( نظرة فلسفية)
(بهرز)
في محافظة ديالى وهي مدينة لاتختلف كثيراٍ عن باقي مدن ومحافظات العراق الا ماندر،فشعب هذا القضاء يحمل في طيات عقله الباطني الأفكار التي يحملها شعب الناصرية و بغداد والموصل وا لبصرة وباقي مدن العراق.
ولعل قضاء بهرز نموذج لمدينة عراقيةحبلت وانجبت الشيوعية في العراق، ولكنها ليست المدينة الوحيدة التي انطلقت منها الشيوعية، فالناصرية كانت يوما ما مهدا ومنطلقا للشيوعية ايضا.
الا ان بهرز لها خصوصيتها الخاصة في انجاب الشيوعية في العراق، كما كان للناصرية خصوصيتها،ففي بهرز تاسست اولى الخلايا الشيوعية المنظمة تنظيما عاليا، وامتاز قادتها بعنادهم وتحديهم لصالح افكارهم ومبادئهم.
فقد تأسست اول خلية شيوعية في بهرز عام 1935 في حين كان تأسيس الحزب الشيوعي العراقي ككيان تنظيمي سياسي عام1934.
وأيا كانت المدن العراقية،بهرز،ناصرية،كربلاء،نجف،البصرة،بغداد،---الخ من الالوية او المتصرفيات،او القصبات العراقية،فأن العقيدة الشيوعية كأيدلوجية وتنظيم قد دخلت كل المدن العراقية على الاطلاق وبلا أستثناء في نهاية الخمسينات وبداية الستينات،ولم يترك هذا الحزب مكانا لم يزرع بة خلاياه الا ما ندر، او يكاد يكون العراق كلة عبارة عن مجموعة خلايا شيوعية منظمة تنظيما هرميا تصاعديا محكما، تقودها هيئة قيادية مركزية تصدر الاوامر والقواعد تنفذ.
وقد ورد في تقييم لعدد أعضاء ومرشحي العضوية واصدقاء الحزب الشيوعي العراقي ان العدد قد وصل في تلك الفترة، الى ثمانمائةوخمسون الف شخص من اصل شعب تعدادة سبعة الى عشرة ملايين نسمة.
وعلى الرغم من ان هذه الارقام التي يبدوا مبالغا بها،الا ان المد الشيوعي في العراق كان قد بلغ ذروتة في نهاية الخمسينات وبداية الستيتات.وقد ورد على لسان تايه عبد الكريم وهو احد رجالات حزب البعث السيء الصيت، ان الشيوعيين قد تغلغلوا في كل العشائر والمدن العراقية، ومن الصعب ان نجدعشيرة او مدينة عراقية الا وسيطر عليها الحزب الشيوعي العراقي.
امام هذه الارقام والتقديرات التي يبدوا مبالغا بها ولكنها تحمل في طياتها جزءا كبيرا من الحقيقة نجد ان بعض المدن العراقية قد انقلبت في عقيدتها لتتحول من الشيوعية الى الاصولية بعد ان مرت بالبعثية.
ولعل مدينة بهرز ستكون نموذج لمدينة عراقية انقلب كيانها بهذا الشكل، مدينة كانت يوما رحما للشيوعين لتتحول اليوم الى اقصى متشدد للاصولية والسلفية والتكفيرية، متحدة مع الكيان الاجرامي للبعث بعد ان تحولت في الثمانينات والتسعينيات الى كتلة بعثية بنفس الحجم الذي كانت فية ككيان شيوعي ذو تنظيم عالي المستوى.


التركيبة الايدلوجية للشعب العراقي
في سؤال عن التركيبة الأيدلوجية للشعب العراقي خلال الازمان المتعاقبة للتاريخ العراقي نجد ان هناك اعتناق جماعي موحدة للايدلوجيات‘ ففي الثمانينيات ظهر أنتماء جماعي لحزب البعث الحاكم وقد تمخض عن هذا الانتماء الجماعي تأليه لشخصية صدام حسين الى حد أخترعت لهذا المجرم اسماء تشابه اسماء الله الحسنى.
