القاهرة : نبيل شرف الدين: بالرغم من&مرور 22 عاماً على افتتاحها في القاهرة، بقيت السفارة الاسرائيلية -أول سفارة لإسرائيل في عاصمة عربية- أسيرة العزلة& والحراسات الأمنية المشددة التي حولت الشارع الذي تقع فيه، والبنايات المحيطة بها ، إلى ما يشبه ثكنة عسكرية.
ويقع مقر السفارة في الطابق الثامن عشر من بناية تطل على النيل في مواجهة&كوبري جامعة القاهرة ، والتي كثيرا ما تشتعل بالمظاهرات الطلابية المعادية لاسرائيل .
ومر 22 عاما &وطلاب جامعة القاهرة يحاولون الوصول الى مقر السفارة للتظاهر أمامها&لتحول قوات الأمن في كل مرة دون&تحقيق رغبتهم. فالاجراءات الامنية المشددة التي تحيط بها جعلت ذلك الأمر مستحيلاً&حتى اضطرت بعض القاطنين لتغيير مساكنهم والانتقال من شارع ابن مالك ، الذي تقع فيه والذي تغير اسمه بقرار من مجلس المحلي لمحافظة الجيزة أخيراً، إلى اسم "شارع الشهيد محمد الدره" .
وانخفضت في هذا الشارع أسعار العقارات بنسبة كبيرة مقارنة بمثيلاتها في شوارع ليست بعيدة عنها. فقد أصبحت مسألة زيارة أي من قاطني&احيائه بمثابة مغامرة غير مأمونة العواقب ،&حتى صار&أي مواطن مصري يقوده حظه العاثر إلى المرور أمامه يستوقفه عشرات ضباط الشرطة السريين والرسميين المنتشرين في المكان لاستجوابه& والتحقق من هويته .
وإذا كان متجها بالفعل الى السفارة الاسرائيلية، فإن ضباط المباحث يفحصون بطاقته الشخصية ويدونون بياناته ويستجوبونه تفصيلياً عن أسباب الزيارة وترتيباتها. كذلك عند خروجه منها فلا بد ان يمر على مكتب تابع لجهاز مباحث امن الدولة لمزيد من الاستجوابات حول ما جرى وبمن التقى وماذا دار من حوارات...
في المقابل ايضا، ثمة إجراءات مشددة على كل مصري يرغب في السفر الى اسرائيل (خصوصا بعد اكتشاف قضية عزام عزام الذي ادانته محكمة امن الدولة المصرية بالتجسس لمصلحة اسرائيل عام 1997 وهو يقضي الآن عقوبة بالسجن 15 عاما مع شريكه المصري الذي قضت المحكمة ذاتها عليه بالسجن المؤبد) وكل مسافر الى اسرائيل او عائد منها يخضع لاستجوابات عديدة من الاجهزة الامنية. ويبقىالشك والريبة السمتان الاساسيتان في التعامل مع كل من يذهب إلى هناك على الصعيد الشعبي تماما كالرسمي.
وحتى المثقفين المصريين الذين قرروا تأسيس "جمعية القاهرة للسلام" لتكون مرادفاً سياسياً يماثل حركة "السلام الآن" في إسرائيل ، فإن اتهامات بالخيانة تلاحقهم في كل مكان يذهبون إليه ، لدرجة حالت دون ظهور بعضهم في الأماكن التي يتردد عليها المثقفون المصريون ، لأن أحداً لا يرغب في الجلوس معهم ، بل ووصل الأمر إلى حد الاشتباك بالأيادي بينهم وبين رافضي التطبيع ، وربما وصل الأمر لحد تجاهل "الجارسونات" إحضار قائمة الأطعمة والمشروبات لهم .
يبقى رجال الأعمال الذين انحصر عدد المتعاملين منهم مع السفارة الاسرائيلية في القاهرة في شريحة لا تتجاوز الخمسين شخصاً ، فضلاً عن أن كل النقابات المهنية بلا استثناء (كالأطباء والمهندسين والصحافيين والفنانين وغيرهم) ، تقاطع اسرائيل وتحظر على اعضائها السفر اليها او القيام بأي مشاريع مشتركة. وكذلك الاندية الرياضية والجامعات ومراكز الدراسات ، كلها ترفض التعامل مع اسرائيل رغم مرور 22 عاما على العلاقات بين البلدين.
أما في ميادين القاهرة يمكن للمارة أن يشاهدوا بضائع إسرائيلية مهربة الى مصر& بدءا من الملابس والأدوات الكهربائية مرورا بالساعات وانتهاء بادوات المكياج ، وهذا أمر& له اسبابه المتعددة& من بينها أن غالبية التجار أو الباعة المتعاملين في البضائع الاسرائيلية إما فلسطينيون من المقيمين في مصر ، والذين يترددون على غزة والضفة لزيارة ذويهم أو شباب مصريين تدفعهم ظروف البطالة ، وافتقاد الوعي السياسي الى هذه التجارة الرابحة المريحة.
