نقاش وجدال محتدم يدور رحاه بين اقطاب السياسة الامريكية حول جدولة انسحاب القوات الامريكية من العراق، جدلية تحولت الى دعاية أنتخابية وأختبار للقوة كما تسميها جريدة الواشنطن بوست بين الحزبين الرئيسين في أمريكا، الديمقراطي والجمهوري، فالحزب الديمقراطي بغالبية رموزه جعلوا من مطالبتهم عودة القوات الامريكية للوطن وفي أحضان ذويهم، شعار عاطفي
يستقطب الناخب الامريكي للمرشح الديمقراطي، والحزب الجمهوري جعلوا من شعار ضرورة محاربة القوات الامريكية للارهاب خارج الوطن، ضرورة للأمن القومي للفرد الامريكي، وعليه فمن الأهمية بقاء القوات الامريكية في العراق ومحاربته للأرهاب هناك، عوضا من محاربته في نيويورك وواشنطن.
فجريدة الواشنطن بوست عكست مجموعة من الأراء والخطط للأعضاء الديمقراطيين في مجلس الشيوخ حول ضرورة أنسحاب القوات الامريكية من العراق والتي من أهمها :
1-الخطة الاولى كانت لعضو مجلس الشيوخ توم داشيل القاها أثناء محاضرة له في جامعة الشمالية الغربية، حيث اقترح داشيل أن يسحب 80000 الف جندي امريكي من 150000 الف جندي أمريكي وذلك مباشرة بعد الانتخابات التشريعية في منتصف كانون الاول، وستحل قوات الجيش العراقي والقوات الاحتياطية محل القوات الامريكية بشكل تدريجي وفي نهاية كانون الاول 2007 يجب أن تنسحب 70000الف من القوات الامريكية المتبقية في العراق.
2-الخطة الثانية كانت ل جون كيري (عضو مجلس الشيوخ لمنطقة داكوتا الجنوبية) والتي ألقاها في محاضرة له في جامعة جورج تاون، حيث اقترح كيري أزالة 20000 من القوات الامريكية مباشرة بعد أنتخابات كانون الاول، وتخرج بقية القوات بشكل تدريجي حتى نهاية 2006. وكلا الرجلين هما يسيران على خطى عضو المجلس الامريكي ويسكونسن روس الذي أقترح جدول مواعيد مماثل علما أن هذا الرجل هو الوحيد الذي رفض أستخدام القوة في العراق في عام 2003.
هذه الهلوسة الانتخابية سرت حتى على أعضاء ديمقراطيين كانت لهم مواقف قريبة من الحزب الجمهوري في أهمية بقاء القوات الأمريكية في العراق ومحاربة الأرهاب خارج ظهراني الشعب الامريكي، ومن أهم هؤلاء الأعضاء السيناتورة كلينتون التي طالبت بجدول زمني محدد لعودة القوات الامريكية للوطن وكذلك بعض الاعضاء الاخرين أمثال السيناتور ايفان حيث طالب بدراسة متأنية حول نفقات وزارة الدفاع في العراق، أما السيناتور السابق جون أدوارنز فهو يعتقد أن الحرب كانت خطأ منذ البداية وهو يطالب بجدول محدد وقوي لتدريب القوات العراقية وهو يقول أن الولايات المتحدة لاتستطيع البقاء في العراق بشكل دائم ولهذا يجب وضع جدول زمني محدد لسحب القوات الامريكية، ولكن بعض الاعضاء الديمقراطيين لازالوا يعتقدون أنه من المهم أن لن نعطي أي أشارة للارهابيين بأنهم أنتصرو وأن قواتنا عادت للوطن بفعل عملياتهم الارهابية،ومن هؤلاء حاكم نيو مكسيكو، بيل ريشاردسون وكذلك جورج ستيفنس فقد عارضا وضع جدول زمني لأنسحاب القوات الامريكية لأن هذا يعطي شعور للمنظمات الأرهابية بالنصر ويجب أن لانعطي لهم فرصة خروجنا من العراق بيدهم، وأنما يجب أن تكون ضمن خطة مدروسة بشكل صحيح.
مقابل هذا الضغط الديمقراطي ظهرت اراء تطالب بعدم أنسحاب القوات الامريكية من العراق والتي من أهمها المحاضرة التي ألقاها هنري كسينجر في بروكسل و امام مجموعة من كبار العسكريين والدبلوماسيين و بدعوة من قائد قوات الحلفاء في أوروبا الجنرال جيمس جونس، وقد اعتبر هنري كسينجر أن أي انسحاب عسكري أميركي مبكر من العراق سيكون بمثابة دعم مباشر للمتمردين ورسالة خاطئة إلى العالم الإسلامي ربما تتسبب بزعزعة الأوضاع في مجمل الشرق الأوسط بل طالب اكثر من هذا حين دعا الولايات المتحدة الى اقتسام إدارة الشأن العراقي مع شريكاتها الدول الأوروبية وفي شكل اكثر فاعلية ووضوحا، ووضع كسينجرخطة أستراتيجية أمريكية للوضع في العراق تتكون
من أربع نقاط رئيسية تتمثل حسب قوله في منع أي طائفة ما من الهيمنة على الطوائف او المجموعات الأخرى، ثانيا منع أي حكومة ذات غالبية شيعية من التحول الى حكومة دينية، ثالثا منح هامش أكبر من السيادة للمناطق، ورابعا و أخيرا التصدي للإرهاب بكل الوسائل. بموازاة هذا الرأي، طالب كولن باول أيضا بعدم أنسحاب القوات الأمريكية من العراق.
