ما يجمع بين "بوابة العقارب" و"مطلقات يائسات" أنهما إنتاج أميركي. فالأول رواية للأميركي خبير مكافحة الإرهاب في البيت الأبيض ووزارة الخارجية ووزارة الدفاع على مدى ثلاثة عقود، رتشارد كلارك صاحب كتابي "ضد كل الأعداء" و "بعد عشر سنوات" الشهيرين. أما الإنتاج الثاني فهو مسلسل أميركي للمخرج تشارلز مكدوغال، أثار - ولا يزال - نقاشاً ساخناً في الولايات المتحدة منذ بدأ عرضه العام الفائت تشرين الاول (أكتوبر) 2004.

وما يجمع بين "المطلوب قرار عاجل" و "أميركا تعترف بأن سياستها تذكي الإرهاب" أنهما مقالتان لكاتبين سعوديين، كُتبتا في الجريدة ذاتها - "الحياة" - وفي الأسبوع ذاته (الأسبوع الماضي)، وترتكزان على حدث مهم، كل على حدة.

"المطلوب قرار عاجل" نُشرت الإثنين قبل "أميركا تعترف" التي نشرت بعدها بيومين (الأربعاء). والتوقيت هنا مهم، فلو سبقت الثانية الأولى لكانت الأولى "قرار عاجل" رداً أو تعقيباً على الثانية "أميركا تعترف". ولأُعتبر أن جميل الذيابي كاتب الأولى يهاجم داود الشريان كاتب الثانية. هذا طبعاً من وجهة نظر شخصية.

وعودة إلى "قرار عاجل" للذيابي، التي ارتكزت على تفجيرات الأردن، وكُتب فيها بالحرف: "على رغم التفجيرات الإرهابية التي نفقد فيها عرباً ومسلمين، لا يزال بيننا متعاطفون مع أعمال وأفعال تلك العناصر الإجرامية الظلامية. وما زالت ثقافة "التبرير" هي الثقافة السائدة... بل يعزو ما تقوم به هذه الجماعات إلى أنه رد فعل لحال الإحباط من الأنظمة العربية والسياسة الأميركية في المنطقة".

يبدو وكأن الكاتب في مقاله هذا، "قرار عاجل"، يلفظ آخر أنفاس اليأس، ويرجو.

وانتقالاً إلى "أميركا تعترف" للشريان التي ارتكزت على ما قالته وزيرة الخارجية الأميركية كوندليزا رايس في جولة المحادثات التي جرت في جدة بينها وبين وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل، ينقل الشريان عن رايس قولها: "إن منطقة الشرق الأوسط ستكون في وضع أفضل حينما تكون هناك دولة فلسطينية ديموقراطية، تعيش جنباً إلى جنب مع إسرائيل"! وعلامة التعجب هنا صادرة من داود نفسه – كاتب المقالة – ليتساءل بعد هذا النقل: "ماذا حدث؟" ويزيد على السؤال تساؤلات كثيرة تصل إلى: "أم نحن أمام قناعة أميركية جديدة بأسباب الإرهاب، أقصد امام اعتراف أميركي بالأسباب الحقيقية للإرهاب؟"، وكلمة "الحقيقية" هنا رأي بحت للكاتب، وهي "الشعرة التي قصمت ظهر البعير". إذ يرى أن أسباب الإرهاب الحقيقية هي أميركا وانحيازها لإسرائيل. وإذا كان الكاتب يقتنع فعلاً بهذا الكلام، ولا دور لـ "سُلطة الجماهير" عليه، فليجبني: لماذا لم تكن بين أسماء الإرهابيين التي عرفناها أعداد كبيرة من الفلسطينيين أنفسهم؟ لماذا كان معظم الإرهابيين من جنسيات عربية أخرى مختلفة؟ هل يريد الزرقاوي وابن لادن تحرير فلسطين حقاً، أم قتلنا وإبادتنا والوصول إلى كراسي الحكم؟

برأيي، أجزم أن "الأنا" العقدية المتشددة والأصولية والتطرف والفكر الإقصائي، وحب إصدار الأحكام والعقل الجاهل بالإسلام وبغيره... هذه فقط هي الأسباب الحقيقية للإرهاب يا داود. وكل سبب غيرها هو مجرد "تبرير" فقط، إن لم يكن موجوداً فسيكون غيره، حتى لو لم تكن أميركا نفسها موجودة أصلاً.

هناك جيش جرار يتفق مع "المطلوب قرار عاجل" للذيابي، وآخر مثله وربما يفوقه عدداً بفارق كبير يتفق مع "أميركا تعترف بأن سياستها تذكي الإرهاب" للشريان. لست أتحدث هنا عن فئات المجتمع فقط، بل عن كتاب "الأعمدة" أيضاً، والأمثلة كثيرة.

