اصلها عراقي، غنتها جارية هارون الرشيد حين مات "الرندحات" ترقص على جماجمنا ، فذاك يسرق الجسد الباقي من الوطن، وهذا يحصي مجد الشهداء. . الكل يحضرنا لحفلات ترقص بها الجواري والحريم ، تلك الميجانا البئيسة، خذوا بياناتكم، ولهجاتكم عن نصوصنا، ارحلوا بعيدا في التبن او المتاحف او ابجدية الدم، اخلقوا غابات البنادق ، فانا تبولت على الثورة والبطولات منذ ازمنة الاوسمة الاولى وارتكبت حماقات الشعر. . قال لي سليم بركات ذات يوم ان محمود درويش تقيء على قصيدة: "سجل انا عربي" بل يصاب بازمة قلبية كلما سمعها، وهكذا فان مرسيل خليفة يحاول قتل محمود درويش حين غناها. .

انسي الحاج نبي لاذ بالشعر
كنا في الايام الخوالي نجلس في مقهى المودكا على شارع الحمراء، تطرطشنا سخريات بول شاؤول ذلك الذي خذلنا ولم ينتحر. . هكذا قال لي جورج كعدي. وحيث غابت العاصمة بين الدخان والقذائف، ثمة نبي لاذ في الشعر، خبا نفسه بين القصائد، كنا نشعر ان شارع الحمراء كل الطوفان وجريدة النهار سفينتنا وانسي الحاج نوح تلك السفينة. . لكن نوح هذا ومن شدة كبريائه خلق بلا عورة، فلم يشاهد عورته كنعان ولا مال لسام من دون اخوته حسب قصة الطوفان بالتوراة- قلنا يا انسي لا تستقيم الحياة بلا اشرار، وانت حيث تبشر بالشر تحيله الى ملاك وتطهره بالفضيلة، فلا شرّك شر ولا خيرك خير البررة!! هل صح ان الملاك حين ياتي تموت الحياة؟ معادلة لا يعرفها غير الضاربين بالحكمة، تلك التي جعلت الماغوط يجعل صقر قريش يبيع البصل، او تسجل قوائم الاحزاب في خلاياها انتماء "المومس العمياء وحفار القبور"!!اي زنيم هذا الزمان؟ أي قبح ذاك الذي جعل الشرطة تفتتح اغاني الاوبرا وتمنح الشعر فتاء الإجازة؟ أي مقيت هذا الوطن الملبد بالشرطة والعبيد والقبور، هناك يكمنون ، في نفسك يكمنون في كل الزوايا ليصنعوا من جثة الصغير اموري مجدا او مقبرة. كم اكرهكم ايها الشهداء حين تخلقون القادة الابرار. . كم كان من الحري ان تكتبوا وصايا البصقة على مستثمريكم.

عثمان العمير اميرا للنبل لا للنفط
- عثمان العمير: بدوي جميل، شق ركام الرمل حين احتجبت تراحيل الناس ، وطمرت أسرار التراحيل النجيبة، عثمان العمير يكتب ميثاق الشرف على صفحة خبل المكرمات القديمة، يكشف سراق الظلام حيث يسرق النار من حراس الالهة.
كم كنت عازما وواثقا ان تتورط نفسي بفارس لم تدعه شوارع لندن ينسى حنينا على اطلال امس وبقايا رمل ابدي. . الرمال تلك التي كانت ندف نصوصنا، تموج الى الفراتين عطشى ولن يغريها الماء نسيان اوطان العطش. البدوي الضارب في كفاية الرمل، ترى كيف يحب وطنا بلا ملامح؟ أي حب جعله هانئا على ارض تطرده عجافها فيحبها اكثر؟ اذا الحب كان ريعا صار مفسدة، هو ذا الحب البودليري، ان تحب ما يكرهك على كره نفسه، او تكره ما يكرهك على حبه. . من اين جئت تدوي بين الاسماع كهفيف زوبعة تطارد هودج الرواحل ؟
يا ابن الرواحل وجهيش الحداء
يا ابن المكارم واضاحي الفداء
كنت تزمزم بين احتضار هاجر وحيرة اسماعيل، فتاتي كعبة الدنيا شقشقة نور في جدار زنازين مظلمة. . ايها الشادي قرب مضاربنا معجزة الامل، صبغنا السماء بلون اسود، طلينا الارض بلون الحداد، فبلاد كلها مقبرة لا تشبهنا ولا تشبه الرافدين. . ثمة ثلاثة انهر في بلادنا دجلة والفرات والمقبرة!!ثمة جماجم واكداس قذائف تملا ارض الخضاب ، وكلما استدرت يراك الموت والمدفن، نحن دفن ودفان ومدفن. . نحن موت ومقتول وقاتل، من اين ناتي بمستشفى يعالج كل هذه الارض؟ ارضنا تدخل المستشفى ، وبثوبها تتخاضر من اخضر- على جلجلة الموت . . تتخاضر فوق الجماجم والدم . . هكذا كنا ننام على وسادات محشوة من جماجم اطفالنا. . يا لإبائك وكبرياء نفسك على الدواني والصغائر!!يا لامانتك ايها الفارس الذي لم يترجل من على جواده وينسى الحنين لمضارب الاهل، وفوق هذه الحواسيب، فوق هذه الشرايين الكهربائية لم تتوقف رواحلنا الابدية وهي تحمل عفش النبوة حتى اخر الايام القادمة ، نحن المنتهى حيث بدء هذا العالم، ونحن البداية حيث تقفل الازمنة بابها بوجه الرجاء.

جان دمو وموت الموتى
جان دمو، مات كما كان ميتا قبل ذلك، اراد للشعر ان يختنق كلما خرجت القصيدة، كتب قصيدة الصمت ورحل صامتا لم يترك لنا غير الشتائم وجسد كان فكرة اكثر مما هو لحم ودم. . لا غرابة بموت ميت. . اذكر حادثة شاهدتها في العام 1968 يوم كنا في الاردن، نقضي خدمتنا العسكرية.. شاهدت جمعا من الجنود، وكان معي المطرب ستار جبار ونيسة، هؤلاء الجنود كانوا ينهالون ضربا على بقايا انسان مخمور، ويتهموه بالتجسس، هرعنا نحوهم، ويقلنال لهم ان يتركوا هذا المجنون، لان أي صفة لا يمكن الصاقها به غير ان اسمه جان، وهذه صفة وموصوف بامتياز. . وقد تمنحه قدرا من العصمة!!اخبرونا بانهم وجدوه على مقربة من حقول الالغام باتجاه اسلائيل على الحدود الاردنية، اذ اخبرهم حين سالوه عما يفعله هنا؟قال ابحث عن قصيدة!! هؤلاء الجنود القرويون كيف لهم ان يفهموا جان؟ وكيف يمكن ان يجعل هؤلاء الاميين يعرفون ان الشعر بحثا بين الالغام؟ كان جان يبحث من ذلك الزمن البعيد عن قصيدة تجيد الاختفاء بين الالغام، تجيد الموت قبل ان تخرج، تجيد ارتداء طاقية اللغم، هو ذ رحل بعد ان كان كل الرحيل، غاب وهو بطل الغياب، اختفى وكان بيننا ككل كذبة.