الحلقة الأولى

بعد كل عملية إرهابية تحدث هنا أو هناك يبدأ الخبراء والناطقين الرسميين للدول بالتحدث الى وسائل الإعلام عن موضوع الحدث كل من وجهة نظره وتبدأ دائرة الإتهامات تتسع لتصب في خانة واحدة تقريباً وهي تنظيم القاعدة أو أي تنظيمات إسلامية سواء كانت تابعة أو مستقلة وعلى الرغم من ذلك.

فإن الأعمال الإرهابية في تزايد مستمر خصوصاً بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م، ففي الأمس القريب هزت ثلاث إنفجارات منتجع بالي الأندونيسي وحصدت أرواح إثنان وثلاثون شخصاً كحصيلة أولية ويرجح أن ترتفع كما هي العادة في أي عمل إرهابي وكأن الدول إتفقت على سياسة إعلامية واحدة بالتقليل من حجم الخسائر الأولية ومن ثم تبرز وسائل الإعلام الخاصة بالتحدث تفصيلاً عن الخسائر البشرية والمادية وتبدأ الأخبار تتسرب من أصحاب المواقع التي تعرضت للتفجيرات الإرهابية ومن أهالي المصابين أو القتلى.

كما أن الخبراء وكأنهم على موعد وإتفاق على إتهام الجماعات الإسلامية الأمر الذي يحدث مزيداً من الكره والحقد عليها لأن مايختزنه العقل الباطن لهذا الإنسان بمجرد سماعه لأخبار التفجيرات التي تحدث في أماكن مختلفة من العالم تخلق عنده القناعة العقلية حتى لو قاوم هذه القناعة فالأمر قد إنتهى الى عقله الباطن.

والمتتبع للأعمال الإرهابية والتي تحدث بين الحين والآخر يجد أنها في الغالب تصيب المنتجعات السياحية بشكل عام ومراكز التسوق السياحية والمطاعم السياحية والفنادق وغيرها من مراكز تجمع السياح سواء مراكز التنقل وقطارات الأنفاق وحافلات الركاب أو الطائرات.

ويرى المحللون إن إستخدام الإرهابيين لهذه الوسائل وهذه الأماكن إنما يدل على أكثر من شيء وهي سهولة الوصول الى تلك الأماكن وإنها في الغالب مكتظة بالناس ولكن تحديداً لماذا يضرب الإرهابيون تلك المنتجعات بشكل خاص ؟

إن هناك أهداف مرسومة ومدروس نتائج تأثيراتها السلبية سواء على الإقتصاد الوطني للدول التي تحدث فيها تلك التفجيرات أو على التوجه العام للناس وكأنما الرسالة التي تريد أن ترسلها تلك الجهة التي تخطط وتنفذ لمثل تلك الأعمال الإجرامية هو الإعتراض على طبيعة هذه الأماكن السياحية.

على مايبدوا أن هناك أكثر من عامل إرتباط لتوجيه اللوم والإتهام للجماعات الإسلامية وبدون أدنى تحفظ على هذه الإتهامات، ومنها أن كثير من الجماعات الإسلامية من واقع ثقافتها ترفض أي ثقافة للعري والفساد حتى ولكأنك تجد معظم الإسلاميين يتحدثون بلا إستثناء عن إنتشار الفساد في البر والبحر والجو يطلقون هذه العبارات الجزافية دون أدنى وازع سواء ديني أو إنساني.

ويبدوا أيضاً أن تلك الأماكن تعتبر أكثر الأماكن إكتظاظاً بالناس فهي هدف لإحداث أكبر قدر من الخسائر البشرية ومن فئة يعتقد أنها أكثر ثراء من الفئات الأخرى في المجتمع.

المتتبع لدراسة السيرة الذاتية للمتهمين بالقيام بمثل تلك الأعمال الإجرامية نجد أنها من فئة الشباب المتحمس دينياً والفقير مادياً والمنبوذ إجتماعياً إلا النادر من هؤلاء والذين بالتأكيد قد تأثروا بأفكار هدامة ناقمة على المجتمعات الإنسانية بشكل عام.