بغض النظر عن كل ذلك، ما العلاقة بين "بوابة العقارب" و"مطلقات يائسات" من جهة، و"قرار عاجل" و"أميركا تعترف" من جهة أخرى؟

"بعد خمس سنوات من الآن سيتولى "الأصوليون" المتشددون الحكم في منطقة الخليج، ويقيمون فيها دولة اسمها "اسلامية"... كيف يحصل ذلك الانقلاب؟ بدعم من إيران بقوتها النووية ومن الصين الطامعة في النفط"!

أعرف أنكم فتحتم أفواهكم فاغرين متعجبين. لكن ما كُتب فوق ليس إلا حبكة مختصرة جداً لرواية "بوابة العقارب" التي يرى فيها كاتبها خبير مكافحة الإرهاب - كيف نعتبر هذا خبيراً؟! - بخلفيته المهنية، أن "الضغط الأميركي على دول الخليج لإصلاح بنيتها السياسية يفرز تساهلاً أمنيا،ً يتسبب بوصول الأصوليين إلى الحكم". وذلك يتضح في سياق روايته، التي تقول: "ان وزيراً يرسل قواته لتخمد فتنة في واحدة من دول الخليج، لكنه حقيقة يرسلها لمهاجمة دول إسلامية ليقلب الحكم فيها..." ويصل كاتبنا إلى أن الأصوليين المتشددين يسيطرون. وكأنه يريد أن يقول للأميركيين ان حرب الولايات المتحدة في العراق ستجيء بـ "الأصولية" الإسلامية المتشددة بحقدها على الغرب، إلى الحكم! وهذه الأصولية لا تعرف سوى الانتحار والإرهاب بدلاً من الحوار والديبلوماسية اللذين يعشقهما عقلان: أميركي يحب السينما وأوروبي يحب القراءة.

وفي حين أن رواية حديثة كتلك ستثير زوبعة بعد انتشارها طبعاً، فمسلسل "مطلقات يائسات" الذي انتقدته منظمات وجمعيات دينية أميركية محافظة، أثار الزوبعة وانتهى. ويكمن سر الزوبعة والانتقاد في أن مسلسلات أميركية كـ "مطلقات يائسات" تُدمر شعوب العالم الثالث - ومنها العربي طبعاً - والتي انتشر فيها عرض المسلسل. لماذا تُدمر؟ لأن هذا المسلسل خليع وغير لائق للعرض، ويحكي حميميات بين الأزواج... في وقت ذهب فيه علماء أجناس أميركيون إلى أنه لا يجوز "أن نقرر ونفرض وصايا على شعوب دول العالم الثالث ونختار عنهم ماذا نقدم لهم، فهم يمكنهم التفريق بين ما يصلح لهم، وما لا يصلح". وقالوا أيضاً إن "مثل هذه المسلسلات تدفع أولئك الشعوب إلى التفريق بين إيجابيات الأميركيين وسلبياتهم، وتُعرفهم من يكون الأميركيون". وهذا في حد ذاته ثقافة وحوار.

إذاً فنحن بين أن نعتبر أن سياسة الأميركيين تذكي الإرهاب (أي أساس الإرهاب بانحيازها إلى اسرائيل) كما يقول داود الشريان في "أميركا تعترف"، وبالتالي سيحكم الأصوليون المتشددون، ويتدمر العالم كما يقول رتشارد كلارك في "بوابة العقارب". ما يعني أننا يجب أن نحارب أميركا ليحكم في كل الأحوال الزرقاوي وابن لادن وأمثالهما.

أو أن نعتبر أننا في حاجة إلى قرار عاجل وموقف حقيقي من المتعاطفين مع أفكار ونهج عقيدة "القاعدة" الدموية، كما يقول جميل الذيابي في "المطلوب قرار عاجل"، وذلك يعني بالعربي و "المفتشر" فتوى تقول: "إن دم الإرهابيين حلال، والوقوف مع أميركا والجهاد ضد الإرهابيين واجبان على كل المسلمين".

لكن فتوى كتلك يتفق فيها كل "رجال الأمة الصالحة من المذاهب الإسلامية كافة" مستحيلة... أي بالعامية المصرية: "دا بُعدك يا جميل"، او "هذا بعيد عن شنبك يا حلو". فلن يعترف أحد طالما أننا نسير على "سُلطة الجماهير" التي تتحكم فينا، لتظل حالنا تُشبه تماماً "مطلقات يائسات".

فاطمة إبراهيم