في زحمة هذا الجدل السياسي بين أقطاب السياسة الامريكية حول سحب القوات الامريكية، ظهر بشكل مفاجئ تقرير وزارة الدفاع باعادة أنتشار 92 الف جندي من القوات الامريكية و التي وزعته وكالة الأسوشيتد برس وكان هذا التقرير بمثابة الهشيم في النار، زاد من جدلية انسحاب القوات الامريكية في العراق مما اضطر من وزير الدفاع الامريكي رونالد رامسفبلد أن ينفي اي سحب للقوات الامريكية من العراق واعتبر ان التقرير التي وزعته وكالة الأسوشيتد برس مبني على معلومات خاطئة بل صرح الى قناة العالم (أنه سنرفع عدد الجنود الأمريكيين من 138 الف إلى نحو 160 ألفا في فترة إجراء الانتخابات في ديسمبر/كانون الأول المقبل. ثم سنعيد تخفيض عدد الجنود إلى نحو 138 ألفا. في ذلك الحين سنعيد النظر في نتائج الانتخابات وفي الوضع الأمني والتطور الذي تكون القوات العراقية قد أحرزته. وكما قال الرئيس بوش، سيكون الانسحاب وفق برنامج مرهون بتوافر الظروف. حينذاك سنحكم على الوضع ونرى ما هو مستوى عدد القوات الذي يرتاح له القادة الميدانيون. فإذا ارتأوا أن العدد يجب أن يبقى كما هو فسيبقى. وإذا ارتأوا أنه يمكن أن يخفض فسيتم تخفيضه. إن هدفنا هو تخفيض عدد جنود قوات التحالف في العراق والاستمرار في نقل المسؤولية إلى قوات الأمن العراقية التي أصبح عددها 210 ألف عنصر)
أمام هذه الجدلية بين قطبي السياسة الامريكية ( الحزب الديمقراطي والحزب الجمهوري)، يتضح أن عملية جدولة أنسحاب القوات الامريكية اصبحت خاضعة لعدة أمور أهمها :
1-
أن عملية جدولة أنسحاب القوات الامريكية تحولت الى أجندة أنتخابية بين اركان الحزبين الرئيسين في الادارة الامريكية وهذا بلاشك سيكون له تأثيرات على الوضع الامني العراقي وهذا يجب ان تنتبه له القوى السياسية المتصدية لأدارة العملية السياسية في العراق.
2-
ان عملية جدولة أنسحاب القوات المتعددة الجنسيات والقوات الامريكية بالذات، اصبحت خاضعة لمعادلات دولية معقدة والتي من أهمها حرب الارهاب الكونية، ولهذا أن الاجندة التي تحكم في جدولة أنسحاب تلك القوات هي أهداف تتعلق في استقرار النظام العالمي وهذا ماعبر عنه بشكل واضح هنري كسينجر في محاضرته الاممية في بروكسل والذي طالب أن تكون شراكة أوربية امريكية في الأشراف على الوضع العراقي.
3-
أن ما يؤسف له ان الخطط التي تتحدث عن جدولة أنسحاب القوات الأمريكية من العراق
يتم التنظير لها
في الجامعات الامريكية مثل جامعة جورج تاون وغيرها، وكان من المفروض ان توضع تلك الاستراتيجيات ضمن دراسات عراقية تناقش من قبل أخصائيين عسكريين وأمنيين عراقيين وفي جامعات عراقية،ويحب أن تضع هناك خطط استراتيجية مدروسة حول كيفية جدولة انسحاب القوات الامريكية من العراق.
ان العراق أمام عملية معقدة أصبحت تشكل هاجس عند المتصدين السياسين العراقيين، وما تصريحات الرئيس جلال الطالباني في ايطاليا التي عبر عن قلقه، من أي انسحاب مفاجئ من العراق، ولهذا يجب أن ينظر لهذا الجدل حول عملية انسحاب القوات الامريكية، بجدية من قبل مختلف شرائح المجتمع العراقي ويجب ان لا تتحول تلك القضية الى عملية دعائية بين القوى السياسية العراقية المتنازعة بحجة محاربة الاحتلال أو محاربة الارهاب
بلاشك ان تجربة القوات الامريكية والمتحالفة معها في العراق هي تجربة تستحق الدراسة والتمعن وسيكون لها تداعيات أمنية وعسكرية في التخطيط الاستراتيجي، وستشكل تلك التجربة، حالة أثراء وفهم عسكري متطور في بناء أي قوات عراقية محترفة في عراقنا الحبيب.
صلاح التكمه جي
التعليقات