ويرجع هذا من وجهة نظرنا في القصور الذي يتمتع به كثير من علماء المسلمين في الدفاع عن قضية قتل النفس البشرية بشكل عام أياً كانت ديانتها او توجهها الفكري أو العقدي.

الأمر الذي يستدعي إعادة النظر في كثير من المفاهيم وأن يكون هناك منهج فكري إسلامي جديد يتبنى أفكار عصرية وهي مسؤولية إسلامية إجتماعية قبل أن تكون مسؤولية أمنية عالمية لأن رسالة الإسلام العالمية يتحتم عليها القيام بمقاومة أي عمل إرهابي يصب في خانة قتل النفس البشرية التي حرم الله قتلها إلا بالحق.

كما أن من مسئولية علماء الأمة أن لايكلوا وأن لايملوا في الحديث والشرح والتأثير والمناظرة لأصحاب الفكر المتشدد والذي ينتهج القتل والتدمير منهجاً حياتياً له وكأنما عدنا الى العصور القديمة بتبني شريعة الغاب القوي يقتل أو يأكل فيها الضعيف.

إن الحديث عن ثلاثة إنفجارت وقعت بالأمس في منتجع بالي السياحي بأندونيسيا لهو جريمة نكراء بحق الإنسانية لما أسفر عن مقتل النفس البشرية وإحداث الخسائر المادية التي تؤكد حتما على إنحدار قوة الإقتصاد الإسلامي بشكل عام وخصوصاً في بلد إسلامي يتمتع بكثافة سكانية إسلامية هائلة على مستوى العالم.

ومن بين الضحايا عدد من السياح الأجانب ومن رشح من معلومات عن جنسياتهم حتى حين إعداد هذا المقال هم من السياح الأمريكيون والأستراليون واليابانيون والكوريون.

كما دلت المعلومات الأولية عن تفجيران إستهدفا مطعمين للمأكولات البحرية على شاطيء "جيمباران" بينما استهدف الثالث مطعما في ساحل كوتا في منطقة تزدحم بالمحلات التجارية، وكما ذكرنا سابقاً أن الإتهامات الأولية توجه ضد الجماعات الإسلامية وخصوصاً أن هذه الهجمات توجه في الأصل ضد أهداف غربية كما دلت بيانات السنوات السابقة المتبادلة حول الإرهاب والعمليات الإرهابية.

وإذا بدأنا ندرس ردود الفعل والتنديد بالعمليات الإرهابية نجد أن الرئيس الإندونيسي سوسيلو بامبانج يودويونو قد ندد بالهجمات التي وقعت بشكل شبه متزامن ووصفها بأنها إرهابية، كما أفاد "من الواضح أنه عمل إرهابي،سوف نمسك بمنفذيه ونعاقبهم".

إلى ذلك اعتبر الخبير في شؤون الإرهاب بمعهد الدفاع والدراسات الاستراتيجية في سنغافورة روهان غونارتنا إن تنظيم الجماعة الإسلامية الإقليمي يستطيع وحده تنفيذ اعتداءات مماثلة لتلك التي ضربت أمس جزيرة بالي.

أما وزير الخارجية الأسترالي الكسندر داونر قد قال "الأمر يتصل عمليا ومن دون شك بهجوم إرهابي، ويمكننا القول إنه هجوم نفذته منظمة على غرار الجماعة الإسلامية".

لكنه تدارك في المقابل أن لا دليل واحدا حتى الآن على ذلك ولم تتبن أي جهة هذه الاعتداءات.

أما فرنسا فقد عبرت عن تأثرها الكبير ودانت بحزم شديد الاعتداءات، وتبعها بعد ذلك الأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان الذي ادان الانفجارات وأعرب عن "ذهوله" لأن تكون بالي مرة أخرى هدفاً لاعتداءات إرهابية.

