التركمان بعد الانتخابات
د. حسين ابو سعود
أنهت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات مهمتها بنجاح في إجراء الانتخابات التشريعية في العراق، وان وجود بعض الجوانب السلبية والتجاوزات يرجع الى طبيعة المجتمع العراقي الخارج من سبات طويل وليس الى المفوضية نفسها، وهي جوانب تحدث في معظم الدول، ويأمل الشعب ان تتقلص هذه الأمور الى درجة اكبر في الانتخابات القادمة، وفيما يخص النتائج فانها ظهرت بصورة جلية وان لم تعلن بشكل رسمي، وكان طبيعيا ان يحظى الائتلاف العراقي الموحد ( القائمة 555) بثقة الشعب والحصول على اكبر عدد من الأصوات، لأنها تمثل صوت العقل والحكمة والإخلاص وخط المرجعية الرشيدة، وكان على الذين تخلفوا عن الركب المبارك هذه المرة أن يتعظوا بنتائج الانتخابات السابقة والحالية بعد أن تبين لهم بصورة واضحة لايقبل التشكيك التزام الشعب العراقي بخط المرجعية متمثلة بسماحة المرجع الأعلى السيد علي السيستاني، الذي بدأت ثمار حكمته تؤتي أكلها.
وفيما يخص الساحة التركمانية فقد عاب البعض التزام الاتحاد الإسلامي لتركمان العراق بنهج المرجعية والسير في ركابها في الانتخابات السابقة وقد لوحظ ذلك في سيل من المقالات التي تم نشرها الى جانب العديد من التصريحات التي زخرت بها أجهزة الإعلام المختلفة فضلا عن الأحاديث الجانبية في المجالس الخاصة، ولكن هذه التشويشات لم تثن القيادات الحكيمة للتركمان بالثبات على المبدأ والعمل مع الأكثرية المؤمنة، اقصد الائتلاف العراقي الموحد، فدخلت الانتخابات ضمن قائمتها فكان الفوز حليفها هذه المرة أيضا، في حين ان الفصائل الأخرى تسببت في تشتيت الأصوات وإظهار التركمان على انهم فئة قليلة من خلال عدد الأصوات الهزيلة التي حصلوا عليها في الانتخابات الحالية، وان التشكيك في نزاهة الانتخابات لن يأتي بنتيجة كبيرة مع احتمال وجود ما يعارض نزاهة الانتخابات في بعض المناطق.
ان المطالبة بإعادة الانتخابات لن تحقق شيئا على ارض الواقع، ولكننا إذا فرضنا جدلا بان المفوضية العليا ستعيد إجراء الانتخابات في العراق فالنتيجة لن تختلف بكثير، بل يمكن ان يحصل أكثر من ذلك وتنضم الجماعات الصغيرة التي عرفت حجمها الحقيقي الى الائتلاف وعودة الكيانات التي خرجت من الائتلاف مرة أخرى مع إمكانية انضمام كتل أخرى تبحث عن مصالح آنية الى الائتلاف بعد ان اتضح لها قوة الائتلاف ومدى تغلغله في صفوف الشعب، فماذا سيفعل المعترضون اليوم إذا فاز الائتلاف وبأصوات أكثر في انتخابات الغد ؟
وما نقوله هنا هي نصيحة لمن تخلف عن الركب سواء كانوا جماعات أو أفراد ان لا يصروا على البقاء في سفينة مثقوبة والوقوف الى صف الخاسرين، فذلك ليس في صالحهم.
ان اتهام التركمان الشيعة بتشتيت الأصوات مردود جملة وتفصيلا والإصرار على ذلك سيكشف حجم التركمان السنة أمام حجم التركمان الشيعة بعد ان كان يشاع بان السنة يشكلون نصف عدد التركمان، على اننا لسنا من دعاة الطائفية، ولا نرغب في إثارة النعرات الطائفية الآن، وما تحقق للإسلاميين التركمان من نصر مبين لم يأت اعتباطا بل جاء نتيجة حتمية لسهر الليالي والتضحيات الجسام التي بذلها قادة الحركات الإسلامية التركمانية مدعومين بالجماهير المؤمنة التي وقفت مع قيادتها تساندها وتدافع عنها بأغلى ما تملك.
ثم ماهي الانتخابات ؟ أليست هي المعيار لمعرفة حقيقة حجم الكيانات السياسية وحجم المرشحين المستقلين ومدى شعبيتهم ؟ فأين الروح الرياضية الواجب توفرها في المتنافسين عند ظهور النتائج؟، ثم ان اتهام الحكم بالانحياز ليس أمرا جديدا، وعملية الطعن من قبل الخاسرين هي شنشنة غير مستغربة، لان هؤلاء يصعب عليهم ان ينتظروا أربع سنوات حيث الانتخابات الجديدة.
انه من الضروري للكيانات التركمانية التي لم تحقق شيئا يذكر في هذه الانتخابات ان تتعظ وتستفيد من هذا الدرس وتعرف أمرا مهما وهو ان الائتلاف العراقي الموحد ليس حزبا بل هو مجموعة أحزاب التقت أهدافها لخدمة الوطن، وان الاتحاد الإسلامي لتركمان العراق رأى الدخول الى هذا الائتلاف كطرف فاعل ومؤثر انطلاقا من أهدافه المعلنة في خدمة التركمان خاصة والعراقيين عامة، واننا اليوم لا نلوم من شتت الأصوات التركمانية لان مثل هذه الأخطاء محتملة الحدوث ولكن اللوم يتجه الى أولئك الذين أعلنوا الاستمرار على نهج تشتيت الأصوات، ونحن نعلم بان الوقت الآن ليس وقت اللوم، بل انه وقت العمل الحقيقي، وستتاح الفرصة بشكل اكبر للاتحاد الاسلامي لتركمان العراق لخدمة عموم التركمان سنة وشيعة، دون أي تفريق، وان المسئولية ستتضاعف على التركمان بجميع فصائلهم في هذه المرحلة وبالأخص على أولئك الذين سيمثلون الشعب التركماني في البرلمان والحكومة، من اجل تحقيق أهداف الشعب وطموحاته في الحياة الحرة الكريمة.
