حسام

القاهرة- نبيل شرف الدين: ثمة هوامش لا حصر لها على دفتر السلام البارد بين مصر وإسرائيل، وأبرز هذه الهوامش هو ملف المصريين العاملين بإسرائيل، حيث تطالعنا حكايات أغرب من الخيال، لكن تبقى حالة الشاب حسام عبد الباقي هي الأكثر مأساوية.. فهو لم يكتف بالزواج من إسرائيلية يهودية تكبره بعشر سنوات ، والتخلي عن جنسيته المصرية مقابل الحصول على جنسية إسرائيل، بل غير اسمه من حسام إلي حاييم .. هذه باختصار لا يحتمل المقدمات قصة حسام كما سمعتها من زملاء له زاروا إسرائيل ، وكان مهماً أن اتصل به هناك حيث يعيش منذ سنوات، وجاء صوته
حانقا يتحدث عن رواية مختلفة تماما عما سمعته في مصر حول سفره وزواجه وحياته في إسرائيل.
كانت جرأته أكثر ما يميز نبرات صوته وطريقته في الرد على الأسئلة، طريقة كلامه تحمل ثقة مفرطة ، لغته عفوية .. ومفرداته حادة تتجاوز أحيانا حدود اللياقة ، لكنه سرعان ما يتنبه لذلك فيتراجع بذكاء مبرراً الأمر بأنه "رجل لا يحب اللف والدوران" ، على حد تعبيره .
سألته عن قصة سفره لإسرائيل فأتت كلماته تحمل تفاصيل أغرب من كل خيال .. قال :
بعد أن حصلت علي الثانوية العامة تقدمت للالتحاق بالمعهد الفرنسي وأتقنت اللغة الفرنسية وعملت في مجال السياحة أكثر من عشر سنوات.. سافرت إلي سانت كاترين لمدة ستة شهور عدت بعدها للإقامة في القاهرة.. بعد معاهدة السلام.. كانت هناك أفواج سياحية تأتي من إسرائيل.. ومن خلال عملي كمرشد سياحي في إحدى الشركات السياحية تعاملت مع الإسرائيليين وتعرفت بحكم عملي أيضا علي يهودية إسرائيلية تعمل مرشدة سياحية كانت مسئولة عن إرسال الأفواج السياحية إلي مصر وتوطدت علاقتنا وقررت الزواج منها.. كانت في البداية "إنسانة كويسة" لم أتردد في زواجي منها وتزوجنا بالفعل في العام 1989 ، وأنجبت طفلين عمرهما الآن سبع وست سنوات هما بالطبع يحملان الجنسية الإسرائيلية وأنا أيضا أحمل الجنسية الإسرائيلية.
وهل تخليت عن جنسيتك المصرية ؟
لا تصدق كل ما يقال لكم في مصر عني .. فهناك كثير من المغالطات .. وأنا لم أخط أي خطوة إلا بعد اتصالي بالجهات المسئولة.. وكان زواجي في الشهر العقاري داخل مصر ، وبعد أن طلبت التحري علي زوجتي وبعد شهرين من التحريات تمت الموافقة علي زواجي منها .
إذا كان الأمر هكذا ، فلماذا غيرت اسمك إلي حاييم ؟
لأنني أعيش في تل أبيب وسط اليهود واسمي العربي لابد أن يعرضني للاضطهاد من جيراني الذين يرفضون أن يعيش عربي وسطهم لذلك غيرت اسمي حتى لا أكشف عن هويتي.
وماذا عن طفليك آدم وإيلي ؟
هما يحملان بالطبع الجنسية الإسرائيلية لكنهما يتكلمان العربية وينشأن علي عادات عربية.
لكن كيف يمكن لزوجتك اليهودية الإسرائيلية أن تربي أولادك على&عادات عربية ؟
أولا هي عربية الأصل فعائلتها مغربية.. ومن ناحية أخري لو كنت شعرت بأي نقطة سيئة فيها كنت طلقتها فورا فمعروف عني أنني أعشق النساء والفلوس والشرب.. الكل عارف عني ذلك
لكنني عرفت أنك طلقتها بالفعل؟
نعم أنا طلقتها عام 1993 وأيضا في الشهر العقاري بمصر لكن بسبب أننا لم نتفق في طباعنا وهذا ما يحدث كثيرا بين أي زوجين .. من أي جنسية أو دين .
وأولادك؟
يعيشون معها الآن لكنني أزورهم باستمرار .. وأشارك في الإنفاق عليهما .
سمعت أنهما اعتنقا الديانة اليهودية .. هل هذا صحيح ؟
لا طبعا.. من قال لك ذلك .. هما مسلمان فالأبناء يرثون ديانة أبيهم..