لكن هذه البضائع لا تعني أن المصريين قبلوا فكرة التطبيع ، فالشارع المصري بعد 22 عاما من إبرام معاهدة السلام بين مصر واسرائيل يرفض كل ما هو إسرائيلي ، ويتوجس خيفة من الحروف العبرية على أي منتج ، فالتبادل التجاري والنشاط السياحي شهد خلال السنوات الماضية تراجعا كبيرا بين مصر وإسرائيل، ولم يتجاوز عدد الزائرين المصريين الى إسرائيل خلال هذا العام 500 شخصاً معظمهم من المسؤولين واصحاب التوكيلات التجارية ، وفرقة واحدة للفنون الشعبية اقتصرت زيارتها على اراضي السلطة الفلسطينية .
العمل في إسرائيل
من جهة أخرى فقد رصد تقرير أمني حديث أعداد المصريين العاملين في اسرائيل ، وحدده بحوالي مائتي شخص ، بعد ان ذهب البعض الى تقدير العدد بـ خمسة& ألاف مصري وخلص التقرير الى وضع العديد من الضوابط والاجراءات التي تحول دون تنامي ظاهرة سفر المصريين لاسرائيل بهدف العمل فيها مشيرا الى ان كافة الاعداد التي سافرت للعمل لم تسافر بصورة رسمية وان مصر لاترتبط بأية اتفاقيات لتنظيم العمالة مع اسرائيل ، واوضح التقرير الامني ان المصريين من فئة مندوبي المبيعات او التسويق او الحرفيين اضافة الى العاطلين المثبت في جوازات سفرهم انهم بدون عمل ، ويخضع الراغبون في زيارة إسرائيل إلى إجراءات استطلاع أمنية للموافقة لهم على السفر.
وأكد التقرير انه تم تطبيق قواعد السفر المعمول بها لدول الجوار العربي وهي كل من لبنان والاردن وسوريا على إسرائيل كإحدى الوسائل الرئيسية للحد من ظاهرة السفر التي يتم فيها إخطار من وزارة السياحة عن الشركات التي تقوم بتنظيم عمليات سفر المجموعات من المصريين للعمل في إسرائيل وتقرر حرمان تلك الشركات التي تخالف القواعد المنظمة للسفر والتي تستلزم ضرورة العودة عن تنظيم الرحلات أو تصل العقوبات ايضا الى حد سحب تلك التراخيص من الشركات السياحية المخالفة لهذه القواعد. وكانت مصر قد الغت حرية السفر للمصريين الى اسرائيل منذ شهر نوفمبر 1993 عدا الطلبة, وقدمت السفارة الاسرائيلية في القاهرة تسهيلات كبيرة لراغبي السفر من العمالة المصرية, ثم عادت مصر لفرض القيود من جديد بعد ان تكشفت محاولات اجهزة الموساد لتجنيد عدد من الشباب للعمل لصالحه في التجسس على مصر وكانت اجهزة سيادية قد طالبت باسقاط الجنسية المصرية عن المصريين المتزوجين من اسرائيليات بعد ان توافرت معلومات للأجهزة الأمنية عن حالات للزواج من بين الذين سافروا الى اسرائيل بغرض العمل .
وتؤكد تقارير المنافذ البرية والجوية ان حوالي 2400 شاب مصري كانوا يدخلون اسرائيل سنوياً قبل خمسة أعوام ، بتأشيرات سياحية وكان يتخلف بعضهم عن العودة والبقاء هناك للعمل في المزارع أو مشروعات البناء والتشييد او حتى على المقاهي داخل تل أبيب مما أوحى الى تزايد أعداد المصريين الموجودين في اسرائيل الى حوالي 12 الف شخص حسب التقارير الصادرة عن جهات اسرائيلية ووجود اكثر من 4 آلاف حالة زواج بين الشباب المصري والاسرائيليات , لكن التقرير المصري نفى ذلك وأشار إلى أن عدد المصريين المسافرين لاسرائيل تقلص الى حد كبير منذ بداية عام 1996 وحتى اختفى تماما بعد تشديد الاجراءات الأمنية وسقوط عدد من جواسيس إسرائيل بالقاهرة .
ونبه التقرير إلى تعرض الشباب المتواجد في اسرائيل لوسائل اغراء متعددة سواء بالمال او بالوظيفة او بالجنس وذلك تحت اشراف جهاز الموساد الاسرائيلي الذي يرغب في تجديد شباب جواسيسه بمصر بعد تساقط اعداد كبيرة منهم خلال العامين الماضيين وبعضهم كان ممن سافر للعمل باسرائيل من خلال التأشيرات السياحية .
الزواج بإسرائيليات
ومنذ فترة ثار الجدل في الأوساط السياسية المصرية, حول قضية زواج المصريين من اسرائيليات ، والتي وصلت إلى حد مطالبة بعض نواب البرلمان ، والأجهزة الأمنية باسقاط الجنسية المصرية عن المصري الذي يقدم على هذه الخطوة .
