الدار البيضاء: جلس أربعة عراقيين في إحدى المقاهي الجميلة بشارع محمد الزرقطوني غير بعيد عن "توين سنتر" أعلى برجين في الدار البيضاء.
اعتادت هذه المجموعة الجلوس هنا أحيانا يتعدى عددهم الثمانية. يتخذون ركنا في أقصى يسار المقهى قبالة الشارع. ألف الزبناء سماع أحاديثهم للغة عربية ممزوجة بلكنة شامية لكونهم غالبا ما يتكلمون بصوت مرتفع. وأصبحوا من وجوه المقهى المألوفة. لا يخلو حديث من أحاديثهم عن عراقهم الجريح.
ليلة أمس الثلاثاء كان أربعة منهم يجلسون في مكان غير المكان الذي اعتادوا الجلوس فيه، كان بينهما شابان في الثلاثينات ومواطنان آخران دخلا مرحلة الكهولة، رغم تغييرهم لمكان جلوسهم ظل العراق "لازمة أحاديثهم" "العراق"، يخوضون في مواضيع عديدة تهم أعمالهم ومشاريعهم ثم يعودون إلى العراق.
تغيرت نبرتهم عندما سألتهم عن الشعور الذي انتابهم يوم الإلقاء على صدام حسين، فقال الرجل الكهل ذي الشارب "يوم الإلقاء القبض على صدام عيد بالنسبة لنا نحن العراقيين الموجودين في مدينة الدار البيضاء، وهذا ليس مجرد كلام، إننا أقمنا احتفالا حقيقيا بهذه المناسبة، لقد كان مناسبة سعيدة في تاريخنا وتاريخ جميع العراقيين"، وقبل أن يتم حديثه أمضى شاب يتجاوز 35 سنة يقول "لقد تخلصنا وإلى غير رجعة من شخص ظل يكتم على أنفاسنا رغم سقوط أركان حكمه قبل ثمانية أشهر، لذا إننا نحس وكأن العراق حرر من جديد بعد إلقاء القبض عليه".
كانت إثارة موضوع القبض على صدام وكأنه تصفية حساب مع من وصفوه ب"الطاغية الدموي"، تحدثوا بانفعال وعفوية في الآن نفسه، فعاود الكهل ذي الشارب الكلام الحديث بطريقة الواثق من معلوماته "سيكتشف العالم من جديد عددا من المقابر الجماعية للعراقيين، إن ما اكتشفوه الآن ليس سوى عدد قليل من جرائم صدام في حق شعبنا".
ورغم أن العراقيين الأربع اتفقوا على ضرورة القصاص من صدام فإنهم اختلفوا في الطريقة "يبدو لي أن أحسن حل يمكن أن نتعامل معه مع هذا الطاغية هو أن ندله ونتركه يحس بالذل والمهانة التي عشناها طيلة حكمه، فإعدامه في صالحه، يجب أن يعيش مذلولا" غير أن شابا عراقيا ثانيا تحدث بانفعال وتوجه إلي بالسؤال "إذا ما أعدم شخص أباك وأمك وأخاك فما الحكم الذي تنتظره من القضاء" أجبت "الإعدام" فهدأ وقال "هذا ما نريده، لأنه قتل عائلتنا".
هؤلاء العراقيون الأربع ينوون ولأول مرة زيارة العراق، كما يؤكد أحدهم "لم نستطع زيارة عائلاتنا حتى بعد سقوط بغداد، والآن وبعد إلقاء القبض على صدام يمكن أن نزور العراق بعد 22 سنة من المنفى، هذا ربما شعور قرابة 4 ملايين ونصف مليون عراقي يعيشون المنفى وكلهم من ضحايا نظام أقبر وولى".
وارتسمت الابتسامة على محيا العراقيين الأربع، وعلى محيا جميع العراقيين المنفيين خارج العراق بمشاهدة صور صدام كإنسان بدائي مكبل اليدين، وكانت تلك الصور تطهيرا لسنوات المنفى والألم التي عاشها هؤلاء من نظام صدام.
التعليقات