وقد سبق هذا الأنتماء الجماعي لحزب البعث اعتناق جماعي للشيوعية والفرق بين المرحلتين هو:
فترة الأنتماء الجماعي لحزب البعث،كان في ظل استلام هذا الحزب للسلطة،وتسخير كل أمكانات واموال الدولة لصالح شراء تفكير وعقول الناس.
فترة الاعتناق الجماعي للشيوعية في ظل ضروف غاية في القسوة والاضطهاد،صاحبة ضرب مبرح للشيوعين مع العلم ان الشيوعين لم يعتلوا السلطة في العراق اطلاقا.


و يمكننا جدولة الأجيال المتعاقبة للايدلوجيات في العراق بهذا الشكل:
اولا:
ما بعد 2003.و هي فترة سقوط النظام البعثي والوجود الامريكي والبريطاني في العراق وتتميز بألمميزات الاتية :
1. اضطراب التفكير وتشوش الرؤية لدى عموم الناس.
2.لجوء الناس الى الدين من اجل ملىء الفراغ الفكري.
3.بروز العلمانية في الدين الأسلامي،وكانت البداية في المذاهب الشيعية،وبدءت وستتوسع في المذاهب السنية بسبب ادراك وتقييم النجاحات التي حققتها المذاهب الشيعية، من جهة، وبسبب التقييم والمراجعةمن قبل الاحزاب الدينية للأخطاء الفادحة السابقة اثناء الحكم الملكي الهاشمي والحكم الجمهوري.
4.رجوع العراق كدولةوكيان سياسي الى ما قبل ثورة 14\تموز\1958
5.تتشابةضروف العراق السياسية والاقتصادية مع ايام سقوط الدولة العثمانية.
6.حصول انكماش وانحسار في التفكير الثوري الموروث من العهد الملكي والذي توسع في العهد الجمهوري اثناء الدولة التي اسستها ثورة 14\تموز\ 1958.
ثانيا:
فترة حرب الكويت وما تلااها: يلاحظ في هذة الفترة بروز الفسق الجماعي ورعايتة من قبل السلطات الحاكمة،وظهورصفات تعتبر دخيلة على عموم الشعب العراقي.
وتمتازهذه الفترة :
1.أفتضاح زيف السلطة البعثية وظهور الوجة الحقيقي لحزب البعث، وفي هذة الفترة اثبت حزب البعث الحاكم في العراق للعالم وللشعوب العربية والشعب العراقي انه ليس هناك شىء اسمة وحدة عربية، وليس هناك امة اسمها امة عربية واحدة ولا توجد رسالة خالدة لهذه الامة،وان الامر كله سفسطة وخداع،وتحول الجيش العراقي الى جيش استعماري صنع بالشعب الكويتي ما صنعة اي محتل غاشم باي شعب مغلوب على امرة.
2.اعلان السقوط الاخلاقي الجماعي،وقد تجلى ذلك باعمال السلب وانهب المنظمة، واصدار الاوامر من قبل المجرمين البعثيين الحاكمين بتفكيك بنية دولة الكويت بالكامل وسرقتها، وقد كانت هذه بداية سيئة اخرى اضيفت الى بداية المحمرة.
3.أزدياد الاعمال الارهابية للحكومة البعثية وازدياد اعمال القتل الجماعية،على الرغم ان اعمال القتل الجماعية لم تكن البداية في هذة الفترة فقد سبقتها اعمال قتل وأغتيال منذ استلام حزب البعث للسلطة في1968 الا ان الامر هذه المرة قد اختلف،فقد أصدر المجرم صدام حسين امرا يقضي بقتل كل المناوئين لة ودفنهم اينما تتم عملية قتلهم بدون الحاجة لقرار قضائي بل بدون محاكمة،ولم يحكي لنا التاريخ عن مثل هذه الاعمال في العالم كلة، الا في كمبوديا في عهد (الخمير).
4.شيوع الفساد في مؤسسات الدولة، والابتزاز المنظم من قبل السلطة للتجار ورجال الاعمال العراقيين،وأجبارهم على دفع الدية مما تسبب ذلك في تفشي ظاهرة الابتزازالمنظم من قبل موظفي الدولة ورافق هذه الاعمال عمليات اعدام جماعية لتجار ورجال اعمال الذين فوجئوا باعدامهم دون ان توجه لهم اية تهمة،وتبين فيما بعد ان اعدامهم كان لاجل ارهاب باقي التجار رجال الاعمال لاجل دفع الديه وفورا،وكانت هذه سابقة لم يشهد لها العالم مثيلا.
