تحقيق- نبيل شرف الدين: بعد أن خفتت أصوات بنادق الأصوليين في مصر ، فتحت سجون طره وأبو زعبل والوادي الجديد في مصر لأول مرة منذ سنوات طويلة أبوابها بهدوء , لا لكي تستقبل مسجونين جدد من اعضاء التنظيمات الأصولية , ولكن لكي يعبر من خلالها فوج جديد من "العائدين" للمجتمع ، بعد أن أطلقت السلطات المصرية سراحهم ، 1200 تائبا جديدا استقبلوا حياة الحرية, وعلى الرغم من أن أجواء التفاؤل التي رافقت اعلان الافراج عن هذا العدد الكبير من الاصوليين , فان مصير هذه المجموعات التي تطلقها السلطات المصرية مازال يثير الكثير من الجدل , ويطرح المزيد من علامات الاستفهام ، خاصة بعد ما تردد أن عددا من هؤلاء "العائدين" قد يعودون ممارسة نشاط العنف اذا ما سنحت لهم الفرصة المواتية ، ولكن على الجانب الآخر فإنه من المؤكد أن مشكلات اقتصادية واجتماعية ونفسية سوف تواجه هؤلاء العائدين , حيث يخرج كل منهم من المعتقل ليجد نفسه متخلفا عن ركب المجتمع ، وربما فاقدا للوظيفة , وفي حاجة الى المال ، والتكيف الاجتماعي حتى يستطيع مواصلة الحياة الجديدة , والتحقق من أن العوامل التي دفعته الى طريق العنف ليست قائمة كما كانت حينما تورط في ارتكاب أعمال العنف .
"إيلاف" سعت لاستشراف مستقبل هؤلاء العائدين للمجتمع بعد سنوات طويلة من السجن ، وما ترتب عليها من بصمات نفسية ، يؤكد المنطق أنها ستلازمهم مدداً تتفاوت من شخص لآخر ، لكن الجميع سيواجهون مستقبلاً غامضاً ، ما لم تتخذ كافة مؤسسات المجتمع الرسمية منها والشعبية حيالهم ما يؤهلهم للاندماج مجدداً في النسيج الاجتماعي ، فمنذ أن بدأت السلطات المصرية في تبني منهج الإفراج عن الأصوليين الذين نبذوا العنف ، في مسعى لنزع فتيل تلك القنبلة الموقوتة , إلا أن أحداً لم يكلف نفسه عناء طرح سؤال حول مستقبل هؤلاء العائدين للمجتمع ، ومن ثم كان لابد أن نستطلع آراء مجموعة من الخبراء المطلعين على هذا الملف, الذين القوا الضوء على جدوى هذه السياسة من جهة ، والآثار التي يمكن أن تترتب جراء ذلك على مستقبل جماعات العنف ، ومستقبل هؤلاء العائدين من جهة أخرى ، خاصة ان بعض القيادات التي اعلنت عدولها عن خيار العنف بدأت في مناظرة منظري جماعات العنف الأصولية للرد على افكار التطرف من الداخل .
ويقول خبير مكافحة الإرهاب، اللواء& أحمد البنا أنه منذ انطلاق المواجهة بين السلطات المصرية والجماعات الأصولية اعتمدت الحكومة مبدأ الحوار مع اعضاء التنظيمات الأصولية في نفس الوقت الذي كانت فيه الاجهزة الامنية تعمل على تفادي توسيع رقعة العنف , وتقاوم موجات العمليات المسلحة التي اخذت خطا متصاعدا منذ عام 1992, وكان المظهر الاول لهذا الحوار , هو سلسلة اللقاءات الشهيرة التي عرفت باسم (ندوة الرأي) ، والتي رعتها الحكومة المصرية واذاعها التلفزيون المصري طيلة شهور عديدة , وضمت هذه الندوات حوارا مفتوحا بين المتهمين على ذمة قضية اغتيال الرئيس السابق أنور السادات , وبين عدد من علماء الازهر الشريف .
