الاستعمار والفتنة الطائفية فى العراق
و أخيرا عاد الاستعمار الى الشرق الاوسط و هو لم يغيب عنه منذ الحرب العالمية الاولى اما بطريقة مباشرة من خلال الاحتلال المباشر للقوي الاستعمارية الاوربية لبلدان و مناطق شاسعة فى الشرق الاوسط او بطريقة غير مباشرة من خلال تنصيب حكام موالين لهذه القوى الاستعمارية فى بعض بلدان الشرق الاوسط بعد اضطرار هذه القوى الانسحاب رسميا من هذه المستعمرات بسبب تنامى روح الوطنية المناهضة للاستعمار فيها و ظهور الحرب الباردة و نظام القطبين بعد الحرب العالمية الثانية.
نعم عاد الاستعمار الى الشرق الاوسط و لكن بهوية جديدة و وجه جديد، اذ هو هذه المرة بالدرجة الاولى عبارة عن تحالف امريكي-اسرائيلى حل محل الاستعمار الاوربي السابق بدأ بتنفيذ مختطاته الاستعمارية منذ انتهاء الحرب الباردة و انهيار المعسكر السوفيتى فى نهاية ثمانينات القرن الماضى.
فهو استعمار جديد من حيث الهوية و لكنه قديم من حيث السياسة و الاهداف و الاساليب.
فهو جديد لانه استعمار اسرائيلى-امريكى حل محل الاستعمار الاوربي القديم فى الشرق الاوسط، و لكنه قديم بحيث يدعى بنشر الديمقراطية و الحرية فى الشرق الاوسط بيما كان الاستعمار القديم يدعى بنشر الحضارة الاوربية المتفوقة فى وسط الشعوب المتأخرة.
فهو قديم و جديد لادعائه بمكافحة الارهاب الاسلامى و نجح فى رسم صورة مشوهة للمسمين فى العالم كأمة همجية سافكة للدماء كحملة عنصرية على اساس دينى تمهيدا لغزو اراضيها بينما كان سلفه اي الاستعمار الاوربي القديم يصف الشعوب التى كان هذا الاستعمار يستعد لغزو اراضيها بشعوب بربرية نصف متوحشة لتبرئة جرائمها التى كان يخطط لها. نجح الاستعامر القديم فى تشويه صورة الشعوب الاسيوية والافريقية كما نجح التحالف الصهيونى-الامريكى فى تشويه سمعة المسلمين فى العالم و الا ماذا يفسر تنامى ظاهرة التفرقة العنصرية ضد المسلمين فى اوربا و امريكا؟
و هو ايضا جديد و قديم لان احتلال اراضى الشعوب يشكل جريمة بحق الانسانية لها دوافع عنصرية اذ كان الاستعمار القديم يدعى بتفوق الجنس الابيض الاوربى على الاجناس الاخرى، و لكن الاستعمار الجديد يعتمد على ايدولوجية الداروينية الاجتماعية اى البقاء هو للاقوى و الاذكى. و فى نظر تابعى هذه النظرية نحن شعوب الشرق الاوسط ضعفاء و اغبياء و حتى جبناء لا نستحق العيش و ثرواتنا الطبيعية هى ليست الا هبة من الطبيعة توجد صدفة فى المكان الغير الصحيح لذا الاستلاء عليها له شرعيته. الفرق الوحيد هنا بين الاستعمار القديم و الجديد هو بان النفط حل محل الذهب و الفضة و البهارات و الاخشاب النادرة التى كان المستعمرون الاوربيون يلهثون ورائها.
فهو استعمار قديم و جديد لانه يجابه مقاومة الشعوب بكل انواعه السلمية و المسلحة. فان الاسرائيليون تعلموا درسا فى فلسطين لم تكتمل فصوله بعد و الامريكيون و من ورائهم هم الآن دخلوا المرحلة الدراسية فى العراق ليتعلموا بان شعوب الشرق الاوسط هم ليسوا بشرا من الاغبياء و لا ضعفاء و لا هم بجبناء و هم كأى انسان آخر فى العالم فان الحياة لا تعنى بالنسبة لهم شيئا تحت الاحتلال و العبودية و من يسعى الا استعبادنا عليه ان يقفز فوق اجسادنا.
