في فلسطين لا ينتظرون نتائج اجتماع لجنة الثماني ولا تبرهرهم " بوسة “ بيريز – كوندليزا ولا يحلمون بنهار مشمس من خلف شقة شارون السكنية أو مزرعته الحيوانية.... في فلسطين لا ينتظرون الصيف فلا بحر لهم ولا ينتظرون الشتاء فقد صودرت الينابيع في جوف الأراضي وأصبح ثمن الحياة يوازي فاتورة استهلاك المياه في نهاية الشهر واقل بكثير من قطعة القماش التي تغطي مساحة النعش....

في فلسطين يدفعون الفواتير والضرائب وسلطات الجمارك تلاحقهم في كل مكان فثمن العيش في فلسطين يترتب عليه مئات إن لم يكن آلاف الاستحقاقات... فأنت تهرب من هناك إلى هناك من دوامة القهر إلى دولاب الذل... وأنت هناك نعم هناك تنكب على وجهك أو قفاك عند كل استحقاق فكثير هم المستفيدين من قوتك اليومي وعرقك اليومي وشقاك نعم شقاك هناك.....

في فلسطين يتقنون لغة الحصار ويلملمون جراحهم من وراء الجدار ويلعقون مرارة عشق الأرض في كل ليلة ونهار... يعلمون بان المنع أمامهم والحظر خلفهم والحصار فوقهم والعراء في السراء والضراء ينتظرهم... يدركون لماذا يحق للبشر أن يتجولوا في كل مساحات الأرض بلا رخصة ولا تأشيرة دخول... ويفهمون بأن فلسطين نعم فلسطين ممنوعة عليهم من التجول والدخول.....

في فلسطين يهرمون على الحواجز... فاللون البرتقالي ولون بزة الجنود والبوابات الحديدية وجهاز الكمبيوتر العسكري ولون البطاقة الشخصية ومزاج البواب الحاقد وابتسامة إثيوبية زرقاء اللون وتغيير " الشفت " وتطاير الغبار وزر البوابات الالكترونية ولعاب الكلاب وجهاز الفحص عن المعادن وأكشاك التشليح ( التفتيش ) والكمائن المحيطة وأبراج المراقبة والرجل الآلي وخبراء المفرقعات وصوت الليل الممزوج بصراخ هنا وزعيق جميعها ترتسم مع التجاعيد على الجبهات الأمامية في ساحة الصراع.....

قال لي صديقي يجب أن" يقفز " الصيف عنا... فأنت تغرق في نفسك وتسبح مع حبات العرق وتعوم في الحواجز والحصار وطوابير الانتظار.....!!

وقال لي آخر لقد حشروني في البوابة الالكترونية.... خمس عشر دقيقة وأنا رهينة إصبع درزي أو شركسي أو لحدي أو بدوي تمرس على شم النعال......منذ سبعة أعوام لم اذهب إلى رام الله.... أنا لا أقوى على النوم في ساعات النهار إلا أنني نمت بعمق بعد عودتي من رحلة الذل.. آه كم هو الزمن حقير...أنت تذهب إلى أي عاصمة في الكون .. تخرج من المطار بسيارة مستأجرة وتجوب البلاد شرقا وغربا بتأشيرة سائح... فقط بهذه الدولة التي أن نظرت إلى خارطة العالم لا تجد لها أثرا يوشمون يومياتنا بساديتهم اللعينة... فقط في فلسطين لا تستطيع أن تقود سيارتك .. فقط في فلسطين أنت ممنوع من التجول في فلسطين....لا اصدق بان حقيرا متمرسا يحجب حريتي وحركتي بكبسة زر.....راقبت الخارج والداخل إلى رام الله ... الإعلام الغربي والأمريكي....عدسات كاميراتهم وأوراقهم تختبيء خجلا أو تواطؤا.... يالله كم هو الزمن حقير ... أربعة من الوزراء الفلسطينيين يمرون عبر البوابة الالكترونية وكلاب الحراسة تحيط بهم من كل الجوانب.... لاحصانة لأحد فينا ولا كرامة لنبي في وطنه... عن أي حكومة نتحدث ونحن رهائن كبسة ريموت كونترول بأيدي عاهر لحدي يختفي وراء اللكنة العبرية... عن أية تسوية وأي مسيرة وأي مصير في هذا الزمن الحقير... أي مستنقع إنساني هذا وأي حضيض..!؟؟

في فلسطين قدرهم أن يتنقلوا بين المحطات فمن محطات العبور والإذلال على الأرض إلى محطات الدعارة الغنائية والموسيقية إلى محطات العهر السياسي والنفاق الأخلاقي إلى محطات الساسة الذين يتلاعبون بالألفاظ وينتعلون السنة أحذيتهم عند كل منعطف... أنت لا تحتاج إلى بويجي محترف أو لجهاز كشف الكذب لتعلم أن الكل يمتطيك كالحمار في زمن ندر به البرادعية وكثر به الحمارون.....