وإزاء تشدد معظم قادة الجماعات الأصولية الذين كانوا محتجزين حينئذ على ذمة قضية اغتيال الرئيس المصري السابق أنور السادات ، وأحداث العنف الدامية في أسيوط عام 1981 ورفضهم المشاركة في هذه اللقاءات, قررت الحكومة الافراج عن المعتقلين الذين يشاركون في هذه الندوات ويؤكدون اقتناعهم بأفكار علماء الازهر, ويعلنون تراجعهم عن افكار التطرف ، لكن هذه الندوات اتخذت طابعا دعائيا في اول الامر, وبدا ان هؤلاء الأصوليين كانوا يضطرون للإعلان عن آراء لاتمثل حقيقة مواقفهم حتى ينتفعوا من هذا العرض ويحصلون على الافراج في اسرع وقت ممكن, والنتيجة ان العديد من بين الذين كانت قد أفرجت عنهم السلطات المصرية في ذلك الوقت استمروا في ممارسة أعمال العنف, وشاركوا في احياء نشاط الجماعات المسلحة بعد الضربة القاصمة التي تلقوها عقب اغتيال السادات, الامر الذي ادى الى توقف تنفيذ التوبة والغاء برنامج ندوة الرأي.
ومنذ مطلع التسعينات رفعت الحكومة المصرية شعار (لا حوار مع الارهاب) وكانت القصة الشهيرة لإقالة وزير الداخلية الأسبق عبد الحليم موسى من منصبه بعدما تردد عن بدء حوار بين وزارة الداخلية وبعض القيادات التاريخية للجماعات الأصولية في السجون, وبرغم هذا الموقف الثابت فان الفكرة لم تمت ، بل عادت لتبرز على السطح من جديد خاصة بعدما تصاعدت الاتهامات للحكومة المصرية بأنها تعتمد سياسة المواجهة الامنية لمواجهة العنف دون البحث في رؤية استراتيجية شاملة لمواجهة تلك التنظيمات الأصولية التي تتبنى منهج& العنف , وبدأت وزارة الاوقاف المصرية في بسط نفوذها على المساجد الاهلية, وزيادة عدد الدعاة والخطباء المؤهلين علمياً , كما بدأت "قوافل الدعوة" تجوب القرى والمدن في مصر للتصدي الى افكار التطرف والعنف, وكان احد ابرز امثلة هذه المواجهة الفكرية البيان الشهير الذي وقع عليه ثلاثة من اهم العلماء في مصر, الراحل الشيخ متولي الشعراوي ، والراحل الشيخ محمد الغزالي, والشيخ محمد سيد طنطاوي شيخ الأزهر ، والذي كان يشغل موقع مفتي الديار المصرية في ذلك الوقت .
المواجهة الفكرية
وفي البداية يرى منتصر الزيات , محامي معظم قادة وعناصر الجماعات الإسلامية في مصر , أن هنالك إجراءات ينبغي أن تتخذ حتى لا يشعر هؤلاء العائدون للمجتمع بمزيد من الصدمات والمعاناة ، وأن هذه الإجراءات تتعلق بضرورة تقديم الرعاية الكاملة للمفرج عنهم وبشكل متوازن ، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً ، ومساعداتهم في العودة لأعمالهم أو تدبير فرص العمل لهم .. ولا يشعر بإجراء المحاصرة الأمنية .. والملاحقات والاستدعاءات .
ورداً على سؤال ، عما إذا كان هؤلاء المفرج عنهم سيعودون للعنف ، أجاب الزيات بالنفي القاطع مشيراً إلى أن هذا الخيار أصبح مستبعداً في كل الأحوال ، مستنداً في ذلك لما أطلق عليه "عمق التجربة" التي خاضها الذين قضوا سنوات طويلة خلف القضبان وهو الأمر الذي يتفق معه الباحث والكاتب الإسلامي كمال حبيب ، وهو الذي خاض هذه التجربة حينما أفرج عنه بعد عشر سنوات قضاها مسجوناً تنفيذاً لحكم في قضية الجهاد الكبرى ، وهنا يقول حبيب أن نوعيات العائدين لهم أوضاع اجتماعية سابقة على دخولهم السجون ، فبعضهم كانوا طلاباً والآخرون عاملين ، أي كانت لهم مواقع اجتماعية كفيلة باستقبالهم وإعادة دمجهم في المجتمع من خلالها ، وقد خضت شخصياً هذه التجربة القاسية .. والحمد لله اجتزت المحنة .. ، لكن المهم أن يعود هؤلاء للمواقع الاجتماعية التي أخذوا منها للسجون ، ويستدرك قائلاً أن المشكلة الحقيقية تكمن في بعضهم ممن تعثروا سواء في دراستهم ، أو حتى الحاصلين على مؤهلات علمية وثقافية متدنية ، ولا يمتلكون خبرات تؤهلهم للالتحاق بأي موقع اجتماعي ..فهؤلاء خارجون للفراغ .
