كاتب وروائي مصري
في الساعة الخامسة من صباح يوم الجمعة، آخر أيام عطلة عيد الفطر المبارك، حيث تلملم الاجازة نفسها، ويعود الناس من الساحل الشمالي والغردقة، استعداداً لاستئناف العمل، ان كان هناك عمل أصلا، ابتداء من السبت أو الأحد أو الأثنين، كل حسب طبيعة بدء العمل في المكان الذي يعمل به. في الخامسة صباحاً، وعندما كان المطرب المدهش صابر الرباعي يليل محاولا تذكير الناس بليالي محمد عبد المطلب وكارم محمود، حيث الطرب الأصيل الذي يوشك أن يختفي من حياتنا، في هذه اللحظة والمسارح تستعد لاغلاق أبوابها، حيث يخرج الرواد إلي سيدنا الحسين والسيدة زينب لتناول فطور اليوم التالي..، ثم يستعدون للنوم مع مجئ هذا اليوم، في هذه اللحظة حدثت مذبحة في حي الزمالك، حيث قام رجل الأعمال أيمن السويدي، بقتل زوجته المطربة التونسية ذكري، وقتل سكرتيره الخاص، وزوجة هذا السكرتير، بعد أن ربط الخدم والحشم وأبعدهم عن مكان المذبحة، ثم أطلق رصاصة الرحمة علي نفسه، ومات هو أيضا، ليسجل أربعة قتلي سقطوا في لمح البصر، استخدم في القتل مدفعا رشاشا الماني الصنع، وبعد أن وصلت قوات الشرطة وجدت في مكان الحادث، 81 مقذوفا فارغا، والمدفع الرشاش، وبجواره ثلاث طبنجات، ولا تسأل عن هذه الترسانة من الأسلحة، وهل هي مرخصة أم بدون ترخيص، فقد قالوا في الأمن أن المرخص، بندقية وثلاث طبنجات، وأن هذه البندقية طورت وأصبحت مدفعا رشاشا، لأنه ممنوع الترخيص بحمل واستخدام مدفع، في الدفاع عن النفس. ولا غرابة في الأمر، عندما تدخل بيت واحد من محدثي النعمة في مصر الآن، بدلا من أن يفرجك علي تحفه، أو كتبه، أو اللوحات ذات القيمة المعلقة علي جدار بيته، أو البيانو الذي لا يستخدم عادة، بل يوضع كقطعة من قطع الديكور في المنزل، اذ به يأخذك ويريك ما لديه من أسلحة، وقد ظهرت في رمضان هذا العام، موضة شراء صندوق، من الأحياء الشعبية، كانت توضع فيه لوازم العروس في الريف المصري، قبل أن يتحول ولا يبقي ريفا، وهذا الصندوق مزين من الخارج بتحف وأشكال بدائية جميلة، ولهذا اعتقد أنه دخل مصر، أما في زمن الفاطميين أو المماليك، هذا الصندوق كاد أن ينقرض، لولا أن سكان الأحياء الراقية، اشتروه لتوضع فيه ممتلكات العائلة من الأسلحة، أما الذخائر فلها خزنة حديدية بجوار الصندوق، وآخر مرة كنت في زيارة لصديق، أخذني الي وراء باب فيلته، وكان هذا الصندوق مملوءا عن آخره. بأنواع مختلفة من الأسلحة التي وصلت الي غطاء الصندوق، كان من الصعب اغلاقه، وجلس عليه حتي يتمكن من وضع القفل في مكانه الطبيعي، انها حالة من حالات افتقاد الأمن العام، وأيضا الاحساس بتراجع الدولة، والبحث عن الخلاص الفردي، وكل واحد يأخذ حقه بيده، لأنه لا يوجد مجتمع ولا أمن، ولا محاكم ولا قضاء في نظر هذا الذي يقدم علي الانتقام من الناس بهذه الصورة.
