ادى اكتشاف السجن السري الذي قيل انه تابع لوزارة الداخلية، الى هيجان وارتفاع صراخ وهسترة التيار العروبي الاسلاموي، موزعين اتهاماتهم على الكل وبكل الاتجاهات.
لا مجال لاي تسامح مع هذا العمل، فمن قام به يهدم اسس الدولة ويحولها الى جزر واقطاعيات خاصة لا يحكمها القانون، القانون الذي صيغ بالتوافق، ففي الوقت الذي صفق الكثيرون لما قاله وزير الدفاع الاستاذ الدليمي لانه خرج في الاطار الرسمي والقانوني ومن حكومة تستمد شعبيتها من الجمعية الوطنية اي من الشعب، الا ان كل معارضي صدام ومؤيدي التيار الليبرالي والديمقراطي يعارضون ما كشف عنه لا بل يطالبون بمعاقبة كل من سولت له نفسه ان يمارس هذا العمل القبيح.
منذ مدة كان لدينا شك في ان بعض الممارسات تقوم بها بعض الاطراف في السلطة او التي انتفعت من زوال النظام السابق، ولذا فهي خارج اطار القانون تقوم بتصفية بعض الاشخاص لكي يحل انصارها محلهم وهذا كان شكا، لانه لا يعقل ان تكون كل هذه الممارسات من من ما يسمى بالمعارضة او بالاحرى ارهابيي صدام والزرقاوي.
ان ما مارسه صدام حسين، وحكومته الغير الشرعية والتي قامت بسرقة الحلم العراقي في التطور والتقدم وان يكون له موقع تحت الشمس، ليس عسكريا او بامتلاك اسلحة الدمار السامل، بل باقامة الجامعات وبناء المستشفيات وفتح طرق المواصلات وتوفير المسكن الملائم والملبس والمأكل، ومن ثم الانتباه الى الحريات وتوسيع نطاقها وترسيخ دولة القانون، الدولة التي تحكمها المؤسسات الدستورية، والتي يحدث فيها التغيير من خلال ممارسة الديمقراطية، لم يسرق نظام كل هذا فقط، بل سرق الملايين من ابناء العراق وارسلهم الى القبر بحروبه المتتالية ودكتاتوريته البشعة ونظامه المقيت.
فبرغم من ان النظام البعثفاشي كان مسيطرا على العراق من فاو اخر نقطة على الحدود الجنوبية الى اسنخ (سناط) اخر قرية على الحدود التركية في الشمال، وبقبضة من حديد الا انه كان يملك العشرات من السجون السرية التي تم فيها ممارسة كل ما يمكن لانسان شاذ ان يتخيل، اليس هذا النظام نظام المقابر الجماعية، اليس نظام الانفال وتجفيف الاهوار، كم من الالاف تم اعدامهم وبعد ذلك عملت محاكماتهم، كم من العراقيين تم طردهم من بلدهم بحجة ان جده السابع او الثامن كان اجنبيا، او لانه سجل في زمن الدولة العثمانية انه اجنبي للتخلص من الجندية، كم مليون عراقي هام على وجهه في هذا العالم طلبا للامان ولضمان الحياة، هذه غيض من فيض لممارسات صدام وزبانيته، وليس هناك بيت عراقي لم يعاني، ولكن في ظل مرحلة اختلاط المفاهيم هذه ينساق البعض ويعمل مع الارهابيين نتيجة للفرز الطائفي الواضح على البلد.
لقد لجأنا الى من ساعدنا في التخلص من الطاغية، وكان الاحرى بنا ان نلم بالاسباب التي ادت بنا الى هذا اللجوء، والاسباب كثيرة، ولعل من اهمها احتكار السلطة، احتكار الحقيقة، تخوين الاخر لحد العمل من اجل ازالته من الوجود، وكأن العالم لا يسع لرأيين.
قام النظام السابق على احتكار كل شئ، حتى ان الحياة كانت منة منه ومن ما اسماها الثورة، ولما جئنا نحن الذين ابتلوا بممارسات النظام، حاول البعض منا ممارسة نفس الاشياء ولكن على مخالفهم سواء كان من مؤيدي صدام او غيرهم، اذا غاية البعض من التغيير كان تغيير الاشخاص وليس السياسات والبنية التعسفية للدولة والقيم الطاردة للعدالة والقاتلة للحريات الفردية، لان التغيير بما قلناه يضرهم فهم يرتعون من نفس المنبع الايديولوجي وان كان بأسم اخر.
اليوم برغم من ادراكنا لبشاعة ممارسات النظام السابق، الا ان هذا يجب ان لا يجعلنا ان نتغاضى عن كل عمل يشتم منه هدما للدولة وقيمها في سيادة القانون الواحد، الذي ينظر لكل المواطنين بمساواة تامة سواء كانوا بلحي ام لا، سواء كان ملبسهم اسودا ام ملونا، سواء كان انثى ام رجل، ان التغيير الذي حصل في العراق يجب ان يأخذ مداه كاملا، ليتم كنس كل ما يعيق حرية الانسان ويهين كرامته.
ويمكن لهذه المما