وحول نظرة المجتمع لهؤلاء العائدين يرى منتصر الزيات أن الأمر سيحتاج لبعض الوقت لاستيعابهم للمتغيرات التي جرت خلال سجنهم ، سواء كانت سياسية أو فكرية أو إجتماعية وهنا يشدد الزيات على فكرة زيادة مساحة الاهتمام بالمواجهة الفكرية ، التي ينبغي أن تواكب على المستوى السياسي اعادة إحياء فكرة العدول عن العنف بطريقة اكثر هدوءاً وإنسانية ، بحيث لا يتحول هؤلاء العائدون للمجتمع إلى رموز اجتماعية ، وشواهد على عدم صحة الفكر, من وجهة نظر الحكومة أو المجتمع أو أجهزة الإعلام .
ويتفق مصدر مصري مسئول مع الرأي الذي ذهب إليه الزيات حول أهمية وجدوى سياسة "تفريغ القنبلة الموقوتة" من المعتقلين والسجناء الذين أمضوا مدد العقوبات ، مشيراً إلى أن حصيلة هذه السياسة الافراج عن 13 فوجا من التائبين ضم ما يقرب من 1400 شخص من اعضاء جماعات العنف , ويستند في ذلك إلى تقديرات وزارة الداخلية التي تؤكد أن نسبة الخطأ في التقدير تجاه هؤلاء التائبين كانت محدودة للغاية , خاصة ان اجهزة الامن لم تضبط سوى اثنين فقط من هذه العناصر عاودت ممارسة نشاط العنف بعد الافراج عنها .
وحسب تقديرات المصدر ذاته فإن إعلان القيادي الأصولي الشهير احمد راشد كانت لها نتائج ايجابية عديدة حيث اعتبرت ابلغ رد على الفكر المتطرف من الداخل خاصة من قيادي بارز كان له اتباع كثيرون داخل صفوف التنظيمات الأصولية , وكانت له اجتهاداته البحثية في التأصيل الفقهي للعنف , وحسب المصدر المسئول قد أفادته معرفته الواسعة بأفكار الجماعات على اختلاف مسمياتها ومشاربها في الرد على كل الحجج المغلوطة بطريقة مقنعة , وأن وزارة الداخلية المصرية قامت بتسجيل اعترافاته بعد إعلان عدوله عن العنف على شريط فيديو حتى يمكن الانتفاع بها في مواجهة الشباب الذي ينضم الى هذه التنظيمات الأصولية المتشددة داخل وخارج السجون .
أما ضياء رشوان , المراقب لظاهرة الإسلام السياسي ، والخبير بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بمؤسسة الأهرام , فيؤكد أن فكرة العودة للمجتمع في جوهرها فكرة جيدة لاتاحة فرصة جديدة لمن يؤمنوا بأنهم اخطأوا بالسير في هذا الطريق , وأنها كانت لابد أن تحدث لكن وفق تصور سياسي واجتماعي لأوضاع هؤلاء العائدين المستقبلية ، وفي مقدمة "الأجندة" الخاصة للتعامل مع هؤلاء العائدين التعاطي السياسي مشيراً إلى أن هناك قصوراً عموماً في تعاطي الدولة مع الإسلاميين على وجه العموم ، وخاصة بعد تخلي القطاع الأكبر منهم عن العنف نظرياً وعملياً .
وبالتالي وكما يرى رشوان فليس هناك استغراب في غياب هذا التعاطي السياسي مع المفرج عنهم ضمن هذا الغياب الشامل في التعامل مع الظاهرة الإسلامية ، لكن يمكن رصد تطور إيجابي في الرؤية الأمنية للقضية ، ورموزها لا يواكبه تطور سياسي مناسب ، مما يشير إلى انه لا يزال هناك من ينظر لمثل هذه الظاهرة باعتبارها قضية أمنية فحسب .