5.ظهور الحملة الايمانية التي كان يقودها صدام حسين شخصيا،رافقتها حملة بناء جوامع لم يسبق لها مثيل في كل انحاء العالم الاسلامي،في نفس الوقت الذي كان الشعب العراقي يعاني من الفقر المدقع والجوع والحرمان،وقدكان لهذة الحملة الاثر البالغ في ظهور التدين السياسي، الذي اوجد وقاد حالة الارهاب لما بعد السقوط في 9\4\ 2003.
ثالثا:
فترة مابعد انقلاب 17 تموز 1968
وتمتاز هذه الفترة :
1. الأنتماء الجماعي لحزب البعث.
2. الارهاب المخفي ضد الشيوعين وزيادة جرائم الاغتيال المنظمة والموجهه ضد الشيوعين حصرا بسبب تنامي شعبيتهم من جديد والسمعة العالية التي يتمتعون بها بسب ماضيهم الوطني.
3. انتعاش الاقتصاد العراقي بسبب ارتفاع اسعار النفط الخام.
4.انتهاج السلطة البعثية الحاكمة السياسة العلمانية.
5.ابتعاد عموم الناس عن الدين وخلوالجوامع والكنائس العراقية من المصلين بسبب مواقف رجال الدين السابقة.
رابعا:
الفترة العارفية :
وتمتاز هذه الفترة :
1.انهيار الاقتصاد العراقي.
2.وجود جروح عميقة داخل العائلة العراقية بسب اعمال القتل لمابعد مذابح 8شباط
3. وجود حيف لدى الانسان العراقي بسب أغتيال ثورة 14 تموز\1958.
د- المد القومي المحدود الذي غذاة جمال عبد الناصر وعموم القوميين.
ه- عدم التقبل الجماعي( للشعب العراقي) للافكار القومية بسب الجرائم التي ارتكبت في مذابح 8شباط من جهة والعداء بين عبد الكريم قاسم (المحبوب من غالبية الشعب العراقي في ذلك الحين ) ( وجمال عبد الناصر) الذي وضع مصالحة الخاصة فوق مصلحة العراق.


خامسا:
الفترة الجمهورية: وهي الفترة التي غيرت النظام العراقي من ملكي ازلي الى جمهوري، وتمتاز:
1. المد الشيوعي الكاسح والاعتناق الجماعي للافكار الشيوعية.
2. انهيار السيطرة الدينية على المجتمع والكره الجماعي للمرجعيات والقيادات الدينية.
3. انتشار وانتصار ثورات عالمية ضد ( الامبريالية ) ( والراسمالية الاحتكارية)، وغيرها من المسميات التي كانت شائعة الاستعمال في ذلك الوقت مما أدى الى توسيع وتعميق الفكر اليساري في العراق عموما.
4.شعور المواطن العراقي بكرامتة ولاول مرة في التاريخ السياسي العراقي.
5.تحسن الاقتصاد العراقي عما كان عليةفي العهد الملكي.
سادسا:
الفترة الملكية والاحتلال البريطاني وقد أمتازت:
1.الظلم والاستبداد والاحتكاروسيطرة الاقطاع.
2.سيطرة الدين على المجتمع،واستغلال الدولة للدين ورجاله استغلالا تعسفيا من اجل تمرير مؤامرات ضد الشعب العراقي،ورضوخ رجال الدين لمؤامرات الحكومة واصدارهم فتاوي تكفر الوطنيين العراقيين،وتقوي مواقع الحكومات الملكية الحاكمة أنذاك.
3.الفقر الجماعي للاكثرية، والغنى الفاحش للأقلية.
4.حققت الشيوعية العالمية انتصارات كاسحة،واسفر ذلك عن تاسيس المنظومة الاشتراكية، التي كانت اولى مهامها التحريض ضد الرأسمالية ومساعدة شعوب العالم من اجل اشعال ثورتها والتخلص من الظلم والفقر والاستغلال.
