معظم جلسائي في معظم الأوقات هم من المتقاعدين الذين يشكون باستمرار من الفراغ الذي يقتل أرواحهم. يستغربون دائماً عدم شكواي من الفراغ ويندهشون عندما أؤكد لهم بأن ليس لدي أي فراغ بل إن لدي عجز في الوقت. وما ذلك إلاّ لأنهم يطالعون الصحف المحلية بينما أقرأ أنا " إيلاف ". علي أن أعترف هنا بفضل السيد عثمان العمير الذي بفضل مغامرته الصحفية مكنني من أمسك الزمن بخناقه لا أن يمسكني من خناقي. أعيش العالم لحظة بلحظة وأطالع مختلف أطياف الوعي العربي بكل مفرداتها.
لم يخض العمير مغامرة " إيلاف " بالطبع لمساعدة المتقاعدين من أمثالي للتغلب على الملل في أوقات الفراغ، ولا أعتقد أنه خاضها مستهدفاً عملاً تجارياً مربحاً وهي حتى اليوم تكبده خسائر ليست قليلة كما أفترض. أعتقد أن عثمان العمير وفي لحظة حملته طموحاته إلى أعلى العلا قرر أن يقود ثورة ثقافية تجتذب إلى مداراتها كل الناطقين بالعربية وتقد سجف الظلمة الحالكة الآسرة للوعي العربي. هذا ما تقوم به إيلاف اليوم إتفق معي العمير أم لم يتفق. فتحت إيلاف صفحاتها المضيئة لكل القلقين بالثقافة العربية وبالوعي العربي، ينشرون كل ما لديهم من رؤى وأفكار تقارب مختلف الهموم العربية، ويتفاعلون تفاعلاً نشطاً لم يسبق أن وفرته وسيلة إعلامية غيرها.
ليس ثمة من شك في أن العقل العربي سيبقى مديناً لهذه الثورة الثقافية التي فجرها السيد العمير وسيتعاظم دينه طالما استمرت هذه الثورة الثقافية الكبرى. وهنا لا بدّ من أن ينتبه الطلائعيون من كبار المفكرين والمثقفين العرب إلى أن مشاركتهم النشطة في هذه الثورة الثقافية أمر واجب ومطلوب وعليهم أن يقابلوا مبادرة عثمان العمير بكل أريحية. عليهم أن يشاركوا في الكتابة في إيلاف ودعوة أصدقائهم ومريديهم إلى مطالعة إيلاف يومياً ؛ فمن شأن هذا وذاك أن يمكن إيلاف من تحصل على نصيبها من الإعلانات الأمر الذي من شأنه أن يزيد من حيوية إيلاف ويفعّل رسالتها.
ما يؤشر إلى أن لإيلاف رسالة كبرى تقوم بها هو المستوى الهابط للفكر العربي المعروض في إيلاف. ومثل هذا الهبوط المشين إنما هو ناجم عن غياب الحرية، حرية الرأي وحرية النشر، على وجه الخصوص ؛ ثم غياب الوسيلة التي تؤمن التواصل الشامل بين المثقفين والمفكرين العرب. أما وقد وفرت إيلاف هذين العاملين فليس بعد من حجة تثقل حركة الفكر العربي.
كل من لديهم حس قومي وشعور بالمسئولية الإنسانية عليه أن يساهم في تبديد ظلمات الخطابات الإيديولوجية والغيبية ويحرر العقل العربي من كل القيود القديمة الصدئة التي صفدته بها القوى الرجعية العربية والحكومات العربية في طليعتها.
وأخيراً فإنني ومن هذا المنبر العالي أنادي كل المفكرين العرب لأن يطرحوا كل قضاياهم عل صفحات إيلاف ومناقشتها بأناة وبدقة وبموضوعية ومتابعة تعليقات القراء بالمثل.

عبد الغني مصطفى