فوبيا البطالة... وبراءتها من التهم الموجهة إليها

كُتب في هذه الصفحة تحديداً، الثلثاء الماضي، مقال بعنوان "التحرش الجنسي... والبطالة في السعودية". كان كاتب المقال أباً لشاب على الأقل، يبحث عن وظيفة منذ سنوات، بحسب ما ورد في مقاله. يقول الأب: "أنا خائف من أن البطالة التي يعاني منها أبنائي وبقية العاطلين عن العمل، ستقودهم إلى الطريق نفسه الذي سلكه هؤلاء الجناة أو أكثر"! ويقصد بالجناة شباناً أربعة حاولوا "اغتصاب فتاتين" في طريق النهضة في الرياض. طالب الأب بتطبيق القرارات الصادرة أخيراً من وزارة العمل بحذافيرها لإحلال المواطن السعودي مكان غير السعودي!

كان الاعتقاد قبل سنوات عدة أن مجرد التحاق الأبناء بالجامعة سيضعهم على سكة العمل والفرص الذهبية. لكن، ظهر فيما بعد أن التخرج من الجامعات لا يكفي للحصول على وظيفة، وهذا الأمر لا ينحصر بالسعودية فقط بل ينتشر في كل دول العالم. وعلى رغم ذلك يتفاقم القلق والخوف من "البطالة" بين العائلات السعودية، حتى أنه دفع البعض إلى ربط الأعمال الجنائية والإرهابية بالبطالة، وعلى رأس هؤلاء "البعض" إعلاميون إلى جانب الأمهات والآباء!

وإذا كان هناك من لا يصدق التقرير الحديث الصادر عن مصلحة الإحصاءات العامة السعودية والذي يشير إلى أنّ نسبة البطالة 8.5 في المئة من إجمالي قوة العمل الوطنية، فتشير مصادر مثل منظمة الـ BBC البريطانية إلى أنّ النسبة تتراوح بين 15 إلى أكثر من 20 في المئة. والسؤال على أي حال ماذا لو كانت هناك نسبة بطالة في السعودية؟ هل يشكل ذلك رعباً، بغض النظر إن كانت تتراوح بين 8.5 و20 في المئة؟

يؤكد تقرير منظمة العمل العربية - نُشر في مارس 2005 - أنه لم تعد هناك دول عربية محصنة ضد البطالة، حتى دول الخليج العربي نفسه، إذ يبلغ معدل البطالة في سلطنة عُمان 17.2 في المئة، وفي قطر 11.6 في المئة، وفي السعودية نحو 15 في المئة... ولا يختلف الوضع في بقية الدول العربية كثيراً، إن لم يكن أسوأ من ذلك بكثير.

ربما يقول شاب عاطل عن العمل: "نحن دولة منتجة للنفط وغنية ونختلف عن الدول الأخرى ولا نقارن بهم"! إذاً هل ذلك يعني أن نصرف كل مدخولات النفط على "جوالات" باهظة يشتريها شبان ويغيرونها كل شهر؟ أم نحرقها على سيارات فارهة يستأجرونها لمجرد المتعة والاستعراض؟ أم نُسدد بها فواتير هواتفهم المحمولة وثمن ساعات كثيرة يقضونها ملتصقين بالجوالات؟ اسألوا الشبان فاللائحة طويلة... وربما لا يتجاوز مرتب من يمارس هذه التصرفات أربعة آلاف ريال، بل ويشتري محمولاً قيمته ثلاثة آلاف!

أما إذا أراد أحد أن نقارن أنفسنا بالدول الأوروبية ونسبة البطالة هناك، ورفض المقارنة بالدول العربية فأقول: صحيح أن نسبة البطالة في بريطانيا نحو 2.8 في المئة - النسبة تتغير شهرياً، وذلك بحسب مكتب الإحصاءات الوطني البريطاني، لكن هذه النسبة أقل مما هي عليه في فرنسا، بحسب شيراك نفسه الذي أشار إلى ذلك بعد انتزاع لندن من باريس شرف استضافة الألعاب الأولمبية 2012. والشاهد هنا ليس نسبة البطالة الضئيلة في بريطانيا وفرنسا، بل استدراك شيراك: "إنه في ضوء العناصر الكبرى في المجتمع مثل السياسة الصحية ومكافحة الفقر فإن وضع فرنسا أفضل بكثير من البريطانيين". إذاً شيراك لا يعاني من فوبيا البطالة ويرى أن هناك ما هو أهم من البطالة، كالفقر و "الطبابة" - الصحة.