سابعا:
فترة الحكم ا لعثماني :
وقد امتازت هذه الفترة :
1.السيطرة الاستعمارية التركية تحت لواء الدين.
2.التخلف وانعزال العراق عن البشرية المتحظرة انذاك
3.السيطرة الدينية على الدول واستغلال الدين استغلالا بشعا لتمرير اعمال السلب للناس، والتي كانت تنفذ بواسطة قانون الضرائب، هذا القانون الذي كان يفرض على الناس بطرق بشعة وهمجية.
4. كانت الهمجية الصفة السائدة للدولة العثمانية ومؤسساتها.مما انعكس ذلك سلبيا على الانسان العراقي وسلوكيتة.
5.خضوع الناس،واليأس، وعدم دراية الانسان العراقي بالتطور العالمي انذاك.
ملاحظة مهمة عن فترة الحكم ا لعثماني:
لو أجرينا دراسة معمقة عن الصفات السيئة الموروثة للمواطن العراقي،لما بعد 2003 لوجدوا ان العثمانيين ودولتهم المتخلفة والهمجية يتحملون السبب الاكبرمن الهمجية التي مارسها البعثيون في تدمير نفسية المواطن العراقي.
----------------------
من خلال تقييم الاحداث في الازمان المتعاقبة، نجد ان الشعب العراقي له صفات مشتركة لا يحددها الدين اوالمذهب اوالقومية، وانما يحددها المصير المشترك والواقع المشترك او المعانات المشتركة لهذا الشعب. وبسبب هذا الواقع اوالمصير او المعانات تتولد الايدلوجية الموحدة العامة لعموم الشعب، وهذا يثبت بطلان النظرية الامبراطورية للامة العربية الواحدة،في نفس الوقت يثبت بطلان النظرية الامبراطورية الاسلامية الموحدة، وتعد الاحداث التي مر بها الشعب العراقي دليلا ثابتا يؤكد ان الاحزاب التي نادت بالامبراطورية الواحدة للامة العربية انما كانت تخفي وراء ذلك ما كان مجهولا يوما ما، واصبح فعلا فاضحا الان، وقد تحمل الشعب العراقي ثقلا كبيرا من الافعال المشينة لهذه الاحزاب التي كان في طليعتها حزب البعث العربي الاشتراكي، الذي لم يكن أبدا حزبا عربيا او حزبا اشتراكيا، وانما كان دائما حزبا للقتل والاجرام واجهاض التفكير العلمي للشعب العراقي.
لقدانتفت الحاجة لوجود احزابا مثل حزب البعث لان وجود مثل هذة الاحزاب يوما ما كان بسبب العداء بين الشيوعية من جهة والراسمالية القديمة من جهة اخرى، اما الان فقد تغير الموقف بالنسبة للطرفين:
فقد تخلت الشيوعية عن مبدء دكتاتورية البروليتاريا وتخلت عن( مبدء التحول من مجتمع الاقطاع الى المجتمع الشيوعي دون المرور بالرأسمالية) بل تخلت اصلا عن مبدء( التطور اللاراسمالي).
في نفس الوقت تخلت الرأسمالية العالمية عن الاحتكار وتبنت الكثير من المبادىء الشيوعية،مثل انشاء قانون منع الاحتكار ومنع زج الدين بالدولة، وصيغت قوانين تعتبر (الدين) مسالة شخصية مطلقة،وكذالك تبنت هذة الدول قانون الرعاية الاجتماعية الذي يضمن للانسان مأكلة وملبسة و غير ذلك( اى بأختصار تحولت الصورة البشعة الاستغلالية والاحتكارية للرأسمالية الى جزء من المضمون الثوري للأشتراكية العلمية والتي كانت( الامل) في ان تكون المرحلة الاولى للمجتمع الشيوعي الابتدائي).
وبذالك التقت الشيوعية مع الرأسمالية الحديثة المتطورةفي كثير من الامور التي كانت السبب في الصراع،وكانت السبب في صناعة احزاب مثل حزب البعث،هذا الحزب الذي حمل على اكتافة معظم الجرائم التي وقعت في العراق.


سامي كوركيس داود
بغداد- العراق