عائدون للعنف
ويواصل ضياء رشوان طرح رؤيته حول مستقبل هؤلاء العائدين الجدد فيؤكد أنه لأسباب تتعلق بتعقد الظاهرة الإسلامية ، وبالمدد الطويلة غالباً لهؤلاء في السجون .. وبأعداد كبيرة لابد أن يتم إعادة تأهيل هؤلاء ودمجهم في المجتمع عبر مؤسسات الدولة الرسمية أولاً ، باعتبارها المؤسسات الأقوى والأكثر قدرة على الفعل الحقيقي ، ثم تليها المؤسسات المدنية الجادة التي تمتلك قدرات على إعادة دمج هؤلاء العائدين واستيعابهم ، والتي لا تتعامل مع هذه القضية بمنطق الاتجار بالأزمة ، أو كمسوغ للتمويل الأجنبي المشبوه .
وحول مدى جدية فكرة وقف العنف ، يؤكد اللواء فؤاد علام الخبير الأمني ونائب رئيس جهاز أمن الدولة المصري السابق أنها جادة بالفعل ، لأنها أتت في أعقاب تحولات فكرية وفقهية اعتبرت العنف سلوكاً غير مقبول ، مشيراً في ذلك لدراسة محمد مصطفى المقرئ أحد قادة الجماعة الإسلامية المقيم في لندن ، التي أعدها عقب حادث الأقصر وأعلنت حرمة قتل المدنيين والسياح ، وكانت بمثابة تغير فكري أساسي للجماعة وأدت إلى طمأنة الجهات الأمنية استناداً إلى أن العنف الأصولي قام بالأساس على منطلقات فكرية وفقهية مما يقتضي أن تكون بداية المواجهة معه من هذا الزاوية أيضاً .
وحول جدية عدول هؤلاء العائدين عن العنف يلخص ضياء رشوان الأمر بعبارة يقول فيها أنها جادة بقدر ما يتم التعامل معها بجدية .. وينبغي التعامل معها بجدية سواء من الدولة أو من المجتمع الثقافي والسياسي .
ويتساءل الدكتور حسن كمال أستاذ علم الاجتماع في البداية : هل ما حدث عدولاً وتراجعاً عن الانضمام لجماعات مسلحة تحارب المجتمع ، أم أنها توبة عن الفكر المتطرف نفسه عن اقتناع كامل بحيث لا تبقى داخل هذا التائب بذور العنف لتنمو من جديد اذا توفرت لها الظروف التي تؤدي لذلك , وأبرزها الظروف العوامل الاقتصادية والاجتماعية المتدنية التي يعيش فيها معظم هؤلاء الأصوليين , فضلاً عن عجزهم عن الحصول على فرصة عمل مناسبة , ويرى أن المدخل الحقيقي لإنجاح هذه السياسة يتمثل في التحول الفكري ، وليس فقط عن قناعة بعدم جدوى العنف ، أو الانتماء التنظيمي لحركات أو جماعات , لأن المشكلة في هذا الفكر الذي يلتف حوله الشباب بسبب أو آخر , والمسألة& الثانية برأي الدكتور كمال أن هؤلاء العائدين يجب أن تتوافر أمامهم فرص العمل التي يستطيعون من خلالها ممارسة دورهم الاجتماعي بشكل كريم ولائق , وتأمين عائد مادي لهم ولذويهم حتى لا يصبحوا عرضة لانتكاسات سلبية , مشيراً بذلك إلى أن بعض هؤلاء عادوا بالفعل للعنف مرة أخرى , وألقت أجهزة الأمن القبض عليهم مجدداً كما نشرت الصحف المصرية حينئذ .