حسين ابو سعود
[email protected]
ـــــ
هل يشعل الائتلاف فتيل الحرب الأهلية في العراق؟؟
علي البغدادي
قائمة الائتلاف ارتكبت الكثير من المخالفات وبحق الجميع، وربما ما ارتكبته بحق الشيعة هو أسوأ مما اقترفته بحق الآخرين، فلا يستغرب العراقيون من غير الشيعة.
أكتب المقال وأنا من الشيعة ومن أب وأم شيعيين لئلا يتهموني بأني من السنة وأكره الشيعة، وهذه أحد حججهم التي يطلقونها على من يعترض عليهم لكي يبينوا انهم الممثل الشرعي للشيعة في العراق، وهذا ما أنفيه تماماً جملة وتفصيلا.
فيبدوا أن جماعة الائتلاف المدعوم إيرانياً يريد الاستئثار بكل شئ، وقد منعوا العديد من القوائم الشيعية من المشاركة في قائمة الشمعة، وتم تبليغ هذه القوائم الشيعية في الوقت الضائع lt; أي في الايام الاخيرة بحيث لم يعد بإمكان هذه القوائم الشيعية القيام بالحملات الدعائية بشكل كافي،،، ومن هذه القوى التي تم ابلاغها في الوقت الضائع.
منظمة العمل الاسلامي، والتجمع الاسلامي الفيلي، وحزب الطليعة الاسلامي، كما خرج منهم د.أحمد الجلبي، ود.علي الدباغ، ود. ابراهيم بحر العلوم، وهذا لعمري نوع من أنواع الخذلان السياسي والاخلاقي.
ولم يكتفوا بهذا، بل أشاعوا كذبا وفي الأيام ألأخيرة بأن العديد من هذه التكتلات قد انسحبت لصالح الائتلاف مما نفاه العديد من المتصدين لتلك القوائم ومنهم السيد رمضان الياسري من حزب الطليعة في قائمة شمس العراق في البصرة، ونفى هذه الانسحابات المزعومة أعضاء من حزب الطليعة وغيرهم كثير..
وقال السيد رمضان الياسري في معرض نفيه القاطع لإنسحابه: إننا نتأسف تأسفا كبيرا لما قامت به قناة الفرات الفضائية من نشر أخبار هي بعيدة
كل البعد عن الصحة بإسمنا دون الرجوع مباشرة إلينا بأننا إنسحبنا من الانتخابات البرلمانية لصالح قائمة الائتلاف العراقي الموحد، مشيرا الى أن الائتلاف العراقي الموحد لم يقم بمفاتحتنا في هذا الشأن الهام الذي هو بحاجة الى قرار من الأمانة العامة في حزب الطليعة الاسلامي وتنسيق مع الأخوة في قائمة شمس العراق، إذ أنني لست مرشحا عن نفسي وإنما مرشحا عن حزب الطليعة الاسلامي الذي إلتزم بميثاق عمل مع الأخوة في
قائمة شمس العراق التي تضم أكثر من 19 حزب وتيار إسلامي ووطني))
كما ان قائمة الشمعة تجاوزت على قانون حظر الدعايات الانتخابية قبل يوم الانتخابات بيوم واحد، بل وظلت تمارس الدعاية وبكل الاشكال غير المشروعة، ومنها اجبار المنتخب ومن خلال إحراجه بالقسم على كتاب الله تعالى بان لا ينتخب سوى الشمعة (وهي قائمة الائتلاف الوطني الموحد) وكذلك التأثير على عقول البسطاء من المتدينين بأن من لا ينتخب قائمة الشمعة سيدخل في نار جهنم، وان صلاته غير مقبوله وأعماله عند الله تعالى غير مقبولة وهكذا،، وعلى الرغم من تأكيدات المرجعية الدينية في النجف وفي كربلاء وباقي مدن الحوزات العلمية الشيعية على عدم دعمهم لأي قائمة، فإن اتباع هذه القائمة أشاعوا في حملاتهم التبليغية بأن السيد علي السستاني قد أمر بدعمهم من خلال الاتصالات الخاصة مع مقريبه وطلابه، وان السيستاني لا يمكنه التصريح بهذا الدعم لئلا يتم التشهير بسماحته والقول بأنه خالف القوانين الانتخابية
ومن المخالفات هو اجبار هذه القائمة العديد من رجال الشرظة على التصويت لقائمة اشمعةوهددتهم بالطرد في حال ثبت عدم تصوي هؤلاء الشرطة، ومعلوم كم يوجد لقائمة الشمعة من نفوذ قوي في الحكومة.
كما تم الاعتداء وإهانة د. أياد علاوي، ومنعه من زيارة مقام الامام علي ابن أبي طالب (عليه السلام).
وحصلت خمس حالات قتل لموالين للقائمة العراقية وهي قائمة. د. أياد علاوي، وحرقت عدة مقار للحزب الشيوعي المنظوي تحت قائمة أياد علاوي، منها مقر في مدينة الناصرية ومقر في مدينة الصدر
كما إن قائمة الائتلاف الوطني الشيعية ومن خلال اتباعها قامت وما زالت بالتسقيط والازدراء لكل شخصية علمائية شيعية لا تنتمي إلى قائمتهم، وقد نال السيد أياد جمال الدين والسيد حسين الصدر الكثير من هذه الاهانات وإلى الان.