و اخيرا فهو استعمار قديم و جديد لانه يطبق نفس الاساليب للسيطرة على الشعوب المستعبدة و كسر شوكة مقاومتها و من بين اكثر الاساليب انتشارا هو سياسة فرق تسد.
فرق تغزو
فرق تسد
يبدو ان سياسة فرق تسد تاتى بعد مرحلة فرق تغزو لان استعباد شعب ما و الاستلاء على اراضيه و ثرواته يتطلب بالاول انهاك قواها العسكرية و الاقتصادية لغرض تسهيل العملية و تقليص تكاليفها. و هذا يتم عادة من خلال اثارة الفتنة الطائفية و التحريض على العنصرية و نشر روح الانتقام بين الطوائف و الطبقات المكونة لهذا الشعب و اشعال حروب داخلية و خارجية تنتهى بانهاك قوى كافة الاطراف.
و العراق منذ تاسيسه فى بداية العشرينات القرن الماضى و لحد الآن يشكل مثالا ميدانيا لهذا السياسة الاستعمارية بحيث يمكن استنباط صحة نظرية فرق تغزو من هذا التجربة العراقية.
فان الاستعمار البريطانى فى بداية تاسيسه لهذه الدولة اعتمد على الطائفية كما جاء من رسائل المسز بيل عميلة المخابرات البريطانية التى لعبت الدور الرئيسى فى تاسيس الدولة العراقية و رسم حدودها الدولية بشكلها الحالى. هذا الاساس الطائفى و طريقة رسم الحدود ما كان الا ان تؤدى الى نشر الكراهية بين الطوائف الدينية و العرقية وا لمذهبية فى العراق و اشعال حروب و نزاعات داخلية و خارجية مستمرة.
و فعلا نجحت سياسة فرق تغزو اذ انغمس العراق فى حروب داخلية و خارجية مع بعض الدول الجوار لعدة عقود انهكت قواه العسكرية و الاقتصادية و ثم تم فيما بعد و كنتيجة لهذه الحروب فرض حصار على العراق كان هدفه الرئيسى انهاك قوى الشعب العراقى من خلال الجوع و المرض لكسر شوكة المقاومة فى روحه و تدجين الانسان العراقى للعيش فى حياة العبودية كما ختطت لها و تمهيدا لتحقيق خطة غزو العراق الذى اجل بسبب الحرب الباردة و تم تطبيقها اخيرا عام 2003 لان القوى الاستعمارية الطامعة فى ارض و ثروات العراق لم تكن تعتبر النظام العراقى السابق عرقلة فى طريقها لان القدرة العسكرية لهذا النظام لم تكن فى يوم من الايام تشكل خطرا على تحقيق خطة غزو العراق من قبل اعظم قوة فى العالم، بل خوف هؤلاء كان من الشعب العراقى العريق بحضارته و حبه للحرية و الكرامة و كرهه للمحتل.
فالعراق هو ليس المثال الوحيد لسياسة فرق تغزو بل الاسرائيليون طبقوا هذه السياسة فى لبنان منذ منتصف السبعينات القرن الماضى الى ان قاموا بغزوها عام 1982 لتطردهم اللبنانيون فيما بعد شر طرد.
و الآن بعد تطبيق سياسة فرق تغزو بنجاح فى العراق، جاء دور سياسة فرق تسد لادامة هذا الغزو و الاستلاء على ثروات العراق و استعباد شعبه باقل التاكليف البشرية و المادية.
و سياسة فرق تسد هى ليست بسياسة جديدة بل هى قديمة قدم السياسة نفسها حيث طبقها السومريون و المصريون و اليونانيون القدماء لتفكيك قوى اعدائهم و تحيد هذه القوى من خلال توجيها داخليا واحدة ضد الاخرى.