قال لي صديقي انه لحدي هارب من استحقاقات الجنوب هرب إلى الخالصة قبل أن يطأ تل أبيب...مارس مختلف أشكال الدعارة .... وأدمن على كل أشكال المخدرات فجاء إلينا موشوما بالعار.. من لا يعرف أنطوان لحد الذي دخل القلعة تحت ظل الخيانة.... من لا يذكر أمجاد القلعة وأبناء أبا الوليد.... قلعة الشقيف ... جعلوها مخونا لحديا قبل أن يلحدوا إلى تل أبيب الحاضنة......تراه متمسرا كلوح الثلج على الحاجز يقضم شفتاه... تراه متقيحا معزولا ومهانا رغم البزة وشركاء المصير..... لا غرابة أن يشترك الإسرائيلي والدرزي والشركسي والبدوي وذاك الذي قال لي بالعربية الفصحى وأنا اجتاز حاجز قلنديا قبل ثلاثة أعوام بأنه عمل في نفس الصحيفة العربية التي راسلتها لسنوات.... تلك الصحيفة التي ما زالت تنتقد في افتتاحياتها كل توجه فلسطيني أيا كان شكله ومحتواه.... نعم تلك الصحيفة التي فرخت رئيس تحرير هنا أو هناك وكاتب هنا أو هناك .... وقتها قلت في نفسي لا غرابة أن اشتركتم في المصير فجميعكم لأبناء كهانا حمير ..... لا غرابة أن يشتركوا جميعا في البحث عن حق تقرير المصير من شعب تلد نساؤه على الحواجز جبابرة رغم كل المنغصات والمحبطات إلا أنهم جبابرة ما زالوا يملكون حقوق الملكية رغم محاولات الأمم وهيئة الأمم إخراجهم من دائرة الفعل ونزع حقوق الملكية بقرارات ومؤامرات وشعارات آخر من راح ضحيتها رمز القضية وأبا الكوفية.....رحمه الله.....

في فلسطين تفشل اللقاءات وتتسرب فضائح الاجتماعات... حتى بالأمس اقسم الرئيس للأمهات الموشحات بصور رجالهن وأبنائهن وفلذات أكبادهن... اقسم بان يعطي ظنا منه بان الآخر إنسان... اعتقد بان هناك فرق بين المزرعة والبيت المسكون بقرارات الموت والذي تفوح من رائحة الجريمة تلو الجريمة... واعتقد الكثيرون بان الكوند الأمريكية التي لا تقل في تأثيرها عن العازل المسمى بالكوندم جاءت لتعزل الحقيقة عن العيون وتخفي في أجنة مؤامرتها سفاحا لعين..... اعتقدوا بأنها تحمل وعدا لا مشئوم واملأ لا مقصوم... وجميعهم تناسوا أو نسوا أو تجاهلوا أو لا يعلموا بالحكمة القائلة بان المرآة القبيحة هي التي تبرز ساقيها.... ورغم ذلك أصرت الكوند بان ترتدي نفس التنورة في القاهرة وتل ابيب ونفس الطقم المحتشم في رام الله والرياض... فأي دلالة لتنورة الكوند وأي وعود تمخض الجبل عنها فولدت فارا في الشقة الفارهة......

وفي غير فلسطين يتحدثون عن فوضى وفلتان ... تناسوا أن الكاريزما الفلسطينية عصية على الكسر... وان حالة الجزر التي ارتآها البعض ضرورة بعد رحيل الختيار... وحالة الانكماش التي عملت الأمم لضخها في شريان القضية بهذا السلوك وذاك التوجه يصب في إفشال الإصلاح وتدمير محاولات البناء....يطالبوننا بالشفافية في فلسطين ويضخون علينا ألف رقيب وحسيب... يطالبونا بالنزاهة ويصبون حنفياتهم على أوراق بالية....لا أنكر بأنني معجب باللاعب البرازيلي رونالدو .... لكني والله أقف مثل “....." عندما اعرف بان اكبر برامج الأمم المتحدة صرف أكثر من خمسين ألف دولار على بوسترات رونالدو التي دعمت محاربة الفقر في فلسطين واتسائل هنا ولا تلوموا غبائي ... لماذا لم يصرف هذا البرنامج النزيه مائة دولار لأي عائلة فقيرة في الضفة والقطاع..بل ويبشروننا بان للنزاهة مؤشر وللمؤشر مراقب وللمراقب ممول ولجميعهم أب.... يتحدثون عن الفلتان ويشنون حربهم على من حملوا بالأمس راية المواجهة ووقفوا سدا منيعا أمام الاندثار القيمي والأخلاقي والنضالي في كل حارة من فلسطين...لماذا لا نلتئم..... لماذا لا نقف عند استحقاق الوطن علينا وأمل الناس فينا ونمنح القانون فرصة لينطق بما يخدمنا ويفوت على المتربصين بنا فرصة إسقاطنا في وحل الفوضى .... نعم في فلسطين يتحدثون عن مخاض وحقوق مكتسبة بالنضال والعالم يغذي المؤامرة بالفلتنان ويصبغنا بالفوضى وعدم الأهلية ولا غرابة بان يطالب إسرائيل قوة متعددة الألوية لحمايتنا من بعضنا... نعم لا غرابة.....فحطم حصارك لا مفر ...!

وفي فلسطين لا زال هناك من يقول لا
من يعتلي فوق الكلمات ويركب صهوة جواده
ويقتحم أسوار القدس بلا إذن من هذا السجان ولا ذاك الثعبان
هناك امرأة فلسطينية تقول أنجبته على الحاجز وأخرى تقول لقد غسلته بدموع غازات القنابل
وأنا أقول ما دامت فلسطين تنجب فهناك امرأة حتما ستلد يوما حرا أبيا ليقول للعالم كفى دون الأخذ بعين الاعتبار معادلة الأمم ... هي فلسطين عصية على الكسر وان ضاق الحصار... هكذا علمنا التاريخ وهكذا استشهد الختيار.

كاتب صحفي فلسطيني
[email protected]