في خطوة غير متوقعة، أدت الحكومة الانتقالية العراقية برئاسة الدكتور إبراهيم الجعفري قسما منقوصا، أمام الجمعية الوطنية العراقي (برلمان الأمة العراقية) استنادا الى قانون ادارة الدولة العراقية. حيث جاء في النص الذي قرأه رئيس الوزراء و أ عضاء الحكومة " اقسم بالله العلي العظيم ان أؤدي مهامي ومسؤولياتي بتفان وإخلاص وان أحافظ علي استقلال العراق وسيادته وارعي مصالح شعبه واسهر علي سلامة أرضه وسمائه ومياهه وثرواته وأطبق التشريعات بأمانة وحياد والله علي ما أقول شهيد"، حيث حذف عبارة نظامه الديمقراطي الاتحادي من القسم الذي أ دته الحكومة الانتقالية. وحسب ما جاء في الأخبار فان حذف عبارة "نظامه الديمقراطي الاتحادي" كان متقصدا من قبل رئيس الوزراء العراقي حيث صرح السياسي الكردي المخضرم الدكتور محمود عثمان في لقاء مع الإعلام الكردستاني في 8/5/2005، ان المعلومات التي وصلته تؤكد ان إبراهيم الجعفري قد شطب الكلمات المذكورة بخط يده من نص القسم. وبناءا عليه فسر بعض المراقبين هذا الإجراء من قبل الجعفري على أنه كان إختبارا لبداية تعامله مع القضايا الكوردية والعراقية المصيرية للتأثير على مساراتها واتجاهاتها التي ستحدد بشكل نهائي في مستقبل قريب من خلال تثبيت الدستور الدائم.

ولاشك ان هذا الإجراء قد ترك لدى الكورد، حالة من عدم الارتياح والانزعاج والاستغراب، وأبدى الشارع الكوردي استغرابه الشديد من هذا العمل غير المتوقع من قبل الدكتور ابراهيم الجعفري الذي كان ينظر له كسياسي عراقي معتدل من قبل المراقب الكوردي. وعبر رد الفعل هذا عن نفسه بسرعة في وسائل الإعلام الكردية من صحافة ووسائل مرئية محلية وفضائية. وكذلك عبرت القيادة السياسية الكوردية بسرعة عن الإهتمام بهذا العمل والإجراء غير القانوني وتناولته باهتمام شديد.

وتعليقا على هذا الحدث غير المتوقع، " قال النائب في البرلمان العراقي فؤاد معصوم القيادي في حزب الاتحاد الوطني الكردستاني أمام أعضاء الجمعية الوطنية ان "كتلة التحالف الكردستاني تطالب بمعرفة المسؤول عن الحذف. وعد ان "حذف العبارة المذكورة يشكل خرقا لقانون ادارة الدولة للمرحلة الانتقالية". } بيوكي ميديا 6/5/2005 {.

من جانب آخر، ولأهمية الموضوع لدى الكورد والقيادة الكوردستانية، عبر السيد مسعود البارزاني زعيم الحزب الديمقراطي الكوردستاني عن عدم ارتياحه من حذف العبارة من القسم، واعتبره خرقاَ قانونياّ و تهديد جدي لخرق الاتفاقات.راجياً أن يكون هذا الخطأ غير متعمد، وطلب الإسراع في تصليحه لمصلحة الجميع. كما وجه نداء إلى أعضاء الكتلة الكوردية في البرلمان وممثلي الكورد في الحكومة الفدرالية العراقية على متابعة الأمر عن كثب لأن هذه النقطة لا يجب المساومة عليها. } كي آر جي 6/5/2005 {.

وبهذا الصدد أيضا أصدر زعيم الحزب الديمقراطي الكوردستاني توضيحا عبر فيه عن عدم ارتياحه بخصوص اليمين القانوني لكابينة حكومة العراق الفدرالية، وجاء في نص التوضيح " عند إ داء أ عضاء كابينة الحكومة العراقية الجديدة اليمين القانونية فان اليمين لم يتضمن احد أ هم ركائز العراق الجديد، وهو فقرة العراق الفدرالي الديمقراطي، والذي يتوقف تحالفنا على هذا ال أ ساس، وهو العراق الفدرالي الديمقراطي. ان حذف هذه الفقرة خرق قانوني وتهديد جدي لإلغاء التحالف، نتمنى ان لا يكون هذا متعمداً ومعالجتها بأسرع ما يمكن. و أ طالب كتلة التحالف الكردستاني في البرلمان وممثلي كردستان في الحكومة العراقية الفدرالية الوقوف عند هذا الموضوع ومعالجته ل أ نه لا يمكن المساومة عليه ". } بيامنير 6/5/2005 {.