و الاستعمار على شكله الحالى و منذ نشؤه فى بداية السبعينات القرن التاسع عشر طبق هذا الاسلوب القديم فى السياسة لنفس الاغراض و الاهداف و من اجل اضفاء الشرعية على احتلاله لبلد ما من خلال الظهور بمظهر الحكم المستقل الذى يفصل بين الاطراف المتنازعة فى هذا البلد و يحافظ على الامن و السلام. و يبدو بان هذه السياسة طبقت بنجاح فى فترات معينة فى التاريخ الاستعمارى.
فمثلا سياسة فرق تسد هى السر وراء نجاح عدد قليل نسبيا من القوات البريطانية فى الهيمنة على 300 مليون هندى لمدة اكثر من قرن من الزمن. نجح البريطانيون حينه فى اقناع الهنود بان وجودهم فى هذا البلد هو ضرورى لمنع الحرب الاهلية بين المسلمين و الهندوس و بهذا نجحوا باضفاء نوع من الشرعية على وجودهم فى الهند و لو لمدة محددة. و هناك من يدعى هذه الايام بان وجوده ضرورى فى العراق لانهاء العنف و منع النزاعات الطائفية. فما اشبه اليوم بالامس!
و كان للانكليز قبل الهند تجربة طويلة مع سياسة فرق تسد اذ طبقوها فى ايرلندا منذ عام 1692 حينما اصدروا قوانين منحوا بموجبها امتيازات للطائفة البروتستانتية على حساب الطائفة الكاثوليكية ثم استفادو من الدورس المستخلصة من هذه التجارب خلال حقبتهم الاستعمارية فى افريقيا و آسيا الشرق الاوسط من خلال اثارتهم للخلافات الدينية و العرقية و المذهبية و القبلية فى الماناطق اللمحتلة بحيث لم يكونوا بحاجة الى بنادق للهيمنة على هذه الشعوب الا نادرا و لا تزال هذه المناطق والى يومنا هذا تعانى من أثار سياسة فرق تسد هذه.
و الاستعمار اينما وجد يتصرف حسب منهج علمى و مدروس يشترك فى ادارته العلماء من شتى مجالات علم النفس و علم الانسان و الطب و كافة المجالات الاخرى المتعلقة بحياة الشعوب و عاداتها و تقاليدها لغرض تشخيص نقاط الضعف و الحساسيات فى شخصية هذه الشعوب و استغلالها من اجل الوصول الى الاهداف الاستعمارية. و اذا اخفقوا فى تشخيص النقاط الضعف هذه قاموا بايجادها بصورة اصطناعية. فمثلا عند فشل الاستعمار البلجيكى فى تشخيص خلافات طائفية بين الهوتو و التوتسى فى رواندا لغرض استغلالها، قاموا بايجاد هذه الخلافات بصورة اصطناعية حيث قاموا باقناع طائفة التوتسى بانهم متفوقون عرقيا على الهوتو بسب كون التوتسى ينحدرون من اصل اثيوبى و لذلك يحق لهم الحصول على امتيازات على حساب الهوتو و فعلا منحت لهم هذه الامتيازات و كما قامت السلطات الاستعمارية البلجيكية فى نفس الوقت باصدار هويات شخصية لمواطنى رواندا يظهر عليها الانتماء الطائفى لحامليها. هذه الفتنة الطائفية التى اشعلها الاستعمار البلجيكى فى رواندا انتهت بحرب الابادة العرقية فى رواندا فيما بعد.