ودانت وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس الاعتداءات وقالت إن "الولايات المتحدة تقف إلى جانب الشعب الإندونيسي وحكومته اللذين يعملان لإحالة المسؤولين عن هذه الأعمال الإرهابية إلى القضاء. وسنواصل العمل معا لمكافحة الإرهاب". وقالت إنه ليس في وسعها أن تؤكد حتى الآن وجود أمريكيين بين القتلى.

ووصف وزير الخارجية الأيرلندي درموت اهيرن الاعتداءات بأنها "بربرية"، وقال إنه لا سبب يبرر تلك الأعمال الوحشية.

"الجهات الأجنبية" تعتبر من الإفتراضات والمصطلحات التي تطلق جزافاً على من قام بالأعمال الإرهابية وكلمة "الأجانب" هي شماعة تعلق عليها كثير من الدول أخطائها وكأن هذا المواطن من ضمن شعب الله المختار والذي هو نفسه يعتبر في دولة أخرى أجنبي ومن الأغيار وعليه لابد من التحفظ على كلمة "أجنبي" وإتهام "الجماعات الأجنبية" إذا أردنا أن نواجه الحقائق بموضوعية ونزاهة.

وبدأت الحكومات بإطلاق يد رجال الإستخبارت لمزيد من البحث والتحري عن العمليات الإرهابية للتنبؤ بها قبل وقوعها أو لتعقب المجرمين لإلقاء القبض عليهم سواء من كان منهم مطلوباً أو مشتبه به أو متورط بعملية أخرى.

وبدأت الدول تعلن عن لوائح من الجماعات والتنظيمات الإسلامية التي وضعت على لوائح الإرهاب والتي يتم إيداعها في هيئة الأمم المتحدة ليتم العمل على إعلانها رسمياً وإبلاغ الدول بالقيام بتجميد أموالها ومنع المنتمين لها من السفر وتبادل المعلومات عن هذه المنظمات والأشخاص الذين ينتمون إليها أو يديرونها حتى لدرجة أن هذه الدول بدات تعتمد هذه اللوائح رغم عدم وجود أدلة كافية في تورط كل هذه الجماعات وتعدى ذلك أيضاً الى المدارس الإسلامية والمعاهد والجامعات الإسلامية في بعض الدول ويأتي في إطار الحرب التي تخوضها الدول ضد الإرهاب تحت مظلة الأمم المتحدة.

من جهة أخرى بدأت أجهزة الإستخبارات العالمية ترفع تقارير الى حكوماتها تتهم فيها المسلمين وتنعتهم "المسلمين المتطرفين" بإعتبارهم يشكلون اليوم التهديد الرئيسي للعالم بعد أن تبين أن هناك قواعد للتدريب بل ومعسكرات منتشرة في شتى ارجاء العالم كان الأساس في أفغانستان وبعد الحرب الأفغانية إنتشرت هذه الجماعات في مختلف دول العالم وكأنها تبعثرت ولكنها أعادت تنظيم نفسها من جديد على شكل خلايا هلامية مستقلة وتابعة تؤمن بالفكر التنظيمي والديني لتنظيم القاعدة الذي كان مقره الرئيسي في أفغانستان وأصبح الآن في كل مكان.

كما لايخفى على الجميع أنه بعد كل عملية إرهابية تبدأ الدول في إتخاذ إجراءات جديدة ضد الإرهاب وسن قوانين بهدف تسهيل الملاحقات القضائية حتى وكأننا مقبلون على قوانين صارمة ومحاكم تفتيش وعودة العالم الى بوتقة قوانين الطواريء التي إشتهرت بها دول العالم الثالث وكأنما دول العالم الثالث بدأت تجر العالم المتقدم الى الخلف لتعيق سرعة تقدمه ولهذا ينبغي على دول العالم المتقدم أن تتنبه لمثل هذا الأمر الذي يستدعي إيجاد نوع من التفاهم مع دول العالم الثالث وتأخذ بيديها لتخطي حواجز التخلف والإنطلاق سوياً في شراكة لقيادة العالم نحو التقدم الإقتصادي والمعرفي لعمارة الأرض التي نعيش عليها لينتهي إرهاب المنتجعات السياحية.

مصطفى الغريب – شيكاغو