لمن يكن من قبيل المصادفة ان أعلن وأدعي بصوت عالي انني من المعجبين جدا والحادبيين على الدافاع بقوة عن سياسة وشخصية الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة – شفاه الله-، فمنذ ان اقمت بشكل دائم (او متقطع) ببلد المليون شهيد وانا اشاهد بعين الصحفي الفاحصة تطورات الاحداث السياسية والاجتماعية والامنية والاقتصادية على صفيح العاصمة الراقدة في بجع البحر الابيض في تصافح كوني مع القارة الاروبية، فضلا عن بقية ارجاء الوطن الممهور بدماء الشهداء الطاهرة.

ولعل من مفارقات القدر انني لم أتي الى الجزائر سوا في المرحلة الحرجة من تاريخ الاستقلال، حيث دوامة العنف وسنوات الدم والدموع، عشرية كاملة من الإقتتال الداخلي لن تمحى من ذاكرة الجزائريين بيسر مفترض وسوف تبقى شاهدا حيا على محنة العقد الاسود الذي تحالفت فيه قوى الشر لإجهاض حلم الدولة التى إستشرف معالمها بيان الفاتح من نوفمبر 1954.

ودون الخوض في حيثيات تلك المرحلة التى يمكن ان نتناولها في مداخلات ومقالات مفصلة، فإن حلم الفرد الجزائري في تلك المرحلة –حسب معايشتي اليومية- لم يكن يتجاوز رغبة العيش بسلام..الحلم بالوصول الآمن من والى البيت، دون ان تعترض طريقة القنابل الموقوتة او الحواجز المزيفة او يتعثر ذات ليلة في كمين أمراء الموت المجاني الذين زرعوا ألارض رعبا وترويعا قبل ان يزرعوها موتا وإرهابا.

سنوات اضحت فيها السابعة ليلا موعدا مقدسا للعودة الفورية نحو المنازلوالتسمر امام شاشات التلفاز لمتابعة آخر قوائم الموت اليومية، ثم الإبكار لتصفح الصحف الصباحية التى مارست هي الاخرى إستثمارا مربحا وربويا تجاهماساة كل الجزائريين، لم تكن الصفحات الاولىلتخلوا ابدا عن تفاصيل تراجيدية حدثت هنا او هناك، في ذات قرية او طريق وطني او حتى في مدن كبرى شاهدت التمثيل بجثث القتلى من الابرياء الذين سقطوا برصاصات الغدر او بسيوف وخناجر حصدت الارواح بدم بارد وضمير غائب تماما عن ممارسة دوره الانساني.

كانت الجزائر تبدوا –حينها- كالداخل في النفق المظلم الذي لا يرى ابدا ثمة ضؤ في نهايتهالمعتمة، وكنت احد اولئك الذين انتابهم الشعور ذاته بالرغم من ايماني الراسخ بقدرة ابناء واحفاد المليون ونيف شهيد في تجاوز الازمة الخانقة والتطلع بعيدا نحو غدا أكثر إشراقا وإستقرارا ذلك لأن من سمات الامم العظيمة ان تبتلى بالجثام من الازمات غلا ان عظمتها لا تتبلور سوا في قدرتها على تجاوز تلك المحنة والنظر بعيدا لمعالجة إفرازاتها والتغلب على تداعياتها المؤلمة بما تفترضه من التسامي على الجرح الغائر والتطلع للمستقبل،مع الاستفادة من تلك التجربة بكل مراراتها وآلالآمها العميقة.

إلا ان كل ذلك لم يكن ليصبح حقيقه الا بإرادة سياسية حقيقية وبرجال من طينة العظماء القادرون على إدراك كل ابعاد الازمة التى ادخلت البلاد في وحل سياسيوامني عميق، وبالتالي العمل على ايجاد حلولا مناسبة وناجعة لها بعد الحصول على القدر الكافي من الشرعية الشعبية التى تؤهل لإتخاذ قرارات حاسمة في تواريخ هي قمة في الدقة والتعقيد، ثم مد جسور الثقة بين الأطراف وتحكيم مبدء السمو على الجراحات والمرارات المزمنة بشكل يضمن مستقبل واعد للاجيال القادمة، وذلك دون الإعراض عن واجب حماية الذاكرةوقداسة العدالة الوضعية والسماوية على مبدء القاعدة الفقهية (لا إفراط ولا تفريط) ودون إغفالالأمر الالهي الحاث على العفو والصلح" فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره.." (البقرة / )109 ) ( الصلح خير )، الى آخر الايات الكريمات التى تدعوا للعفو عند المقدرة.

ولميكن ليوجد رجللتلك المهمة العظيمة سوا رجل بمواصفاتبوتفليقة القادم من خلف التسامي
النبيل علىآلآلآم الماضي الذي اسكنه المنافي عزوفا عن ظلم اهل القربي الذي تبدى في مؤامرات حبكت لإغتيال وطن بحجمالحلم الذي اراد تجسيده الشرفاء من ابناء نوفمبر ورفاق الراحل المقيم هواري بومدين –رحمه الله-.