سياسة فرق تسد كانت تطبق حتى ضد شريحة من الناس متساوون فى الخصائص الرئيسية. فمثلا ضد طبقة العبيد التى يكون عادة اعضاءها متساوون فى وضعهم القانونى كعبيد مسلوبى الارادة يتم التعامل معهم كانهم بضائع و ذلك عن طريق تفضيل بعضهم على البعض من خلال تشغيل قسم منهم فى المزارع حيث الاشغال الشاقة و تشغيل الموالين جدا للسادة كخدم فى بيوت هؤلاء السادة. نفس هذه السياسة يطبقها الامريكيون حاليا فى العراق حيث يحصل المتعاونون مع الاحتلال الامريكى على وظائف و مناصب مغرية فى الدولة العراقية و يتم حرمان الآخرين الرافضين للتعاون مع هذا للاحتلال من مصادر الرزق او حتى يجبروا على ترك العراق و بما ان كل العراقين هم متساوون الآن فى وضعيتهم القانونية كاعضاء لشعب مستعبد مسلوب الارادة من قبل الاستعمار.
من اهم مكونات سياسة فرق تسد هو اذن منح امتيازات لجماعة معينة على حساب جماعة اخرى و جعل الجماعة الاولى تعمل كل شئ من اجل الحفاظ على هذه الامتيازات بما فيه التعاون الغير المشروط مع الاحتلال.
و لعل سياسة فرق تسد فى منهجها و اساليبهاو و تطبيقها و جدواها فى يومنا هذا يمكن دراستها على احسن حال فى الحالة العراقية.
هل ستنجح سياسة فرق تسد فى العراق؟
سياسة فرق تسد فى العراق كسياسة تستهدف الى اضعاف القوى الداخلية للعراقين و تفكيك هذه القوى بشكل يتم تحيدها من خلال توجيها باتجهات مضادة تصطدم ببعضها البعض بدل ان تتحول الى رزمة موحدة قوية يمكن ان توجه الى الوجود الاستعمارى فى العراق و و ذلك لهدف جعل الطوائف العراقية المختلفة تشكك واحدة بالاخرى لمنعها من الاتحاد من اجل الهدف الواحد و هو تحرير البلاد من الاحتلال الاجنبى و العراقين من العبودية و التبعية.
و عندما نتحدث عن الاستعمار فى العراق يجب ان نمتلك الجرئة الكافية للاعتراف بان العراق الحالى هو فى الحقيقة ليس الا مستعمرة امريكية والصهيونية العالمية هو ايضا طرف فى هذه الحملة الاستعمارية الجديدة.
و هذه الحملة الجديدة للاستعمار على العراق التى يحمل رايتها المحافظين الجدد لا يختلف من الناحية السياسية والعنصرية والاقتصادية و الدينية شيئا عن اى نوع آخر من الاستعمار سابقا و حاضرا و بالرغم من قرارات مجلس الامن كقرار 1546 الذى يصف القوات الاجنبية فى العراق بقوات متعددة الجنسيات تساعد العراقين على استتباب الامن لان هذه القوات و السلطات الامريكية و البريطانية تتحكم فى الواقع بكل صغير و كبير فى هذا البلد و لها السلطة و الحصانة المطلقة لتفعل ما تشاء من اعمال قتل و تعذيب و دهم و اختطاف و ضد من يريد و بدون حساب او رقيب و هم الاسياد الحقيقيون فى البلاد و الهدف هو فرض ارادة الاجنبى على العراقين عن طريق القوة تمهيدا لنهب ثرواته النفطية التى ستتحول الى مادة شحيحة جدا فى المستقبل القريب نظرا لزيادة الطلب عليه خاصة من الصين و الدول الصناعية الحديثة الاخرى. اذن ما تريده امريكا من العراق ستنفذه فى العقود القادمة و وجودها الحالى فى العراق ليس الا تمهيدا لتحقيق هذا الهدف.
فتم حاليا تقسيم العراقين من قبل السلطات الاستعمارية الى شرائح مختلفة حسب ولاءهم للوجود الاجنبى فى العراق. فالموالون لهذا الوجود يتم مكافئتهم بشتى الوسائل فالمعارضين يكون نصيبهم الاغتيالات و الاعتقالات او فى احسن الاحوال اجبارهم على التهجير من بلدهم لفسح المجال امام العملاء لتنفيذ خطط اسيادههم و بعض من هؤلاء الموالين تم تهيئتهم منذ عقود لتسلم المسؤليات بعد الاحتلال.