وجاء في الأخبار أيضا أن " مصدر مسؤول بمكتب روز شاويس نائب رئيس الوزراء قال ان الدكتور شاويس ينتظر تفسيرا رسميا بسبب خلو القسم الدستوري الذي أ دته الحكومة في جلسة التصديق عليها بالبرلمان من "جملة مهمة جدا" تشير الى الحفاظ على الطابع الاتحادي الديمقراطي التعددي للنظام العراقي وانه سيعتبر الامر خرقا للقانون في حالة عدم صدور توضيح. و أ ضاف "اننا ن أ مل ان يكون ذلك غير مقصود ونحن ننتظر الرد منهم و الا فانه سيعتبر اول خرق للقانون تقوم به الحكومة الانتقالية ". } أصوات العراق، 6/5/2005 {.

ولكي نكون على بينة من الأمر، فإن القسم يعتبر منقوص حسب المادة الرابعة من قانون ادارة الدولة العراقية ( TAL ) التي تنص على أن " نظام الحكم في العراق جمهوري، اتحادي (فيدرالي)، ديمقراطي، تعددي، ويجري تقاسم السلطات فيه بين الحكومة الاتحادية والحكومات الإقليمية والمحافظات والبلديات والإدارات المحلية. ويقوم النظام الاتحادي على أساس الحقائق الجغرافية والتاريخية والفصل بين السلطات وليس على أساس الأصل أو العرق أو الاثنية أو القومية أو المذهب "، ولهذا فإن القسم يعتبر منقوص وغير قانوني لأنه لا ينص على ركن أساسي وجوهري وهو بناء نظام الحكم في العراق الجمهوري على أساس إتحادي (فيدرالي)، وديمقراطي.

وتأكيدا على الثبات المرجعي لقانون ( TAL ) كونه القانون الأعلى في العراق الاتحادي، كما تنص عليه المادة الثالثة " (أ) ان هذا القانون يعد القانون الأعلى للبلاد، ويكون ملزما في أنحاء العراق كافة، وبدون استثناء. ولا يجوز تعديل هذا القانون الا بأكثرية ثلاثة أرباع أعضاء الجمعية الوطنية، وإجماع مجلس الرئاسة، كما لا يجوز إجراء أي تعديل عليه من شأنه ان ينتقص بأي شكل من الأشكال من حقوق الشعب العراقي المذكورة في الباب الثاني او ان يمدد أمد المرحلة الانتقالية الى ما بعد المدد المذكورة في هذا القانون، أو يؤخر إجراء الانتخابات لجمعية جديدة أو يقلل من سلطات الأقاليم والمحافظات أو من شأنه أن يؤثر على الإسلام او غيره من الأديان والطوائف وشعائرها. (ب) إن أي نص قانوني يخالف هذا القانون يعد باطلا. (ج) ينتهي سريان نفاذ هذا القانون عند تشكيل حكومة منتخبة وفقا لدستور دائم"، فإن إداء القسم وفق الصيغة المنقوصة يفسر أنه مخالف، كما تؤكد عليه الفقرة (ب) أعلاه حيث ينص إن أي إجراء يخالف هذا القانون يعتبر باطلا، ولهذا فإن الإجراء الحاصل في إداء القسم في المرة الأولى أمام الجمعية الوطنية يعتبر باطلا وفق هذا المنظور.

ولإزالة هذا النقص والشبهة الباطلة، وإرساء وتثبيت الشرعية، تحركت القيادة الكوردستانية بسرعة بناءا على ضغوطات واعتراضات قدمتها القيادة الكوردية والتحالف الكوردستاني، تم إعادة أداء القسم بكامل نصه القانوني مرة ثانية في يوم 9/5/2005 من قبل الدكتور إبراهيم الجعفري رئيس الوزراء وأعضاء الحكومة العراقية.