عاد الرجل بشوق ونهم المنفي وبإرادة المصارع للزمن والمستدرك لماضي العشرون عام المنقضية في دوامة من الازمات والاحداث المشينة والمؤلمة، ووسط مراهنات خاسرة – من اكثر من جهة داخلية وخارجية -على فشله في ترتيب الوضع الداخلي للبلاد الغارقة حتى اخمص قدميها في وحل الماساة الوطنية، تمكن بوتفليقة من إنتزاع الإعتراف الصريح من الاعداء قبل الاصدقاء في قدرته الباهرة علي تخطي كل المطبات الممكنة في طريق مليئ بالالغام الموقوتة، فضلا عن إمكاناته الهائلة في إقناع كافة الاطراف المتصارعة دون جدوى على ضرورة العودة الى كلمة سواء بينها..وإحراج الجهات المستفيدة من بقاء الأزمة ودعاة المحافظة على الوضع القائم عبر فضح نواياهم ووضعهمفي زاوية مواجهة لأرادة الشعبوذلك عبر تنظيم إستحقاقات شعبية يستفتى فيه الجمهور عن موقفه من القضايا المتعلقة بإيجاد حل ومخرج دائميينللازمة الخانقة بكل جوانبها وابعادها المختلفة..

وفي ظل خمسة اعوام لا غير تمكن الرجل من تحقيق حلم الجزائريين في ان يعيشوا بعبدا عن الانفجارات التى تستهدف الميادين العامة وحافلات الركاب وخلصهم من كابوس الحواجز المزيفةعبر الطرقات فأضحى ليل المدن الجزائرية كصباحها البهي جميلا ومستقرا، فضلا عن الإختراق الاسطوري الذي تحقق في مجال البنية التحيتية حيث بلغت انجازات الخمسة اعوام في مجال الانشاءات فقط 60% من مجموع ما انجز في فترة الاستقلال ( اي منذ 1962) !!!

ولنا ان نقيس المجالات الاخرى بنفس الصيغة، ناهيك عن الاختراق الواضح الذي حدث على المستوى الديبلوماسي، فبعد ان ظلت الجزائر معزولة ومنكفئة على نفسهانتيجة الازمة الداخلية- و الحصار الدولي غير المعلن -اضحت الجزائر اليوماحد اهم الدول الافريقية والعربية الفاعلة في المنظومات الدولية والاقليمية !!

وبالتالي فإن النتيجة المهولة التى فاز بها بوتفليقة في الانتخابات الرئاسية الاخيرة في ابريل 2004 لم تكن سوا تحصيل حاصل على كل تلك الانجازات التى تحققت على ارض الحقيقة الحبلى بالمشاريع الطموحة.. من قبيل ايجاد الحل الجذري للأزمة وطوي ملفها مرة والى الابد عبر صيغ تحظي بتأييد غالبية الجزائريين وهو ما سعى اليه في الفترة الرئاسية الثانية عبر طرحه" لـميثاق السلم والمصالحة " للإستفتاء الشعبي العام، وهو المشروع الذي يرجى ان يكون الفصل الأخير من جرعات "الدواء " التى بدأت بـ ( الوئام المدني ) واستعادة الاستقرار والأمن وصولا الى الغاية النهائية للمصالحة الوطنية وبناء حياة سياسية على أسس المواطنة ومبادئ الديمقراطية والحرية والعدالة الاجتماعية.

ولان الرجل من جنس البشر أعيته المشاغل وارهقته هموم بحجم الجزائرفإستكانلوعكة صحية نرجوا الله مخلصين ان يعود منها اكثر عافية وقوة وصلابة حتى يستانف جهوده المقدرة في كافة النواحيويساهم في وضع المسمار الاخير في نعش الازمة التى طال امدها بعد ان تمكن من طوى معظم فصولها القاتمة.

اقول ذلك وانا اقرأ واشاهد كما هائلا من التحليلات والتاويلات الصحفية حول الوضع الصحي للرئيس عبدالعزيز بوتفليقة، -وهي في الاول والاخير إختلاقات مزاجية – على اعتبار ان الجهات الطبية الفرنسية حتى الان لم تكشف عناي معلومات عن الحالة الصحية التى يعاني منها الرئيس( والمعلوم ان القوانين الفرنسية تمنح الحق فط للعائلة في الكشف عن ماهية المرض ) - كما ان الجهات الرسمية في الجزائر لا تزالتفيد ان الحالة " لا تبعث على القلق "، وبالتالي من اين ياتي اولئك الصحفيون بهذا الكم الهائل من التاويلات ؟؟!! سؤال يزل يؤرق مضجعي.

واخيرا نقول رحمة بنا يا خدام صاحبة الحلالة.

محمود ابوبكر

*كاتب وصحفي اريتري مقيم بالجزائر