لكن في الديانة اليهودية تمنح الأم ديانتها لأبنائها
أنا أولادي مسلمون.. وأنا مسلم لم أتهود ولم أتخل عن ديانتي ولا حتي جنسيتي. وكي تتأكدي من ذلك ارجع إلي والدي الحاج علي عبد الباقي وسوف يقدم لك الأوراق التي تثبت صدق ما أقوله.
هل مازلت تحمل جواز سفر مصريا؟
أنا أعيش منذ 18 عاما في إسرائيل وأحمل بالطبع جواز سفر إسرائيليا ولا أحمل جوازاً مصرياً .. لكن هل من الممكن أن تساعدني لاسترداد جنسيتي المصرية والتخلي عن الجنسية الإسرائيلية
لكن هذه ليست مهمتي
وماذا أفعل في هذه الحالة .. أنا مضطر لحمل جواز السفر الإسرائيلي ليساعدني علي السفر والتنقل بسهولة .. وهناك كثير من المشاكل تعرض لها شباب مصريون بسبب زواجهم من إسرائيليات.. فالسلطات المصرية تمنعهم من السفر وترحل زوجاتهم من مصر .
ربما تكون لتلك الإجراءات مبررات سياسية أو أمنية
ولماذا إذن تركونا نسافر من البداية.. وبعد أن وافقوا لنا علي السفر والزواج حاولوا الآن منعنا.. لو كنا نعرف هذه المشاكل ما كنا فكرنا في السفر.
هل أنت نادم علي السفر لإسرائيل؟
أنا نادم علي ما تعرضت له من تشويه.. قالوا عني أنني تهودت وتخليت عن جنسيتي وهذا كله غير صحيح ، فأنا لم أزل وسأظل مسلماً مصرياً عربياً .
في أثناء تصاعد الانتفاضة الآن.. هل يمكن أن تصف لي مشاعرك ؟
أنا لا دخل لي بأمور السياسة.. أنا إنسان بسيط عايز أعيش في حالي لا يهمني إلا حياتي فقط لكن إذا كنت تسألني عن رأيي فيما يحدث فأري إن إسرائيل تريد سلاما بطريقتها يعني هي تريد سلاما بشرط عدم التنازل عن القدس وطبعا ده شرط مستحيل لا يمكن أن يقبله العرب .
حيال ما يحدث هل فكرت في العودة إلي مصر؟
هذه أمنيتي.. نفسي أعيش في مصر مع أولادي.. هذه بلدي ولدت فيها ولن أدفن إلا علي أرضها
وهل توافق أمهما علي ذلك؟
هي تتمنى أن تعيش في مصر.
لكنك طلقتها
أردها مرة أخرى لعصمتي ، مفيش مشكلة .. أنا بأخذ الأمور ببساطة دائماً .
وماذا لو رفضت؟
ليس هناك مشكلة سأعود وحدي إلي مصر.
وتترك أولادك؟
وماذا أفعل.. أنا أخطأت عندما تركت أهلي وناسي وحملت الجنسية الإسرائيلية وهي في نظركم غلطة لكنني لم أنتبه إليها خاصة بعد أن وافقوا لي علي السفر.. لكنني أريد أن أصحح أخطائي .
هل تعتقد أنه من السهل قبول ذلك؟
سأقول لك الحقيقة زوجتي لم تعد يهودية .. زوجتي أسلمت ، وأولادي مسلمون ولن أحكي لك التفاصيل اتصل بوالدي في مصر ، واعرف منه الحقيقة .
ابني ضحية
وهكذا أنهى حسام أو حاييم مكالمته معي على هذا النحو المفاجئ ، وكان عليٌ الاتصال بأسرته في مصر، لمعرفة التفاصيل.. اتصلت فرد والده الحاج علي عبد الباقي ، وأتت كلمات الرجل مقتضبة ، مفعمة بالأسى .. قال :
لم أكن موافقا علي هذا الزواج.. رفضته بشدة عندما عرض عليٌ حسام رغبته في الزواج من الإسرائيلية "شيئولا يوسف الملام" ، ليس فقط لفارق السن الكبير بينهما فهي تكبره بعشر سنوات لكن لأنها إسرائيلية ويهودية ، ولو كانت من عرب إسرائيل لهان الأمر .. ضربته وكدت أفقأ عينه.. لكنه كان صغيرا عنيدا، كان عمره وقتها 20 عاما وكانت هي أكملت الثلاثين ويبدو أن تأثيرها عليه كان شديدا فصمم علي الزواج منها ، خاصة بعد أن أشهرت إسلامها بالأزهر.. وتم توثيق الزواج بالشهر العقاري ومعي صورة وثيقة الزواج ومثبت في خانة الديانة أنها مسلمة.