و ثروات البلاد و مواردها وضعت تحت تصرف هؤلاء لسرقتها كمكافئة لولائهم هذا فى وحل من الفساد الادارى الذى وصل الى حد الكارثة.
و لكن كما يبدو فان استعمال القوة المفرطة من قبل الامريكين ضد العراقين و شراء الذمم لم يؤدى النتيجة المطلوبة اذ اصبح الامريكيون منعزلين عن الشعب العراقى بعذ فترة قليلة جدا من احتلالهم للعراق و غضب العراقين ضد هذا الاحتلال يتخذ اشكالا عدة بعضها لا يمكن وصفها الا بالارهاب نظرا لاستهدافها لمراكز العبادة والمدنين و القيام باعمال منافية للاخلاق و الدين. و منها اشكال مقاومة حضارية على شكل احزاب تناهض الوجود الاجنبى فى العراق و منها احزاب عربية شيعية و سنية و كردية و تركمانية و و كما يجب ان لا ننسى الموقف الشريق لمسيحى العراق ضد الاحتلال الاجنبى للعراق. و هناك شكل آخر من المقاومة يطبقه بعض رجال الدين من الشيعة و السنة و هو مقاطعة سلطات الاحتلال و ماهو رفض سماحة آية الله السيستانى استقبال ممثلى سلطات الاحتلال الا نوعا من هذه المقاومة الفعالة لمنع اضفاء الشرعية على الاحتلال الاجنبى للعراق و كطريقة للتعبير عن رفض العراقين لهذا الاحتلال.
و على المستوى الامريكى الداخلى تتعرض السياسة الامريكية فى العراق الى انتقادات حادة من قبل الاكثرية الساحقة من المواطنين الامريكين كما تظهرها استطلاعات الرأى و كذلك عبر الكثير من المثقفين و الساسة الامريكين عن خشيتهم من النوايا الامريكية الحقيقية فى العراق.
و فى ظل هذه الظروف الصعبة للامريكين فى العراق فلا بد لامريكا من ايجاد مخرج لتبرير وجودها فى العراق و اقناع الامريكين بان الخسائر البشرية و المادية الجسيمة التى تتكبدها فى العراق هى من اجل سلامتهم و رفاهيتهم.
و هذا المخرج لا يمكن ان يكون فى الوقت الحالى الا السياسة الاستعمارية القديمة المجربة اى سياسة فرق تسد من خلال اثارة الفتنة الطائفية فى العراق. و اثارة الفتنة الطائفية هذه لا تقتصر فقط على السنة و الشيعة فى العراق بل تشمل الاكراد والتركمان و المسيحين واليزيدين ايضا لكى تصبح حرب الكل ضد الكل. و لكن التركيز الامريكى موجه بالدرجة الاولى الى اثارة الفتنة الطائفية بين الشيعة و السنة العرب لكون هاتان الطائفتان تشكلان حوالى 75% من الشعب العراقى و هما ظائفتان معروفتان بتقيدهما بالتراث العربى الاسلامى و مناهضتهما للاستعمار و الصهيونية و لذلك تشكلان الخطر الحقيقى على المختطات الاستعمارية فى العراق و كذلك لهما القوة و الاستعداد الكافيان لتقديم كل التضحيات و لو باساليب مختلفة حسب المرحلة الزمنية كالمقاومة المسلحة او المقاطعة مثلا. صحيح بان السنة العرب هم الآن فى الجبهة الامامية لطرد الاستعمار من العراق و لكن هذا لا يعنى بان الشيعة هم من المتواطئين مع الاستعمار بل بالعكس فان اطراف شيعية جربت الاسلوب المسلح و لكنه كاد ان يؤدى الى كارثة فى العتبات