واليوم جائتني رسالة تقول إن من لا ينتخب قائمة الشمعة حاله كحال المتخاذلين من الذين خذلوا مسلم بن عقيل
في الكوفة.. وهلم جرا .
حقائق انتخابية
نزار حيدر
ما أعظم العراق؟.
ما أعظم العراقيين؟.
ما أعظم تاريخهم وإيمانهم وصبرهم وجلدهم وعزيمتهم ووحدتهم، وحاضرهم ومستقبلهم؟.
ما أعظم كبيرهم وصغيرهم؟.
ما أعظم رجالهم ونساءهم؟.
ما أعظم كهولهم وشبابهم؟.
ما أعظم عالمهم ومتعلمهم؟.
ما أعظم وعيهم وإدراكهم؟.
وقبل كل شئ، وبعد كل شئ، ما أعظم شهداءهم، وتضحياتهم؟.
ما أعظم أرواحهم ودماءهم؟.
قتلوهم، فصبروا.
ذبحوهم، فعظوا على النواجذ.
هددوهم بالحرب الأهلية والطائفية، فتماسكوا.
شككوا في مسيرتهم وطريقهم الجديد، فازدادوا إصرارا على المضي في الطريق الصحيح الذي اختاروه.
اعتدوا على ثوابتهم ومقدساتهم، فخرجوا بالملايين مصطفين أمام صناديق الاقتراع، ليحنوا أصابعهم بلون الحرية والكرامة والعزة والإباء..... والوطن، لون البنفسج.
فللمرة الثالثة، وخلال عام واحد فقط، يشهد عراق ما بعد الطاغية، ثالث ملحمة انتخابية، بكت لها عيون الأحباب فرحا، وعيون الأعداء والحاقدين، غيضا، تكاد تموت.
لقد حسم العراقيون خياراتهم، ليس بالسلاح والعنف والإرهاب والسيارات المفخخة، وإنما من خلال صناديق الاقتراع التي يجب على كل الفرقاء، ومعهم كل العالم، خاصة دول الجوار، احترام نتائجها والخضوع لإرادة العراقيين الحرة التي منحت صوتها لمن تعتقد بأنه الأقدر على تلبية مطاليبهم خلال الأعوام الأربعة القادمة، بغض النظر عن صحة أو خطأ الخيار بالنسبة للآخرين، وحذار أن يحاول البعض، الالتفاف على هذه الإرادة بأي شكل من الأشكال، وتحت أية ذريعة من الذرائع، فان ذلك يشكل تهديدا مباشرا لنجاح العملية السياسية الجديدة، ويعرض العراق لتهديدات جدية، ليس أقلها التقسيم.
كما حسمت الانتخابات جدلا ميتافيزيقيا ظل يشغل بال العالم، مدة طويلة، ذلك الجدل المتعلق بالأغلبية والأقلية التي تتشكل منها مكونات المجتمع العراقي، فلقد أفرزت صناديق الاقتراع، وأكدت حقيقة أن الشيعة، وليس غيرهم، هم الأكثرية، وان الكرد، وليس السنة، هم أكبر الأقليات في البلاد، وان ما ظل يدعيه الآخرون، رجما بالغيب تارة، ومحاولة لتزوير الحقائق لفرض أجندات معينة، تارة أخرى، لم يكن سوى ادعاء فارغ لا يستند إلى دليل علمي أو حسابي أو منطقي، بأي شكل من الأشكال، بل كان شكل من أشكال الغش والتزوير، ومحاولات مفضوحة للبناء عليها، سياسيا على وجه التحديد، وبالطريقة التي يريدونها، في إطار سياسة الإقصاء الطائفي والعنصري التي ابتلي بها العراق منذ التأسيس مطلع القرن الماضي.
نقول ذلك، للتذكير فقط، ولتثبيت الحقائق لا أكثر ولا أقل، من أجل أن يعرف العراقيون، ومعهم العالم، التركيبة السكانية الحقيقية للعراق، حتى لا يرتكبوا الأخطاء تلو الأخرى عندما يريدون البحث في قضايا هذا البلد، فمن الواضح جدا، فإن أية دراسة يراد لها أن تعطي نتائج حقيقية، يجب أن تعتمد على معلومات دقيقة وصحيحة، كما أن من يريد أن يبحث عن حل لمشكلة، أو يريد أن يساهم في إيجاد حل لمشكلة، عليه أن يعتمد معطيات صحيحة ومعلومات دقيقة، أما إذا كان يجهل (أو يتجاهل، لا فرق) أبسط المعلومات، أو يعتمد على معلومات خطأ من منطلق طائفي أو عنصري، فانه بالتأكيد سوف لن يساعد على إيجاد حل لمشكلة، أبدا، بل قد يزيد المشكلة تعقيدا، لأنه سيكون، والحال هذه، جزء من المشكلة، كما هو الحال في الملف العراقي، كلما فكر الآخرون، بمن فيهم بعض العراقيين، البحث عن حلول لمشكلة من المشاكل.
بشكل عام، فأنا أعتقد بأن نتائج الانتخابات صححت خطأ تاريخيا فيما يتعلق بالتركيبة السكانية للعراق، والتي ظلت إما مجهولة أو مزورة أو مشوشة على الباحثين طوال عقود طويلة من الزمن، عانى بسببها العراق والعراقيون أقسى أنواع التمييز الطائفي والعنصري.