ربما هدأ ذلك من غضبي قليلا وسمحت لابني في الإقامة معي.. لكنني في داخلي كنت أرفض أن تعيش في بيتي إسرائيلية .. لذلك لم أتحمل طردته وطردتها وألقيت بملابسهم خارج منزلي.. وكان هذا التصرف من جانبي خطأ كبيراً ، وأشعر بالندم أنني أقدمت عليه ، لأنني منحت زوجة ابني الفرصة في التأثير عليه وإقناعه في السفر لإسرائيل بعد طردهما من بيتي ..
لكن حسام تنازل عن جنسيته المصرية
لا تصدق ذلك ، فابني لم يتنازل عن جنسيته.. ما حدث كان نتيجة صغر سنه وجهله بالقانون وتحايل زوجته عليه فالحكاية أنه عندما سافر تحايلت زوجته عليه وجعلته يوقع علي أوراق وكان وقتها يجهل العبرية وعليه تم حصوله علي الجنسية الإسرائيلية وعندما علم تشاجر معها لكنه لم يكن يعلم أن القانون المصري ينص علي ضرورة إبلاغ من يريد الحصول علي جنسية أخري إلي جانب الجنسية المصرية الجهات المسئولة خلال ستة شهور فإذا لم يتم ذلك سقطت عنه الجنسية المصرية وهذا ما حدث لحسام نتيجة جهله بالقانون هو لم يعلم بإسقاط جنسيته إلا من خلالي عندما أرسلوا خطابا عن طريق البحث الجنائي وقتها عرفت أن ابني تنازل عن الجنسية المصرية وأخبرته بذلك فثار وسخط علي زوجته وربما يكون ذلك من أكبر الأسباب التي أدت إلي انفصاله عنها.
ولماذا لم يحاول أن يوضح للسلطات المصرية حقيقة ما حدث له ؟
حاول أكثر من مرة أثناء تردده علي مصر كما منحني توكيلا شخصيا خاصا يؤكد استعداده للتنازل عن الجنسية الإسرائيلية واسترداد الجنسية المصرية والرجوع إلي مصر نهائيا وتقدمت بناء علي هذا التوكيل للجهات المسئولة وتقدمت بالتماس لوزير الداخلية وقتها أكدوا لي أنه من الصعب استرداد الجنسية إلا بعد مرور خمس سنوات.. وانتظرت السنوات الخمس وتقدمت بالتماس آخر وطلب آخر لكنهم لم يردوا عليٌ حتى الآن.
رغم اعتراضك علي زواج ابنك في البداية ، لكنك سافرت إليه لاحقاً في إسرائيل ، فهل تغير موقفك ؟
لم يتغير فأنا مازلت أرفض السفر لإسرائيل وزواج ابني من إسرائيلية ، لكني سافرت لأرى ابني واصطحبت معي أمه ، لا تتخيل إحساسها وهي بعيدة عنه ، لقد أصابنا بعده بالمرض ونخشى الموت وهو بعيد لقد دفع ثمن خطئه من عمره الذي قضاه هناك.. ومن أولاده وهو مستعد للتخلي عنهم إذا كان هذا ثمنا لرجوعه إلى وطنه .
ألا ترى أن قصة حسام غريبة ؟
هذا قدره ، لكنه بالطبع يريد أبناءه ويصر علي تربيتهم وتنشئتهم على عادات مجتمعه المصري وتقاليده وأحكام دينه الإسلامي .. وعموما فإن القانون يعطي للابن الحق في ممارسة حياته بالشكل الذي يريده إذا بلغ سن 17 سنة.
هل رأيت أحفادك؟
نعم عندما زرت ابني في إسرائيل.. لكن دعني أصارحك أنا لم أشعر بهم ، فقد كانوا بالنسبة لي غرباء .. أنا أريد أن يأتي ابني في مصر ويتزوج مصرية وينجب أولاده وسطنا قبلها أريده أن يذهب إلي بيت الله ليحج ويتطهر من الدنس الذي لحق به .
أستشعر من حديثك كراهية لزوجته الإسرائيلية
بالطبع أكرهها جداً ، فهي خطفت ابني مني وهي مخلوقة شرسة طماعة حتى بعد انفصالها عن ابني تستنزف كل أمواله .. ويكفي أنها خدعته وتعمدت إتلاف جواز سفره المصري وتحايلت عليه للحصول علي الجنسية بتوقيعه علي أوراق عبرية يجهل محتواها.
وهكذا تبدو دائما هذه الصفحة من ملف المصريين في إسرائيل غريبة .. متناقضة .. شائكة.. ولا تعليق ..