المقدسة لو لم يكن التصرف العقلانى لرجال الدين الشيعة لذلك فانه يمكن وصف تعامل الشيعة مع الوجود الاستعمارى فى العراق بالعقلانية لان رجال الساسة و الدين من الشيعة هم على يقين بان الامريكين يمكن ان يلجؤا الى استعمال ابشع الاساليب ضد العراقين اذا حصروا فى زاوية ضيقة تذكرهم بفشلهم فى فيتنام. و لهذا فان الاستراتيجية الشيعية فى العراق تعتمد على مسارين، الصبر و المقاطعة. الصبر لحين ظهور الفرصة المناسبة كخسارة شعبية هذه الحرب فى داخل امريكا او حتى الانتخابات المقبلة حيث على جورج بوش ان يذهب و ثم طرد الاحتلال بشكل او بآخر. و المقاطعة لمنع اضفاء اى نوع من الشرعية على الاحتلال الاجنبى للعراق. و تاريخ الشيعة بصورة عامة فى الماضى و الحاضر هو خير دليل مناهضتهم لكافة انواع الاحتلال. و من طرد الاحتلال الاسرائيلى من لبنان و يتحدى اسرائيل اذ لم يكن الشيعة. و من قام بثورة العشرين فى العراق ضد الاستعمار الانكليزى؟ و لكن اشتراك بعض الاحزاب الشيعية بجانب احزاب كردية و سنية فى الانتخابات هو من ضمن السياسة و السياسة هى فن الممكن. فللشيعة استراتيجية واضحة و هى طرد الاستعمار من العراق باسرع وقت ممكن و لكن باقل الخسائر. صحيح بان هذه الاستراتيجية لا تخلوا من المحاطر اذ ان للامريكين ايضا استراتيجية بعيدة المدى اذ هم يحاولون استعمال الشيعة و الاكراد لتثبيت اقدامهم لحين تجنيد العدد الكافى من الموالين لهم ثم الاستلاء على الحكم حتى لو كان عن طريق انقلاب عسكرى على غرار الانقلابات العسكرية فى امريكا اللاتينية.
و لا يمكن وصف الاكراد كشعب بالموالين للاحتلال لان تعاون بعض الاحزاب الكردية مع اللامريكين و الاسرائيلين يعود الى سوء فهم قيادات هذه الاحزاب بان الامريكيون هم باقون فى العراق لمدة طويلة و لذا يجب التعامل معهم من اجل الحفاظ على سلطة هذه القيادات و هى اكثرها قيادات عشائرية سبقت لها ان تعاونت مع تركيا و ايران و سوريا و حتى النظام العراقى و حسب الظرورة. و لكن هناك ايضا شخصيات سياسية كردية ذاقت مرارة سجون الاحتلال الامريكى فى العراق و ان شعبا بكامله لا يمكن ان يكون مسؤلا عن تصرفات بعض قيادات الاحزاب السياسية او المسؤولين الحكومين كما ان شعوب بعض دول العربية هى غير مسؤولة عن علاقات انظمتها مع اسرائيل.
و ما يدفع ببعض الاكراد الى الحضن الامريكى والاسرائيلى هو خوف الاكراد من تكرار جرائم الابادة الجماعية بحقهم و هذا هو تخوف مشروع نظرا لمواقف بعض الاطراف فى العراق اتجاه الحقوق المشروعة للشعب الكردى. و ان التعاون مع امريكا و اسرائيل لا يمكن ان يكون سببا لاضطهاد الشعب الكردى بصورة عامة لان هذا الاضطهاد هو موجود فى الدول التى يعيش فيها الاكراد بالرغم من عدم وجود امريكين او اسرائلين فى هذه البلدان و بالعكس يتهم الاكراد هناك فى بعض المرات باليسارية و الشيوعية لتبرير اضطهادهم.
