أثارتني في الحقيقة الفتوى التي أصدرها وكيل وزارة الشؤون الإسلامية البحرينية فريد يعقوب المفتاح..والتي تقضي بجواز تهنئة غير المسلمين بأعيادهم..!! وجعلتني أتساءل..هل نحتاج إلى فتوى للقيام تهنئة غير المسلمين من الزملاء والجيران والأصدقاء..؟!
سؤال قد تبدو إجابته البديهية أننا لا نحتاج إلى فتوى في ذلك..بل انه واجب على كل مسلم،ومن صميم الأخلاق والأدب التي تعلمناها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم..ولكن في هذه الأيام الغريبة التي نعيشها،والتي امتلكت فيها بعض التيارات السياسية الدين الإسلامي وأصبحت هي صاحبة الحق والامتياز للدين دون غيرها..وجدت أننا فعلا قد نحتاج إلى فتوى...!!!! ولنضع خلف هذه الجملة المئات من علامات التعجب.
ويتملكني العجب من هؤلاء الحريصين جدا على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ndash; كما يقولون ndash; ولكنهم لا ينفذون منها إلا المظاهر والشكل،مثل تربية اللحى وارتداء الجلابيب وتنظيف الأسنان بالسواك..بينما لا يقتدون بالرسول في معاملته وأدبه عليه افضل الصلاة والسلام..! ألم يصم الرسول كما جاء في الحديث يوم عاشوراء عندما علم بان المسيحيين يصومون هذا اليوم لأنه اليوم الذي كلم الله فيه موسى..؟! وقال عليه الصلاة والسلام نحن أولى منهم بموسى.
ألم يقم عليه الصلاة والسلام بزيارة جاره اليهودي الذي كان يضع له القاذورات يوميا أمام بيته عندما لاحظ أن الرجل لم يعد يضعها..وسأل فعلم انه مريض فذهب لزيارته..؟ ألم يقبل هدية المقوقس عظيم القبط في مصر والتي كانت عبارة عن جارية مصرية اسمها ماريه القبطية وطبيب وعسل من بنها وحمار..؟! بل قبل ماريه القبطية جارية له..ثم تزوجها بعد ذلك..؟
ألم تأتي آية صريحة في القرآن تقول :
لم ينهاكم الله عن الذين يقاتلونكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم.. صدق الله العظيم
ألم يأمرنا الرسول برد التحية والسلام..حتى عندما كان يقول يهود المدينة للمسلمين :السأم عليكم..أي الموت عليكم..أمر الرسول برد السلام بكلمة وعليكم..دون انفعال أو شجار أو قتل..وكان ذلك يحدث في المدينة المنورة..مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم..!
ألم يخرج عمر بن الخطاب رضي الله عنه من الكنيسة في القدس وقت صلاة الظهر ليصلي على سلم الكنيسة..وعندما سأله الناس لماذا لم تصل بالداخل..احرام أن نصلي داخل الكنيسة..؟ فأجاب ليس حراما..وإنما خشيت أن يقول الناس من بعدي عمر صلى هنا.. فيحولوها إلى مسجد..!
هذه هي أخلاق المسلمين..وهناك عشرات الأحاديث عن الجيرة وحقها حتى وان كان الجار غير مسلم..ورسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق..أي أن هذا هو اصل الرسالة واصلب الدين واصل الدعوة الإسلامية..مكارم الأخلاق يا سادة.
فكيف تكون مكارم مكتملة إذا لم نهنئ الناس بأعيادهم..وان نسعد لسعادتهم ونفرح لفرحهم..وعندما أهنئ زملائي وجيراني وأصدقائي بأعيادهم أجد في عيونهم فرح وسعادة..ونظرات كلها حب وشكر وامتنان..وتقدير لأخلاقي ومحبتي لخلق الله كلهم..وهي أخلاق تعلمتها من أصول ديني ودعواه السمحة..وهي افضل طرق الدعوة إلى الإسلام والى أن يفهم حقيقة الإسلام غير المسلمين.
وأسأل هؤلاء..ألم يصلي رسول الله صلى الله عليه وسلم على النجاشي ملك الحبشة الذي كان مسيحيا..؟! وقال عنه الرسول ( قال ابن عباس في رواية عطاء: إن النجاشي لما توفي قال جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم: إن النجاشي توفي، فصل عليه، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يحضروا وصفهم ثم تقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال لهم: إن الله أمرني أن أصلي على النجاشي وقد توفي فصلوا عليه، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وكان النجاشي قد أجار المسلمين الذين استجاروا به مهاجرين من قريش بعد أن اشتد إيذاء الكفار في صدر الإسلام..ورفض النجاشي طلب عمرو بن العاص وكان لا يزال كافرا وقتها برفض إجارة المسلمين..وسأل المسلمين عن صفات النبي..ولما وصفوه عليه الصلاة والسلام قال لهم إنها علامات الأنبياء..فأجارهم..وكذلك المقوقس عظيم القبط في مصر عندما أرسل له الرسول رسالة الدعوة إلى الإسلام..فأجابه بهداياه الشهيرة التي قبلها الرسول.
قد تبدو الأمور واضحة جدا..ولكن البعض يحلو له أن يخلط الأمور على الناس..وهنا أصبحنا في حاجة إلى فتوى مثل التي أصدرها وكيل وزارة الشؤون الإسلامية البحرينية فريد يعقوب المفتاح..وكان من الطبيعي أيضا أن نجد معارضة شديدة وثورة على الفتوى ومطالب بإلغائها وعدم العمل بها.
فقد صرنا نعيش في زمن اللا منطق و اللا عقل..وتبوأ هؤلاء مقاعد الفضائيات وشبكات الإنترنت واعتلوا المنابر..ليحرموا الحلال..ويشغلوا الناس بتوافه الأمور وابسطها منطقا وعقلا وخلقا..وكأن مشاكل التخلف والجهل والفقر والقهر ستحل عندما لا نهنئ غير المسلمين بأعيادهم..ارحموا عقول الناس..واحترموا أوقاتهم ومصالحهم..أدعوهم للعمل والإخلاص ومكارم الأخلاق..فهذا افضل كثيرا مما تفعلون.
وليد حيدر
كاتب وصحفي مصري
[email protected]
التعليقات