ولكن ما يسجل على هذا الإجراء وعلى إداء هذه العملية أن القسم لم يتم أداءه أمام رئاسة وأعضاء الجمعية الوطنية العراقية في البرلمان العراقي، وإنما تم في مجلس الوزراء، وهذا ما لا يمكن تعليله وتفسيره بشفافية، لأن مكان أداء القسم له اعتباراته البروتوكولية القانونية لا يجوز المساس به كيفما يشاء. ولهذا بالرغم من الإرتياح المسجل بخصوص إعادة القسم وفق الصيغة القانونية الصحيحة، فإن إجراء القسم في غير مكانه القانوني السليم، قد قلل من هذا الإرتياح وأبقى على بعض الشكوك حول النوايا الحقيقية التي يضمره السيد الجعفري تجاه القضايا الأساسية الجوهرية المصيرية المتعلقة بالعراق الجديد التي تتمثل بإرساء الديمقراطية والنظام الفيدرالي، وتقاسم السلطات بين الحكومة الاتحادية والحكومات الإقليمية.

وما يسجل في هذا الاتجاه من علامة استفهام، هي أن بقية الكيانات السياسية العراقية غير الكوردية الممثلة والمنتخبة في البرلمان العراقي لم تبدو منها اعتراض على هذا الأمر، ولم تبادر الى الإهتمام بهذا الموضوع الهام، وهو معلوم أنه لا يخص الكورد فقط وإنما يخص العراقيين جميعا، خاصة فيما يتعلق تثبيت نظام الحكم الديمقراطي الفيدرالي التعددي. والمعروف للمتابعين إن الإتفاق المبرم بين الائتلاف العراقي الموحد والتحالف الكوردستاني أكد على أتفاق الطرف ي ن على أ سس ل إ نجاز مهام المرحلة الانتقالية منها " الالتزام بقانون ادارة الدولة للمرحلة الانتقالية بكل بنوده بوصفه المنظم والمرجعية لعمل الحكومة والجمعية الوطنية والسلطة القضائية واعتبار ان مهمة المرحلة الانتقالية هي إ عداد الدستور الدائم والسير قدما في قيام حكومة منتخبة وفق دستور دائم ". } إيلاف 13/4/2005 {.

بعد هذا السرد للأحداث المرافقة لهذه المسألة، ولكي نبقي على الأمر بحجمه الطبيعي، واستنادا الى النوايا الخيرة التي فرضت وجودها في هذا الشأن، لا بد لنا من التأكيد على أن التمسك بالمسار المتفق عليه بين الأطراف السياسية العراقية وفق قانون إدارة الدولة العراقية، المرجع الأساسي للجمعية الوطنية ولحكومة العراقية للمرحلة الانتقالية، تمثل الصيغة المثلى للجميع لبناء العراق الجديد على أساس نظام حكم جمهوري، إتحادي، ديمقراطي، وتعددي لكي ينعم جميع العراقيين من كورد وشيعة وعرب سنة بحقوقهم الدستورية التي تحقق أفضل السبل للعيش بحرية وكرامة لكل العراقيين في ظل خيمة واحدة وهي الأمة العراقية.

ومثلما برهنت دائما، القيادة السياسية الكوردية العراقية على حرصها الكبير في الدفاع عن العراق خاصة العراق الجديد، فإنها أثبتت بعملها هذا، المتسم بالحكمة، أنها حريصة أكثر من غيرها لسلامة مجريات التغيرات التي يحب أن تجري وفق المسار السليم والصائب والمرسوم من قبل الجميع وفق إطار قانون ادارة الدولة العراقية. وأملنا كبير أن تتحلى القيادات والأطراف والكيانات العراقية السياسية بنفس الروح والحرص والفعالية التي تتسم بها القيادة السياسية الكوردستانية لسلامة الخطوات والإجراءات والأعمال والبرامج التي تأخذ مجراها في التطبيق من قبل الحكومة العراقية ومن قبل الجمعية الوطنية، لكي يكون أسس مسار طريق بناء العراق الجديد قويا ومتينا في ظل إرساء نظام حكم ديمقراطي وفيدرالي وتعددي، يضمن للكل عراقي الحرية والكرامة ومستقبل زاهر للحاضر وللأجيال اللاحقة.