لكن الكاتب الإسلامي جمال سلطان وكيل مؤسسي حزب الإصلاح "تحت التأسيس" يختلف مع هذا الطرح مؤكداً : أستطيع أن أقول بكل اطمئنان ، أن هذه الأفواج من الشباب الإسلامي التي تخرج من السجون والمعتقلات ، لن تكرر على الإطلاق تجربة العمل التنظيمي السري ، ليس فقط كأثر من آثار محنة السجن وتوابعها ، وإن كان هذا له أثر لا ينكر ، وإنما الأهم هو أن المناخ الفكري داخل الحركة الإسلامية الآن يميل إلى فكر المشاركة السياسية أكثر من فكر الصدام ، وهناك الآن استعدادات نفسية وفكرية حقيقية لتقبل هذه التحولات والعمل وفقها ، ولكن القلق والتردد يأتي من اعتبارات أمنية وهواجسية ، وهذه تجربتنا في حزب الإصلاح ، وأثناء تجوالنا في محافظات مصر ، لقد كانت هناك قناعة حقيقية بالطرح الذي نطرحه ، وإنما كان الشباب يتساءلون عن " الموقف الأمني " وردود فعل السلطة ، لقد كان محور القلق والتردد هو : جدوى الطرح بمعنى : هل يقبل النظام السياسي أن يتيح للإسلاميين العمل العلني من خلال حزب ، وأيضا : رد فعل الأمن ، هل يستفزه مثل هذا التطور ، ولم يكن الحال كذلك منذ عشر سنوات مثلا ، كان هناك حاجز فكري ومنهجي عميق ، أما الآن فهناك تجاوز لهذا الحاجز ، واستعدادات جدية في البنية النفسية والفكرية للحركة الإسلامية للعدول عن العمل السري والعنف ، ويبقى الأمل في استيعاب صنّاع القرار السياسي في مصر لضرورة فتح الأبواب أمام هذه الطاقات حتى نقطع الطريق أمام أية إغراءات واقعية أو نفسية للعودة إلى العنف
وزارة الشباب
وفي هذا السياق يطرح كمال حبيب فكرة هامة مؤداها أن هناك دوراً مشتركاً بين الأسرة والمجتمع والدولة حيال هؤلاء العائدين ، لكنه يستدرك مؤكداً أنه في حقيقة الأمر يقع الجانب الأكبر من العبء ، كما يؤكد حبيب ، على عاتق الدولة التي يجب أن تكون لها أجندة خاصة في هذا الإطار ، من خلال خطة& تتبناها وزارة الشباب التي استحدثت في التشكيل الحكومي الجديد في مصر ، والتي يطلع بمسئوليتها الدكتور علي الدين هلال وهو في تقدير كمال حبيب وجه قريب من الشباب ، وليس بعيداً عن الأوضاع السائدة بين الإسلاميين ، فهو صاحب تراث فكري فيما يتصل بظاهرة الإحياء الإسلامي وكان طيلة عمره أستاذاً في الجامعة التي تفجرت منها الأحداث منذ عقدين من الزمان ، وهذه خبرات& تؤهله للقيام من خلال وزارة الشباب بمشروع يهدف لاستيعاب هؤلاء العائدين للمجتمع بطريقة سليمة وهادئة دون ضجيج ، فوزارة الشباب "وزارة بينية" بمعنى أن لها تشابكات متداخلة مع كافة مؤسسات الدولة فيما يتصل بمشكلات الشباب عامة ، ويقترح حبيب على وزارة الشباب المصرية أن تتعاون مع وزارتي الداخلية والعدل للتعامل مع ظاهرة القطاع الكبير من المعتقلين ، الذين قد يكونوا انخرطوا في أعمال ذات صلة بالعنف أو الانضمام لبعض الجماعات تحت مؤثرات انتهى مفعولها ، لأنها كانت مؤثرات وقتية كما يؤكد حبيب .
نجوم العائدين
وعود على بدء ، وتحديداً منذ أن وضعت الأجهزة الرسمية هذا البرنامج الخاص بالإفراج عن الأصوليين موضع التنفيذ , وكان أحد أبرز قادة جماعة أصولية متشددة هي "الشوقيون" التي تتبنى فكر التكفير والهجرة ، وهو القيادي عادل عبد الباقي , الذي تبنى طيلة عدة أعوام أفكاراً متشددة تقوم على تكفير المجتمع حكاماً ومحكومين ، وتعتمد مبدأ "الاستحلال" لدماء وأموال وحتى أعراض المخالفين ، وتطبق قواعد دار الحرب على البلدان الإسلامية, وقد قام عبد الباقي بكشف العديد من كواليس ما كان يجري داخل المنظمات الأصولية المتشددة التي انتمي إليها ، واستضافه التلفزيون المصري في لقاء طويل ومثير ، أعيد بثه عدة مرات وكان موضع جدل واسع داخل الأوساط السياسية والثقافية وحتى الشعبية في مصر .
