كان حادث إغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري، نقطة إنطلاق لمجموعة من الناشطين السوريين للقيام بلقاءات مازالت تتكرر إلى يومنا هذا. تمت الدعوة إلى إجتماع أول تحت عنوان أن الوطن السوري يمر بخطر، ويمكن لأي كندي، أو مهاجر ومن أصل سوري أن يحضر. لا يهم أبداً إن كان معارضاً أو كان غير معارض، الواجب يقتضي اللقاء لمناقشة قضية الوطن، وإمكانية عمل شئ ما يمكن أن يساعد ضمن حدود وإمكانات السوريين في كندا، ومونتريال خصوصاً.

وصل عدد المجتمعين في احد اللقاءات إلى اربعين ناشطاً، ثم تقلص العدد إلى 18 في آخر إجتماع. ومع ذلك اصر الجميع على
استمرار عقد اجتماعاتهم كل خمسة عشر يوماً.


ماذا دار في هذه الإجتماعات وماذا توصل إليه الناشطون السوريون في مغترب كندي بعيد المسافة جغرافياً عن الوطن الأم. وهل يمكن لمجموعة، لا تتجاوز العشرات أن تقوم بعمل، حقيقي يساعد على حل أزمة الوطن المتصاعدة يوماً بعد يوم، وهل يمكن لهؤلاء الذين يحملون في قلوبهم وعقولهم محنة الوطن، إضافة إلى محنة الإغتراب القسري لبعضهم أن يقدموا أكثر من التجمعات السورية الأخرى في بلدان إغترابية عربية أو أوروبية؟

تميزت الإجتماعات بالقدرة على القبول بالإختلاف بين المتحاورين بغض النظر عن إنتماءاتهم الفكرية والسياسية أو الثقافية، مما اظهر وعياً متقدماً املته الظروف الخاصة التي يمر بها الوطن السوري. وغادر البعض لإسباب قد تكون تجاوز قضية بناء تجمع سوري يؤدي إلى قيام نادً يجمع بين الأطراف المتعددة.

اظهر الحوار بين الفرقاء، أن ظاهرة الخوف التي زرعها النظام في نفوس السوريين في الوطن والمغترب قد خفت حدتها، أو أنها اختفت بعض الشئ لدى العديد. لذا كانت الحوارات تجمع على فساد النظام في سلوكه وادائه خلال العقود الأربعة التي تربع بها ومازال على سدة الحكم في سورية. كما تم تقديم إقتراحات متعددة، أولها القبول بمطالب المعارضة السورية بدون أي تحفظ، لإلغاء قانون الطوارئ، واخلاء المعتقلات السورية من سجناء الرأي، والمطالبة بحرية تشكيل الأحزاب، وسيادة الدستور والقانون وعدم أقصاء أي فصيل سياسي سوري عن وطنه مهما كانت افكاره وآراءه. فالوطن وطن الجميع، وليس حكراً على فصيلة أو قبيلة أو جماعة دينية أو غيرها.


وطالب البعض بتحريك الرأي السياسي الكندي، عبر العاملين في الأحزاب الكندية، مذكرين بتجربة بعض النشطاء العرب كاللبنانيين والتونسيين، والوسائل المختلفة التي اتبعت لتحريك هذا الرأي.


وفي منشور قارب بين ممارسة الحرية وحقوق الإنسان في كندا وتونس، استطاع ثلاثة من الناشطين التونسيين أن يؤلبوا الرأي العام الكندي في مقاطعة كيبيك وأن يثيروا أهتمام وسائل الإعلام لقضيتهم. كما استطاعت المعارضة اللبنانية أن تجذب إلى صفوفها معظم المسؤلين الكنديين في أعلى المستويات، من رئيس الوزراء إلى وزير الخارجية، إلى رئيس المعارضة، والمطالبة بالوقوف إلى جانب خروج القوات السورية من الأراضي اللبنانية.


وقد تفلح الأيام القادمة بتنشيط الرأي السياسي الكندي إلى جانب الناشطين السوريين في وسائل جديدة قد تكون مبتكرة، خاصة أن بعض المشاركين لهم علاقات مباشرة حزبية أو غيرها مع المسؤلين والنواب وبعض الوزراء الكنديين على مستوى المقاطعة أو على المستوى الفيدرالي.


وطرحت مسألة استخدام الرموز، كالشال الأبيض والأخضر، بعض الوان العلم السوري الأصلي بعد عهد الإستقلال، لحمله من قبل السوريين في الوطن والخارج تعبيراً عن الأحتجاج الرمزي المسالم لطبيعة النظام الشمولي السوري، كما استخدم من قبل الثورة السلمية الأوكرانية، أو الإنتفاضة اللبنانية بعد إغتيال الحريري.


وتساءل السوريون عن تجربة
دور الإغتراب
في تحرير أأوطان متعددة، وامكانية حث السلطة السياسية على القيام بتغيير سريع وجذري، واهمية هذا الدور الذي كان اساسياً في دعم الداخل لأي وطن يحكمه نظام عسكري وأمني كالنظام السوري الحالي، وأمكانية تفعيله ولو كان عدد الناشطين قليلاً مقابل شعب عدد سكانه قرابة السبعة عشر مليون سوري، محاصر في يومياته ومهدد بالسجن بدون مدد زمنية، لو اعرب عن عصيانه، أو لو قام بإنتفاضة يعبر بها عن عدم رضاه من تصاعد الفساد والمحسوبية، وغياب دولة القانون لمصلحة رموزه ورجاله الذين اتخموا بكل ماهو غير قانوني أو منطقي، لدولة عريقة في التاريخ كسوريا.


السوريون في كندا، الذين هاجروا هرباً من التأزم السياسي، أو الإقتصادي أو الإنساني، يشابهون اخوانهم العرب في معاناتهم من أنظمة التحكم المطلقة في بلادهم، الخارجة عن تاريخ العصر والإنسانية، كونها أنظمة اثرية غير قادرة على نشر مبادئ الديموقراطية وحقوق الإنسان وحق المواطن في عيش كريم بسيط مشابه لإي مواطن آخر في دول متقدمة.

هل تنجح إجتماعات السوريين في كندا أن تضيف دعماً معنوياً أو غيره إلى مجموعة الناشطين السوريين في الداخل والخارج. لا ندري، إنما لا بد من التذكير إن نمط العيش المسالم، والتمتع بالحرية على صعيد عملي لكل مواطن جديد يطأ الأرض الكندية، قد دعا البعض إلى التساؤل عن احقية المواطن السوري أو أي مواطن آخر في العالم محروم منه،
في اكتسابه ايضاً، كونه لايكلف أبداً لأي حاكم أو أي مسؤول سياسي إذا وعى حق العيش الأمن لجميع ابناء الوطن، أي وطن كان.