هذه المرة، لم يعد بامكان أحد أن يشكك في خارطة التركيبة السكانية التي رسمتها نتائج الانتخابات، فإذا كانت بعض مكونات المجتمع العراقي قد قاطعت الانتخابات السابقة، ما دفع بالبعض إلى التشكيك بالخارطة السكانية التي أفرزتها آنئذ، فان كل شرائح المجتمع العراقي قد اشتركت في هذه الانتخابات، ولذلك لم يعد بمقدور أحد التشكيك في نتائجها المتعلقة بالتركيبة السكانية، فهي وثقت الأرقام التي كانت تتداولها الأغلبية من العراقيين، فيما كذبت كل الأرقام التي كانت الأقلية تسعى لفرضها على الواقع العراقي بأي شكل من الأشكال، وبكل الطرق المشروعة وغير المشروعة، بما فيها العنف والإرهاب، ولكن قديما قيل {إن البحر يكذب الغطاس} أليس كذلك؟.
أعتقد أن من المهم جدا، من الآن فصاعدا، أن يعتمد كل المعنيين بالشأن العراقي، النتيجة التي أفرزتها الانتخابات الأخيرة فيما يتعلق بالتركيبة السكانية للعراق، آملين أن لا نسمع بعد اليوم نفس نغمة (الاسطوانة المشروخة) ونعود{نفس الطاس يا عباس} كما يقول المثل العراقي المعروف، من أجل أن ننظر إلى الأمام، ولا نتلفت كثيرا إلى الخلف.
الحقيقة الأخرى المهمة جدا التي أفرزتها الانتخابات النيابية العراقية الأخيرة، هي تلك المتعلقة بالعنف والإرهاب.
إن مما يؤسف له حقا، هو أن البعض من (العراقيين) يحاول الإيحاء بأنه هو الذي يقف وراء سكوت مدافع الإرهابيين خلال أيام الانتخابات، مدعيا بأنه نجح في إقناع الإرهابيين القتلة، الالتزام بهدنة مؤقتة من أجل مشاركة الغائبين في الانتخابات، فيما تمادى آخرون، عندما قدم الشكر للإرهابيين لالتزامهم بالهدنة، وأقول، بالفم المليان، أنه ادعاء كاذب لا صحة له أبدا، بالرغم من أنه يؤكد حقيقة أن أمثال هؤلاء المدعين، لهم علاقة حقيقية بجماعات العنف والإرهاب، والا لما كان بامكانهم التأثير عليهم وإقناعهم بالهدنة المزعومة، حسب ادعائهم.
إن الذي أسكت مدافع الإرهابيين القتلة، هو الناخب العراقي الذي تحدى كل شئ للوصول إلى صناديق الاقتراع، فبسبب عزيمته وإرادته القوية اخرست المدافع والأبواق الإرهابية، ولو لم يكن الناخب يتحلى بكل هذه الشجاعة والعزيمة، لما اخرس الإرهابيون، ولظلت جرائمهم تتجاوز كل شئ من أجل تحقيق هدفها الوحيد المعروف، ألا وهو العودة بالعراق إلى سابق عهده.
لقد تشبث العراقيون بالجدول الزمني الذي دونوه لتقدم العملية السياسية، بالرغم من كل التحديات والضغوط التي تعرضوا لها، ولولا هذا الإصرار لكانت الانتخابات، ومجمل العملية السياسية الجديدة، في خبر كان، كما يقولون، ولأن المدعين توصلوا إلى القناعة التي تقول بأن العملية السياسية الجديدة ستتقدم إلى الأمام، رغما عن أنف الجميع، سواء توقف العنف والإرهاب أم استمر في جرائمه، وسواء التحق بها الغائبون، أم تمسكوا بموقف المقاطعة، لذلك بادروا إلى إطلاق مثل هذا النوع من التصريحات لحفظ ماء وجههم، وسمعة ما يسمونه ب (المقاومة الشريفة) والشرف منها براء، براءة الذئب من دم يوسف.
الانتخابات، كذلك، تعد بمثابة آخر مسمار في نعش النظام الديكتاتوري الشمولي البائد.
بالانتخابات، طوى العراقيون صفحة الأنظمة الشمولية، ونظام الحزب الواحد والزعيم الأوحد، وبها انتهى عهد السرقات المسلحة(الانقلابات العسكرية) وكل عهود الحروب العبثية والقرارات الارتجالية، وقانون السلطة، لتبدأ سلطة القانون، وسلطة الخيار الشعبي، في ظل التعددية الحقيقية واللامركزية الفاعلة، بعد أن أنهت الانتخابات عهود التغييب والطبقية السياسية والاستفراد والإقصاء.
اليوم يئس أيتام النظام الشمولي البائد من أي احتمال لعودته إلى الحياة السياسية من جديد، كما يئس أيتامه من العرب وغيرهم ممن ظل يرضع من العراق الحلوب أيام الطاغية الذليل، دراهم وكوبونات وشقق مفروشة وسيارات فاخرة، وكل متع الحياة، على حساب المعاناة اليومية التي ظل يعيشها ضحايا النظام البائد، فاليوم، فقط، تأكد لهؤلاء بأن العراق لم يعد لهم كما يريدون، يحوطونه ما درت معائشهم، بل هو للعراقيين والعراقيين فقط.
لا عودة إلى الماضي الأسود، إذن، وان عقارب الزمن العراقي سوف لن تعود إلى الوراء من الآن فصاعدا، فالعراقيون مقبلون على بناء العراق الجديد بإذن الله تعالى، وبإرادتهم الفولاذية المملوءة إيمانا واقتدارا وأملا وتطلعا إلى المستقبل.
كما كشفت الانتخابات عن الأحجام التقريبية للتيارات والكيانات والأحزاب السياسية، خاصة من كان منفوخا منهم كالبالون، متمنيا أن يتواجه الجميع مع حقيقة الأحجام الجديدة، ولقد قيل{أن آفة النجاح، الوهم}فمن أجل أن لا يفشل المرء، عليه أن لا يتوهم، فلا يعيش الأحلام البعيدة كل البعد عن الواقع.