لكن أهم هؤلاء التائبين على المستوى الحركي والتنظيمي , وفقاً لتقدير المصادر الأمنية , فهو حسن الهلاوي احد مؤسسي تنظيم الجهاد في مصر, والمفارقة أن الهلاوي مازال سجينا حتى الآن في سجن طرة حيث يقضي فترة عقوبة مدتها سبع سنوات بعد ان هرب من السجن الى احد البلاد العربية بعد اتهامه في قضية عنف , ونجحت أجهزة الأمن المصرية حينئذ في القبض عليه لقضاء فترة العقوبة المقررة قضائياً
وأهمية الهلاوي لا تنبع فقط من كونه أحد مؤسسي تنظيم الجهاد ولكن لاطلاعه الواسع على الاسانيد والحجج التي يستند إليها عناصر المنظمات الأصولية الراديكالية في تبرير لجوئهم الى العنف, وقد قام الهلاوي بتقديم خدمة كبيرة للسلطات المصرية حين اعد دراسة فقهية تتضمن رداً وافياً على الأفكار المتطرفة وقام بارسالها الى وكالات الانباء العربية والاجنبية لتفنيد أفكار العنف ، كما ساعد الهلاوي اجهزة الامن المصرية في اجراء حوارات مع الشباب داخل السجون لاقناعهم بالتراجع عن افكار العنف واللجوء الى الدعوة بالكلمة والموعظة الحسنة, وليس بالقنابل والبنادق ، ومن ابرز الحجج التي يفندها الهلاوي الحديث الذي يستند عليه الأصوليون المتشددون في اباحة قتل مدنيين ابرياء خلال عملياتهم المسلحة, حيث يزعمون ان هؤلاء الابرياء. يبعثون على نياتهم وان هناك ضرورة هي ما يسمونه (بالجهاد ضد الطواغيت) , وقد اعد الهلاوي دراسة حول هذه الفتوى مؤكدا ان هذا الحديث مقطوع عن سياقه ولا يجوز استخدامه لتوصيف هذه الحالة او اصدار فتوى لقتل الابرياء, لان نص الحديث هو (بمعناه) (يغزو جيش الكعبة, فيخسف بأولهم واخرهم, فقالوا يارسول الله, يخسف بأولهم وآخرهم وفيهم السوقة والعامة, قال: يخسف بأولهم وآخرهم ثم يبعثون على نياتهم) ويؤكد الهلاوي في رده ان منهج العنف يرجع في أساسه إلى هذا الاجتزاء للاحاديث النبوية والتفسيرات القرآنية وتطبيق فتاوى السلف الصالح في غير موضعها وسياقها الفقهي الصحيح .
ومن ابرز العائدين للمجتمع أيضاً من القيادات السابقة , احمد راشد, وهو أحد أشهر مؤسسي تنظيم الجهاد في مصر , وكان المتهم الرئيسي في قضية إحياء تنظيم الجهاد عام 1987 في القضية رقم 462 لسنة 87 حصر أمن دولة عليا ,ونسبت له النيابة العامة حينئذ اتهامات التخطيط لقلب نظام الحكم في مصر بالقوة والانقلاب على الدستور والقانون في البلاد, وحاول راشد الهرب من السجن عدة مرات عن طريق ارتداء ملابس امرأة بالنقاب لكن أجهزة الأمن في السجون كانت تجهض تلك المحاولات كل مرة , وكان راشد قد أعلن عدوله عن انتهاج العنف إبان عهد وزير الداخلية المصري السابق حسن الألفي .
يبقى السؤال الأهم والأبرز قائماً : هل سيعودون للعنف ؟
والمثير أن هناك إجماعاً من جانب كل الأطراف ، الإسلامية منها أو الرسمية أو حتى المراقبين بأن هذا لن يحدث ، فقد حسم هؤلاء العائدين خيار العنف تماماً& ، بعد أن تراكمت خبرات وتجارب مريرة وعميقة .. وصلت بهم لحسم تلك القضية لصالح التعايش مع المجتمع في أمن وسلام ، لكن عبارة واحدة سمعتها من أحد العائدين ظلت ترن في أذني طيلة الوقت قال : "لا ينبغي على الدولة التعامل مع الإسلاميين بمنطق المنتصر بالضربة القاضية فلا يقبل أن يكون الوطن في حالة خصام مزمن مع أبنائه المواطنين ".