في الأيام السابقة علي المذبحة، كانت ذكري قد أصدرت شريطها الغنائي الجديد، الذي يقولون عنه ألبوماً، وكان عنوانه: يوم عليك، وتدور الأغنية الرئيسية فيه، علي أن الأيام أنواع، يوم لك ويوم عليك. وهو معني تجسده الأمثال الشعبية، واحساس المصريين بأن دوام الحال من المحال. وكان أيمن السويدي قد اشتري مطعما جديدا في قلب القاهرة، دفع فيه ملايين الجنيهات، وعزم ذكري للاحتفال بهاتين المناسبتين: الشريط الجديد، والمطعم الجديد. وخلال العشاء الذي لم يكن سعيداً، بدأ الشجار، ولكي نفهم هذا الشجار لابد أن نعرف أن أيمن السويدي، مصاب باحساس قديم بالعظمة، فضلا عن أن الأموال الطائلة، تدعم مثل هذا الاحساس وتوصله الي أن يكون احساسا مرضيا بالعظمة المطلقة، فضلا عن أنه يعاني من شك في سلوك المرأة، ومثل كل رجال الأعمال في زماننا، فان أبهة الأموال لا يكملها الا وجود امرأة مشهورة في حياته، حاول أيمن الارتباط بالفنانة حنان ترك، ويقال أن الأمر وصل الي ما يشبه الخطبة، ولكنه بدأ يشك في سلوكها، لدرجة أن ذهب اليها، عندما كانت تقدم احدي المسرحيات، ولأنه كان يشك أن الرجل الآخر في حياتها، يوجد في المسرح بين الجمهور، يقولون انه دفع ثمن كل تذاكر رواد المسرح في هذه السهرة وأخرج الجمهور، وعندما حدثت مشاكل في اخراج الناس من المسرح هدد بنسف المسرح واحراقه، مما دفع الجميع الي الخروج، وكان هو المشاهد الوحيد للعرض المسرحي في تلك الليلة. وبعدها تركته حنان الي الأبد. من المؤكد انها تشعر الآن، بأنها نجت من قتل محقق لو استمرت معه، الراقصة هندية، واسمها الأصلي نحمده، كانت خطيبته لفترة من الوقت، ثم انفصلت عنه، البعض يقول بعد زواج عرفي، والبعض الآخر يقول أن الأمر لم يتعد الخطبة، وهي أيضا تعد نفسها الآن من الناجين.
الذين كانوا في المنزل، البواب لاحظ دخولهم الي البيت أسرع من المعتاد، والخدم قالوا ان آخر كلمة سمعوها من أيمن: أنا عارف هو مين. وآخر كلمة قالتها ذكري: أن كل الناس حذروها من الزواج منه، وانها نادمة علي هذا الزواج، الذي عطل كل مشروعاتها الفنية. وذكري الدالي فنانة تونسية الأصل يتراوح عمرها بين 38 و42 سنة، اكتشفها الملحن هاني مهني، وأحضرها الي مصر منذ سنوات، وهناك اختلاف وخلاف حول امكانياتها الصوتية، البعض يقول انها كانت أميرة الطرب، والبعض الآخر - من نقاد الغناء - يقول انها المطربة صاحبة الأغنية الواحدة، وعن نفسي كنت أخلط بينها وبين مطربة أخري، ولا تذكر أذني جملة لحنية واحدة لها. كل شهرتها جاءت عندما تحدثت في مؤتمر صحفي فيه عن مشوارها الفني وشبهت الصعاب والعقبات التي قابلتها، بالصعاب التي قابلها الرسول صلي الله عليه وسلم، يومها أحلت جهة دينية في المملكة العربية السعودية دمها، وقالت ان قتلها حلال بعد هذا التشبيه الذي اعتذرت عنه، ومن المؤكد أن حادث قتلها المأساوي هذا، لا علاقة له بهذه الفتوي من قريب أو بعيد، وأنه لا يخرج عن الغيرة والغيرة فقط.