اسمحوا لي هنا، أن أعود قليلا إلى الوراء، لأتذكر معكم ما يلي؛
فعندما أصرت الأغلبية من العراقيين(الشيعة على وجه التحديد) على إجراء الانتخابات في المرة الماضية التي قاطعتها الأقلية(السنة على وجه التحديد) فسر البعض هذا الإصرار على أنه محاولة من قبل الأغلبية، لتوظيف الظرف السياسي الاستثنائي والشاذ الذي يمر به العراق، والعواطف الجياشة والظلامات المتراكمة، لتثبيت حقوق وأجندات ومكاسب، ما كان بامكانهم جنيها إذا ما أجريت الانتخابات في ظروف أكثر ملاءمة، خاصة إذا ما شاركت فيها كل شرائح ومكونات المجتمع العراقي.
وتمر الأيام، ليكتشف العالم(العراقيون على وجه التحديد) الدوافع الحقيقية لذلك الإصرار، خاصة في ضوء النتائج التي أفرزتها الانتخابات الأخيرة، والتي لم تختلف كثيرا عن سابقتها، فالإصرار لم يكن لمكاسب تكتيكية أبدا، كما أنه لم يكن محاولة لتوظيف ظرف خاص، إنما كان ذلك الإصرار نابعا من الثقة العالية بالنفس وبما يقول المستعجلون ويدعون، وبالشارع الذي يمثلونه، كما أنه كان نابعا من إيمان حقيقي لهذه الأغلبية بالعملية الديمقراطية وقواعدها وأدواتها، والتي تقف على رأسها الانتخابات وصندوق الاقتراع، وحرية إرادة الاختيار لدى الناخب العراقي، لم لا وأن أمير هذه الأغلبية ونموذجها وقدوتها وأسوتها، هو سيد الأوصياء والمتقين أخو رسول الله (ص) ونفسه التي بين جنبيه، الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) وهو أول وآخر خليفة للمسلمين، اعتلى السلطة بانتخابات عامة، حرة ونزيهة، من دون أن يتآمر في سقيفة أو يلجأ إلى غش أو حيلة، كما أنه لم يدبر أمرا بليل أبدا، ولا أقول أكثر من ذلك.
الأقلية التي رفضت المشاركة في تلك الانتخابات، حاولت، وقتها، أن تتلاعب بالألفاظ وتتشبث بالشعارات البراقة والمعسولة، وتتلفع، زورا، بقيم مقدسة، لتبرير رفضها، من دون أن تتسلح بالجرأة لتقول الحقيقة التي ظلت تخفيها إلى الآن {حقيقة عدم إيمانها بالديمقراطية وخوفها من صندوق الاقتراع الذي لم تتعود الاحتكام إليه أبدا} فتارة كانت تقول بأنها ترفض المشاركة في العملية السياسية، فضلا عن الانتخابات، لا زال المحتل يطأ أرض العراق، وها هي تشترك بكل قوة في انتخابات مماثلة، وفي ظل أجواء سياسية وأمنية مماثلة، وفي ظل الاحتلال كذلك، بل أنها أوجبت المشاركة(دينيا ووطنيا) على من تدعي أنها تمثلهم، فما عدا مما بدا يا ترى؟ أم أن مجرد مشاركتها يضفي الشرعية على العملية السياسية و....المحتل في آن واحد؟.
لقد حاول المقاطعون في تلك المرة توظيف العنف والإرهاب لفرض ما يريدون ويتبنون من قناعات على الآخرين، بالرغم من أنهم لم يشاءوا الإفصاح عن علاقاتهم مع مجموعات العنف والإرهاب، ولكنهم هذه المرة قالوا كل شئ وأفصحوا عن المستور، لأنهم أرادوا المشاركة، أو أريد لهم المشاركة، لا فرق، لذلك بادروا إلى تبرير كل خطواتهم، شرعيا ووطنيا، من دون حياء.
وإذا أردت أن أكون أكثر وضوحا، دعوني أقول لكم، بأن من شارك هذه المرة في الانتخابات، ممن قاطعها في المرة السابقة، لا زال لم يقتنع بالديمقراطية، فهو يكفر بأدواتها ولم يؤمن بوسائلها، بل انه قرر المشاركة هذه المرة، فقط من أجل أن يثبت للعالم بأنه (أكثرية) التركيبة السكانية في العراق، لا أكثر ولا أقل، وللباحثين عن الحقيقة والتفاصيل، يمكنهم العودة إلى تصريحات بعض رموزهم للتأكد مما أقول.
إن قراءة سريعة لنماذجهم التاريخية، والكثير من نماذجهم المعاصرة، تؤكد لكل ذي بصيرة، بأن هؤلاء لا يؤمنون بالديمقراطية وأدواتها طرفة عين أبدا، وإذا ما صادف أن قبلوا بها أحيانا، فللانحناء أمام العاصفة فقط، أما ما تخفيه دواخلهم، فالكفر بها وبكل ما يتعلق بها من قريب أو بعيد.
الآن حصحص الحق، وتبين للجميع لماذا رفضت الأقلية الانتخابات الأولى، لأن صندوق الاقتراع وسيلة حضارية ومدنية للكشف عن الكثير من الحقائق المخفية، ومنها التركيبة السكانية، وهو ما فضح ادعاءات الكثيرين، ولعلمهم، من جانب آخر، بأن صندوق الاقتراع هو أذكى وسيلة لحمل الأغلبية إلى الأمام وركل الأقلية إلى الخلف، ليعطي كل ذي حق حقه، ولكل ذي صاحب موقع موقعه، وهذا ما فعله صندوق الاقتراع هذه المرة، وسيفعله في كل مرة.