وبحسب مكتب الإحصاء التابع للاتحاد الأوروبي، فمعدل البطالة في منطقة اليورو التي تضم 12 دولة، ظل بين 8.8 و8.9 في المئة منذ مارس (آذار) 2003، ولا يتوقع الاقتصاديون تحسناً كبيرا بسرعة، لأن أصحاب الأعمال يرفضون زيادة عدد العاملين.

وفي مايو (أيار) الماضي كان معدل البطالة في أميركا 5.1 في المئة، بينما بلغ في اليابان 4.4 في المئة. في حين أفادت أرقام المكتب المركزي الإسرائيلي للإحصاءات أن البطالة في إسرائيل بلغت في بداية 2004: 10.9 في المئة، بينما كانت في 1998: 8.4 في المئة، (أي أن النسبة ترتفع)!

ربما يقول أحد الآن: تبقى تلك النسب أقل من السعودية، حتى لو كانت تقترب منها، وحتى لو كان اقتصاد هذه الدول قوي، فنسبة البطالة في السعودية أعلى منها في هذه الدول! فأقول: إن غير السعوديين الذين يعملون في البلاد نحو 6 ملايين، نصفهم عمالة آسيوية تعمل في أعمال لا يقبل بها غالبية السعوديين، ويمكن أن تستوعب ذوي الكفاءات المتدنية. فكيف يمكننا أن نتكلم عن نسب بطالة في الوقت الذي يُستثنى السعوديون من أعمال معينة بينما نرى عمال نظافة في بريطانيا يحملون الجنسية البريطانية، وميكانيكيين أميركيين في الولايات المتحدة...؟

ربما كانت المشكلات التي يجب أن ننظر إليها بعمق هي أهم من البطالة، فهل يعقل مثلاً أن بلداً مثل نيوزيلندا، وهو بلد غير نفطي ولا يوجد به معادن، ناتجه يمثل ضعف الناتج السعودي؟! والنظر إلى مشكلة كهذه تستوجب التفكير في استقطاب أيادي عمل مؤهلة من خارج البلاد واستقطاب استثمارات أيضاً.

وربما يجدر بالسعوديين أن يكون لديهم فوبيا "تأهيل" شبانهم، وفوبيا ضياع الاستثمارات إلى بلدان أخرى مجاورة، لا فوبيا بطالة. فإجبار الشركات الأجنبية والقطاع الخاص في شكل عام، على استيعاب جزء من البطالة - "السعودة"، ربما يدفع شركات أخرى كانت تخطط أن تستثمر في السعودية إلى تغيير خططها والتحول إلى دبي مثلاً. فهذه الشركات لا تريد أن تتحول إلى جمعيات إغاثة أو ضمان اجتماعي لحل مشكلات الباحثين عن الرفاهية لمجرد أنهم سعوديين ودولتهم منتجة للنفط. لا يمكنني أن أجزم أن حمل عبء مرتبات موظفين غير منتجين سبب وحيد لتغيير الوجهة، لكن هذا السبب سيضاف إلى قلق بعض المستثمرين من أنظمة القضاء، خصوصاً "تشتت القضاء" و"ازدواج القضاء" اللذين نُشر عنها الكثير في صفحة قانون في "الحياة". بل إن التضييق على الشركات بضرورة استيعاب السعودي غير المنتج، ربما يدفع السعوديين أنفسهم إلى الاستثمار خارج البلاد.

لست ضد خطط الـ "سعودة"، لكنني ضد إلزام الشركات بتوظيف نسب معينة، وضد فوبيا البطالة، إذ أن ذلك يُوفر مركزاً ومرتباً لموظف غير مؤهل وغير منتج، وبالتالي عالة على الشركة والمجتمع.

من وجهة نظري لا تمثل هذه "السعودة" في شكلها البسيط حلاً، وربما كان الحل (الفانتازي): زيادة مرتب غير السعودي ليساوي مرتب السعودي أو يزيد عنه في المهنة ذاتها. فلو أُلزمت شركة تدفع مثلاً لمهندس كهرباء سعودي 10 آلاف ريال، أن تدفع لغير السعودي الذي يعمل في مسمى الوظيفة ذاتها 10 أو 11 آلاف ريال، لكانت الكفاءة بين السعودي وغير السعودي هي الفيصل. وبالتالي نضمن الإنتاج وعدم تلاعب الشركات باستقطاب غير السعوديين بسبب دني مرتباتهم. أما إذا كان غير السعودي كفي ويقدم للشركة والبلد أكثر ما يمكن السعودي تقديمه، فلمَ لا يوظف السعودي مساعداً له بدل أن يكون رئيساً يستلم مرتباً فقط؟ أما إذا كان السعودي غير مؤهل وليس كفي، فلمَ لا يجلس في بيته ويتقاضى إعانة؟

[email protected]