أعود الي مشهد المطعم، ذلك أن أيمن كان يشك في وجود علاقة بينها وبين مدير أعماله عمرو الخولي، ولأن الحياة الواقعية، أصبحت تتفوق حتي علي خيال الأدباء والكتاب، فعمرو هذا قصة لن نخسر كثيرا لو عرجنا عليها، فهو ابن حسن صبري الخولي، الذي كان يلقب في زمن عبد الناصر بالممثل الشخصي للرئيس جمال عبد الناصر، واستمر هذا الدور حتي في زمن السادات، دون أن يكون اسمه الممثل الشخصي للرئيس، وتولي كثيراً من المهام السياسية والأمنية في مصر، وكان يلعب دور الدبلوماسية الخفية في زمن عبد الناصر، قال لي نجيب محفوظ عنه: انه بعد أن انتهي نشر رواية أولاد حارتنا مسلسلة في الأهرام، كلف حسن صبري الخولي، بأن يبلغ نجيب محفوظ، أن يتصرف في قصته، وينشرها في أي مكان يشاء، شرط ألا يكون هذا المكان هو مصر، مرة يقول نجيب محفوظ ان حسن صبري الخولي أبلغه ذلك بنفسه، وفي مرة أخري يؤكد، أن حسن صبري الخولي أبلغ شابة كانت تتردد علي كازينو أوبرا، حيث كان نجيب محفوظ يعقد ندوته الأسبوعية، لتبلغه بالرسالة، صديق لنجيب محفوظ قال لي: ان القصة جرت علي النحو الآتي: كان نجيب محفوظ يعمل في مصلحة الفنون مستشارا ليحيي حقي، وكانت في نفس المبني الادارة الأولي لهيئة الاستعلامات، أو التي أصبحت فيما بعد هيئة الاستعلامات، وكان يتولاها حسن صبري الخولي، أو ربما كان أحد المسئولين بها، هذا الصديق غير متأكد ان كان حسن صبري الخولي نزل الي حيث نجيب محفوظ، أو أنه طلب منه الصعود اليه، حيث أبلغه بما فهم منه نجيب محفوظ انها رسالة من عبد الناصر نفسه. عمرو الخولي، أو عمرو حسن الذي كان يقوم بعمل مدير أعمال أيمن السويدي، هو نجل حسن صبري الخولي، وزوجته السيدة خديجة، هي الصديقة المقربة من ذكري، ولا تسأل، ولا حتي تحاول أن تسأل، ما الذي أوصل نجل حسن صبري الخولي، الي العمل مديرا لأعمال رجل الأعمال أيمن السويدي، فرجال الأعمال، محدثو مصر الجدد، يقومون بعملية غسيل سمعة، من خلال أن يكون هناك صحفي مهم، شبه مستشار له، وأن يكون ضابط سابق، في الشرطة، ومن الأفضل لو كان من القوات المسلحة، يتولي أمنه. فأما لو عثر علي ابن الممثل الشخصي لجمال عبد الناصر لكي يكون مديرا لأعماله، فيكون بذلك قد حقق أكثر من هدف بضربة واحدة، واصطاد ألف عصفور بطلقة واحدة، حتي لو لم يكن جمال عبد الناصر يعني له أي شئ، ولا يعرف عما قام به لمصر وللأمة العربية وللعالم الثالث أي معلومة واحدة، المهم أنه أي مدير الأعمال نجل الممثل الشخصي لرئيس مصر في يوم من الأيام. ومدير الأعمال وظيفة جديدة، ظهرت مع ظهور رجال الأعمال، لا تخدعك كلمة الأعمال التي تتكرر كثيرا في هذا المقال، فهم لا يعملون أي شئ، ان المسمي في مصر يعني عكسه تماماً، وأن عمل رجل الأعمال أي عمل، فلن يزيد عمله عن الذهاب الي البنك، للحصول علي قرض بالملايين، وهو يعرف جيدا أنه لن يسدده، كجزء من حالة فساد عامة. مدير أعمال رجل الأعمال أكثر من سكرتير خاص، وأكثر من كاتم أسرار، وان كان رجل الأعمال رجلا، فمن المستحسن أن يكون كاتم أسراره رجلا مثله، وان كان رجل الأعمال سيدة، فمن الأفضل أن تكون كاتمة أسرارها فتاة صغيرة مراهقة، وكاتم الأسرار وكاتمة الأسرار، يعرفان أن مرحلة كتم الأسرار، أو التكتم علي الأسرار، مجرد معبر، حتي يصبح كاتم الأسرار رجل أعمال، وكاتمة الأسرار سيدة أعمال، بعد أن يودع سيده حتي باب السجن، أو باب الطائرة، أو باب المركب، أو سلك الحدود الذي سيهرب منه خارج مصر بعد أن يكون قد حول ما أستطاع تحويله من قروض البنوك الي الخارج، وهذا لا يحدث عند رجال الأعمال فقط. ما من مرة تقابل سكرتير وزير، الا وتري في عينه بريق الوزارة، عموما الاسترسال في هذا الكلام، قد يشدنا الي السياسة ونحن لازلنا في ظلال، أو بقايا أو اطلال اجازة العيد.