ولكن مع كل ذلك، يلزم القول، وللإنصاف، بأن الأقلية توصلت، أخيرا، إلى نفس القناعات التي كانت قد توصلت إليها الأغلبية لحظة سقوط الصنم، متمنيا أن لا يكون ذلك بعد فوات الأوان.
تعالوا لنجعل الانتخابات النيابية هذه، الحد الفاصل بين زمنين، من أجل بناء عراق جديد قائم على أساس الشراكة الحقيقية بين مختلف مكونات المجتمع العراقي، طبعا مع الأخذ بنظر الاعتبار نتائج الانتخابات، على قاعدة{لا تظلمون ولا تظلمون} من خلال:
أولا؛ تشكيل حكومة وحدة وطنية{ تستند إلى الاستحقاقات الانتخابية مباشرة، من دون أن يعني ذلك رفض مبدأ التوافق، أبدا} أساسها الخبرة والنزاهة والتجربة والإخلاص والقوة والأمانة، ثم بعد ذلك، بغض النظر عن الانتماء والهوية.
ثانيا؛ ليحترم الجميع نتائج الانتخابات، فالفائزون الذين حملتهم الأصوات إلى البرلمان الجديد، عليهم أن يحترموا الخاسرين كونهم أقلية يجب أن لا تضطهد، لأن الديمقراطية تعني في جوهرها احترام الأقلية التي يجب أن تتمتع بتكافؤ الفرص من أجل أن تتمكن في يوم من الأيام أن تتحول إلى أغلبية، كما أن على الخاسرين أن يحترموا الفائزين لأنهم يمثلون إرادة الشعب، بغض النظر عما إذا أرادوا أن يتعاونوا معهم في إطار السلطة الجديدة، أم اختاروا أن يكونوا معارضة في الشارع العراقي الجديد.
ثالثا؛ أعتقد بأن الناخب العراقي أدى الذي عليه من واجبات، وبقي عليه أن يتمتع بالحقوق، فقد تحدى الناخب كل الصعوبات ووصل إلى صندوق الاقتراع وأدلى بصوته لصالح من يراه ينسجم مع تطلعاته، فهو بذلك هيأ كل الظروف اللازمة والمناسبة لجلوس النائب تحت قبة البرلمان، وبذلك يكون الناخب قد وفى بالتزاماته الوطنية، ويبقى على النائب أن يلتزم بتعهداته التي قطعها للناخب، ليكون عند حسن ظنه، والا فالناخب لا زال لم يعدم الوسائل الديمقراطية لإسقاط النائب من مقعده الذي طرزه الناخب بالدماء الطاهرة والتضحيات السخية.
رابعا؛ أخيرا، علينا أن نحذر بعض من فاز في الانتخابات ليجلس تحت قبة البرلمان، ليس إيمانا منه بالديمقراطية وأدواتها، وإنما لتخريب العملية السياسية الجديدة، وبأدوات الديمقراطية هذه المرة، بعد أن عجز عن تخريبها وعرقلتها بوسائل العنف والإرهاب والقتل.
بعضهم، طعن بالنتائج ليس بسبب التزوير مثلا أو التلاعب بالأصوات، وإنما لأن (مثل هذه النتائج لا تصب في مصلحة الشعب العراقي، ولا في مصلحة أمن واستقرار البلاد، وأنها تخل بالتوازنات) على حد قوله{وكأن المطلوب هو أن ينتج صندوق الاقتراع نتائج متوازنة، وكأنه ليس تعبيرا عن إرادة الناخب، بغض النظر عن النتيجة} من دون أن يوضح السبب في ذلك، ولكن ربما لأنه لم يفز إلا بنصف عدد المقاعد التي كان قد وعد بها أنصاره، أو ربما أقل، ولم ينس في نهاية تصريحاته أن يطلق التهديدات، فيبرق ويرعد(ومع هاتان الفشل) كرسالة للإرهابيين، داعيا إما إلى إعادة الانتخابات لتصحيح النتيجة، ما يكفل إعادة التوازن ولو بالقوة، أو بالتزوير، إذا اقتضت المصلحة الوطنية العليا، أو إعطاء الإشارة مرة أخرى ل(المقاومة) إيذانا للبدء ب(نضالها) من جديد.
إنها، باختصار، طعون سياسية، وليست فنية أبدا، وهذا ما أكدته المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، التي أدارت العملية الانتخابية، مشكورة، بشكل صحيح، وهذا ما شهدته لها المنظمات والهيئات الدولية، وعلى رأسها الأمم المتحدة وأمينها العام السيد كوفي أنان، وكفى بذلك فخرا، من دون أن يعني ذلك عدم التسليم بهامش الخطأ، أبدا، وهو أمر طبيعي، يتوقع حدوثه حتى في أعرق البلدان الديمقراطية.
فليحذر الجميع من مغبة الانقلاب على نتائج الانتخابات، بأي شكل من الأشكال، والا{فلات حين مندم} أما التهديد والوعيد، فلم يعد مجديا، لأنه، وبصراحة، لم يعد وسيلة الابتزاز أبدا، فلقد خبر العراقيون كل الوسائل والأدوات، ولذلك لم تعد تمض بهم الوسائل القذرة، إطلاقا.
أخيرا:
أوجه حديثي إلى أولئك (العباقرة) الاستثنائيين من الكتاب والمحللين الاستراتيجيين الذين ملؤوا، ويملؤون، شاشات الفضائيات وصفحات الإعلام المقروء، بالمقالات والتحليلات، ممن جاءت نتائج الانتخابات، وعلى كل الأصعدة، مخالفة لكل توقعاتهم، لتفاجئهم وتخطئهم، على هؤلاء، أن يشككوا في المصادر التي تغذيهم بالمعلومة، إن كانوا يعتمدون على معلومة، ويشككوا في(عقولهم) التي أنتجت كل ما قالوه وكتبوه لحد الآن، من أجل تحليل أفضل ورأي أدق، واحترام أكثر للنفس وللقارئ اللبيب، والله المستعان على ما يصفون.
