(1)

ظل النائب طوال العشر سنين الماضية وهي عمر البرلمان الفلسطيني المسمى بالمجلس التشريعي يقيم بعيدا عن دائرته التي انتخب نائبا عنها، وظف أقاربه ومريديه عندما أصبح وزيرا، تعالى على الناس الذين يفترض انه يمثلهم، ولم يقم بزيارة المناطق التي نالت منها جرافات الاحتلال ودباباته وشردت أهلها، ولم يتردد بالسخرية من فئة هامة من شعبه وازدرائهم، ولم يتورع عن أكل المال العام علنا وعلى رؤوس الأشهاد، وتعامل مع طالبي التراخيص أثناء وجوده في الوزارة بمبدأ "أعطوني نسبتي أو حصتي أو مبلغا مقطوعا!"، وكان يسمع انتقادات الناس له فيزداد غرورا وعجرفة ولا مبالاة!

حين سمع وتأكد أن عقد جولة انتخابية جديدة بات وشيكا لأنه قد طال الانتظار وصبر الشعب عليه وعلى أمثاله قد استطال، أسرع إلى دائرته التي لا يعرفه سكانها وأخذ بعقد اللقاءات المفتوحة والمغلقة وعاد إلى أسلوب الكولسات والوشوشات مع هذه الحارات وتلك العائلات وقال بتلميح يشبه التصريح:"أنا ولا أحد غيري من يستحق أن ينتخب مرة أخرى!"، ولما طفح الكيل ببعض المواطنين الغاضبين من سوء أدائه الذي طال عليه الأمد،رد بمزيد من الغطرسة بأنه من وظف العديد من أبناء الدائرة التي انتخب نائبا عنها وأنه صاحب الفضل في المشروع الفلاني والبرنامج العلاني،وأنه صرخ في وجه الرئيس الراحل عرفات محتجا ومنتقدا للفساد،وأنه رأس الحربة ضد سوء الإدارة..لم يصدق أغلب الحضور ولا من سمع بهذه اللقاءات ادعاءات النائب المحترم، فقرر تغيير أساليبه -لا سيما وأن استطلاعات الرأي الغير مفبركة أشارت إلى خسرانه المنتظر خسرانا مبينا- وسعى للتحريش بين العشائر والعائلات ومراكز القوى والمنتديات والفعاليات و"رش" على بعض ضعاف النفوس حفنة من "الشيكلات" وعلى بعض القبضايات حفنة من الدولارات،وهنا أخذ بعض الذين مردوا على النفاق وجبلوا على الرياء يكرمون مثواه عند حضوره لا حبا به ولا رضا عن أدائه بل طمعا بما ينفقه من مال ليس من حرّ ماله،وأخذ النائب المتغطرس يتظاهر بالتواضع ويتصنع سعة الصدر واستماع الرأي المخالف،محاولا ستر طباعه المنافية لهذه الشيم إلى حين ضمان الفوز في يوم الانتخابات الموعود،واعترف النائب أن لديه أخطاءا وأن هناك جوانب قصر بها كأي إنسان لأن كل ابن آدم خطاء وجل من لا يغفل ولا يسهو..ووعد بإصلاح ما بدر منه!

(2)

هذا حال معظم نواب المجلس التشريعي الفلسطيني الذين يجلسون على كراسيهم منذ سنة 1996م والعديد منهم حصلوا ما بين الفينة والأخرى على مقاعد وزارية، راتب الواحد منهم ثلاثة آلاف دولار أمريكي شهريا، عدا عن النثريات والسيارات وبدل حضور الجلسات،إنجازاتهم تقترب من اللاشيء اللهم إلا لخاصتهم من أقارب ومحظيين أو عناصر تمتلك ما يمكن أن يؤذيهم،وقرب هؤلاء النواب من عامة الشعب خاضع لأجواء الانتخابات ولهذا كثرت اللقاءات في المراكز والنوادي مؤخرا،ينتقل النواب من بلد إلى آخر بمنتهى الحرية ويحصلون على العلاج في أفضل مشافي أوروبا على نفقة السلطة طبعا،ورواتبهم التقاعدية مضمونة لكنهم يصرون إصرارا عجيبا على "ضرورة" إعادة انتخابهم من جديد لأن السنوات العشر ليست بالمدة الكافية للحكم عليهم،وأننا كشعب فلسطيني إذا لم نعد انتخابهم فإن القدس ستخضع للتهويد وسيهدم المسجد الأقصى وسيضيع حق العودة،وسيتغوّل الاستيطان الذي حالوا بجهودهم ونضالاتهم دون توسعه خلال وجودهم في المجلس...!

(3)

والصورة هكذا أقول أن المرء الذي يجرب مجربا فعقله مخربا وكفانا تدهورا،والسادة النواب أخذوا فرصتهم وزيادة،وهنا لا أنكر وجود نواب في المجلس التشريعي كانوا وما زالوا مثالا للإخلاص لشعبهم ووطنهم،ويتمتعون بحسن الأخلاق ونظافة اليد،الشعب يعرفهم وهم أقل من القلة بقليل!..والشعب بخبرته الطويلة يعرف البقية الكثيرة التي تريدنا أن نجرب ما قد جُرب...فقط صندوق الاقتراع سيحكم على خراب عقولنا من عدمه!

،،،،،،،،

سري سمور

عضو تجمع الأدباء والكتاب الفلسطينيين

جنين-فلسطين

تشرين أول(أكتوبر) 2005م

رمضان 1426هــ