عمرو حسن صبري الخولي، يدخل الي المشهد ليس باعتباره مدير أعمال أيمن السويدي، ولكن علي انه المتهم من قبل أيمن باقامة علاقة مع زوجته المطربة ذكري، وفي أحد فصول خناقة المطعم، أمسك أيمن بتليفونه المحمول واستدعي عمرو للحضور اليه، الذي اصطحب أيضا زوجته خديجة حتي تبدو الجلسة عائلية، وفيها أكبر قدر من محاولة نفي التهمة، تهمة العلاقة مع ذكري. عندما أصبح الجالسون أربعة، رجلان وامرأتان، أو رجلان وزوجاتهما، تقرر نقل الجلسة الي البيت، فالبيوت مازالت أماكن قادرة علي حفظ السر، وفي محاولة للبعد عن الفضيحة، ومناقشة الأمر بين أربعة جدران مغلقة، ذهبوا جميعا الي البيت، ولم يكن يدري أحد منهم، أنها قد تكون الرحلة الأخيرة لهم الأربعة. استمع البوليس الي أقوال ممثلة اسمها كوثر رمزي، باعتبارها الأقرب الي ذكري، أو الصديقة الأنتيم لذكري، وقالت في أقوالها: انها تمثل في مسرحية بودي جارد، التي يقدمها عادل أمام في شارع الهرم، علي مسرح يحمل اسمه، وقد اكتشف حارسه الخاص، ثاني ايام عيد الفطر المبارك، أن هناك مجموعة من الشباب، يوزعون الهيروين أمام باب المسرح، فأبلغ الشرطة التي ألقت القبض علي الشباب، الذين يوزعون تذاكر الهيروين أمام المسرح، كوثر رمزي قالت انها تلقت اتصالا تليفونيا من ذكري، تطلب منها الحضور، لأن هناك مشكلة، وانها حضرت فعلا ولكن أيمن السويدي، طردها شر طرده، وهي سعيدة بهذه الطرده، لأنها تعتبر انها كتب لها عمر جديد، لأن أيمن طردها، وأكدت في أقوالها علي الغيرة الجنونية التي كان يشعر بها أيمن تجاه ذكري، أنا لست عنصريا، ولو أن أيمن كان أقرب للسمار أو السواد، لقلت انه أحد أحفاد عطيل، بطل مسرحية شكسبير الخالدة، حيث توصله الغيرة الي القتل، قتل ديدمونة، القصة مختلفة هذه المرة، فالأموال توصل من يحصل عليها بسهولة الي حالة ربما تفوقت علي حالة نيرون عندما أحرق روما، ولن أقول كاليجولا، لأن هذا الأخير كان يعاني من أعراض فكر.
لم يعرف أحد حتي الآن بعد حضور عمرو وزوجته، وجلوسهما مع أيمن وذكري، هل أثيرت قضية الشك، وماذا كان رد فعل عمرو، المؤكد أن زوجة عمرو، سخنت الموقف في البيت، وقالت لذكري، انها لو كانت مكانها، لما سمحت لزوجها، بأن يعاملها هذه المعاملة، وانها يجب أن ترفض ذلك، ما أكثر ما سيقال في القاهرة، وما سيكتب في صحفها، وفي الشارع سمعت مواطنا عاديا يقول، أن الرئيس التونسي زين العابدين بن علي.. سيرسل طائرة خاصة، عليها محققون من تونس للاشتراك في تحقيق الجريمة، والطائرة لن تعود خالية، انها ستعود بجثمان ذكري التي ستدفن في تونس، حيث تعيش أسرتها، التي بدأت في تلقي العزاء فور علمها بالنبأ، والعائلة تعيش في مكان يقال له منوبة، ولابد أنه مكان له أكثر من دلالة في تونس، لأن الجامعة الكبري، التي توجد في العاصمة، اسمها علي الورق جامعة منوبة