وأشارت التقارير الرسمية إلى ان الاحصائيات الموثقة تؤكد بوجود 143 حالة فقط وان من 3 إلى 5 حالات زواج فقط تحدث كل عام, وان أغلب تلك الزيجات تتم بين مصريين مسيحيين أو مسلمين وبين زوجات من عرب إسرائيل من نفس الديانة يحملن الجنسية الاسرائيلية سواء كن مسلمات أو مسيحيات.، وأكدت التقارير أيضاً أن لكل طرف أسبابه في الاقدام على هذه الخطوة, مشيرا انها بالنسبة للمصريين لا تتعدى سوى البحث عن فرصة عمل والهجرة للخارج وخاصة انتشار تلك الرغبة بين فئات ذوي التعليم المتوسط أو حرفيين يعملون في القرى السياحية بسيناء أو مع انخفاض أعداد السياح والاستغناء عنهم
أما أسباب الظاهرة لدى الاسرائيليات فيرجعها المصدر ذاته إلى نفس الأسباب السابقة, مشيرا إلى انها تنتشر بين اسرائيليات غير متعلمات وفقيرات ، وذلك نتيجة معاناتهن من مشكلة الزواج خاصة بين المطلقات والجاليات العربية ، فضلاً عن رفض الاسرائيليين من أصل غربي للزواج منهن،& كذلك معاناة الفلسطينيات في الزواج من عربي , مما يجعلهن يلجأن إلى المصريين وخاصة بدو سيناء.
وأشارت التقارير التي أعدتها مجموعة من الخبراء الأمنيين في الشئون الاستراتيجية أن هناك اقبالا من الاسرائيليات على الزواج المختلط للهروب من التجنيد حيث ان من تتزوج من عربي لا يسمح لها بالتجنيد داخل الجيش الاسرائيلي، وأن زواج البدو من إسرائيليات بدأ مع احتلال اسرائيل لسيناء وتحويل جنوبها إلى شواطئ سياحية واستثمار البدو للمشروعات السياحية والتجارة مع الاسرائيليين جعل كثيرين من شباب القبائل يتزوجون من أجنبيات وليس بالضرورة اسرائيليات, وانه لا يوجد أي شبهة للموساد في ذلك.
تطبيع رقمي
وبينما لا يكف الدبلوماسيين الإسرائيليين في القاهرة عن الشكوى من تجاهلهم ، فإنهم من خلال النشرات الدورية التي يرسلونها دون إذن ، للصحف والمثقفين المصريين عبر البريد الإليكتروني قد وجدوا منفذاً ، ويؤكدون خلال رسائلهم أنه من بين 22 اتفاق تطبيع اقرها الطرفان في معاهدة السلام عام ،1979 لم تنفذ مصر سوى ثلاثة او اربعة بينما بقي نحو 18 اتفاقا غير منفذ العلاقات الاقتصادية غير مبهرة. ويعترفون بأن حجم التبادل التجاري يبلغ 75 مليون دولار منها 50 مليون دولار صادرات من اسرائيل الى مصر ، بينما تبيع مصر نفطا لاسرائيل وفقا لما نص عليه اتفاق كامب ديفيد من حقول سيناء كانت قيمته نحو 250 مليون دولار وبلغ العام الماضي 150 مليون فقط نتيجة لانخفاض اسعار النفط وخفض اسرائيل لطلباتها من النفط والغاز الطبيعي المصري .
حتى السياحة التي طالما عول عليها الإسرائيليون ، فيعترفون في نشراتهم الإليكترونية أنها تمضي في اتجاه واحد وبمعدلات محدودة ،فهناك& 300 الف سائح اسرائيلي زاروا مصر خلال الأعوام الثلاثة الماضية ، ولكن يبقى 90% منهم في سيناء حيث يسمح لهم اتفاق كامب ديفيد بالدخول حتى مدينة شرم الشيخ من دون الحصول على تأشيرة مسبقة ، أما المصريون الذين يذهبون الى اسرائيل فلم يتجاوز عددهم بضعة آلاف خلال عشرين عاماً معظمم من اصول فلسطينية يتجهون الى قطاع غزة لزيارة ذويهم .
يبقى في النهاية ثمة تصعيد بدأ عقب الإفراج عن أشهر سجين مصري في سجون إسرائيل وهو محمود السواركة الذي أمضى نحو 21 عاماً في السجون الإسرائيلية بسبب مقاومته المسلحة للاحتلال الإسرائيلي لسيناء قبل الانسحاب ، حيث فتحت قضيته ملف المسجونين المصريين في السجون الإسرائيلية والذين يقدر عددهم بـ40 مصرياً على الأقل ، ثم ملف قتل الأسرى المصريين الذين تجاوزوا& 1500 في حربي 1956م و 1967م، وقد صعدت مصر من مطالبها بمحاكمة المسؤولين عن هذه الجريمة، والتي قوبلت بالرفض ، والرد بأن هناك حالات قتل أسرى إسرائيليين مماثلة عام 1973م وأن القضية تنتهي بذلك بالتقادم .
وفي سجلات الأمن المصرية رصدت الإحصائيات القبض على 79 إسرائيلياً& في جرائم جنائية تتراوح بين تهريب المخدرات وتزوير العملة وتهريب الأسلحة خلال هذا العام فقط .