البيروقراطية – التعقيدات المكتبية والتعالي علي الجمهور - هي النمل الأبيض القادر علي التهام أساسات البيوت فتنهار..
والبيروقراطية كفيلة بتعطيل جهود أي حاكم مخلص وأي نظام سليم وجاد، والتسبب في انهيار كل ما يبنيه.. لذا فان من أهم مواصفات النظام السليم الجاد، الانتباه لخطر البيروقراطية واعتبار القضاء عليها من أولي خطوات الاصلاح والتغيير.. والا ذهبت كل الجهود المبذولة لأجل الاصلاح أدراج الرياح..
اذ من المستحيل أن تتقدم أمة يستطيع فيها الموظف الصغير أن يحول خمس دقائق يحتاجها المواطن منه لقضاء مصلحته الي 5 أيام.. وممكن 5 أسابيع، وممكن تتحول الخمس دقائق الي 5 شهور.. وممكن تتعطل مصلحة المواطن تماما بعد كل تلك العطلة – الخمسة شهور - ولا يجد الموظف من يحاسبه علي ذلك ولا يجد المواطن من ينقذه من الموظف.. (!!!!)
يستحيل علي أمة أن تتقدم بينما يستطيع الموظف الصغير اضاعة دوسيه لمواطن – أو بيعه..- دون عقوبة لا تزيد عن خصم 2 يومين من أجره.. اذا وقعت عليه عقوبة أصلا..!
وقد عبر عن مثل تلك المصيبة من قبل، فنان الشعب الشاعر الحاضر الغائب بيرم التونسي قائلا :
".. وفيه معاش أرملة..
بتقول يا بو عيالي..
أهو ده النظام اللي خارب كل بيت مالي..
ومركب الفقر أمثالك وأمثالي.. "
صدق فنان الشعب في صرخته تلك.. فأي فقر وافقار أكثر من ذلك يمكن أن يحط علي رأس أمة يحدث بها مثل ذاك العبث دونما رادع أو عقاب ؟!!
ومن عهد عبد الناصر وحتي الآن أ يضا.. اذا اشتكي المواطن موظفا تعالي عليه وأذله ولعب بمقدرات حياته ومستقبله.. لرئيسه مستنجدا به، جحظت عينا الرئيس واصطبغ وجهه بالاستنكار وتتطاير من عينيه شرر الوعيد والنذير..ونهر المواطن الشاكي وزجره بدلا من الزام الموظف بضرورة حسن معاملة المواطن والقيام بواجبه نحوه.. رأيت بنفس وأنا شاب صغير وأعمل موظفا باحدي الجمعيات الزراعية كيف أن، شكوي الفلاحين الي جمال عبد الناصر ضد فساد مدير الجمعية وبعد أن ملوا من الشكوي قبل ذلك للمسئولين حتي درجة الوزير – تعود هابطة الي المسئولين درجة وراء أخري حتي تصل شكواهم تلك ليد مدير الجمعية الفاسد المشكو في حقه لكي يحقق هو ويحكم – وهوالمتهم..- في الشكوي..(!!)
وقرأنا في مذكرات البكباشية، عسكر 23 يوليو 1952 كيف أن الشكاوي التي كانت تصل لرئاسة الجمهورية في عهد عبد الناصر ضد وزارة التربية والتعليم – وزيرها " كمال الدين حسين " - كانت رئاسة الجمهورية ترسل تلك الشكاوي الي الوزارة المشكو في حقها.. وهنا يتعنت الضابط الوزير ويكشر عن ديكتاتوريته ويعيد الشكاوي
كما هي بكبرياء الي رئاسة الجمهورية.. وكأنه يقول لرئاسة الجمهورية نفسها وليس لأصحاب الشكاوي فقط : " لم يخلق بعد من يجرؤ علي تقديم شكوي ضد وزارتي، أو من يتلقي منه مثل تلك الشكاوي.." !!!
ولا يزال ذاك الوضع قائما بمصر حتي الآن منذ أيام العسكري عبد الناصر وحتي العسكري حسني فكلهم عسكر..
ورأيت بنفسي باحدي دول الغرب التي تقدمت وتحضرت وهم بشر مثلنا تماما.. كيف أن الموظف سواء حكومي أو قطاع خاص يسارع بالابتسام في وجه المواطن بمجرد دخوله عليه، ويسارع ويسبق المواطن في تقديم التحية اليه بأدب واحترام لأنه معين لأجل خدمته وليس لاهانته وتضييع وقته وتبديد مصالحه..
ورأيت كيف أن الموظف بعد أن يقدم خدماته للمواطن، وقبل أن يشكره المواطن علي خدماته فاذا بالموظف هو الذي يسارع بشكر المواطن ويودعه بالقول : أتمني لك يوما سعيدا..
مالم يحدث مثل ذلك في مصر فلا امل في اصلاح أو نهوض
ولابد لأي نظام اصلاحي – أو حاكم – جديد سليم من اصدار قانون استثنائي – يعمل به لمدة 5 سنوات - صارم لمكافحة البيروقراطية.. يتضمن أحكام رادعة، لمن يضيع وقت المواطن أو يهينه.. محاكمات سريعة.. للموظف البيروقراطي ورئيسه..، تسريح العمالة الزائدة بكافة الهيئات والمؤسسات ومنحهم تعويض بطالة فوري لحين وضعهم في أعمال حقيقية لا بطالة مقتعة...
الموظف الذي يتعالي علي المواطنين أو يعطل مصالحهم لا يعاقب بخصم أيام.. بل يتم الحاقة باحدي شركات تنظيف الشوارع من القمامة لمدة شهر.. من أهم دواعي نهضة الصين التي كانت بلدا متخلفا أن مثل ذاك الموظف ولو كان مسئولا كبيرا كان يعاقب بارساله للعمل بأحط الأعمال باحدي المزارع العامة ليتعلم التواضع.. لابد من الاستفادة بتلك التجربة الصينية في القضاء علي البيروقراطية والقضاء علي الفساد والمفسدين بالمحاكمات السريعة والعقوبات القاصمة.. كشرط لازم للنهوض..
لابد من أن يرتفع في كل مصلحة ومؤسسة حكومية شعار : المواطن دائما علي حق........ ولابد من جعل لكل شعار يرفع.. ترجمة عملية.. وانهاء عصر الشعارات المكتوبة.. وبدء عصر الشعارات المثبتة في العقول والأذهان،
الشعارات المرفوعة فوق رؤؤس الجميع من أكبر مسئول في الدولة لأقل موظف، ورؤوس كافة المواطنين لا الشعارات المرفوعة فوق الحوائط !!.. يجب أن يبدأ عصر الشعارات المحفوظة في والعيون والقلوب..
لابد من وجود كادر سياسي ( سياسي..) موهوب عقلية وشخصية ديناميكية بكل مصلحة ومؤسسة يمثل الحزب الحاكم ليحمي المواطن من البيروقراطية ويرقب عن كثب أية تحركات للبيروقراطيين لمنعها أو قمعها، ولتوجيه وضمان سير العمل بما يتمشي مع عقلية السياسيين الثائرين العازمين علي ضرورة وحتمية الاصلاح لا عقلية المستوظفين التقليدين تلك العقلية القادرة علي خراب كل بيت مالي – كما قال فنان الشعب " بيرم التونسي " .
صلاح الدين محسن
التعليقات