23 كانون الأول 2005
[email protected]
ـــــ
استراتيجية الدعاية الانتخابية لقائمة الائتلاف العراقي الموحد
علاء غزالة
يعتقد الكثيرون ان سر فوز قائمة الائتلاف العراقي الموحد الساحق في الانتخابات البرلمانية الاخيرة يعود الى حصول تلك القائمة على رضا المرجع الديني اية الله العظمى السيد علي السيستاني ومباركته لها، وبالتالي التأثير على مقلديه، وهم اغلبية الطائفة الشيعية، ودفعهم للتصويت لتلك القائمة كواجب ديني، تبرأ ذمتهم بأدائه. والواقع ان هذه الرؤية هي تسطيح للمسألة، وتبسيط مفرط لطبيعة الدعاية الانتخابية لتلك القائمة، التي حققت بتطيبيقها لاستراتيجية مدروسة نجاحا منقطع النظير، ليس على مستوى العراق فحسب، بل بالمقارنة مع أية انتخابات حرة تجرى في أية دولة في العالم.
ويمكن النظر لهذه الانتخابات على أنها امتداد للانتخابات التي سبقتها، والتي أجريت في الثلاثين من كانون الثاني 2005، وتأكيد لنتائج الاستفتاء في الخامس عشر من تشرين الاول. فقد كانت نتائج الانتخابات الاولى، وطبيعة توزيع المقاعد البرلمانية، وبالتالي الحقائب الوزارية، بموجب الاستحقاق الانتخابي قد شكلت خللا في فهم طبيعة الاداء الحكومي على المستويين التشريعي والتنفيذي، خصوصا مع غياب التمثيل البرلماني السني. نعم، كانت هناك محاولات لضم ممثلي المحافظات الغربية في الحكومة، وفي لجنة كتابة الدستور، ولكنها لم تحصل على التأييد الكامل من احزاب وتنظيمات تلك المحافظات، فضلا عن مرجعياتها الدينية. والمحك الاكثر خطورة كان في النزاع حول الدستور، ورفض الاعضاء السنة (المعينين) لمسودة الدستور، وتهديدهم باسقاطه في الاستفتاء عن طريق استخدام حق النقض الذي تتمتع به أية ثلاثة محافظات اذا رفض ثلثاها تلك المسودة. فقد برزت الى السطح تيارات الطائفية والمذهبية بشكل واضح، ووضعت جميع اطياف العراق العرقية والدينية امام امتحان quot;ان نكون او لا نكونquot;، بينما ابتعدت الاحزاب العلمانية عن الساحة واكتفت بدور المتفرج، بانتظار فشل الاحزاب الدينية، او ممثلي الطوائف، في خوض غمار التجربة، او خروجها منهكة وغير قادرة على الدخول بنفس القوة في الاستحقاق التالي.
ولكن قائمة الائتلاف اثبتت انها قادرة على دخول المعترك من جديد، واستثمار النجاح المحدود المتحقق في اقرار الدستور لصالحها. واكتسبت زخما معنويا من تصوير الخلاف حول الدستور على انه خلاف مذهبي او طائفي يمتد الى نزاع حول السلطة والثروات الطبيعية. وكان اعتراض ممثلو السنة على بعض بنود الدستور اداة مهمة بيد قائمة الائتلاف للدعوة الى مساندة المذهب والطائفة، وبالتالي خططت استراتيجية الدعاية الانتخابية على هذا الاساس. ولم يكن للاداء الحكومي الضعيف، ولا للاتهامات بالفساد الاداري، والفضائح التي تكشفت في المعتقلات اي دور في تلك الدعاية، لا نفيا ولا تبريرا. فقد قامت تلك الاستراتيجية على التركيز على الهدف البعيد للمواطن، وهو حماية الطائفة، اكثر من مخاطبتها للهدف الاقرب وهو تشكيل حكومة توفر الامن والرفاهية للشعب.
تتألف الدعاية او الحملة الانتخابية لاي كيان سياسي بشكل عام من ثلاثة مراحل: الاولى الاعلان عن وجود الكيان، والثانية إشعار الناخبين بانهم موجودون لدى الكيان، والثالثة تتمثل في توطيد الثقة بين الكيان والناخب. وكل مرحلة من هذه المراحل الثلاث يجب تنجز ضمن فترة زمنية محددة، ووفق قواعد وأطر مدروسة مسبقا. والادارة الجيدة لتلك الحملة تضمن ان لا يكون للحدث الآني، او المفاجآت، تأثير كبير على مجريات اللعبة الانتخابية. واذا راجعنا الدعاية الانتخابية لمجمل الكيانيات السياسية خلال الانتخابات الماضية، لوجدناها اما تقع ضمن المرحلة الاولى، او انها تكافح لتجتاز المرحلة الثانية. فالغالبية العظمى من تلك الكيانات اكتفت بالملصقات واللافتات والدعاية المتلفزة المقتضبة. بيد ان المطلوب لحمل الناخب على التصويت لكيان سياسي معين ان يجتاز ذلك الكيان المرحلة الثالثة ضمن الاطار الزمني المحدد سلفا.
ولكن قائمتي الائتلاف والتحالف الكرستاني، استثناء من الكيانات السياسية الاخرى، استطاعتا ان تعبرا هذه المرحلة بنجاح، بدلالة النتائج الكبيرة التي حققها كل منهما. وبالنسبة لقائمة التحالف الكردستاني فان الامرغير مستغرب، نظرا لوحدة الاكراد عموما تحت هذه القائمة. اما فيما يخص قائمة الائتلاف، فلابد من وقفة تأمل في الاستراتيجة التي اتبعتها لتحقيق ذلك التقدم المذهل.
