&
أصبحت الحرب على الإرهاب ذريعة لكل الحروب والعقوبات التي تشنها الولايات المتحدة على الدول والمنظمات التي ترتاب فيها بعد أحداث 11 سبتمبر. ولكن مع زيادة الحروب العسكرية والضغوطات الأمريكية ضد الشعوب والمجتمعات الأخرى يزيد الإرهاب والعنف أيضا، ويبقى السؤال هل أمريكا الآن تحارب الإرهاب أم تصنعه؟
يقول المثل الإنجليزي العنف يولد العنف وبالمثل فإن الحرب على ما يسمى بالإرهاب لا تولد إلا إرهابا آخر. ومع ذلك، تمضي الولايات المتحدة مع بعض حلفائها قدما في محاربة الإرهاب وربما محاربة الشعوب. فما هو الإرهاب الذي تحاربه أمريكا فعلا؟ ولماذا تزيد احتمالات الإرهاب كلما زاد القهر العسكري والإيديولوجي الأمريكي على شعوب العالم؟ وهل تحتاج أمريكا إلى مواصلة حربها العسكرية على الإرهاب ليعم الأمن والسلام في العالم أم إلى حوار حضاري هادئ تلتقي فيها كل الثقافات والأديان والأعراق بعيدا عن ضجيج الطائرات ودوي المدافع؟ إذا كان الإرهاب الذي تحاربه أمريكا هو الاستخدام غير المبرر للعنف والتخريب والتدمير الذي يلحق بالأفراد والمنشآت في حالة السلم، فكل المسالمين في العالم ضد الإرهاب. ومع أن الإرهاب كمفهوم موحد لم تقره المنظمات الدولية، إلا أن الأمريكيين هم أكثر المستفيدين ببقاء هذا المفهوم فضفاضا لكي يعطو أنفسهم صلاحيات أكبر للسيطرة على كل ما يعترض توسيع إمبراطوريتهم. فضرب مصنع الأدوية في السودان عام 3991، والحرب على أفغانستان، وغزو العراق والضغط على منظمات الجهاد الإسلامية ضد الاحتلال الإسرائيلي تأتي كلها تحت غطاء محاربة الإرهاب.
لعله من السخف أن نسأل الآن لماذا يحارب الإرهابُ أمريكا ولكن من المنطقي أن نسأل لماذا "تحارب" أمريكا إرهابا تصنعه بنفسها؟
. فأمريكا ربما لا تريد محاربة الإرهاب وإنما ابعاد الإرهاب خارج القطر الأمريكي حتى تضمن تفردها في السيطرة على هذا العالم من خلال إشغال الشعوب التي يمكن أن تنهض فكريا وحضاريا في دوامة من عدم الاستقرار. وما يعزز هذا الرأي هو أن الحرب العسكرية الأمريكية على "الإرهاب" منذ 11 سبتمبر لم تؤد إلا إلى مزيد من الإرهاب. فلا تزال الوحدات العسكرية الأمريكية أو الموالية لها في أفغانستان لا تعرف الأمن والاستقرار، ولا تزال المصالح الأمريكية في الخارج أو المؤسسات التي تتعامل معها عرضة لهجمات إرهابية. فكم حادثة إرهابية وقعت على مؤسسات ومصالح ترتبط بأمريكا بعد قرار الحرب العسكرية على الإرهاب! ولعل الهجوم على المدمرة الأمريكية "كول" وتفجير الملهى في اندونيسيا، وفندق الفردوس في كينيا، وعدد من المطاعم في الدول العربية والهجوم على بعض مراكز القوات الأمريكية في الخليج وأخيرا حوادث التفجيرات التي وقعت في الرياض في 13/5/2003 والتفجيرات في بعض المصالح الأمريكية والغربية التي وقعت قبل يومين في المغرب دلائل واضحة على عدم جدوى الخيار العسكري لمحاربة الإرهاب. وفي الوقت الذي تعمل فيها الحرب على الإرهاب بإشعال الفتن والقلاقل وزعزعة الاستقرار في المجتمعات الأخرى، تعمل أمريكا على تعزيز أمنها القومي وفرض قيود صارمة خاصة على "الملونين" من العرب والمسلمين.
كما أن إصرار أمريكا على الخيار العسكري أو أسلوب القهر والإذلال رغم كل المؤشرات والدلائل التي تفيد بزيادة الحوادث الإرهابية في العالم منذ تبني هذا الأسلوب لا يمكن أن يفسر إلا من منظور يختلف عن الظاهر. ويتمثل ذلك في أن استخدام كلمة "الحرب" على الإرهاب يختلف مدلولها عند الأمريكيين عن بقية الشعوب. فالحرب على الإرهاب بالطريقة الحالية التي تتبعها أمريكا هي في الأساس تصنيع لمزيد من الإرهاب على الأقل حتى الآن وليس القضاء عليه. وتصنيع الإرهاب يعطى أمريكا الشرعية - إذا كانت هناك واحدة - في فرض سيطرتها على العالم ولذلك كان من الضروري إبقاء كل ما من شأنه إذكاء الإرهاب من خلال الحروب أو القهر أو الاستعلاء الذي يؤجج في الشعوب المستضعفة والمقهورة الرغبة في الانتفام. وفي الوقت نفسه، تعطي ردة الفعل الانتقامية أو الإرهابية كما يحلو للبعض تسميتها مبررا تستغله أمريكا لبسط نفوذها على المناطق التي تأتي منها. إن مواصلة أمريكا حربها على الإرهاب بالصورة التي عليها الآن، لا يشيع إلا البلبلة والعنف والخراب في مجتمعات ظلت لعقود من الزمن لا تعرف إلا الأمن والاستقرار. وسبب هذه البلبلة يعود إلى استفحال الضغوط الأمريكية أو الحرب على الإرهاب مع عجز الأنظمة المحلية على مواجهتها الأمر الذي يدفع الشعوب إلى الغليان بغض النظر عما إذا كانت حوادث الإرهاب التي تقع مدبرة أم نتاج لسخط شعب حقيقي، حيث يبقى الهدف واحد وهو عدم الاستقرار الذي يبرر استمرارية "الحرب" الأمريكية على الإرهاب.
إن الأصوات التي تنادي بضرورة تفعيل أمريكا لمبدأ حوار الحضارات والتعايش السلمي وكسب تفاهم الشعوب قد لا تجد لها استجابة أمريكية كبيرة على الأقل في الوقت الحالي. وربما فقط عندما تتأكد أمريكيا من تنفيذ مخططاتها تتخلى حينها عن آلهة الإرهاب التي كانت تصنعها.