حين أتأمل ما قيل لنا بعد التفجير الجديد الذي حدث في شرم الشيخ، لا يمكن لي تقبله وتصديق أن متبني التفجير هم نفسهم الذين فجروا في لندن، أعني هم يحملون نفس فكر مفجري لندن، وأنهم من القاعدة والدليل الوحيد أن هناك من كتب في العالم الوهمي (الانترنت) أن القاعدة تتبنى هذا التفجير.
لأني باختصار لا يمكن لي التعامل مع السياسة كما نتعامل مع (شراء الجمل بما حمل)، فالتفجير في شرم الشيخ جاء بعد معطيات مختلفة، هذه المعطيات تتمثل في :
أن مصر للتو انتهت من حل أزمة بين حماس وفتح، وكان يمكن أن تحدث حرب أهلية في فلسطين.
أن هناك حرية أكبر مما كانت عليه، فنحن شاهدنا من يصرخ بإسقاط الرئيس حسني مبارك، أتكلم هنا عن حركة كفاية.
أن ما حدث في لندن وإن كان إرهابيا، إلا أن نتائجه صبت في مصلحة القاعدة أو من يسمون أنفسهم بالقاعدة، حين ربط ثلثا البريطانيين في استفتاء قامت به إحدى الصحف التفجيرات بما يحدث في العراق، وأنه على الحكومة البريطانية سحب الجيش من العراق.
إن هناك محكمة لبعض بدو سيناء والمتسببين في تفجيرات طابا.
هذه المعطيات تجعلنا نتأمل المشهد قليلا، ولا نصبح كالإمعات يأخذون أي شيء يقال أو يكتب في الإعلام المرئي والمكتوب والمأجور.
فهناك فوائد خرجت وستخرج من هذا التفجير، وهناك مستفيدون.
أولهم : المنقذون لهذا العالم بقيادة بوش، فهم وبعد الخسائر التي حدثت لهم في تفجيرات لندن، مما جعل الشعب البريطاني يسأل (ما الذي يدفعنا لأن نرسل أبناءنا إلى العراق؟)، يمكن لهم أن يفعلوا هذا لكي يخرج الإعلام ليؤكد للجميع أن هؤلاء المفجرين (القاعدة)، هم همج يريدون إرسال العالم إلى الجحيم بأسرع طريقة، وهذا سيجعل المكاسب التي حدثت في لندن تتلاشى، ويعاد بث تلك الدعاية الممجوجة، أن هؤلاء الظلاميون لا فائدة ترجى منهم.
ثانيهم : قانون الطوارئ اقتربت حركة كفاية من هدمه أو على وشك أن تسقطه هو والحكومة، ومثل هذه الأحداث تجعل الحكومة لا تتردد ولا تجد معارضة كبيرة في إعادة إحيائه من جديد وكأنها تقول : (من أجل حياتكم عليكم أن ترضخوا لهذا القانون ولهذه الحكومة المحاربة من القوة الظلامية)، والسلطة تغوي الأخ ليقتل أخاه، أو تغوي الابن بأن يحجر على والده ويتهمه بالخرف والجنون، فما بالك حين يكون الأمر مرتبطا في ثلة من الشعب من العالم الثالث، حياتهم تسبب عبئا على الدولة فيما موتهم يخفف أعباء الدولة.
ثالثهم : قد يكون لديكتاتورية رأس المال ظلمه، وأن ضرب السياحة في مكان ما يعني إنعاشها في مكان آخر، ورأس المال أو صاحب رأس المال علاقته سيئة مع القانون والأخلاق، ولا يتورع أن يتبنى سياسة (ليس مهما كيف تصل المهم أن تصل).
هناك أيضا غضب إسرائيل واعتقادها أن مصر تدخلت فيما لا يعنيها ومنعت حربا أهلية كانت يتوقعها ويتمناها شارون، لكن مصر حاولت ونجحت في تخفيض القتلى بين شعب فلسطين المظلوم من الإسرائيليين ومن أنفسهم أيضا.
ثمة أمر آخر، وهو أن الراحلين إلى الحياة الأخرى (القاعدة) لا يمكن لنا أن نبعدهم عن هذا، فهم أيضا لهم مكاسبهم الخاصة والغريبة والمثيرة للحيرة، والمتمثلة في أنهم يرون أن القابعين في شرم الشيخ فاسدون ويشربون الخمر ويقتاتون على أجساد النساء، فيقررون أخذهم إلى الحياة الأخرى لمحاسبتهم، فيأخذهم إلى هناك، لأنه يعلم أن الفاسقين مأواهم النار وبئس المصير، ويذهب (الراحلون إلى الحياة الأخرى) إلى الجنة ليشربون الخمر الحلال، ويجالسون الحوريات.
بعبارة أصرح : إن ترويج فكرة أن هؤلاء (الراحلين إلى الحياة الأخرى) هم سبب مشاكل الأرض كلها، ما هو إلا تفسير ساذج أو ضحك على الذقون.
يحاول رأس المال وبواسطة الإعلام الحر وغير الحر ترويجه وغسل أدمغتنا به، وأن العالم ستحل مشاكله تماما بعد القضاء عليهم، وأن الفقراء في العالم الثالث سيجدون فرص عمل أكثر، لأن بوش المتحدث الجديد باسم السماء هو وزبانيته (اليمين المتطرف) ومعهما الكثير من رجال الأعمال، لن يكفوا عن سرقة ثروات ومقدرات الشعوب.
خلاصة القول : إن ما أطرحه هنا محاولة في توسيع الدائرة حتى لا نصبح ببغاوات نردد ما يقوله سيد الأرض الجديد بوش، فهناك مستفيدون كثر من هذه التفجيرات أولهم بائعو المتفجرات الذين عادة ما تكون مصانعهم جهة الغرب، وأخرهم أشخاص موتورون، يريدون قتلك ليدخلوا الجنة.
المحزن.. أن جل الضحايا هم أناس لا دخل لهم في اللعبة أبدا، هم شعوب همهم الأول والأخير قائم على البحث عن إجابة للسؤال الأهم بالنسبة لهم : كيف يمكن لي أن أؤمن الخبز اليومي لأسرتي الفقيرة حتى من الفرح ؟
هؤلاء عادة ما يمرون في تلك الأماكن المستهدفة صدفة، ويموتون صدفة، ويستغل موتهم لأهداف سياسية، بعد أن استغلت حياتهم.

[email protected]