وتلك الاستراتيجية اتبعت ببساطة نهج المراحل الثلاثة المشار اليه آنفا. فقد استغرقت وقتا يسيرا للاعلان عن وجودها من خلال الملصقات واللافتات وغير ذلك. ولكنها اخذت وقتا اطول في استيعاب الناخبين، وخاضت عملية شاقة بصبر ودأب. فقد كان عليها اولا ان توضح طبيعة الاخفاقات الحكومية خلال الفترة التي تولت فيها زمام السلطة. كما كان عليها ان تهديء من روع المواطنين الذين يساورهم القلق حيال مستقبل العراق ووحدته في حال تسنمت هذه القائمة السلطة من جديد. وكان الهجوم خير وسيلة للدفاع. فبدأ التراشق الكلامي بالتصاعد، وعمد الائتلاف الى اظهار عيوب منافسيهم، او تضخيمها. وسعت تلك القائمة الى القاء التبعة في كل اخفاق تقريبا الى مرحلة سابقة، او الى التهديد الامني وسطوة الارهاب. لقد كان هذا السجال يدور عبر الشاشات، ولكنه كان يجد من يروج له في الشارع والمقهى والمسجد والدائرة الحكومية، وفي البيوت.
وهنا لابد من الاشارة الى تواجد مكاتب فعالة في معظم المحافظات للاحزاب الرئيسة في تلك القائمة، مقابل مكاتب ضعيفة او غير فعالة، او انعدامها على الاطلاق، للاحزاب الاخرى. وهذه مسألة في غاية الاهمية، طالما ان احتواء المواطن (الناخب)، وجعله يدرك بانه موجود لدى الكيان، يتطلب احتكاكا وتواصلا مباشرا ومستمرا. كما ان تلك المكاتب توفر طريقة شديدة التأثير في الدعاية الانتخابية من خلال استخدام الاشخاص انفسهم في الدعوة للكيان بدلا من الاعتماد على الوسائل التقنية، من اذاعة وتلفزيون وصحف وملصقات وغيرها. فقد يكون هناك تأثير للدعاية بطريق التلفزيون مثلا، ولكنها تصلح فقط لاجتياز المرحلة الاولى، مرحلة التعريف بالكيان. ولخوض المرحلة الثانية لابد من تواجد قريب من المواطن، ومن توجيه الحديث من فرد الى فرد اذا اقتضى الامر. ان الناخبين قد يصوتون للكيان الذي شاهدوا صورته في التلفزيون، او قرأوا لافتة تدلل عليه، ولكن اربعة اضعاف هؤلاء يصوتون للكيان الذي نصحهم به اصدقاؤهم الموثوقون، كما تظهر احدى الدراسات التخصصية.
من جهة اخرى فان هذا القرب من الناخبين يمكن من ممارسة الدعاية السلبية بشكل واسع، ولكنه لا يترك أثرا يقتفى في حالة الشكوى من هذا التصرف. فمن السهل تصدير اشاعة بين الناس حول امر ما حتى مع غياب الدليل، ولن يكون ممكنا عمليا اثبات من اصدرها. بينما سيكون من الصعب الحديث بشكل رسمي عن اية طعونات بالكيانات الاخرى دون توفر ادلة دامغة. ولكن المواطنين العاديون عادة لا يلاحظون الفرق، ويتناقلون الخبر والاشاعة بنفس القدر من الاهتمام والتصديق، اذا تواترت ا بما فيه الكفاية.
وفي الدعاية الانتخابية، شأنها شأن كل الفعاليات السياسية الاخرى، كل شيء جائز ما لم يمنع بقانون صريح. وقد يكون توجيه الخطاب الديني لحث الناخبين بالتصويت لقائمة او كيان سياسي امرا غير مقبول لدى البعض، ولكنه غير ممنوع قانونا. فالنظام رقم 8 لسنة 2005 الذي اصدرته المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق، ينص على انه quot;لايجوز لاي كيان سياسي او ائتلاف ان يضمّن حملاته الانتخابية افكارا تدعو الى اثارة النعرات القومية او الدينية او الطائفية او القبلية او الاقليمية بين المواطنينquot;، وهذا لا يمنع من استخدام الخطاب الديني طالما انه لا يتجاوز الممنوعات المذكورة. ولا اجد ما يمنع الكيانات الاخرى من استخدام اساليب مماثلة، اذا كانت اقرب الى قلوب المواطنين. ولست ادعو الى تسييس الدين، ولكن الى خلق التوزان الضروري لعدم انفراد جهة او قائمة او كيان ب عقول وقلوب الناخبين.
لقد نجحت قائمة الائتلاف من خلال تحدثها الى كل ناخب على حدة في كسب الثقة لديهم، واجتياز المرحلة الثالثة حتى بدون الحاجة الى فتوى صريحة بالتصويت لتلك القائمة. والخطاب الديني الذي تميزت به دعاية تلك القائمة، لم يكن ليغير من توجهات الناخبين بشكل كبير لو ان بقية الكيانات توجهت بذات القدر من الاهتمام الى الناخب الفرد وسعت الى ضمه واشعاره باهميته لديها وبالتالي اكتسبت ثقته. فعندها لن يكون سهلا التحول عن دعم ذلك الكيان، حتى ولو داعب الكيانات الاخرى عقيدته الدينية او ولاءاته العشائرية او غير ذلك من الضغوطات التي تستخدم عادة للتأثير على الناخبين.
http://aghazala.blogspot.com
التعليقات