و غالبا ما يكون الامريكيون و الاسرائيليون هم وراء فبركة الادعاءات حول تعاون الاكراد مع اسرائيل و امريكا لغرض دفعهم الى الحضن الامريكى-الاسرائيلى و اثارة الفنتة الظائفية بين الاكراد و الشعوب الاخرى فى المنطقة. فمثلا الصحف الامريكية هى التى كانت وراء نشر الادعاءات حول الوجود الاسرائيلى فى العراق و نفس هذه الصحف هى التى نشرت خبر اختطاف اشخاص من العرب و التركمان فى كركوك و نقلهم الى سجون اربيل و السليمانية فى كردستان العراق بينما الحقيقة كانت بان الامريكيون هم الذين قاموا باختطاف هؤلاء و نقلهم الى هذه السجون لاثارة النعرة الطائفية بين الاكراد و العرب والتركمان.
هذه السياسات كلها و من ضمنها اغتيال رجال الدين و الهجمات على دور العبادة الشيعية و السنية و اعمال القتل على الهوية هى ليست الا محاولات لاثارة الفتنة الطائفية فى العراق فى اطار سياسة فرق تسد.
و لكن خطة اثارة الفتنة الطائفية فى العراق فشلت لحد الآن لان العراقيون يعرفون بان هناك خطة لاثارة هذه الفتنة و للشيعة فضل علينا فى فشل هذه الخطة لحد الآن خلال صبرهم و تحملهم للتضحيات الجسيمة و عدم الرد عى الاستفزازات المتكررة.
و العراق هو ليس البلد الوحيد الذى يتعرض لهذه الموآمرة الخبيثة حاليا بل تسعى اسرائيل جاهدا فى اثارة الحرب الاهلية بين الجماعات الفلسطينية المقاومة من جهة و السلطة الفلسطينية من جهة اخرى.
فشل محاولات الفتنة الطائفية فى العراق لحد الآن لا يعنى فشله فى المستقبل ايضا لذا يجب بذل كافة الجهود لافشال هذه الخطة الاستعمارية و منها:
يجب نشر التوعية السياسية بين المواطنين العراقين و شرح مغزى هذه الموآمرة لهم لابعادهم من الانفعالات العاطفية و التصرف بالمنطق.
تشكيل هيئة تحكيم مكونة من ممثلى كافة الطوائف العراقية للنظر و الفصل فى كافة القضايا ذات طابع طائفى.
التركيز على القواسم و القيم المشتركة بين كافة الطوائف العراقية اذ ان العربى السنى والشيعى تجمعهما القومية والكردى والعربى و التركمانى يجمعهما الدين و و المسيحى واليزيدى و المسلم يجمعمها التاريخ المشترك و الحضارة المشتركة و المواطنة فى العراق.
ليكون مهاتما غاندى مثالا لنا نقتدى به حينما انضم الى حركة مولانا محمد على الاسلامية المناهضة للاستعمار البريطانى فى الهند لتوحيد الجهود بغض النظر عن الاختلافات الدينية و ذلك لتعبئة كل القوى ضد الاستعمار البريطانى.
التنازل لطائفة عراقية هو خير من التنازل للاجنبى المحتل و ان الاكثرية يجب ان تكون اوسع صدرا من الاقلية التى تخاف من مستقبلها و تهميشها من قبل الاكثرية.
و الا سيصبح العراق بويرتوريكو ثانية حيث احتلها الامريكيون عام 1898 و حولوها الى مستعمرة لهم لحد الآن و اصبح مواطنوها مواطنون امريكيون من الدرجة الثانية لعجزهم على تحرير انفسهم من الاستعمار.
او علينا ان نسلك مسلك الفيتنامين و بعد فوات الاوان و نقدم اكثر من ثلاثة ملايين من الشهداء لتحرير بلادنا من الاستعمار.
علينا ان نتفادى الاخطاء الآن فاى من الخيارين هو الافضل العقلانية او العاطفية؟
د.كمال سيد قادر
[email protected]
التعليقات